مارثا جراهام والخطر الكامن في مقارنة نفسك بالآخرين

منشور الأربعاء 20 ديسمبر 2017

مقال مترجم لجيمس كلير James Clear من موقعه على الإنترنت.

أجنس دي ميل، راقصة ومصممة رقصات أمريكية. في وقت مبكر من حياتها المهنية، صممت رقصة باليه هي "ثلاثة عذراوات وشيطان" Three Virgins and a Devil. اعتقدت أنها عمل جيد، ولكن لا أحد التفت إليه.

بعد بضع سنوات، قامت دي ميل بتصميم رقصة باليه أخرى هي "روديو" Rodeo. مرة أخرى شعرت بأنه عمل متماسك،  ولكنه حقق شهرة تجارية ضئيلة.

في عام 1943، صممت دي ميل رقصات عرض "أوكلاهوما" !Oklahoma، لروجرز وهامرشتاين، الذي حظي نجاح يكاد يكون فوريًا. في السنواتٍ التالية، عُرض "أوكلاهوما" 2212 مرةً، سواء في أنحاء البلاد أو في الخارج. وفي عام 1955، فازت النسخة السينمائية له بجائزة الأوسكار.

ولكن ذلك النجاح جعلها في حيرةٍ وتشوش؛ حيث اعتقدت أن عملها على ذلك العرض كان متوسطًا مقارنةً ببعض من إبداعاتها الأخرى. وقالت لاحقًا: "عقب العرض الافتتاحي ﻷوكلاهوما، وعلى عكس المتوقع، حصلت فجأة على نجاح لامعٍ ومبهر لعمل، ظننت أنه فقط جيدٌ إلى حدٍ ما، بعد لسنواتٍ من الإهمال لأعمال ظننت أنها جيدة، كنت في حيرةٍ وقلق من ألا يكون مقياس تقييمي كله جديرًا بالثقة. وتحدثت إلى مارثا".

مارثا المقصودة هي مارثا جراهام، التي ربما كانت مصممة الرقصات الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين. (على الرغم من أنها لم تكن معروفة جيدًا وسط الجماهير، إلا أن جراهام قورنت بعباقرة مبدعين آخرين مثل بيكاسو أو فرانك لويد رايت).

أثناء حديثهما أخبرت دي ميل مارثا جراهام عن شعورِها بالإحباط حيث قالت "اعترفت بأن لدي رغبة شديدة في تحقيق الامتياز، ولكن دون إيمان بأني سأحققه".

أجابت جراهام "ثمة حيوية، دافع حياتي، طاقة وحافز، تُترجم إلى فعل من خلالك، وحيث أن ثمة نسخة واحدة فقط منك في كل الأوقات، يكون هذا التعبير متفردًا. وإذا قمتِ بمنعه لن يكون له وجود من خلال أي وسيلة أخرى ومن ثمَّ سيضيع. ولن يحظَى به العالم. ليس من شأنك تحديد مدى جودة هذا الفعل أو قيمته أو حتى مقارنته مع تعبيراتٍ أُخرى. ليس من الضروري حتى أن تكوني مؤمنة بنفسك أو بعملك، عليكِ فقط الاستمرار في العمل، ووضع نصب أعينك مباشرةً الرغبة التي تحفزك في كل عمل بجدية واستمرار. شأنك فقط هو الحفاظ على العمل من أجلك بشكل واضح ومباشر، شأنك هو أن تُبقي المسار مفتوحًا".

عدم جدوى الحكم على نفسك

طوال ما يقرب من سنتين، نشرت مقالات كل اثنين وخميس على مدونتي الخاصة. بعض الأيام تأتي الكلمات تباعًا، تأتي سهلة عكس بعض الأيام الأُخرى، وفي كثير من اﻷحيان راودني نفس ما شعرت به دي ميل ولكن بصورة مصغرة.

"اعتقد أن هذا مقال جيد، ولكن لماذا لا يبدو أن القراء استمتعوا به؟" أو يراودني شعور أنني كتبت شيئًا ما متوسط القيمة، وإذا بي أراه يتصدر التدوينات اﻷكثر مشاهدة خلال الشهر. وبغض النظر عن النتيجة، أدركت شيئًا واحدًا وهو: أننا دائما قضاة مريعين على أعمالنا.

نصيحة مارثا جراهام تأخذ هذا المفهوم خطوة أبعد من خلال توضيح أنك لست فقط قاضٍ سيئًا على عملك، بل إنه ليس من شأنك أن تحكم عليه، ليس مكانك أن تقارن بين عملك وغيره، ليست مسؤوليتك أن تكتشف قيمته أو مدى أهميته، ليس عملك أن تقول لنفسك "لا".

 مسؤوليتك الوحيدة هي أن تُبدع. عملك هو أن تشارك ما لديك لتقدمه من حيث أنت الآن. وكما قال (بيما تشودرون – Pema Chodron) المعلم البوذي "عملك هو أن تأتي كما أنت، وبعد ذلك قم بإيجاد القوة الخاصة بك، وواصل تقدمك"

هناك أشخاص في شتى المجالات تقريبًا، يصنعون عملًا فنيا في كل يوم، بالطريقة التي يؤدون بها حرفهم. أو بعبارة أخرى، كل شخص تقريبًا هو فنان بشكلٍ أو بآخر. وكل فنان سيحكم على عمله. ما يهم هو ألا تدع الحكم الشخصي يوقفك عن عمل ما تقوم به. المحترفون يُتابعون الإنتاج ولو كان ذلك غير يسير.

أبق عينيك على ورقتك

في المدرسة الابتدائية، أذكر معلمتي وهي تكلفنا بواجب مدرسي قائلةً "كل منكم عليه أن يبقي عينيه على ورقته".

ربما كانت تعلِّم ببساطة أطفالًا بعمر الثامنة ألا يغشُّوا أثناء الاختبار، ولكن هناك معنى أعمق ورسالة خفية تستحق الاهتمام. إجابات من هو إلى جوارك لن تُحدث تغييرًا، هذا سباقك فعليك أن تعدو به، هذا اختبارك فعليك أن تجتازه بنجاح، هذه إجاباتك فعليك أن تكون بكامل تركيزك، مقارنة ورقة إجابتك بورقة الآخر ليست هي النقطة المنشودة، إنما هي أن تُملأ الورقة بمنتجك.

نفس النقطة يمكن أن تُطرح اليوم على عملك، حيث لا أهمية للوقت الذي ستستغرقه لإتمام ما تقوم به، كل صباح أستيقظ وأحصل على ورقة فارغة تستكمل معها يومك، سجل اسمك أعلى تلك الورقة واشرع في كتابة ما تنجزه من أعمال خلال اليوم.

إذا ما دونته في تلك الورقة  لم يلبي توقعات أحدهم. لا يهم؛ الطريقة التي يدرك بها شخص آخر ما تقوم به هو نتيجة لتجاربه الخاصة (التي لا يمكنك السيطرة عليها)، وذوقه وتفضيلاته (التي لا يمكن التنبؤ بها)، وتوقعاته (التي لم تحددها). إذا كانت اختياراتك لا تتطابق مع توقعاته، هذا شأنه لا شأنك.

شأنك هو أن تعمل وتستمر، لا أن تحكم على أعمالك، شأنك هو أن تحب ما تعمل، لا أن تُقيِّم النتائج. فأبق عينيك على ورقتك.


* الملحن ريتشارد رودجرز (1902-1979) والمخرج الدرامي أوسكار هامرستين الثاني (1895-1960)، كونا معًا فريق كتابة مسرح موسيقي مؤثر ومبتكر وناجح.

* قوى سي سو الداخلية، هو مفهوم فنلندي ثقافي، لا يوجد ما يعادله في المعني في اللغة الإنجليزية، وهو مصطلح يجمع معناه بين (الحسم، الشجاعة، القدرة على الصمود والصلابة).