تصميم أحمد بلال، المنصة
التدخلات الخارجية تؤجج الحرب في السودان

عسكر السودان.. لعبة في يد الجميع

منشور الخميس 18 أبريل 2024

انطلقت شرارة الحرب في السودان قبل عام بعد خلافات بين أطراف وقوى سياسية داخلية، واستمرت نيرانها وطال أمدها بدعم خارجي، في البلد الذي كان يعد أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة حتى عام 2011، قبل أن يفقد 25% من أراضيه بانفصال الجنوب، لينتقل للمركز الثالث بعد الجزائر والكونغو الديمقراطية.

لا يمكن النظر إلى هذه الحرب دون الالتفات إلى دول الجوار، إذ تحيط بالسودان سبع دول؛ مصر وليبيا وإريتريا وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد، وجنوب السودان، وحسب خبراء تحدثوا إلى المنصة ساعدت صراعات المصالح بين هذه الدول، بالإضافة إلى دول أخرى، في تأجيج الصراع واستمراره، إما بدعم فصيل بالسلاح على حساب آخر، أو بتعطيل التوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع ويفتح صفحة جديدة.

ويرى عضو الهيئة التنفيذية لقوى الحرية والتغيير، المعز حضرة، في حديث مع المنصة، أن الراغبين في فرض أجندتهم على السودان وجدوا ضالتهم مع غياب الدولة ورغبة العسكر في السيطرة على مقاليد الحكم بأي ثمن.

ولم يعد التدخل الأجنبي في السودان لدعم الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، أمرًا سريًا، بل بات معروفًا للجميع، ويعتبرونه أحد أهم أسباب استمرار الصراع، ففي مؤتمر صحفي حول تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن السودان، في 6 مارس/آذار الماضي، قالت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، إن العمليات العسكرية في السودان "يؤججها نقل الأسلحة من عدد من القوى الإقليمية، وأن هذه العمليات يجب أن تتوقف".

من يقف مع من؟

في تحليل نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى للباحثة السودانية أريج الحاج، صنفت الدول المتداخلة في الأزمة السودانية حسب الجهة الداعمة لها، مشيرة إلى أن حميدتي سعى إلى بناء روابط وعلاقات مهمة مع معظم دول الجوار التي لها حدود مشتركة مع السودان (إثيوبيا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى) بالإضافة إلى دول في الإقليم، مثل كينيا وإسرائيل. 

في المقابل، يمتلك الجيش السوداني بقيادة البرهان علاقات جيدة مع مصر والسعودية وإريتريا وقطر وتركيا وجيبوتي، إضافة لروسيا، مشيرة إلى أنه بالنسبة لروسيا تدهورت علاقتها بالجيش بعد اندلاع حرب 15 أبريل/نيسان، مما دفعها وقوات فاجنر التابعة لها إلى الوقوف مع قوات الدعم السريع.

البرهان وحميدتي مجرد أداتين لتنفيذ الأجندات الأجنبية على حساب السودان

وبعد أيام من بداية الحرب نفت فاجنر تورطها فيما يجري في السودان، وقالت إن لا علاقة لها بالمعارك التي تدور هناك، فيما يشير المعز حضرة إلى أن على أرض السودان يتصارع الإيرانيون والروس والأوكران ودول الجوار ودول عربية وإقليمية، سواء عن طريق الدعم بالسلاح أو كأفراد مقاتلين، "هذا الوضع دليل على أن السودان مطمعٌ للجميع، فالجنرالان أصبحا مجرد أدوات لتنفيذ الأجندات الأجنبية على حساب الوطن"، يقول حضرة.

لغز الإمارات

يبقى الوجود الإماراتي في الأزمة السودانية، ودعمها لقوات الدعم السريع، أحد أهم المؤثرات في الصراع، فنقل تقرير نشرته نيويورك تايمز في سبتمبر/أيلول 2023 عن مسؤول أمريكي سابق "الإماراتيون يعتبرون حميدتي رجلهم"، مضيفًا "لقد رأينا ذلك في مكان آخر، يأخذون شخصًا واحدًا، ثم يدعمونه على طول الطريق". كانت الإمارات اتخذت موقفًا منحازًا وداعمًا لصالح خليفة حفتر في ليبيا.

وأشار التقرير إلى دعم عسكري كبير تقدمه الإمارات لحميدتي، لافتًا إلى أنها تحت ستار إنقاذ اللاجئين، تدير عملية سرية لدعم قوات الدعم السريع، فتزودها بأسلحة حديثة ومسيَّرات، فضلًا عن علاج المقاتلين المصابين، ونقل الحالات الأكثر خطورة جوًا إلى أحد مستشفياتها العسكرية.

تتبع الإمارات سياسة التوسع الاقتصادي والاستراتيجي في جميع أنحاء القرن الإفريقي

وتربط الإمارات علاقات وثيقة بحميدتي كونها أكبر مشتر للذهب السوداني، الذي تسيطر على مناجمه قوات الدعم السريع، إذ اشترت الإمارات كل الذهب السوداني الذي تم تصديره، خلال الستة أشهر الأولى من عام 2022 وفقًا لبنك السودان المركزي.

ويتهم البرهان الإمارات علنيًا بدعم قوات الدعم السريع، وأعلنت وزارة الخارجية السودانية التابعة له في ديسمبر/كانون الأول 2023 أن 15 من الدبلوماسيين العاملين في السفارة أشخاص غير مرغوب فيهم وطلبت مغادرتهم السودان خلال 48 ساعة، وهو القرار الذي جاء بعد نحو شهر فقط من تصريح الفريق أول ركن ياسر العطا في كلمة أمام أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، بأن "المعلومات بترد لينا من المخابرات والمخابرات العسكرية ومن الخارجية والدبلوماسية بأن دولة الإمارات بتودي طائرات دعمًا لهؤلاء الجنجويد".

وتقول مارينا بيتر، مؤسسة ورئيسة منتدى السودان وجنوب السودان، إن "الإمارات بدورها تتبع منذ فترة طويلة سياسة التوسع الاقتصادي والجيوسياسي والاستراتيجي، وهو ما يمكن ملاحظته بالفعل في جميع أنحاء القرن الإفريقي".

رفض السفير أحمد حجاج، الأمين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الإفريقية، في البداية، الإجابة على سؤال المنصة حول دور الإمارات في الحرب، وما إذا كانت تدخلاتها سببًا رئيسيًا في استمرار القتال، لكنه أقر في النهاية "يمكننا القول إن لها دورًا شبه أساسي في استمرار القتال في السودان"، مضيفًا "آمل أن تعي الدول العربية وجامعة الدول العربية حجم المأساة، وأن تبذل المزيد من الجهد لإنهاء هذه الحرب، ووقف النزاع".

تناقض الموقف المصري

يبقى السودان عمقًا استراتيجيًا لمصر، تتأثر بما يدور فيه والنزاعات التي تحطمه، غير أنه يبدو أن هناك تباينًا واضحًا بين الموقف الرسمي المصري المعلن، وما يدور في الغرف المغلقة. 

على المستوى الرسمي، تعلن مصر حرصها على وحدة السودان وأمنه وسلامة أراضيه واستقرار شعبه، وأهمية التوصل إلى تسوية دائمة وشاملة للنزاع في أسرع وقت، ورفض التدخل الخارجي في الشأن الداخلي السوداني. 

مدير أبحاث "مارلو جلوبال": السيسي يفضل البرهان مع تحييد حميدتي

فيما يشير تحليل كتبه أنتوني سكينر، مدير الأبحاث في مارلو جلوبال، إلى وجود اتفاق مصري مع البرهان في عدد من القضايا، فضلًا عن التعاون معه بشكل وثيق، وفي الوقت الذي يدعو السيسي علنًا إلى عقد اتفاق سلام بين حميدتي والبرهان، يفضل تحييد حميدتي نهائيًا وتولي البرهان الرئاسة الكاملة، لافتًا إلى أن السيسي يعتبر حميدتي "عميلًا مارقًا".

من جانبه، يلفت السفير أحمد حجاج إلى العلاقات التاريخية بين مصر والسودان، بالإضافة للعمق الاستراتيجي الذي تمثله السودان لمصر  "لذلك تبذل مصر مساعي كثيرة إلى جانب السعودية وأمريكا لإنهاء الحرب لكن هذا لم ينعكس، حتى الآن، على أرض الواقع بسبب رفض قوات الدعم السريع الانضمام إلى الركب الوطني وإصرارها الاستحواذ على الحكم" يؤكد حجاج.

لماذا يتدخلون في السودان؟

في سلسلة مقالات كتبها الصحفي السوداني، الصادق الرزيقي، عن دور دول الجوار في الحرب في السودان، أشار  إلى أن "من الممكن قراءة مواقف دول الجوار السوداني، وفق معيار واحد، وهو نوع وحجم وشدّة الشراهة في ربح المصالح والمطامع ما بين مكوّنات الداخل والخارج".

تقول مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، لـ المنصة "أحد تجليات الحرب في السودان هي تناقضات إقليمية ومصالح دولية"، لافتة إلى أن هذه حالة غير مقتصرة على السودان فقط، وإنما توجد في حال اندلاع أي صراع في أي منطقة أو دولة، عندما تفقد الدول سلطتها وسيطرتها على الأمور.

وتشير الطويل إلى أن السودان يمتلك امتدادًا بحريًا على البحر الأحمر يصل لنحو 750 كيلومترًا، وهو أمر باتت له أهمية كبيرة نتيجة للتدفقات النفطية الخليجية في النصف الثاني من القرن الـ20 وتحول البحر الأحمر إلى ممر ملاحي ناقل للطاقة العالمية، وبالتالي تتنافس قوى دولية وإقليمية للحصول على مواني السودان الموجودة، أو السعي من خلال استثمارات ضخمة لإنشاء مواني جديدة رغم المخاطرة في ذلك.

الحل في إقصاء العسكر والجنرالين عن المشهد والعودة إلى المسار المدني

ترفض الطويل ربط ما يجري في السودان بعوامل المنافسة الدولية والإقليمية عليه، تقول "العامل الداخلي هو المفجر للصراع وهو المستدعي للأطراف الإقليمية"، لافتة إلى ضرورة عدم إغفال أن "الصراع في السودان له تأثير على هذه الدولة وبالتالي هذه الدول تدير الصراع وفقًا لمصالحها". 

"الصراع الإقليمي والدولي في السودان أساسه البحث عن المصالح وهو أمر لا يلام عليه المتدخلون في شأن السودان وإنما يلام من فتح لهم الباب وهم العسكر الذين يبحثون عن السلطة والثروة"، يقول المعز حضرة، مشيرًا إلى أن الصراع بدأ بين جنرالين كلاهما يريد الاستيلاء على السلطة والثروة منفردًا، كون السودان بلدًا به الكثير من الموارد المعدنية والزراعية والحيوانية، بالإضافة إلى موقعه المهم على البحر الأحمر.

ويتفق المعز حضرة وأماني الطويل في أن الدور الأجنبي في استمرار الحرب في السودان لا ينفي أن السبب الرئيسي هو الأوضاع والأطراف الداخلية، فيقول المعز "الحل في إقصاء العسكر والجنرالين حميدتي والبرهان عن المشهد والعودة إلى المسار المدني، في هذه الحالة فقط سيتم التعامل وفقًا لمصالح السودان وليس لمصالح الجنرالات وحلفائهم في المنطقة".

"الحرب مستمرة بسبب الصراعات السياسية الداخلية وعدم وجود قوة عسكرية قائدة ومسيطرة على الوضع"، توضح الطويل، بينما تشير إلى تفتت المكون العسكري وصراعات القوى السياسية، وهي الأسباب المؤدية إلى استمرار الصراع وليس العوامل الخارجية فقط.

لا يتوقع الخبراء والمتابعون نهاية قريبة للحرب الدائرة في السودان، بينما تبقى الأطراف الخارجية فاعلة لتحقيق مكاسبها من النزاع المسلح وسط ترقب لسبل وضع حد لدائرة الصراع الذي بدأ بخلافات داخلية.

هذه القصة من ملف  الحرب الممتدة.. صراع الجنرالات على كعكة السودان


عسكر السودان.. لعبة في يد الجميع

محمد الخولي_  بدأت الحرب في السودان مع استمرار الخلافات الداخلية بين القوى السياسية، بينما لم يجد أطراف النزاع سُبلًا للحل مع استمرار النزاع الذي تؤججه أطرافٌ إقليميةٌ ودوليةٌ لتحقيق مصالحها.