الرحالة في آسيا | إسرائيل تغزو تايلاند بالفلافل.. وحشرات وعقارب على موائد الطعام

منشور الأحد 12 مارس 2017

حلم السفر حول العالم بالنسبة لي محطات. ومحطتي الأولى فيه زيارة كل دول آسيا، هذه القارة التي تستهويني وتثيرني، كل شيء فيها مختلف تمامًا عما نعيشه، الثقافات والديانات والأعراق والعادات والتقاليد وغيرها، الفارق بيننا في هذه الأمور شاسع، ما يجعلك تشعر أنك سافرت لكوكب مختلف، وليس فقط قارة أخرى.

خططت لجولتي الآسيوية على مدار أكثر من شهرين، حتى كانت البداية الفعلية مع عرض لإحدى شركات الطيران، حجزت فيه تذكرة، الذهاب إلى بانكوك والعودة من كوالالمبور، بمبلغ 2700 جنيه فقط. بحقيبة واحدة، أحملها على ظهري، توجهت إلى مطار القاهرة لبدء رحلة لا يعرف مداها ولا عدد دولها إلا الله، كل ما أعرفه أن محطتي الأولى هي تايلاند، والأخيرة ماليزيا.

اقرأ أيضًا: الرحّالة | تايلاند.. رحلة مجانية "رحمة ونور" على روح الملك الراحل

السفر بالنسبة لي ليس فنادق 5 نجوم ولا مطاعم عالمية أو حتى محلية فخمة، ولا تاكسيات أو التقاط الصور فقط إلى جانب المعالم الشهيرة في كل بلد، متعة السفر كما أعرفها هي التعرف على البشر وثقافاتهم ودياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم، والحياة مثلهم، كما فعلت في بانكوك، أثناء الحداد على روح الملك السابق، ولعب الشطرنج معهم، كما فعلت في أحد شوارع جاكرتا ليلًا، مفترشًا الأرض مع صديق إندونيسي، أو في الهند عندما هممت بدخول معبد سيخي برأسي المغطى احترامًا لمعتقد السيخ، أو في ماليزيا، عندما أشعلت البخور داخل معبد طاوي، أو في الصين عندما شاركت في احتفال بعيد الموتى، وغيرها من التجارب في العديد من البلدان.

 

مكاتب وسائل المواصلات في مطار بانكوك

المهم، وصلت العاصمة التايلاندية، بانكوك، مساء، درجة الحرارة كانت 30 درجة تقريبًا، إلا أن الرطوبة كانت عالية جدًا، وكعادتي عند الوصول لأي دولة، أبدأ في البحث عن كافة البدائل للوصول إلى وسط المدينة، والحقيقة أن مطار بانكوك متعاون جدًا في هذه النقطة، فاللوحات الإرشادية تملأ كل مكان في المطار، توضح لك كيفية الوصول إلى وسط البلد، سواء بالتاكسي، أو بالميكروباص، أو بالأتوبيس، وإلى جانب كل وسيلة مواصلات الأجرة المحددة.

قبل خروجك من بوابات المطار ستجد العديد من المكاتب، التي تتولى حجز وسائل المواصلات المختلفة، سواء المتوجهة لأماكن متعددة في وسط المدينة، أو متوجهة لمدن أخرى، توجهت لأحدهم، حجزت تذكرة ميكروباص (8 راكب)، متجهًا إلى خاو سان.

وخاو سان، شارع لا يتجاوز طوله كيلومترًا واحدًا، إلا أنه يكاد يكون الأشهر في بانكوك، هو وجهة كل الرحالة، الذين يسافرون بميزانيات بسيطة مثلي، والذين يفضلون إنفاق أموالهم على اكتشاف أماكن جديدة، أكثر من قضاء ليلة في فندق 5 نجوم. الشارع نظيف طوال الوقت، على جانبيه تنتشر المحلات، التي تبيع الحرف اليدوية، والكتب، والملابس والفواكه، وكذلك المطاعم، وعلى أرصفته أيضًا ستجد بعض الباعة الجائلين الذين يبيعون الحشرات والعقارب المعدة جيدًا للطعام.

في المساء سيتحول الشارع إلى آخر، تمامًا كما كل شيء في بانكوك، الموسيقى الصاخبة والحانات، وجلسات الطعام بعد يوم ممتع من استكشاف الرحالة للمدينة، الجميع يتعرفون على بعضهم البعض، كل منهم يقص على الآخرين رحلاته في تايلاند وغيرها، ويشاركهم الطعام والرقص وأيضًا البيرة، كذلك الترتيب لبرنامج مشترك، يضم رحالة من جنسيات مختلفة.

اختياري لخاو سان، وإن كان يعتمد بشكل كبير على الأسباب السابقة، إلا أن له من المميزات الأخرى ما يجعله المكان المفضل لإقامتي في بانكوك، فالشارع يقع في منطقة مليئة بالمعابد، ولا يبعد عن القصر الملكي الكبير (Grand Palace) أكثر من 10 دقائق مشيًا على الأقدام، وكذلك الحال مع معبد Wat Pho الشهير، وغيرهما من المعالم، وكذلك وسائل المواصلات الشعبية كالمترو أو الـ(sky train) والأتوبيسات العامة، واللذان تستطيع الوصول بهما إلى أي مكان في بانكوك.

 

لافتات عبرية في شوارع بانكوك

على كل حال، أكثر ما لفت نظري بعد وصولي بانكوك، كانت اللافتات العبرية المنتشرة في كل مكان، في إشارة إلى قوة العلاقات التايلاندية- الإسرائيلية، التي بدأت مبكرًا في العام 1954، بعد إعلان قيام إسرائيل بست سنوات فقط، والتي تجاوزت مجرد الاعتراف الدبلوماسي، إلى التعاون في مجالات مختلفة، اقتصادية وعسكرية ومخابراتية، كان من بين ثمارها على سبيل المثال، بيع أنظمة تسليح إسرائيلية متطورة لتايلاند، وتقديم بانكوك لتل أبيب معلومات استخباراتية عن محاولة لاغتيال وزير الدفاع الإسرائيلي أثناء زيارته لسنغافورة في 2012، وكذلك اعتقال إيرانيين، اتهمتهم بالتورط في سلسلة هجمات طالت دبلوماسيين إسرائيليين في الهند وجورجيا وتايلاند.

اللافتات العبرية، لا تشير في الحقيقة إلى عمق العلاقات بين الدولتين، بقدر ما تشير إلى التغلغل الإسرائيلي في المجتمع التايلاندي، فهذا مطعم إسرائيلي يقدم "الفلافل" باعتبارها أكلة شعبية إسرائيلية، وهذا مركز سياحي إسرائيلي، وذاك فندق يعتمد في لافتاته على اللغة العبرية، في إشارة إلى جنسية زواره.

ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، كان من حسن حظي أن زرت تايلاند هذه المرة، بعد وفاة الملك السابق، بوميبول أدولياديج، حالة الحداد الرسمي، كانت تقضي بتوزيع الطعام والشراب والعصائر مجانًا على الجميع في الشوارع، وكذلك إتاحة المواصلات العامة مجانًا أمام الجمهور، وأيضًا قص الشعر وإجراء الفحوصات الطبية، ما انعكس بالإيجاب على ميزانيتي.

طوال الطريق من شارع خاو سان إلى القصر الملكي الكبير (Grand Palace) كان ثمة طوفان بشري أسود يتحرك نحو المبنى، المواجه لوزارة الدفاع، والذي يُعَد رسميًا مقرًا لإقامة ملوك البلاد. هو تحفة معمارية بألوانه ومبانيه ومعابده، ويعتبره التايلانديون درة التاج السياحي لبلادهم، إلا أنه في ذلك اليوم كان قبلتهم لإلقاء نظرة الوداع على ملكهم الراحل.

اقرأ أيضًا: الرَحَّالة | ثنائية الدين والجنس في تايلاند: "شعب متدين بطبعه"

على جانبي الطريق، اصطف من يوزع الورود والطعام والعصائر، فيما كانت تنتشر قوات من الجيش والشرطة حول المكان. كنت جائعًا ورأيت طابورًا من المواطنين أمام إحدى الطاولات التي توزع طعامًا وعصائر، فقررت خوض التجربة، وقفت في الطابور حتى أخذت ما فيه النصيب، ليس في الأمر أي خجل، فأنا كما قلت لك أحب تجربة الحياة كما يعيشها مواطنو الدولة، التي أزورها.

كما شاركتهم الطعام، حاولت مشاركتهم في إبداء الحزن على موت ملكهم الراحل، فمن غير اللائق الاستمتاع بطعام "الرحمة والنور" دون حتى قراءة الفاتحة على روح صاحبه، ولو كان داخل معبد بوذي، سرت وسط الطوفان البشري، حتى نبهني أحدهم: لن يسمحوا بدخولك لأنك لا ترتدي زيًا أسود، حتى إذا وصلت إلى بوابة القصر الملكي الكبير، وإذ بفتاة لا تعرف الإنجليزية توقفني بكل أدب وهي مبتسمة، وعندما أدركت أنني لا أفهم السبب، استعانت بزميلتها، التي تتحدث الإنجليزية بلغة متواضعة، لتخبرني أن الأجانب كافة ممنوع دخولهم طوال أيام إلقاء نظرة الوداع، وأن من يحق له فقط أن ينال هذا "الشرف" هم المواطنون التايلانديون، شكرتها وانصرفت.

تناول الطعام

قررت الذهاب إلى معبد Wat Pho، هناك تم تصوير الفيلم الشهير "حرامية في تايلاند". في طريقي، كررت التجربة مرة أخرى، لم أكن بحاجة لمزيد من الطعام المجاني، لكن تجربة الفواكه الاستوائية المجانية، والاستعانة بالعصير والمياه المعدنية، المجانية هي الأخرى كانت أمرًا لا مفر منه.. ولم المفر؟

 

وصلت المعبد، الممتلئ بالأبنية والقاعات، ذات الألوان الزاهية، وتماثيل بوذا الذهبية التي يتجاوز عددها في هذا المعبد وحدها الـ 1000 تمثال. لفت نظري سيدتين ورجل، يجلسان على أرائك من خشب البامبو، فيما ينهمكون في صنع "حلوى تايلاندية" (Original Thai Dessert)، هي ليست مجانية ككل ما تناولته حتى الآن، القطعة الواحدة بعشرة بات (5 جنيهات)، لكنها في الحقيقة تستحق، بطعمها الذي لن تنساه إذا تذوقته، ولونها الأخضر والأبيض.

ساندوتش حلوى الباندانوس

الحلوى عبارة عن ورق نبات الباندانوس الأخضر وقد تم تقطيعه في خلاط، يتم رشه داخل طاسة موضوعة على النار بشكل دائري، ليتحول إلى ما يشبه خبز التورتيلا، ثم يرشون بداخله جوز هند مبشور، ويلفونه على بعضه البعض، ليتحول إلى ساندوتش حلوى باندانوس ساخن، تمامًا كحرارة الجو.

كغيره من معابد تايلاند البوذية، خاصة ذات المباني المتعددة ستعاني كثيرًا، فلا يجوز دخول أي مبنى بالحذاء، لم أكن على علم بالأمر، ما تسبب في خلعي وارتدائي الحذاء عشرات المرات، في اليوم الواحد، وأحيانا مرات متعددة في الساعة الواحدة.

أهم ما يميز معبد Wat Pho المقام على مساحة 80 ألف متر، هو تمثال بوذا المتكئ، وهو تمثال ذهبي يبلغ طوله 46 مترًا، بارتفاع 15 مترًا، في قاعة ضخمة، تدخلها من باب وتخرج من آخر بحسب خط السير الذي يدور حول التمثال، إلى جانب الهمهمات باللغات المختلفة، وأصوات الكاميرات، ستلتقط أذناك كلما اقتربت من الجانب الآخر للتمثال أصوات عملات معدنية تسقط في أطباق حديدية، بواقع بات في كل طبق، حيث يقف طابور طويل من الرجال والنساء ليضعون العملات في الطبق تلو الآخر طلبًا للبركة.

 

سنجاب يأكل جوز الهند بجوار معبد Wat Pho

قبل خروجي من المعبد، حصلت على زجاجة مياه، يمنحونها لك مجانًا على التذكرة، كنت بحاجة إليها فعلًا، بعد هذه الجولة الطويلة، التي انتهت أمام سنجاب على جذع شجرة قبالة بوابة Wat Pho علق له أحدهم ثمرة جوز هند ليتناول السنجاب منها طعامه، بينما يلتف حوله السائحون لالتقاط الصور، فيما يهرب هو بين الحين والآخر إلى الأعلى قليلًا وسط الضحكات وأصوات الكاميرات.

 

كافة الصور من تصوير أحمد بلال، وخاصة بالمنصة