بإذن خاص للمنصة
المرشد السياحي محمد فاروق أمام الأهرامات

فاروق ليس "حر نفسه".. الأمن يعرقل آمال المرشدين السياحيين

منشور الأربعاء 26 يوليو 2023

على الرغم من حصوله على تصنيف متميز في تقديم خدمات الإرشاد السياحي بمصر، ما جعله يحصد شارة "Best choice" على الموقع السياحي الشهير TripAdvisor، فإن المرشد السياحي محمد فاروق يواجه معوقات كبيرة تمنعه عن العمل الحر لحساب نفسه، بعيدًا عن شركات السياحة.

السبب الرئيسي لرغبة فاروق في العمل منفردًا هو ما تقتطعه شركات السياحة من دخله، وهذا على الأغلب هو الدافع أيضًا لدى 11 ألف مرشد أعضاء في النقابة المنظمة لهذه المهنة. لكن في المقابل ثمة عوائق قانونية وأمنية لا تزال تمنعهم عن المساواة بحال المحاسبين والمحامين وغيرهم من العاملين في القطاع المهني.

اللجوء للقضاء 

دخل فاروق في نزاع قضائي مع وزارة السياحة لإلزامها بالسير في إجراءات ترخيص إنشاء مكتب لتقديم خدمات الإرشاد السياحي، وحصل على حكم مؤيد لدعوته من القضاء الإداري، وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حسمت المحكمة الإدارية العليا هذا النزاع بتأييدها حكم محكمة القضاء الإداري.

لكن وزارة السياحة لجأت مؤخرًا إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، بطلب إبداء رأي قانوني حول كيفية تنفيذ الحكم، في ضوء خلو قانون المرشدين السياحيين من الإجراءات المنظمة لإصدار تراخيص تلك المكاتب.

وعليه صدرت فتوى قضائية مُلزمة في 29 مايو/أيار الماضي، باستحالة تنفيذ الحكم لعدم وجود إطار تشريعي يُنظم منح ترخيص مكاتب لتقديم خدمات الإرشاد السياحي، وهو ما عدّه مصدر قانوني مطلع باتحاد الغرف السياحية، انتهاءً لأثر الحكم الصادر لصالح المرشدين السياحيين، قائلًا "خلاص كدا مفيش حاجة تلزم الوزارة بتنفيذ الحكم".

وأضاف المصدر القانوني، الذي طلب عدم نشر اسمه، للمنصة، أن الفتوى يُفهم منها أن السماح للمرشدين السياحيين بإنشاء مكاتب خاصة يستلزم وجود نصوص تشريعية تنظم مزاولة تلك المكاتب للمهنة، أسوة بمكاتب المحاماة والمحاسبة التي تنظم إجراءات عملها تشريعات خاصة.

رفض أمني

يرى خالد الجمّال، المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ووكيل فاروق في الطعن، أن مقاومة وزارة السياحة لفكرة السماح للمرشدين بإنشاء مكاتب خاصة بهم تعود بالأساس لأسباب أمنية.

"الأجهزة الأمنية ترى أن تتبع وتأمين السيّاح عبر شركات السياحة أسهل بكثير من تتبع وتأمين السائح الذي يتولى بنفسه منفردًا حجز فندق الإقامة وبرامج الإرشاد السياحي عبر مكاتب المرشدين السياحيين"، بحسب الجمال.

من جانبها، لم تنكر وزارة السياحة البعد الأمني في هذه القضية، وقالت في استشكال أقامته لوقف تنفيذ حكم إلزامها بتراخيص مكاتب خاصة للمرشدين، إن الإدارة العامة لمباحث السياحة رأت ضرورة قصر التعامل مع السائحين على شركات السياحة مباشرة، دون الأفراد، لأغراض تأمينية، ولما يسببه ذلك من إخلال بسير المرافق العامة والإضرار بسمعة مصر، بحسب الاستشكال الذي اطلعت عليه المنصة.

وثيقة تثبت اعتراض الأمن على عمل المرشدين السياحيين لحساب أنفسهم

 

وتعليقًا على الفتوى قال الجمّال، " أنا مش فاهم إيه اللي ممكن نعمله بعد حصولنا على حكم بات ونهائي؟!"، مضيفًا "القانون وضع قاعدة عامة تجيز للمرشدين السياحيين العمل لحساب أنفسهم، ومش شرط أن القانون يتضمن الإجراءات التنفيذية والتنظيمية، بمعنى إن وزارة السياحة هي المعنية بإنها ترتب الإجراءات دي بقرار تنفيذي وفقًا للحكم القضائي".

فاروق يرتدي تي ـ شيرت مطبوع عليه نص قانون المرشدين السياحيين

ومضايقات أمنية

تتجاوز قضية فاروق مجرد المطالبة بمكتب مستقل، فهي تعكس أيضًا رغبة المرشدين في معاملة "أمنية" أفضل، مثل تلك التي تتلقاها شركات السياحة.

لا ينسى فاروق اليوم الذي استوقفه فيه أمين شرطة على باب أحد فنادق الجيزة رافضًا خروجه بسائح أجنبي لمنطقة الأهرامات، مطالبًا إياه بإبراز الإخطار الأمني الخاص باصطحاب السياح، والذي يصدره الأمن لشركات السياحة. "طلعت له ترخيص مزاولتي للمهنة كمرشد سياحي، بس رفض مروري بالسائح وعطّلنا لأكتر من نص ساعة رغم  أن الضيف الأجنبي كان مرتبط بموعد طيّارة بعد جولة الأهرامات".

دفع ذلك الموقف وغيره من المضايقات، فاروق إلى طباعة نص المادة 10 من قانون المرشدين السياحيين على تي شيرت أبيض، لإقناع الأمن بأن القانون يسمح له بتقديم خدمات الإرشاد السياحي لحساب نفسه، وبعيدًا عن شركات السياحة.

ولا ينكر فاروق أن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر لصالحه بإلزام الوزارة بالترخيص له لإنشاء مكتب لتقديم خدمات الإرشاد السياحي، خفف حدة مضايقات الأمن له الفترة الماضية لدى مباشرته لعمله لحساب نفسه، إلا إنه لم يخف قلقه من عودة تلك المضايقات مجددًا بعد صدور الفتوى الخاصة باستحالة تنفيذ الحكم.

300 جنيه في اليوم

يرى فاروق أن ضعف أجور أغلب شركات السياحة للمرشدين هو ما أوصلهم لمواجهة هذه الشركات " قرار وزير السياحة من 6 سنوات، بيحدد الحد الأدنى لليومية بتاعتي كمرشد بـ700 جنيه يعني مش مكملين 20 دولار، في حين إن المرشد السياحي في بلد زي الأردن بياخد 100 دولار في اليوم".

وبحسب قوله فإن الشركات لا تلتزم بالحد الأدنى، وبعضها يمنح المرشد من 300 لـ 500 جنيه، "ودا وضع لا يؤمّن حاضر ولا مستقبل. أنا لو وصلت لسن الخمسين أكيد مش هبقى قادر أمارس عملي زي دلوقتي وبالتالي ففكرة المكتب يتيح أن يكون لي مشروعي الخاص اللي أقدر من خلاله أكوّن فريق عمل وأدرب شباب جديد ويظل استثمار قائم".

وفي المقابل، قال باسل السيسي نائب رئيس غرفة شركات السفر السابق، إن القانون حدد شروط معينة لممارسة نشاط جلب واستقدام السائحين، وأوكل لشركات السياحة الحاصلة على تراخيص قانونية مزاولة ذلك النشاط، وبالتالي فلا يجوز للمرشد السياحي جلب السائحين لحساب نفسه بمعزل عن الكيانات المرخص لها.

وأوضح السيسي للمنصة، أن أزمات المرشدين السياحيين مرتبطة في المقام الأول بزيادة عددهم عن الحد الذي يتطلبه السوق السياحي، وهو ما يجعل الغالبية العظمى منهم تتعثر في إيجاد فرص عمل مجزية.

وأضاف السيسي، أن المرشد السياحي لا يعتمد في مصدر دخله على الأتعاب التي تصرفها له الشركات السياحية فحسب، بل يُحصِّل عمولات أخرى وبقشيش، منتقدًا قرار وزير السياحة الخاص بتحديد حد أدنى لأتعاب المرشد يوميًا والمقرر بـ700 جنيهًا، مؤكدًا أنه قرار خاطئ ومن المفترض أن يترك الأمر للعرض والطلب، شأنه شأن أي خدمة، قائلًا "عمرك شفت قرار وزاري بيحط حد أدنى للكشف عند الطبيب، أو أتعاب المحامي؟!".

وفي الوقت الذي عطّلت فيه الفتوى رغبة المرشدين السياحيين في ترخيص مكاتب خاصة لهم، ينتظر فاروق ومحاميه، ما ستنتهي إليه محكمة القضاء الإداري في دعاوى أخرى مقامة من مرشدين سياحيين بذات الطلبات، والتي ستفصل فيها المحكمة في ضوء صدور تلك الفتوى.

وإلى حين صدور تلك الأحكام يأمل فاروق في ألا يتأثر موقفهم القانوني بالفتوى، مؤكدًا أن إطلاق يد المرشدين في تأسيس مكاتبهم سيمكنهم من تقديم خدمات تستجيب لمطالب السياح المتنوعة "أنا مش عايز آخد دور شركة السياحة، ولا عايز أشتغل بأربعين ولا خمسين زبون، أنا عايز ألبي رغبات وفود من 5 أو 6 أو 10 أشخاص مش عايزين يتعاملوا مع شركة، ومش عايزين يلتزموا ببرنامج سياحي معين".