اهزمونا دون أن تكسرونا.. خذوا انتصاركم واتركوا لنا نوبي

منشور الاثنين 10 يوليو 2017

نرجوكم، انتصروا و لكن لا تمثلوا بجثثنا و جثث أصدقائنا. اهزمونا ولكن لا تكسرونا.

أهناك دليلٌ أكبر على الانتصار؟ 

تركنا لكم ساحة المعركة بإرادتنا. نعم، أخفتونا وجعلتونا نفكر فيما إذا كنا على استعداد لدفع نفس الأثمان من أجل أي قضية.

نعتذر أننا لم نمت حين حاولتم قتلنا لأننا ما زلنا نكترث مع الأسف، وما زلنا نتألم بسبب ما يصيب هذا البلد الذي لا يعلم مصيره إلا الله. 

نحن، معشر المبتعدين عن السياسة والعمل العام، منا من هاجر ومنا من التفت إلى مستقبله، من تزوج ومن وجد فرصة عمل في الخارج ومن رحل إلى مدينة ساحلية مبتعدًا عن كل ذكريات الأمل، منا من تقوقع بصمت، ومن التزم بالتطوع على الرصيف الآمن يجمع المساعدات والتبرعات المالية التي تحاول أن تصلح ما أتلفه تراكم الفساد في حياة الفقراء، مستبدلًا العمل الخيري بالحراك الثوري.

اطمئنوا، فقد أصبحنا نمثل لكم الأمان الكامل، تنازلنا عن شبابنا ومحاولاتنا التعبير عن رفضنا أي شيء، أصبحنا نفعل ما يفعله الهارمون الذين يعوضون فراغهم بإبداء آرائهم المرتعشة من خلف شاشة كومبيوتر أو هاتف، ولم نحرك ساكن حتى زعزعت قضية الأرض استقرارنا في الخمول، ولكن عاجلًا أو آجلًا، سنعود إلى السكوت ثانيةً. 

نرجوكم، انتصروا و لكن لا تمثلوا بجثثنا و جثث أصدقائنا. اهزمونا ولكن لا تكسرونا.

محمد عبد الرحمن (نوبي كما ندعوه) صديقنا المكلوم الكاظم لكل آلامه، الذي ابتلعه المعتقل نحو عامٍ ونصف من قبل، لم يصب غضبه إلا على ذاته وظل يتحرك حولنا كالفراشة، لا أحد يعلم بالتحديد مدى معاناته التي اختار ألا يشركنا بحملها معه رفقاً بقدرتنا على التحمل.

نوبي الذي وهب حياته لمساعدة الناس وللعمل في أي مجال بعيد أو قريب من خبرته، وكل من عمل معه كان يعلم أنه سيتعلم أي مهنة في العالم بسرعة البرق و بكفاءة أصيلة، وبقدر من اللطف الذي لا ينفي آدميته الباقية. 

نوبي هو الصديق الذي يخفي ملامح الضعف وهو يرى طيفها في كل من حوله، هو أخي الذي عندما أحببت أحد أصدقائه أوصاه التزام الرفق معي رغم أننا لم نكن أصحبنا أصدقاء حينها، ولم يكن حتى يعرف من أنا. 

ربما عرف أن ليس لي إخوة، ربما انساق خلف إحساسه المجرد، لا أعلم يقينًا و لكنه فعل ذلك على أي حال ولم تتسنَّ لي فرصة التعبير عن تأثري بهذا الموقف الذي لم أختبره من قبل، لا مع عائلتي ولا أصدقائي المقربين. 

هذا هو نوبي، الذي خرج وأصبح منهكًا على الدوام، كلما احتضنته وسألته ماذا به لا يجيب سوى "ضغوط عمل عادية". نوبي الذي يعتبر المعتقل "تجربة عادية"، والذي قد يغضبه ما أكتبه الآن، ولكنني في تلك اللحظة لا أكترث لعلاقتنا قدر ما أكترث لحريته وسلامته النفسية والجسدية. 

كنا اقتربنا من استعادة ابتسامة نوبي المرتاحة، غير المنهكة، الابتسامة التي تعكس روحه المحلقة فوق التجارب البائسة، إلى أن أخذتموه من بيننا، وانتزعتوه من بين أهله، وتجبرونه على اختبار مرارة المعتقل وقسوته مرة أخرى. 

نوبي صديقي لا يستحق ذلك، يومًا لم يستحق ذلك، ولكننا ابتلعنا البُعْدَ من قبل و لن نبتلعه مجددًا.

اطلقوا سراحه، نحن كذابون، خدعناكم وخدعنا أنفسنا حين قلنا إنه لا يوجد على هذه الأرض ما يكسرنا، وإننا لا نخاف من السجون. عجزنا أمام أوجاع أصدقائنا وهم خلف قضبان المعتقل يكسرنا، حرماننا من زيارتهم يكسرنا، المضي قدمًا في الحياة بإدراكنا الحالي يكسرنا، أصبحنا نخاف من السجون لأنها تشوه من تبقى من أصدقائنا، ولكن إن سئلنا سننكر بالطبع.

لكم معركتكم و لنا صديقنا، انتصروا ولكن لا تمثلوا بجثثنا وجثث أصدقائنا.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.