مجلس النواب
وزيرا المالية وشؤون المجالس النيابية خلال مناقشة مشروع القانون في مجلس النواب، 9 مارس 2024

يوميات صحفية برلمانية| "المالية الموحد" مراوغةٌ لاستمرار سياسات قديمة

منشور الأربعاء 13 مارس 2024

في كل عام مع مناقشة الحساب الختامي للموازنة العامة للدولة، تثير المعارضة وبعض الأصوات البرلمانية أزمة وجود 59 هيئة اقتصادية خارج الموازنة. وعلى مدار سنوات أسمع وأوثق توصيات تطالب بوحدة الموازنة وشموليتها، وضم الهيئات الاقتصادية والصناديق لها.

في مطلع الأسبوع الحالي مرت تعديلات قانون المالية العامة الموحد المقدم من الحكومة، التي تدرج الهيئات الاقتصادية ضمن الموازنة العامة وتضع حدًا أقصى للديون، لكن نواب المعارضة المستقلين، ونواب الأحزاب المحسوبة على المعارضة مثل المصري الديمقراطي الاجتماعي والعدل والتجمع، رفضوا مشروع القانون، وتحفظت عليه النائبة أميرة العادلي، عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

حاليًا، توجد 59 هيئة اقتصادية، منها المجتمعات العمرانية، والعامة للتنمية الصناعية، والعامة للبترول، والقومية لسكك حديد مصر. وحسب وزير المالية محمد معيط، تبلغ إيرادات الهيئات الاقتصادية نحو 2.8 تريليون جنيه، أي أكثر من قيمة الموازنة العامة للعام المالي 2023/2024 التي تبلغ 2.1 تريليون.

ولا تشمل الهيئات الاقتصادية الجهات التابعة للقوات المسلحة أو الصناديق الخاصة، التي بلغت أكثر من 6400 صندوق، أبرزها صناديق "تحيا مصر"، و"رعاية الشهداء والمصابين"، و"هيئة قناة السويس".

مراوغات الجري في المكان

يبدو أن مشروع القانون الذي تروج له الحكومة في إطار تفاهماتها مع صندوق النقد الدولي قبيل الاتفاق على قرض قيمته 8 مليار ات دولار، يتبع سياسة الجري في المكان.

لم تُجر الحكومة تعديلاتها لتحدث نقلة في الموازنة العامة للدولة التي تعاني عجزًا بلغ أكثر من 7%، ولا إعادة ترشيد الإنفاق وتوظيف الموارد في ظل دين عام داخلي وخارجي بلغ 113% من الناتج المحلي، بل إنها مراوغة في شكل خطة خمسية تمنح بها الحكومة لنفسها مهلة سنوات لإدراج الهيئات الاقتصادية في الموازنة العامة للدولة.

نص القانون يفتح الباب لمزيد من الديون

المطلب بإدراج تلك الهيئات تبنته المعارضة قبل سنوات، لكن يبدو أن الحكومة تدرك أن الإصلاح المالي ووحدة الموازنة تقابلهما عقبات تجعلها تربط إجراء هذا النوع من الإصلاحات بمهلة زمنية تصل إلى خمس سنوات.

يفسر مصدر بلجنة الخطة والموازنة من حزب مستقبل وطن، رفض نشر اسمه، العقبات التي تواجه الحكومة فدفعتها للنص على مهلة الخمس سنوات موضحًا أن "فصل الهيئات الاقتصادية عن الموازنة العامة للدولة منذ السبعينيات خلق أوضاعًا لا يمكن تغييرها بسهولة".

"سياسات التغيير المفاجئ ستؤدي لخلل ونحتاج وقتًا". واعتبر أن فترة الخمس سنوات كافية لإجراء التعديلات، "لا يمكن ضم الهيئات وموازاناتها للموازنة العام قبل هذه المدة"، يضيف المصدر.

وسمحت المادة 25 من مشروع القانون الذي وافق المجلس عليه نهائيًا، بحساب كافة مُؤشرات المالية العامة، التي تشمل إجمالي موارد واستخدامات المُوازنة العامة للدولة وموارد واستخدامات جميع الهيئات العامة الاقتصادية، بصورة تدريجية.

ولم يرد وزير المالية محمد معيط، على تساؤلات النائبة عن حزب حماة الوطن ميرفت ألكسان، بشأن مؤشرات ضم موازنات الهيئات الاقتصادية طبقًا لجدول زمني يتقدم به وزير المالية لمجلس الوزراء.

وعدّل مشروع القانون تعريف الموازنة العامة، وضم لها موارد واستخدامات جميع الهيئات العامة الاقتصادية، وأضاف عبارة تفتح الباب لعدد من الثغرات، فاشترط "دون التأثير على طبيعة عمل الهيئات العامة الاقتصادية أو مراكزها القانونية أو إعداد موازناتها أو نظم المحاسبة بها أو علاقتها بالخزانة العامة للدولة".

لماذا رفضت المعارضة سقف الديون؟

في ظاهر مشروع القانون استجابة لتوصيات الحوار الوطني بوضع حد أقصى للدين. لكن النص المقدم من الحكومة، الذي وافق عليه مجلس النواب دون الالتفات إلى التعديلات المقترحة من المعارضة، يفتح الباب لمزيد من الديون.

إذ إنه بموجب المشروع الجديد، يضع مجلس الوزراء سنويًا حدًا أقصى لقيمة الدين الحكومي العام الذي يتضمن دين أجهزة الموازنة العامة للدولة ودين الهيئات العامة الاقتصادية، ويتم تحديد هذه القيمة بنسبة من الناتج المحلي المُتوقع خلال السنة المالية.

وهو ما شبهه النائب عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل بـ"أستك" يمكن ضبطه على مقاس الحكومة سنويًا، فيما رفضت الحكومة ونواب الأغلبية مقترحات تعديل النص بصورته الحالية، التي لا تتضمن إطارًا ملزمًا للحكومة بحد أقصى لا يمكن تجاوزه.

ورفض المجلس التعديل المقترح من النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي ينص على أن "تلتزم الحكومة بالعمل على خفض النسبة الحالية حتى تصل نسبة الدين العام (خارجي وداخلي) إلى 90% خلال عامين، و 70% خلال 6 أعوام، من الناتج المحلي الإجمالي. كما يجب ربط سقف الدين الخارجي بقيمة الصادرات والالتزام بخفض نسبته إلى 150% خلال 6 أعوام".

وفسرت عبد الناصر تعديلها في توضيح مكتوب لـ المنصة بـ"عدم وجود حوكمة جيدة لإدارة الدين"، وقالت "نحتاج مؤشرات كثيرة وضوابط لعملية الاقتراض، وليس مجرد وجود سقف مرن بدون استراتيجية، كي نطمئن".

الملفت أن النص الذي مرره مجلس النواب فتح ثغرات لمزيد من الديون تتجاوز الحد الأقصى الذي تحدده الحكومة. فقد سمح بتجاوز الحد الأقصى السنوي لدين الحكومة "في حالات الضرورة والحتميات القومية بعد العرض على رئيس الجمهورية واعتماد مجلس الوزراء بناءً على عرض وزير المالية، ومُوافقة مجلس النواب على تعديل قانون ربط المُوازنة العامة للدولة".

لم يتوقف المجلس أمام هذا النص المطاطي الذي يترك تفسيرات الحتمية القومية للحكومة والرئيس.

للقانون عيوب أخرى

لم تكتف الحكومة بنصوص مطاطة وعائمة لسقف الديون وضم الهيئات الاقتصادية للموازنة، بل استطاعت الحصول على موافقة المجلس لمنحها مهلة جديدة لتطبيق موازنة البرامج والأداء.

وهذه الموازنة هي نظام يستهدف رفع كفاءة وفاعلية الإنفاق العام من خلال ربط الاعتمادات المخصصة بالنتائج والأهداف المراد تحقيقها.

تتبع مصر نظام موازنة البنود الذي لا يفصل الاعتمادات المخصصة لكل جهة

وكان القانون الصادر في 2022 ينص على تطبيق موازنة البرامج والأداء خلال 4 سنوات من صدور القانون، بينما النص الوارد في المشروع مد المهلة لتصل إلى 6 سنوات، "نظرًا لعدم جاهزية وزارة المالية للتطبيق، تم تعديل النص على أن يكون التطبيق خلال 6 سنوات من العمل بالقانون، أي تتبقى 4 سنوات على التطبيق الكامل" حسب تقرير لجنة الخطة والموازنة الذي حصلت المنصة على نسخة منه.

وتتبع مصر نظام موازنة البنود الذي يوضح الاعتمادات المخصصة لكل جهة دون تفصيل أوجه الإنفاق والمستهدفات، وهو عكس موازنة البرامج والأداء التي تحدد المخصصات والأهداف.

"ده معناه إن الحكومة ترفض التطبيق، لأنها تتيح الرقابة على الإنفاق العام والشفافية والحوكمة"، هكذا فسرت النائبة أميرة العادلي عضو المجلس عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، منح سنوات إضافية لتطبيق موازنة البرامج والأداء، التي تسمح بالشفافية والرقابة على الإنفاق.

ورغم أن النائب عبد الوهاب خليل، نائب الهيئة البرلمانية لحزب الأغلبية مستقبل وطن، انتقد زيادة مهلة تطبيق موازنة البرامج والأداء، مرر بقية نواب الأغلبية النص كما هو دون تعديل.

فيما اعتبر النائب أحمد بلال البرلسي، عضو المجلس عن حزب التجمع، تعديلات القانون في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، وأعلن رفض الهيئة البرلمانية للحزب هذه التعديلات.

وأضاف أن موازنة البرامج والأداء ضرورةٌ لإصلاح الخلل الموجود في الموازنة العامة وتفعيل الرقابة ومحاربة الفساد، وطالب برحيل الحكومة غير القادرة على الوفاء بتعهداتها، من بينها تطبيق موازنة البرامج والأداء، "مش كل سنتين نعدل لها القانون".

التعديلات الجديدة التي تتعمد التباطؤ والجري في المكان لتسمح باستمرار السياسات القديمة، ما هي إلا وسيلة تعتمدها الحكومة كلما اضطرت لإجراء تغييرات ليست لديها إرادة حقيقة لتطبيقها، نتيجة مبررات مختلفة، آخرها ضغوط صندوق النقد الدولي.