موقع الأمم المتحدة
أطفال غزة يعانون شح المياه

شبح المجاعة في غزة إهانة للقانون الدولي

منشور الأربعاء 24 أبريل 2024

نتابع بحزن المأساة الإنسانية الممتدة منذ ستة أشهر في قطاع غزة؛ حيث يسقط كل يوم عشرات الضحايا والمصابين، فيما يدعم الجانب الأكثر تأثيرًا من المجتمع الدولي قوات الاحتلال مانعًا أي خطوة من شأنها وقف هذه الإبادة الجماعية.

ولعل مجازر الرصاص الصهيوني المتكررة بحق الفلسطينيين الذين ينتظرون المساعدات الإنسانية الشحيحة التي تصلهم في شمال قطاع غزة، بدعوى الخوف من تقدم الحشود نحو دبابات متمركزة بالمنطقة، تؤكد نوايا الحكومة اليمينية، الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، أن تقف حائلًا دون حصول الفلسطينيين على أي أغذية أو أدوية أو مشتقات وقود، منذ بدء العدوان الإسرائيلي البربري في أعقاب هجوم مقاتلي حماس وفصائل المقاومة الأخرى على مستوطنات غلاف قطاع غزة في السابع من أكتوبر.

فعلى مدار ستة أشهر يستمر العدوان وتستمر المأساة الفلسطينية، ومعهما تستمر المخاوف الحقيقية من ازدياد خطر المجاعة وتفاقمها، بما يعيد إلى الأذهان ما حدث في النكبة الأولى عام 1948 عندما قتلت العصابات الإرهابية الصهيونية الفلسطينيين وحرقت منازلهم وهجَّرت من بقي منهم خارج أراضيهم، وما حدث لاحقًا أثناء حرب الأيام الستة.

صورة لتهجير مجموعة من الفلسطينيين من قرية الرملة عام 1948

تسعى القيادة الصهيونية المتطرفة إلى إزاحة الفلسطينيين مجددًا نحو الحدود المصرية هذه المرة، ويحدث ذلك في ظل تواطؤ ودعم أمريكي مطلق منقطع النظير، حيث تستمر أمريكا رغم المجازر الإسرائيلية المتتالية، ومن بينها مجازر بحق مدنيين ينتظرون مساعدات غذائية، في تعطيل قدرة مجلس الأمن على وقف إطلاق النار أو تأكيد الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية.

تشكل هذه السياسة الأمريكية إهانة للقانون الدولي وتعطيلًا للدور الذي رسمه ميثاق الأمم المتحدة لمجلس الأمن، وانتهاكًا خطيرًا للمادة الأولى من الميثاق، التي تنص على اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم والأمن الدولي وإزالتها، وتقمع أعمال العدوان.

في حين قد يعتقد الكثيرون في صحة مطالبتهم لإسرائيل بالسماح بمرور المساعدات باعتباره "معروفًا" تقدِّمه لسكان غزة، فإن دولة الاحتلال في الحقيقة ملزمة بذلك، وعليها بذل الجهود لتوفير هذه المساعدات بشكل آمن، طبقًا لقواعد القانون الإنساني الدولي وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب.

وكذلك تنفيذًا للمادة 55 التي تُلزم دولة الاحتلال أن تعمل بأقصى ما تسمح به وسائلها على تزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية، ومن واجبها على الأخص أن تستورد ما يلزم من الأغذية والمهمات الطبية وغيرها إذا كانت موارد الأراضي المحتلة غير كافية، وعليها أن تراعي احتياجات السكان المدنيين.

إن مسألة وصول المساعدات الإنسانية ليست ترفًا في اللحظة الحالية، فهناك تحذيرات ومؤشرات خطيرة على تردي أحوال المعيشة في غزة، لدرجة تنذر بحدوث مجاعة حقيقية قد تودي بحياة الآلاف من الأطفال الذين يعانون من نقص حاد في التغذية، ولذلك يجب العمل على فتح المعابر وعدم الانصياع للرغبة الإسرائيلية في تفتيش وعرقلة وصول المساعدات، وتكثيف عمليات الإغاثة الجوية والإسراع في عملية إنشاء ممر بحري للمساعدات كما وعد الاتحاد الأوروبي في بداية العدوان على قطاع غزة.

إن تشدق الدعاية الصهيونية بأخلاقية إسرائيل كدولة، ومحاولات الدفاع عنها تكذبها الممارسات التي تمثل انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس والضفة الغربية، فيما تحصل على الدعم الهائل والمساندة الأمريكية والغربية باعتبارها صنيعة القوى الاستعمارية وحارسة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة منذ لحظة تأسيسها حتى الآن.

لذلك، تتجاهل إسرائيل بهذه البساطة قواعد القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان، وتواصل احتلال أراضي الشعب الفلسطينية ومحاولة ضمها، وانتهاك حقه في تقرير مصيره، فضلًا عن محاولاتها تغيير التكوين الديمغرافي للضفة الغربية ومدينة القدس الشريف، واعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية تعمق سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها بحق الشعب الفلسطيني.

بينما ينتظر بوتين القبض عليه إذا زار دولة وقعت على اتفاقية روما يمرح نتنياهو وعصابته كما يشاؤون

إن العجز الدولي عن وضع حد للمأساة في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة واستمرار الانتهاكات الصهيونية للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني يمثل خطرًا حقيقيًا ومحدقًا على الأمن والسلم الدوليين، ويهدد بتوسيع نطاق الصراع العسكري في المنطقة، خاصة مع التصعيد الأخيرة بين إسرائيل وإيران، واستمرار مساندة الجبهتين اللبنانية واليمنية، للمقاومة الفلسطينية الباسلة.

الدم كله سواء

لا يمكن أن يستمر العدوان في ظل سياسة ازدواجية المعايير التي تتبناها القوى الدولية المؤيدة لإسرائيل، فعلى المجتمع الدولي رفض تلك الممارسات وهذه السياسة التي نراها يوميًا، لأن كل الدماء سواء، وليس الدم الأوكراني أغلى من الفلسطيني.

فمع الاعتداء الروسي على أوكرانيا سارعت القوى الغربية لإدانة موسكو وفرضت عليها عقوبات اقتصادية وعسكرية بل ورياضية حتى، وحركت المحكمة الجنائية الدولية دعوى ضد بوتين وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه، تمهيدًا للقبض عليه إذا زار دولة موقعة على اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة، فيما يمرح نتنياهو وعصابته الإرهابية، رغم تدميرهم غزة تدميرًا شبه كلي، فضلًا عن عمليات القتل والمذابح والمجازر اليومية التي يقترفونها بدم بارد، يذكر بالمآسي الإنسانية في عهد النازية في ألمانيا.

أعتقد أن على المجتمع الدولي الاستمرار في الضغط على إسرائيل لوقف سياستها العدوانية وانتهاكاتها المستمرة ضد الفلسطينيين، وعلى الدول العربية اتخاذ مواقف أكثر جرأة وجدية في إسناد الشعب الفلسطيني، وخاصة تلك الدول التي تربطها علاقات مع إسرائيل.

لتفعل تلك الدول مثلما فعلت جنوب إفريقيا ودول أخرى في دول أمريكا اللاتينية، بقطع العلاقات مع إسرائيل، أو مثل كولومبيا التي أوقفت وارداتها من الأسلحة الإسرائيلية، ونيكاراجوا التي اتهمت ألمانيا أمام محكمة العدل الدولية بمساندة إسرائيل في الإبادة الجماعية.

وعلى الصعيد الشعبي، لا بد من الاستمرار في حملات المقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات الداعمة لإسرائيل، فهذه المقاطعة تعتبر أداة فعالة في مكافحة التغول الإسرائيلي على الحقوق الفلسطينية، أما الانشغال العربي الرسمي بتقديم المكافآت لإسرائيل، بالحديث عن إعادة إحياء مبادرة السلام العربية مقابل وقف الحرب، فذلك أمر لا يمكن فهمه إلا في سياق استمرار تلك الأنظمة العربية في سياساتها للحفاظ على مصالحها، دون تقديم الدعم والمساندة الحقيقية والواجبة للشعب الفلسطيني.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.