تصميم كريستوفر أنجلو- موقع بيكساباي

القطط: ما وراء المياووو

منشور الأربعاء 8 أغسطس 2018

"لقد درس العديد من الفلاسفة والعديد من القطط. إن حكمة القطط متفوقة بشكل لا نهائي". - هيبوليت تاين، رائد الحركة النقدية التاريخية ، مؤرخ فرنسي

شخصية القطط الاستقلالية – الفردية إحدى أكثر الميزات إثارة للاهتمام، باعتبارها تقدم تفسيرًا لارتباط البشر بقططهم.

لو نظرنا لتاريخ القطط التطوري سنجدهم صيادين فرديين، فالقطط تبحثً عن فرائسها منفردة، ولم تطوّر - باستثناء الأسود وأحيانًا الفهود - بتطوير أنماط العمل الجماعي والتسلسل الهرمي من النوع الموجود في الكلاب والحيوانات الأخرى.

"قطط الرعي" هي استعارة تستند إلى حقيقة؛ فالقطط لا تعيش في قطعان. وهذا ما يجعل القطط  أبعد الحيوانات عن فكرة التدجين. ومع ذلك، فقد تعلمت القطط أكثر من أي نوع آخر تقريبًا العيش في ظروف حميمة مع البشر.

القطط تلعب دور المعلم، لا مجرد حيوان أليف.

تطور المياووو

تشرح أبيجيل تاكر في كتابها "الأسد في غرفة المعيشة"، كيف كانت تحتاج القطط البرية إلى مساحة عيش كبيرة ليمكنها أن تحافظ على مصادر اللحوم التي تعد غذائها الوحيد. وعندما بدأ نمو المجتمعات البشرية  شكّل ذلك تحديًا كبيرًا لهذه القطط.

ومع تدمير الغابات للزراعة، اختفت أنواع عديدة من الفرائس التي تعد مصدرًا أساسيًا لغذاء القطط، وبسبب هذا النقص في الفرائس التي كانوا يعتمدون عليها في الماضي، بالإضافة إلى عدم إمكانية تحول القطط البرية إلى حيوانات مستأنسة للبشر مثل الأبقار والأغنام. جعل هذا من البشر أعداءً مباشرين للقطط البرية.

لكن، من المدهش أن نعرف كيف تمكن القط البري من أن ينتشر في جميع أنحاء العالم كنتيجة لتحديه المباشر للبشر، وهذا من خلال غزو القرى التي أنشئت قبل 12 ألف سنة فيما أصبح الآن تركيا، إذ تمكنت هذه القطط من تحويل المجتمع البشري الناشئ إلى حياة أكثر استقلالية لصالحها.

استفادت القطط البرية من تواجد الحيوانات النباتية (الأبقار والماعز وغيرهما) لصالح بقائها، فصارت لحوم الفضلات التي تركها الإنسان وراءه بعد أكل الحيوانات المذبوحة مصدرًا موثوقًا وثابتًا للغذاء. وتشير الدلائل الأخيرة إلى عملية مماثلة جرت بشكل مستقل في الصين منذ حوالي خمسة آلاف سنة، عندما اتبعت مجموعة متنوعة من القطط البرية من آسيا الوسطى استراتيجية مماثلة.

تعرف البشر على أهمية القطط عندما تقارب الجنسان، فأصبح استخدام القطط لمكافحة الآفات والقوارض في المزارع والسفن أمرًا شائعًا، انتشرت إلى أجزاء من العالم حيث لم تكن معروفة من قبل.

هذه الآلية حوّلت القطط إلى حيوان فريد دجّن نفسه بنفسه حسب شروطه الخاصة، خلافًا لأنواع الحيوانات الأخرى التي خضعت للإنسان بشكل مباشر. استمرت القطط في العيش في أماكن قريبة مع البشر منذ ذلك الحين.

بالنسبة لمفترس ثانوي، هذا انتصار غير عادي. كما تكتب تاكر "إن قطة المنزل ليست في الحقيقة مجرد فرو ، لكنها شيء أكثر بروزًا: فهناك غازٍ صغير لكوكب الأرض بأكمله يجلس عند قدميك. لم تكن قطط البيت موجودة بدون البشر، لكننا لم نقم بهذا حقًا، ولا نتحكم فيها الآن. علاقتنا مع القطط  لا تخضع لفهوم الملكية بل لمفهوم المساعدة".

صفات إستثنائية للمياووو

إحدى أكثر السمات جاذبية لدى القطط هي أن الرضا هو حالتها الافتراضية، على عكس البشر - لا سيما مع التقدم التكنولوجي. لا تقضي القطط أيامها في السعي الشاق لتخيل السعادة؛ بل هم مرتاحين مع أنفسهم وحيواتهم، ويظلون في هذا الشرط طالما أنهم ليسوا مهددين. وعندما لا يأكلون أو ينامون، فإنهم يمضون الوقت في الاستكشاف واللعب، ولا يسألون عن أسباب العيش، فالحياة بحد ذاتها تكفي لهم.

لا تُظهر القطط أي علامات تدل على الندم على الماضي أو القلق بشأن المستقبل. انهم يعيشون بشكل كامل في الحاضر، من الممكن أن يُقال هذا لأنهم لا يستطيعون تصور الماضي أو المستقبل، ربما، على الرغم من أن عادة القطط للمطالبة بإفطارهم في ساعة معينة دائمًا تظهر أن لديهم إحساسًا بالوقت، لكن القطط، على عكس الناس، لا يطاردها قلق بأن الوقت ينزلق بعيدًا. 

لا تضيع القطط حياتها خوفًا من الوقت الذي يجب أن تنتهي حياتها فيه، فهم يتمتعون بنوع من الخلود. جميع الحيوانات لديها هذه الصفات لكنها تبدو واضحة بشكل خاص في القطط. من بين جميع الحيوانات التي عاشت بشكل قريب مع البشر، كانت القطط هي الأقل تأثرًا بمفاهيم البشر عن الحياة.

فلسفة المياووو

عبر هذه الصفات الاستثنائية مثلت القطط حقلًا فلسفيًا، فعلى الرغم من أن علاقة الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر مع القطط غير موثّقة كما ينبغي، إلا إنه عرف ما سماه بالقط الوجودي. يعتقد سارتر أنه من الممكن أن تكون جميع القطط، بطبيعتها، وجودية، فالأسطورة تقول أن القطط تملك 7 أو 9 أرواح أي أنها تعرف عُمقًا وجوديًا للملل الذي لا يمكن أن يفهمه سيزيف "كامو" وهايدغر.

ووضع الفيلسوف هيلاري بوتنام  فرضًا في فلسفة اللغة عُرف بـ "قطط بوتنام"، من خلال تخيل أن من نطلق عليهم "القطط" هم في الحقيقة روبوتات، ولكننا لا نعلم ذلك. ربما نعتقد أن جوهر القطة هو أنه حيوان، وأنه فرض "تحليلي" أو حقيقي بالتعريف أن "جميع القطط  حيوانات" ، ولكن ماذا لو تحولت القطط إلى روبوتات مبنية على نحو مُبهج أُرسلت إلى الأرض من المريخ؟

هذا، بالطبع، ليس احتمالًا حتى، ولكن إذا كان الأمر صحيحًا، فإن الأشياء التي نسميها "القطط" ستبقى قططًا، على الرغم من أنها ليست حيوانات. ويثبت هنا بوتنام، بشكل مفاجئ ، أن "كل القطط حيوانات" هو "ادعاء تجريبي"، وليس تحليليًا، أي قد يكون كاذبًا، فالقطط هي تلك الأشياء التي تقفز إلى أحضاننا، سواء كانت حيوانات أو لا. إنها تلك المخلوقات التي جعلت الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين يتساءل: عندما ألعب مع قطتي، كيف أعرف أنها لا تلعب معي؟

ظهر سؤال مونتين حول القطط في  حوار  مع ريموند سيبوند (1580)، إلا أنه لم يجد إجابة واضحة لسؤاله، لكنه أشار إلى شعورنا بارتباط وثيق بهذه المخلوقات التي تبدو قد تعلمت ما يكفي من طرقنا للاندماج. ومع ذلك ، فإننا لا نستوعبها كليًا.  إنها دائمًا تقفز من حضننا، وتعاود الدخول في الفضاء الخاص بهم ، ومطاردة الظل. إن الإنسان لديه أقل بكثير من ما تملك قطة - لقد أصبح أكثر وضوحا بالنسبة لي لماذا منذ فترة طويلة تستحق القطط العبادة!

الذات والمياووو

تكتب صديقتي التي تحب لقب "سيدة القطط" عن تجربتها الذاتية مع القط "Astor " فهو قط بجسد ضئيل جدا، يمشي بطريقة مضحكة وغير متزنة وذيله مثل ريشة القلم بطرف ابيض ومدبب. تتذكر خوفه في اول ليلة يقضيها في البيت بعيدًا عن اخوته وقرارها بأن ينام مع الأسرة حتى يتعود، عاملته الأسرة كطفل لها لا يريد النوم في غرفته.

تتذكر سيدة القطط انهيارها عندما وقع القط من اعلى شجرة و خضوعه لعمليات متكررة "عانينا سويا وقتها، أنا وهو وواجهنا الاكتئاب و الوحدة معًا. كان يسهر معي يرافقني و يراقبني وأنا أقطع الكرتون وألصقه لصنع مشروعي، لا ينام إلا عندنا أغادر في الصباح للكلية".

"أترك له الشرفة مفتوحة و ينتظرني فيها حين عودتي، يلوح بذيله عندما يراني على الرصيف المقابل. يجلس في حضني وينظر إليَّ بعينيه الواسعتين كأنه يحاول استكشاف ما حدث لي في الخارج و يرصد حجم الحزن بداخلي".

هذه التجربة الذاتية يمكنا أن نتلمس صدقها بوضعها في تشابه مع قصة الفيلسوف الفرنسي فوكو الذي أطلق على قطه اسم "جنون"، والتفكيكي دريدا الذي أسمى  قطه "الشعارات"، وهي أسماء تُثبت لنا كيف أن تجربة امتلاك قط، يمكنها أن تخترق أعماقنا وتخرج ما نخفيه خلف ذواتنا، فالقطط تتحدى ثقة نظراتنا الخاصة. 

لخصت أسماء القطط ما حاول كاتبان التعبير عنه في عشرات الكتب، نحن أمام القطط نفقد امتيازنا الوهمي كأسياد هذا الكون.

خاتمياووو

القطط كحيوانات لا يمكن فهمها إلا جزئيًا، لكن لا يسع المرء التوقف عن التكهن بحياتها الداخلية.

ومع ذلك فمن المغري أن نفترض أن سر السعادة القططية، هو أن القطط ليست بحاجة إلى رسم صورة لنفسها كما يتصور الآخرون كيف تنبغي أن تكون، على الرغم أن لديهم شعور بالكرامة، على سبيل المثال، فهم يتجنبون الناس الذين يعاملونهم بطريقة غير محترمة – ودودة.

لكن القطط لا تكافح من أجل إعادة تشكيل نفسها وفقا لأي صورة ذاتية مثالية. لا يرتدون إلى داخلهم، إنهم سعداء بأنفسهم.

قد يقال إن طباع القطط الاستثنائية، وصراعها ضد التبيعة، وخداعها لقواعد الطاعة والتدجين البشري، ناتجة من أنها لا تملك أي معنى أخلاقي، لكن هناك العديد من حالات الولاء البطولي التي خاطرت فيها قطط بالألم والموت لحماية قططهم الصغيرة.

في النهاية صحيح أنه لا يمكن تعليم القطط العواطف الأخلاقية على الطريقة التي يتم تعليم الكلاب بها الشعور بالخجل والطاعة المطلقة، القطط بالتأكيد لا تمثل الفضيلة، ولا تميل على الإطلاق إلى التضحية بالنفس. ولكن بالنظر إلى تاريخ تطور القطط، فنادرًا ما قتل قط آخاه القط.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.