تصميم أحمد بلال، المنصة
مسيرات إيران تنضم لأسلحة البرهان في حرب السودان

الجيش السوداني يتقدم.. هل يحسم الصراع مع "الدعم السريع"؟

منشور الخميس 18 أبريل 2024

سنة كاملة من الحرب الطاحنة في السودان لم تكن كافية لإيجاد سبل لحسم الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ بل لا يزال القتال على أشده، فيما بدأ الجيش السوداني تحقيق انتصارات ملحوظة وانتزع بعض الأراضي والمنشآت من قوات الدعم السريع.

تمكن الجيش من طرد قوات الدعم السريع من مدينة أم درمان القديمة واستعادة السيطرة على مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون في 12 مارس/آذار الجاري، فيما يكافح الآن لاستعادة ما تبقى من العاصمة الخرطوم، بالتزامن مع حصوله على مسيَّرات إيرانية، وتغير تكتياته العسكرية، في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لإحياء مسار السلام، حسب ما أفاد محللون عسكريون وسياسيون سودانيون لـ المنصة.

يقول المدير السابق لمكتب المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان والخبير بالمركز الأطلسي للدراسات كاميرون هدسون لـ المنصة إن "الوضع في السودان يبدو ديناميكيًا تمامًا، بعيدًا عن الجمود، إذ إن الطرفين ليسا على استعداد لقبول الوضع الراهن ويعتقد كل منهما أنه يستطيع، بل يتعين عليه أن يسعى إلى تحقيق نصر حاسم لضمان بقائه في المستقبل". 

كانت شرارة الحرب الأولى اندلعت في الخرطوم منتصف أبريل/نيسان من العام الماضي، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، قبل أن تتسع دائرتها في عدد من ولايات إقليمي دارفور وكردفان، بعد أن كان الطرفان قاب قوسين أو أدنى من توقيع اتفاق لتسليم السلطة للمدنيين دعمته الولايات المتحدة.

الجيش السوداني يتقدم

بعد نجاح الجيش السوداني في معركة أم درمان، تعهد قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمواصلة الضغط للسيطرة على مزيد من الأراضي. وقال خلال كلمته للجنود في قاعدة سلاح المهندسين بأم درمان، 14 مارس/آذار، "رسالتنا لمتمردي الدعم السريع أن القوات المسلحة والأجهزة النظامية العسكرية ستلاحقكم في كل مكان، وكذلك المواطنون، حتى يتحقق النصر الكامل".

تعدُّ أم درمان أكبر مدن العاصمة السودانية الثلاث، من حيث عدد السكان، وتنفتح على الحدود مع ولايات نهر النيل والشمالية والنيل الأبيض وإقليم كردفان، كما أنها الشريان الرئيس لإمداد قوات الدعم السريع بالمقاتلين والأسلحة من غرب البلاد، وتوجد فيها أهم مقار أسلحة الجيش.

يشرح الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب لـ المنصة خريطة السيطرة والنفوذ "بعد مرور عام على الحرب، لا تزال مسألة السيطرة والانتشار سيدة الموقف، الدعم السريع كان يسيطر في البداية وينتشر في حوالي ثلثي العاصمة الخرطوم، ولكن بعدما استلمت القوات المسلحة السودانية زمام المبادرة وخرجت من المعسكرات، بدأت تستعيد العاصمة شيئًا فشيئًا"، مشيرًا إلى تغير أداء الجيش خلال الأشهر الأخيرة وبدء التحرك خارج المعسكرات.

المسيَّرات وحروب الوكالة

لم تغب الأطراف الخارجية عن نزاع السودان منذ بدء الحرب، "استخدم الطرفان الدعم الخارجي، تحديدًا المسيَّرات، لكنني لا أرى أن حربًا بالوكالة تتشكل بالمعنى التقليدي"، لافتًا إلى تلقي الطرفين مساعدات خارجية وحصولهما على مسيَّرات من أطراف مختلفة.

كانت تقارير صحفية كشفت تسليم العشرات من شحنات الأسلحة الإماراتية إلى قوات الدعم السريع عبر مطار أمد جراس في شرق تشاد، وأظهرت لقطات جديدة من السودان حصول الميليشيا المدعومة من فاجنر على أسلحة متطورة جديدة، وكانت إحدى المسيَّرات التي أسقطتها القوات المسلحة السودانية تحمل علامات واضحة تشير إلى أنها مصنوعة في صربيا وتم بيعها إلى الإمارات العربية المتحدة.

مسيرة مهاجر 6

من جانبه يلفت المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني، في حديثه لـ المنصة، إلى المسيرات الإيرانية "مهاجر 6" التي انضمت حديثًا إلى سلاح الجيش منذ بداية العام الجاري، موضحًا أنها عامل آخر غيَّر من واقع المعركة "أعطت تلك المسيرات الجيش السوداني التفوق والتميز واستطاع تحييد كثير من التحركات للدعم السريع".

"تمتلك هذه المسيرات قدرة على التحليق لساعات طويلة والقيام بعمليتين بنفس اللحظة وهي المراقبة والهجوم ومواصلته دون الحاجة إلى العودة مرة أخرى للتزود بالقذائف"، يوضح ميرغني، مشيرًا إلى أن هذا ساعد الجيش على استهداف مواقع الدعم السريع.

المسيّرات لن تحسم الحرب لكن تطيل أمدها لمواصلة القتال

في يناير/ الماضي، نقلت وكالة بلومبرج الأمريكية في تقرير لها عن مسؤولين غربيين أن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات دون طيار من نوع مهاجر 6، وذكرت أن أقمارًا صناعيةً التقطت في ديسمبر/كانون الأول صورًا لطائرة من ذلك النوع في قاعدة وادي سيدنا شمال أم درمان التي يسيطر عليها الجيش.

يقول الخبير العسكري السوداني، أمين إسماعيل مجذوب، إن "المسيرات الإيرانية أسهمت في تحسين أجهزة التصويب والضبط لدى الجيش، لكن لم يكن لها الأثر الأكبر في إدارة ميزان المعركة الحالية"، لافتًا إلى أن الجيش لديه إدارة تصنيع حربي تعتمد على نفسها في التسليح من مركبات ومدفعية صاروخية.

"لا يمكن المقارنة بأن ميزان القوى تغير لصالح الجيش السوداني لأنه حصل على أسلحة، ففي المقابل حصل الدعم السريع على أسلحة وراجمات صواريخ ومركبات من قوى إقليمية ودولية"، يعتبر مجذوب أن "الدعم السريع هُزم لعدم قدرته على تحديد أهدافه وغياب القيادة والسيطرة بين صفوفه".

تثير تلك التطورات مخاوف تحول القتال إلى حرب أشبه بالوكالة، يقول هدسون إن "المسيَّرات وحدها لن تحسم الحرب لأي من الجانبين، في الواقع، يمكنها إطالة أمد الحرب من خلال السماح للجهات الفاعلة بمواصلة القتال بشكل غير متكافئ".

"لكن بدا واضحًا أن الأجندة الخارجية تتسلل إلى الداخل مستغلة هذه الأوضاع، وقد تتعاظم بصورة مضطردة إلى أن تصل الدرجة التي يمكن أن تسيطر فيها على الأحداث داخل السودان، وتجعل بعد ذلك من الصعوبة بمكان الوصول إلى توافق بين القوى السودانية بغير اتفاق مع القوى الخارجية وهو ما يخشاه الكثيرون"، يحذر ميرغني.

إيران تمنح السلاح مقابل المال والعلاقات لم تصل لتعاون استراتيجي

ورغم ذلك يقول ميرغني إن الأجندات الخارجية قد تنحسر أو تتغير، "مثل الدور الإماراتي الذي ربما يتغير وفق إحداثيات الوضع العسكري على الأرض أو بضغط من واشنطن التي تعتقد أن دور أبوظبي يجب أن ينحسر وألا يسيطر على الوضع في السودان".

في المقابل يعتبر أن العلاقات السودانية الإيرانية في إطار محدود لتوريد واستيراد السلاح من الجانب الإيراني مقابل المال، ولا تصل إلى مستوى التعاون الاستراتيجي الذي قد يؤجج الحرب، حسب ميرغني.

يفسر المحلل السياسي أسباب تفوق الجيش مؤخرًا بتغيير تكتيك الجيش "ظل يخوض معارك نظامية خلال أشهر الحرب الأولى باستخدام الأسلحة الثقيلة ثم الزحف إلى المناطق المستهدفة، وهو الأسلوب الذي قابلته قوات الدعم السريع بخفة حركتها وقدرتها على المناورة في استخدام حرب المدن لصالحها، ما أدى في نهاية المطاف لانتشارها الواسع في كثير من المناطق بالسودان".

"لقد درب الجيش خلال الأشهر الماضية أعدادًا كبيرةً من قواته على حرب المدن، ولوحظ ذلك في الصور والفيديوهات المنتشرة لهجمات يشنها الجيش السوداني أحيانًا مشيًا على الأقدام أو بتسليح خفيف أو مركبات الدفع الرباعي مثلما يفعل الدعم السريع"، يقول ميرغني.

وفي خضم المعارك بدأ استئناف المفاوضات بين طرفي النزاع في السودان، بينما يستبعد هدسون التوصل لحلول "الوضع غير جاهز للحل السياسي في هذه اللحظة، لا أثق في أي اتفاق سلام يوقعه الطرفان. وإذا وقعا على شيء يرضي المجتمع الدولي، لن يكون دليلًا على رغبتهما في السلام"، وتوقع ليس فقط استمرار الصراع، بل أيضًا التوسع فيه خلال الأسابيع المقبلة وأن تكون العواقب على المدنيين مدمرة.

تستمر الحرب الدائرة بدعم أطراف متعددة، فيما تنحسر أحلام حسم الحرب سواء بالسلاح والمسيرات أو اتفاق السلام، وتتواصل دوامة الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون في السودان وسط عجز المجتمع الدولي عن حمايتهم من توابع النزاع.

هذه القصة من ملف  الحرب الممتدة.. صراع الجنرالات على كعكة السودان


عسكر السودان.. لعبة في يد الجميع

محمد الخولي_  بدأت الحرب في السودان مع استمرار الخلافات الداخلية بين القوى السياسية، بينما لم يجد أطراف النزاع سُبلًا للحل مع استمرار النزاع الذي تؤججه أطرافٌ إقليميةٌ ودوليةٌ لتحقيق مصالحها.