حوار | المسؤولة عن الشرق الأوسط في "الشفافية الدولية": مصر في حاجة إلى إصلاح تشريعي لمواجهة الفاسدين

منشور الأحد 17 أبريل 2016

عشية يوم الأُحد الموافق 3 أبريل/نيسان، كان العالم على موعد مع واحد من أكبر التحقيقات الصحفية في التاريخ؛ تسريب "وثائق بنما" كشف أنشطة شركة تسهيلات قانونية مقرها بنما، تعمل على مساعدة عملائها من الشخصيات العامة وقادة الدول. وسبعة من أصل 12 قائد دولة كشفت عنهم التسريبات جاؤوا من منطقة الشرق الأوسط، ورغم ذلك لم تعلن سوى دولة عربية واحدة - تونس - فتح التحقيق في مزاعم تورط مسؤوليها في التهرب الضريبي وغسيل الأموال.

تعتبر مصر واحدة من الدول التي تجاهلت ما كُشف عنه في وثائق بنما، رغم ظهور اسم علاء مبارك، ابن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في الوثائق، مما يشير بأن أسلوب التهرب الضريبي وغسيل الأموال كان مطروحًا في الدوائر العليا المصرية في فترة ما قبل الثورة. 

وفي الوقت الذى أعلن أعضاء من الفريق الصحفى المسؤول عن البحث في التسريبات عن نشر المزيد من الوثائق التي تكشف قضايا فساد حول العالم بما فيها مصر، حاورت المنصة غادة الصغير مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى منظمة الشفافية الدولية، ومقرها برلين. غادة الصغير، الفلسطينية الجنسية، لديها خبرة أكاديمية وعملية في مجال التنمية المستدامة بالتركيز على مكافحة الفساد والحكم الرشيد في منطقة الشرق الأوسط. شغلت عدة مناصب تنفيذية قبل التحاقها بالشفافية الدولية، منها المدير العام لمركز القدس للمرأة.

ما بعد "وثائق بنما".. استقالة وتحقيقات ومظاهرات

- كيف تُقيّم منظمتكم الآثار الناجمة عن تسريبات بنما، خاصة في ما يتعلق بالجهود الدولية لمحاربة الفساد؟

قدمت التحقيقات فرصة ذهبية للتغيير نحو الأفضل من خلال مراجعة السياسات الدولية والوطنية وتقييم مدى إنفاذها من ناحية، ومن ناحية أخرى تبني إجراءات جديدة من شأنها وضع حد للشركات الوهمية والتهرب الضريبي وغسيل الأموال مثل تبني توصية منظمة الشفافية الدولية بإنشاء سجل دولي علني يُدَوَّن فيه أسماء المالكين الحقيقيين للشركات.

- هل يمكن توضيح النتائج المرجوة من هذا التحقيق الاستقصائي الدولي على المدى القصير والطويل، خاصة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية للمواطن العادي؟

 

سمعة الحكومات حول العالم، خاصة ذات العلاقة بهذه التسريبات، وثقة شعوبها بها، باتت على المحك، وقد رأينا كيف ساهم التحرك الشعبي في آيسلندا في استقالة رئيس الوزراء من منصبه. فإذا لم تحرك الحكومات ساكنًا فإنها تعرض مصيرها للخطر. الحكومات مطلوب منها الآن أكثر من أي وقت مضى تبني سياسات وإجراءات فعالة لمكافحة الفساد وإنفاذ القوانين، ورفع الحصانة التي تمكن المسؤولين والمتنفذين من استخدام سلطاتهم ونفوذهم في تحقيق مكاسب شخصية بالاستيلاء على المال العام أو التهرب الضريبي أو الانخراط في عمليات غسيل أموال لإخفاء المال القادم من فساد أو جرائم.

نتوقع تبني سجلات وطنية بأسماء المالكين الحقيقيين للشركات وسجل دولي لنفس الغرض، بالإضافة إلى تعاون أفضل بين الدول في هذا المجال. أما على المدى البعيد فنتوقع إنهاء ظاهرة الملاذات الآمنة التي تتجاوز 30 موقعًا حول العالم من خلال ضغط دولي وشعبي على الدول التي توفر هذه الملاذات الآمنة على أراضيها.

-هل تعتقدون أن الدول جادة بشأن التحقيقات التى تجريها عن إخفاء مسوؤليها ثروات غير مشروعة؟ وماذا عن الدول الأخرى التي لاذت بالصمت مثل مصر؟ كيف تفسرون تجاهلها لوثائق بنما؟  

رغم الضجة الكبيرة التي نتجت عن نشر أوراق بنما، كان لقلة من الدول المعنية ردود فعل كالإعلان عن نيتها اجراء تحقيقات بهذا الشأن. مسألة مدى جديتها نتركها للوقت لتقييم حجم التقدم في هذه التحقيقات والإجراءات العقابية التي سوف تتخذها بشأن المتورطين في هذه العمليات التي تُفقِد الدول ضرائب تقدر بمليارات الدولارات. وفي المنطقة العربية لم تعلن سوى دولة واحدة هي تونس عن إجراء تحقيق، إذ قام البرلمان بالتصويت لصالح إنشاء لجنة تحقيق سوف تقوم بالسفر لبنما في حالة تم الكشف عن تورط مسؤولين تونسيين. للأسف لم تحظ وثائق بنما باهتمام حكومي عربي رغم أن 7 من أصل 12 زعيم دولة مذكورين فيها من المنطقة العربية وبالتحديد من السعودية وقطر والامارات والعراق والأردن ومصر والمغرب. إن صمت الحكومات يعني إما ضلوعها أو تعرضها لضغوط أو عدم توفر إرادة سياسية أصلا لمكافحة الفساد.

-بعض الأشخاص من قادة الدول والشخصيات العامة المتورطين في التهرب الضريبي وغسيل الأموال، يزعمون أن أعمالهم التجارية لم تخالف أي قانون في بلادهم. هل تدرسون متابعة إجراءات معينة للضغط على الحكومات لتغيير قوانينها التى تسمح بإنشاء شركات سرية؟

 

صحيح أن وجود غطاء قانوني يضع الأمور في منطقة رمادية إلا أنه لا يغير من حقيقة أن التهرب الضريبي أو غسيل الأموال جريمتان أخلاقيتان بكل المقاييس، فهما يساهمان في توسيع الفجوة بين المواطنين من جهة توزيع الثروات وغياب العدالة الاجتماعية خاصة في المنطقة العربية حيث يعيش حوالي ثلث المواطنين العرب بمبلغ أقل من 2 دولار باليوم. ففي مصر مثلًا يمتلك 1% من الأثرياء حوالى 50% من إجمالي الثروة. بينما تصل نسبة البطالة بين الشباب الى حوالي 30%. إن المليارات التي تفقدها الشعوب العربية بسبب التهرب الضريبي أو الفساد وغسيل الأموال يمكن أن تبني مئات ألاف الوحدات الصحية والتعليمية والطرق وشبكات المياه التي من شأنها أن تقدم فرص عمل لنسبة كبيرة من الشباب العاطل عن العمل.

وبما أننا نتحدث عن مشكلة دولية حيث هناك عدة أبعاد للمسألة وعدة أطراف متورطة فيها حيث تجد أن شركة وهمية مسجلة في دولة ما ترتبط بشركة وهمية أخرى في دولة ثانية وشركة ثالثة في دولة أخرى الأمر الذي يفرض تحديات وصعوبات في تتبع المالك الحقيقي لها. لذلك يجب أن يكون الحل دوليًا أولًا. وعليه، فإننا في منظمة الشفافية الدولية طالبنا بضرورة تبني سجل علني دولي حيث يتم إدراج أسماء المالكين الحقيقيين للشركات المسجلة في دولها وتلك المسجلة في دول أخرى. وإيجاد آلية تمكن الحكومات من التعاون سويًا في فحص فيما إذا كان المالك الحقيقي للشركة متهم بالفساد وبالتالي يقوم بغسيل أمواله خارج دولته.

-منذ الكشف عن وثائق بنما، وأنتم تعكفون على دراستها، وتحليلها. هل تشاركونا أهم النتائج التى توصلتم إليها بشكل عام، مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط؟

 

نحن كمنظمة دولية غير حكومية تشكل المرجعية الأولى في مجال مكافحة الفساد نعتقد أن وثائق بنما لا تخص التهرب الضريبي فقط وإنما تخص الفساد في المقام الأول. ورغم أن البعض يبرر وجود شركات وهمية في الخارج ويعتبره أمرًا مقبولًا نرى أن هذه التبريرات ما هي إلا ذر للرماد في العيون، ونرى أن من يقوم بتسهيل عمليات إنشاء وتسجيل هذه الشركات الوهمية وفتح حسابات بنكية تحت أسماء وهمية من محامين ومحاسبين ومصرفيين ما هم إلا عناصر مساعدة ومشجعة للمتهمين بالفساد الكبير مثل مبارك وبن علي وغيرهما.

من ناحية ثانية، رغم تبني اتفاقية دولية لمكافحة الفساد ومصادقة عدد كبير من الدول عليها بالإضافة الى سياسات أخرى ووجود بروتوكولات للتعاون الدولي حول جرائم الفساد وتسليم الفاسدين، إلا أننا غير راضين عن نتائج وأثر الجهود الرسمية في القضاء على الفساد او على الأقل تخفيضه، فما زالت هناك العديد من الفجوات التشريعية والمؤسساتية ومشكلات متعلقة بسلوك الموظف العام وفعالية واستقلالية الهيئات الرقابية. آمل أن تكون هناك نتائج ملموسة لقمة مكافحة الفساد التي ستعقد في لندن يوم 12 أيار/ مايو القادم، وأن توفر إرادة سياسية حقيقية لقادة الدول الذي ستشارك في هذ القمة بمن فيهم قادة من المنطقة العربية لمعالجة جدية لهذا الملف الهام الذي فتحته وثائق بنما.

 

- تونس كانت البلد العربي الوحيد الذي أعلن فتح تحقيق في مزاعم تورط مسؤوليها في فساد. لماذا شذت تونس عن القاعدة العربية؟ وهل هذا ناجم عن إرادة سياسية لقادة تونس، أم بسبب قوانين الشفافية ومكافحة الفساد في البلاد؟

 

هناك عدة عوامل مساعدة منها المناخ الديمقراطي والحريات العامة كحق التنظيم والتجمع والحريات الإعلامية، إذ تقدم تونس أفضل نموذج في المنطقة العربية على هذا الصعيد، رغم العديد من النواقص في عملية الانتقال الديمقراطي. هناك فساد سياسي ولكن ليس بنفس الحدة التي تشهدها دول عربية مثل العراق ولبنان، وهذا يتيح بعض الحيز لوجود معارضة حقيقية وبرلمان ناشط. يلعب المجتمع المدني والإعلام هناك دورًا بارزًا في الرقابة على الشأن العام والمساءلة الشعبية للحكومة وباقي السلطات. وأخيرًا فهناك الشفافية، إذ أن هناك كمًا من المعلومات المتوفرة التي تمكن البرلمان والهيئات الرقابية والمجتمع المدني والشعب من الرقابة والمساءلة، علمًا بأن تونس والأردن هما الدولتان الوحيدتان اللتان تنشران ميزانيات الدفاع والأمن في الوطن العربي. 

-بالحديث عن الشخصيات العامة المصرية المذكورة في وثائق بنما، هل حصة مصر من التسريبات تتناسب مع موشرات الفساد المعلنة أم أنها عكست وضعًا أسوأ؟

 

الوضع في مصر غير مُرض على كافة الأصعدة. جميع المؤشرات التي أصدرتها منظمة الشفافية الدولية كمؤشر مدركات الفساد وباروميتر الفساد ومؤشر الدفاع الحكومي أشارت الى مراتب متدنية لمصر حيث لا تتمتع بحوكمة رشيدة، ناهيك عن ضعف سيادة القانون وضعف الحكومة والمؤسسات العامة والبرلمان وضعف استقلال القضاء والهيئات الرقابية، وغياب هيئات مستقلة لمكافحة الفساد وغياب الإعلام المستقل، بالإضافة الى التقييد الهائل لعمل منظمات المجتمع المدني. كذلك الاعتقالات العشوائية والتصفيات والاختفاء القسري. هذا المناخ لا يساعد على نجاح جهود مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية والمساءلةـ إنما يضيق الخناق على هذه الجهود.

 

-هل يوجد أي إجراء قانوني يسمح للحكومة المصرية بتعقب الأموال المذكورة في وثائق بنما أو فتح تحقيق رسمي مع أصحاب الشركات السرية؟

 

كما بادرت تونس إلى تشكيل لجنة تحقيق نطالب مصر وغيرها من الدول المعنية بتسريبات بنما بالإعلان عن فتح تحقيق فوري وتشكيل لجنة وهذا أضعف الايمان وهذا ما طالبت به المجموعة العربية الاستشارية للشفافية في بيانها بتاريخ 8 أبريل الحالي. ولكن ونظرًا لخبراتنا السابقة مع لجان التحقيق التي تشكلت في مجال استرداد الموجودات نطالب بخطوات جدية بحيث يتم تعيين لجنة للتحقيق من القضاة والمجتمع المدني وأعضاء برلمان يتمتعون بالنزاهة وثقة المواطنين وأن يتم النشر حول نتائج هذه التحقيقات على الملأ وبكل شفافية. وعلى المدى المتوسط هناك مجموعة من القوانين متعلقة بالإفصاح عن الذمة المالية وتضارب المصالح والكسب غبر المشروع وتسجيل الشركات والنشر وتداول المعلومات التي يجب أن تتوفر وفق الممارسات الفضلى والمباديء الدولية. إن التعديل الذي جرى على قانون الكسب غير المشروع مؤخرًا لا يعزز فقط إفلات المسؤولين ورجال الأعمال الذين تورطوا بالفساد من العقاب وإنما أيضا يقدم غطاء قانونيًا رسميًا للفساد والفاسدين. إن عمليات التصالح مع الفاسدين الهاربين من وجه العدالة يجب وقفها فورًا. فعلى سبيل المثال تم عرض التنازل عن مبلغ 22.5 مليار جنيه على رجل الأعمال حسين سالم الهارب من حكم قضائي مقابل إسقاط جميع التهم عنه والتوقف عن ملاحقته.  

- ما الخطر من وراء تصالح الحكومة المصرية مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد؟

 

إن التصالح مع الفاسدين سواء كانوا مسؤولين حكوميين أو رجال أعمال بهدف استرداد الأموال المنهوبة مقابل العفو عنهم بعد تمتعهم بهذه الأموال له آثار سلبية على منظومة سيادة القانون والعدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة. إن لجوء مصر وغيرها من الدول لهذا "الحل السهل" تحت ضغط تردي الوضع الاقتصادي وحاجة البلد للأموال يقوّض سيادة القانون ويدمر ثقة الشعب في نظامها القضائي. بالإضافة إلى ذلك، يشجع الأشخاص لمواصلة سرقة الأموال العامة في ظل توفر خيار التسوية المتاحة إذا تم القبض عليهم. إننا في منظمة الشفافية الدولية نعتقد أن عملية التصالح سواء بغطاء قانوني أو بدونه من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من الإفلات من العقاب وتهدد السلم الاجتماعي.

وتزداد خطورة عملية التصالح في ظل ضعف الشفافية حول مصير الأموال المستردة حيث لا توجد آلية واضحة وشفافة للكيفية التي ستدار بها هذه الأموال ولأي هدف. وبالتالي هناك تخوف من استخدامها في إعادة انتاج الفساد، أو في أحسن الأحوال ضخها للموازنة العامة لسد العجز دون استخدامها لتعويض الشعب المستحق لها.

-بالفعل، واجه العديد من هؤلاء الشخصيات العامة والمسؤولين من مصر محاكمات إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكنهم حصلوا على البراءة في العديد من القضايا؟ كيف تنظرون إلى هذه المحاكمات وما آلت إليه؟

 

سقوط التهم عن مبارك ونجليه في قضية فيلات شرم الشيخ كان بسبب التقادم وليس لعدم ادانتهم بالضلوع في الفساد في هذه القضية. أما العقوبات في القضايا التي صدرت فيها أحكام إدانة كالقصور الرئاسية فهي غير رادعة ما يتطلب اصلاح تشريعي جذري يلغي مسألة التقادم في جرائم الفساد والحصانة ويفرض عقوبات رادعة على مرتكبي جرائم الفساد. بالإضافة إلى اصلاح إجراءات التقاضي بهدف تسريعها.

-ماذا عن اللجنة المصرية لاسترداد الأموال المنهوبة من الخارج؟ كيف تقيّم منظمتكم عملها وجهودها منذ إنشائها بعد الثورة المصرية؟

 

شكلت الحكومات المتعاقبة 5 لجان رسمیة ولجنتان شعبیتان لاسترداد الأموال المنھوبة. إلا أن الجهود المصرية لم تكن جدية حيث كان هناك تباطؤ في إجراءات التقاضي وعدم صدور أحكام إدانة ضد مبارك ونجليه والمسؤولين المصريين المدانين بالفساد سوى الحكم الصادر بحق الرئيس الأسبق وابنيه في قضية القصور الرئاسية، كما لم تكن مصر جادة في إجراءات الاتصال مع سويسرا وبريطانيا التي أودعت فيهما الأموال المهربة، بالإضافة الى تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية حيث تم عزل النائب العام ما أدى الى انعدام ثقة المجتمع الدولي في جدية ونزاهة الحكومات المتعاقبة على حكم مصر في أعقاب ثورة 25 ینایر.

 

-في مؤشر مدركات الفساد السنوي الذي تصدره منظمتكم، حققت مصر تحسنًا طفيفًا في ترتيبها بين الدول التى تحارب الفساد لعام 2015. ما هي أبرز التغييرات التى طرأت على الملف المصري في مكافحة الفساد منذ عام 2011؟

 

سجلت مصر 36 درجة من 100 على مؤشر مدركات الفساد 2015 مقارنة ب 37 درجة على نفس المؤشر عام 2014 و32 عام 2013. يقيس مؤشر مدركات الفساد الرشى في التعاقدات والأعمال التجارية والتهرب الضريبي والأحكام القضائية ومحاسبة الموظفين العموميين الذين يسيئون استخدام السلطة، بالإضافة الى الفساد في النظام السياسي والزبائنية والاتجار بالنفوذ، وغيرها. إن حصول مصر على هذه الدرجات يعبر عن انتشار واسع للفساد بكافة أشكاله الكبير والصغير.

ولكن،حدثت بعض التطورات الإيجابية في الكشف عن ملفات فساد في عدد من مؤسسات الدولة تم تداولها عبر وسائل الإعلام، واستقال أو أقيل بعض المسؤولين بسببها وتم تقديمهم للتحقيق. وهناك تقرير جهاز المحاسبات المركزي الأخير حول قيمة الفساد في السنوات الثلاثة الأخيرة (600 مليار جنيه) وفضيحة المليار جنية المنهوبة من صندوق الأرامل والايتام المعروفة بفضيحة التأمينات وقضية المتصالحين مع الداخلية في الكسب غير المشروع التي تورط بها عدد من كبار المسؤولين الأمنيين. مع ذلك ما زالت هذه خطوات متواضعة ما لم يتم تنفيذ عقوبات رادعة للضالعين بالفساد وإجراء إصلاح تشريعي ومؤسسي جذري.

-هل تسير مصر على الطريق الصحيح في تنفيذ سياسات الشفافية ومكافحة الفساد؟ وهل تؤثر سلبًا المخاوف الأمنية المتعلقة بالحرب على الإرهاب على شفافية الحكومة؟

 

الحرب على الإرهاب وحماية الأمن الوطني والشخصي هي أولويات مشروعة ولكن لا تعطي أي نظام أو حكومة مبررًا لوضع مكافحة الفساد على الرف خاصة أننا نعلم أن هناك تداخلًا بين الفساد وعمليات تمويل الإرهاب. من ناحية ثانية، يحق للمواطن العادي أن يسأل لماذا لم تكن هناك محاربة جدية للفساد في السنوات الماضية التي لم تشهد تهديدات أمنية. أعتقد أن الحكومة بحاجة الى الشفافية في الأوقات الصعبة أكثر كي تضمن التفاف الشعب حولها، لا أن تلجأ الى المزيد من القمع الذي يسيء لعلاقتها ويزعزع ثقة الشعب بها. الشعب والحكومة في خندق واحد عندما يتعلق الموضوع بالأمن الوطني فهم شركاء في الوطن ولذلك من حق الشعب مراقبة سياسات وقرارات وأداء الحكومة وفروعها المختلفة ومساءلتها حولها.

-في بيانكم الرسمي عن وثائق بنما، أعلنتم أن ولاية ديلاوير الأمريكية تُعد مركزًا للعديد من الشركات الوهمية بفضل قوانين الولاية التى تسمح بإنشائها، ومع هذا، لم تكشف وثائق بنما عن أي مسؤولين أمريكين. كيف تجدون غياب الولايات المتحدة عن وثائق بنما؟

 

نعم لقد قامت منظمة الشفافية الدولية بتسمية هذه الولاية الأمريكية الصغيرة كملاذ آمن للجريمة عابرة الحدود وموطن لآلاف الشركات الوهمية، وذلك في إطار الحملة الدولية لنزع القناع عن الفاسدين. لقد أعلن الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بالمزيد من المعلومات والأوراق سيتم الإعلان عنها خلال هذه الأسابيع وحتى مايو/ آيار القادم ونتوقع أن يتم نشر معلومات تتعلق بمسؤولين أميركيين لننتظر ونرى ولكل حادث حديث. علما أن الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية في الولايات المتحدة الامريكية كان شرع بحملة مطالبًا الإدارة الأمريكية بالقيام بخطوات استباقية للكشف على الشركات الوهمية والمسؤولين الأمريكيين المحتمل تورطهم فيها.

-بدوره، ساهم غياب الولايات المتحدة عن وثائق بنما في إثارة بعض الشكوك حول تمويلها هذا التحقيق الصحفي. فحسب ويكليكس فإن واشنطن مولت من خلال المعونة الأمريكية إطلاق تحقيق وثائق بنما بغرض الهجوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. هل تعتقدون أن بعض الدول وظفت سياسيًا وثائق بنما ضد دول أخرى؟

 

بالطبع يمكن توظيف هذه التسريبات سياسيًا وهذا بحد ذاته سبب قوي للحكومات كي نقوم باتخاذ خطوات وإجراءات فورية لمكافحة الفساد والتهرب الضريبي والتي يجب أن يسبقها اعتراف وإقرار من الحكومات بتقصيرها في هذا الجانب. وكلما أظهرت الحكومات إرادة سياسية جادة وبادرت إلى اتخاذ إجراءات علنية في ما يتعلق بوثائق بنما كلما قطعت الطريق على عمليات التوظيف السياسي.