يوميات صحفية برلمانية| كواليس ما قبل التفريط في تيران وصنافير

منشور السبت 10 يونيو 2017

أعيش مشاعر متشابكة، تتداخل انحيازاتي ومواقفي مع ظروف مهنتي، أشعر وكأني مقبلة على جراحة تؤدي لبتر أحد أعضائي. كلما اقترب موعد مناقشة الاتفاقية زاد الصراع الداخلي وارتفعت حدة الأرق، وزار أبطال المعركة أحلامي. لكن أعدكم أن موقفي من الاتفاقية لن يؤثر إطلاقًا على صدق وموضوعية ما سأبدأ في نقله من اليوم وحتى تمرير أو رفض الاتفاقية تحت القبة.

غدًا الأحد ستبدأ لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في مجلس النواب مناقشة الاتفاقية التي ما زالت تلقى معارضة من القوى السياسية وعدد ليس بقليل من أعضاء البرلمان، رغم توقيعها منذ أكثر من عام.

سنتعرف في السطور المقبلة على مواقف الكتل البرلمانية المعلنة والمستترة، وسنعرف المتوقع لمسار هذه الاتفاقية خلال الأسبوع الجاري في مجلس النواب.

الاتفاقية عادية

هي "اتفاقية عادية"،  هكذا يتعامل معها مجلس النواب وفقًا للائحة الداخلية، فهي اتفاقية بين طرفين، مصر والمملكة العربية السعودية، وبالتالي يحاول المجلس التعامل معها كغيرها من عشرات الاتفاقيات التي مررها على مدار عام ونصف، بدون الأخذ في الاعتبار البعد السياسي الحرج فيها. 

لا تحتاج  الاتفاقية موافقة ثلثي الأعضاء ولا إجراء تصويت عن طريق النداء بالاسم، مثلما حدث في قانون العلاوة الذي يطبق بأثر رجعي، وفي واقعتي إسقاط عضوية النائبين توفيق عكاشة، ومحمد أنور السادات. وإنما يمكن الموافقة عليها بأي نسبة أغلبية.

وكما جرت العادة طوال انعقاد البرلمان الحالي، سوف يختار  رئيس المجلس طريقة التصويت، وسنرى إذا كان سيعود للتصويت الإلكتروني الذي هجره البرلمان منذ عدة أشهر، أم سيلجأ للتصويت بالوقوف، كما اعتاد، أم سيستجيب لنداءات بعض النواب المطالبين بالتصويت بالاسم، وهو ما أستبعده تمامًا.

ائتلاف دعم مصر 

يعتبر "ائتلاف دعم مصر" الكتلة البرلمانية الأكبر تحت القبة، ويبلغ عدد النواب المنتمين له رسميًا 317 نائبًا. ويجتمع الائتلاف يوم الإثنين المقبل لتحديد وإعلان الموقف والرأي النهائي بشأن الاتفاقية. 

لكن رأي الائتلاف يبدو واضحًا من خلال بياناته وتصريحات قياداته التي تعكس اتجاهًا مؤيدًا لتمرير الاتفاقية منذ توقيعها.

أصدر الائتلاف بيانًا صحفيًا في وقت متأخر، أمس الجمعة، وجّه فيه لوم شديد وانتقادات حادة لمعارضي الاتفاقية سواء داخل البرلمان أو خارجه، واستخدم عبارات ضدهم تتهمهم بـ "احتكار الوطنية"؛ و"توزيع صكوك الوطنية"، والشعارات والصوت العالي.

و جاء في البيان أيضًا: "نثق في المؤسسات التي قامت بالتفاوض والصياغة لسنوات طويلة، ومن حقنا التأكد من جميع الحقائق دون خجل، ولا يجب علينا الحكم على المسألة بالعواطف والشعارات"، مما يعكس اتجاه الائتلاف المتمسك بمناقشة الاتفاقية وأحقية النواب في التصويت عليها.

ووجه الائتلاف لومًا للحكومة، رغم أنها  لم تدخر جهدًا في نفي أحقية مصر في جزيرتي تيران وصنافير، واتهمها بالتقصير وعدم توضيح المعلومات للرأي العام في الوقت المناسب.

وأضاف بيان الائتلاف: "الكثير من مشكلات الوطن مؤجلة من عصور سابقة، وقدرنا أن نتحمل المسؤولية بشجاعة؛ المعارضة الآن سهلة، والأسهل أن تقول لا لكل شيء، لكن البناء والإدارة وتحمل المسؤولية هو الأصعب في المرحلة الحالية، ونحن نؤمن بالنقاش المفتوح والتعددية، ولكن يجب احترام الديمقراطية وقبول نتائجها".

المصريين الأحرار

حتى الآن لم تعلن الكتلة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، التي تضم نحو 60 نائبًا، موقفها من الاتفاقية وإن عبرت قيادات الحزب وهيئته البرلمانية في المجلس عن انحيازها لتبعية جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية.

لكن كتلة المصريين الأحرار ليست كلها مؤيدة لهذا الرأي وان كان أغلبها سيلتزم بموقف الهيئة البرلمانية.

النائب علاء عابد، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصريين الأحرار، قال في بيان أصدره مساء اليوم، "إن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية تعتبر واحدة من أهم  وأخطر القضايا والملفات التى يناقشها مجلس النواب".

بيان عابد لم يعلن بشكل صريح تأييده للاتفاقية، لكن ظهر انحيازه للموافقة في بعض العبارات، إذ قال إن المجلس يبدأ ولأول مرة في تطبيق الدستور بشأن الاتفاقات الخاصة بالالتزامات الدولية، بما فيها  ترسيم الحدود، وهذا اختصاص جديد للمجلس من خلال المادة 151 من الدستور، ودعا للتعامل مع الاتفاقية من خلال المستندات والوثائق وأهل الخبرة، وعدم الاستماع "لبعض المزايدين في هذا الشأن دون أن يكونوا متخصصين أو لديهم مستندات أو وثائق أو حجة قوية".

في السياق نفسه تتداول بعض الصفحات اسم النائب أيمن ابو العلا ضمن المعارضين للاتفاقية، وهو أمر غير صحيح على الإطلاق، فخلال اتصال تليفوني مع القيادي في حزب المصريين الأحرار  قال إن الجزيرتين كانتا تابعتين للحجاز قبل تأسيس المملكة.

أبو العلا قال إن مركز الدراسات التابع لحزب المصريين الأحرار يعد حاليًا ورقة قانونية توضح هل مارست مصر أعمال سيادة على الجزيرتين أم فقط كانت تديرهما؟

السؤال الذي يرغب الحزب في الاجابة عليه لا يتعلق بأحقية مصر في الجزيرتين، وانما بطريقة انتقالهما للسعودية، فان كانت مصر أدارتهما فقط، يحق لمجلس النواب وحده التصويت على الاتفاقية، وإن كانت الدولة المصرية مارست أعمال السيادة على الجزيرتين فيجب إجراء استفتاء شعبي بموجب نص المادة 151 من الدستور.

نواب 25-30

يعارض نواب تكتل 25-30 مناقشة الاتفاقية من حيث المبدأ، مشددين على ضرورة عدم مناقشة مجلس النواب للاتفاقية التي أبطلها حكم المحكمة الإدارية العليا.

دائما ما يقع نواب التكتل في دائرة رد الفعل، فعلى الرغم من صدور الحكم الذي يبطل الاتفاقية منذ عدة أشهر ، وإحالتها  عقب ذلك للجنة التشريعية؛ لم يبدأ التكتل أي تحرك وانتظر حتى الأيام القليلة الماضية، بعدما تأكد النواب من مناقشة الاتفاقية خلال شهر رمضان.

لم يخطط التكتل لأي تحركات تستقطب النواب المحايدين من خارج دائرة "المعارضة"، الذين لم يتخذوا موقفًا وما زالوا حائرين بين وجهتي نظر.

النائب هيثم الحريري قال في تصريحات سابقة، لجريدة الشروق، إن نواب التكتل تقدموا بطلب للانتقال للجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ليكونوا ممثلين بقوة لوجهة النظر المعارضة في اجتماعات اللجنة المنوط بها مناقشة الاتفاقية قبل عرضها في جلسة عامة.

حتى كتابة هذه السطور أكد الحريري أن نواب التكتل لم يتلقوا أية ردود على طلب الانضمام للجنة التشريعية، وفي الوقت نفسه توقع رفض الطلب.

ما وزن نواب التكتل؟ رغم أن الحريري رفض الإفصاح عن الرقم الحالي لنواب التكتل، لكن الرقم المعلن في بداية تكوينه لم يتجاوز 30 نائبًا، وبالتالي هذا رقم غير مؤثر في برلمان قوامه 596 نائبًا.

الوفد 

يضم حزب الوفد 43 عضوًا، ورغم تقديم حزب الوفد تقرير يثبت أحقية مصر في الجزيرتين، إلا ان التزام الكتلة البرلمانية للحزب بأكملها بقرار  الرفض ما زال محل شك.

اجتماع الغد

اللجنة التشريعية هي المسؤول الأول عن مناقشة الاتفاقية، وستبدأ ذلك في اجتماع نرجو أن يكون مفتوحًا للصحفيين بما أنها طالما أن البرلمان يعتبر الاتفاقية "عادية". 

وسوف تستعين اللجنة بخبراء ووثائق متعلقة بجزيرتي تيران وصنافير، ولكننا لم نحصل على إجابة بشأن هوية الخبراء وطبيعة الوثائق، وإذا كانت ستشمل وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة أم لا. 

ومن المقرر أن تعقد اللجنة اجتماعات أخرى يومي الإثنين والثلاثاء مع توقعات بالتصويت على الاتفاقية يوم الأربعاء في الجلسة العامة.