بنيامين نتنياهو يصل مطار عنتيبي

جولة نتنياهو الإفريقية.. إعلان موت للمصالح العربية

منشور الثلاثاء 5 يوليو 2016

حيفا- فلسطين المحتلة 

كاتب السطور الواردة أعلاه ليس ثيودور هرتسل، هذه الجمل ليست مستقاة من رواية لـِ عاموس عوز؛ نشرت صحيفة "معاريڤ" هذه الكلمات ضمن مقالة أرسلها، فجر اليوم، عضو الكنيست عومِر بار ليڤ، من مقرّ إقامته في كامبالا، عاصمة أوغندا. يزور بار ليڤ العاصمة الأوغندية ضمن وفد رسمي يرأسه بنيامين نتنياهو. في محطة أولى من جولة ستستغرق أربعة، أيّام، سيجول فيها الوفد في أربعة دول، ويلتقي بعشرة زعماء أفارقة. سبعة من هؤلاء تقاطروا بالأمس إلى مطار عنتيبي، للمشاركة في احتفالات الذكرى الأربعين لإفشال عملية خطف طائرة نفذها فدائيون فلسطينيون وألمان من "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين". لو قدّر لنا أن نضع إصبعنا على النقطة التي انبثق منها بنيامين نتنياهو، لكان بالإمكان الإشارة إلى عنتيبي 1976. فالقتيل الإسرائيلي الوحيد في هذه العملية، والذي صدر قرار بتسمية العملية على إسمه لتصبح "عملية يوناثان" هو الكولونيل "يوناثان نتنياهو" الشقيق الأكبر لبنيامين، والذي ترأس وحدة كوماندو لاقتحام المطار، إلى جانب وحدتين يقودهما ضابطين آخرين: شاؤول موفاز، والذي سيصبح فيما بعد قائدا لأركان الجيش الإسرائيلي ووزيرا لدفاعها. وعومر بار ليڤ، كاتب المقالة المشار إليها أعلاه. وهو، إن لم تحدسوا بعد، إبن حاييم بار ليڤ، صاحب "خط بارليڤ" الدفاعي الشهير على قناة السويس، والمسؤول عن قتل عشرات المدنيين المصريين أثناء حرب الاستنزاف، ومن ضمنهم، مثلا أطفال مدرسة بحر البقر.

 

صورة لإجلاء الرهائن في عملية مطار عنتيبي 

عن أي حلم صهيوني يتحدّث بار ليڤ الإبن؟ ما مدى خطورة هذا الأمر، بالذات على مصر، التي يبدو أنها في أحسن حالاتها اليوم بعد أن جعلها السيسي نور عينيه مؤخرا؟ ما أهمّية هذه الزيارة التي يبدو أن احتفاءنا بمظاهر العيد المختلفة- تفجير في بغداد، تفجير في الحجاز، تفجير في إسطنبول- يغطي عليها؟

بضعة تفاصيل:

 

  1. تستغرق زيارة نتنياهو للقارة الأفريقية (وهي الزيارة الإسرائيلية الأولى منذ ثلاثين عاما) أربعة أيام، يطوف فيها أربعة دول واقعة شرقي ووسط إفريقيا[1]. الوفد الإسرائيلي المشكّل من ممثلين عن الصناعات الحربية الإسرائيلية، ورجال أعمال، وسياسيين، وممثلين عن أحدث لوبي برلماني إسرائيليّ :لوبي تعزيز العلاقات بإفريقيا [2]، والأهم: ممثلون عن المعارضة الإسرائيلية (ما يشير إلى استثنائية الحدث، و ’وطنيّته‘) . هذه الزيارة، بحسب  صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية؛ هي الزيارة الأعلى كلفة في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، حيث تصل كلفتها إلى أكثر من سبعة ملايين دولار.
  2. إفريقيا هامّة، ليس فحسب بسبب غناها الطبيعي بالموادّ الخام[3]، بل بسبب الماء. هل تتذكرون سدّ النهضة؟ بإمكانكم الآن إخراج خريطة العالم والنظر إلى منابع النيل ومقارنتها بمحطات زيارة نتنياهو. لقد أطلق  وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد أفيغدور ليبرمان، في السابق، دعوة لتفجير سدّ أسوان. لكنّكم ستكتشفون بأن الأمر لم يعد ضروريا. فتركيع مصر الشعبية لم يعد يحتاج، أبدا، إلى خرق المجال الجوي المصري.  
  3. استراتيجيّا، تلعب إسرائيل في هذه المنطقة دور "حاملة طائرات أميركية"، وواجبها يحتّم الانتشار في خطّ ما تحت الصحراء الكبرى[4] وفي مناطق أخرى في العالم (آذربيجان التي تحتوي على واحدة من أهم قواعد الموساد مثلا، أو كردستان). لضمان تشعّب نفوذها، وبقائها على رأس سلّم الاهتمام الأميركي[5].. لكن ما يهمّ حقا، هو الرؤية الإسرائيلية لدورها في العالم، بمعزل عن الوصاية الأميركية. إن احتمال تخلي الإمبريالية عن إسرائيل، في ظل ارتفاع كلفة الحفاظ عليها، هو احتمال قائم.  وهذا السيناريو -أي سيناريو تخلي الإمبريالية عن إسرائيل- هو سيناريو محسوس جدّا في دوائر صنع القرار هنا. فأصوات النخب الإسرائيلية  تتصاعد داخل دوائر صنع القرار الإسرائيلي وتشير إلى "تخلي" إدارة أوباما عن تل أبيب، بالذات في أعقاب التوقيع على الاتفاقية النووية مع إيران. وتتزايد الأصوات المشككة في مدى وفاء مرشّحي الرئاسة الأميركيين المستقبليين، للعلاقات المشتركة: فما من سبب يدعو كلينتون إلى تغيير سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط، والتي ثبتت نجاعتها وانخفاض كلفتها، بينما الارتكان إلى ترامب (الذي صرّح بأن على الدول التي تحميها أميركا أن تدفع ثمن هذه الحماية، في ولايته) يعدّ مقامرة.

    هنالك ثلاثة محاور تهم إسرائيل في التقارب مع إفريقيا بشكل أساسيّ، ولا يكاد الهمّ الاقتصاديّ يندرج من ضمنها: الأول دبلوماسي، ويتمثل في مراكمة بنك أصوات لصالح الدفاع عن إسرائيل في الأمم المتحدة. أحد أهم التجليات لفعالية هذا البنك تمثلت في التصويت الأخير لصالح تعيين ممثل إسرائيل كرئيس للجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة [6]، وفي مشاريع التصدي لإيران أو للهواية الموسمية التي يمارسها الوفد الفلسطيني في إطلاق مشاريع الاعتراف الدولي المختلفة بولاية أبي مازن على رام الله.

  4. المرتكز الثاني، متعلق بمياه النيل، وفي هذا الشأن؛ أنصح بشدة بمراجعة دراسة الباحثة المصرية أماني الطويل حول الموضوع، والتي نشر موقع "حبر" تلخيصا ممتازا لها بجهد مبارك من  الصديق جابر جابر. ثالثة الأثافي هي المجال الاستراتيجي؛ الأمني العسكري، والاستخباراتي: في هذا المجال تعجز العبارة عن الوصف. فرغم الجمود الذي طرأ على تصدير المعدات الأمنية والأسلحة الإسرائيلية إلى إفريقيا خلال العامين الفائتين (بسبب الأزمة الائتمانية الناجمة عن أزمة النفط)، فدعونا لا ننسى أن إسرائيل لا تزال تعد من ضمن الدول العشر الأولى المصدرة للسلاح في العالم.[7] والنزاعات في إفريقيا قد تشكّل سوقا هامّة، في المستقبل لإسرائيل. 

    من ضحايا الأسلحة الإسرائيلية المستخدمة في حرب التطهير العرقي في رواندا
    وإلى جانب الاتجار بالدّم، وهي كما يثبت التاريخ دوما، تجارة رابحة، فإن مشاريعا أمنية "مشتركة" ستنجم عن هذه الزيارة. مشاريع ستضمن السيطرة على مداخل البحر الأحمر، وزيادة الهيمنة الإسرائيلية عبر التحالف مع "المحور السني المعتدل"[8]. هكذا سيمكن مواجهة محاولات التغلغل الإيراني في إفريقيا، والإشراف، استخباريا، على القسم الشرق أوسطي من القارّة، وتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة لا يهمّ فيها أية دولة عربية تمتلك تيران وصنافير، طالما كانت مظلة الحماية فوقها إسرائيليّة. وسيمكن إدارة أزمات ولاية سيناء والسلفيين الجهاديين على أنواعهم في شمالي إفريقيا، أو حتّى أزمة بوكو حرام في نيجيريا، تحت هذه المظلة، وبما يخدم المصلحة الإسرائيلية. :: ختاما، ثلاثة نقاط تاريخية:
  1. قامت إسرائيل في عهد ليڤي إشكول بإرسال بعثات عسكرية وأمنية، إلى جانب مرشدين زراعيين وأطباء  وممثلين عن شركات البناء إلى ما نطلق نحن العرب عليه "مجاهل القارة الإفريقية" بينما كانت إسرائيل، على الدوام، ومنذ الخمسينيات، تقوم  ببناء علاقات وثيقة ضمن ما أطلقت عليه الباحثة المصرية أماني الطويل مبدأ "شدّ الأطراف" وهو يعني محاولة التأثير على العواصم عبر تشكيل مراكز ضغط في الأطراف (هكذا مثلا، تمّ تقسيم جنوب السودان)، وهكذا نجحت إسرائيل في استصدار القرار باستجلاب المهاجرين اليهود من إثيوبيا لتوطينهم في فلسطين. استمرّ هذا المجهود منذ الخمسينيات، وتصاعد في الستينيات لمواجهة خطر التحالفات التي بدأ نظام عبد الناصر بتشكيلها، إلى أن آتت المساعي العربية أكلها، فقلبت إفريقيا ظهر المجن لإسرائيل، بعيد حرب أكتوبر، حين سعت الأخيرة لتوثيق علاقاتها بالنظام العنصري في جنوب إفريقيا في تلك الفترة.  
  2. تاليا، عززت إسرائيل علاقتها  بنظام السادات في القاهرة. هذان المرتكزان (أي بريتوريا-العاصمة التنفيذية لجنوب إفريقيا- والقاهرة)، كانا لسنين طويلة، هما موطئ القدم الإسرائيلية في إفريقيا؟ بيد أن سقوط حكم الأبارتهايد، وثورة ميدان التحرير، قد أثبتتا لتل أبيب أنه ليس بالإمكان الارتكان إلى الحكومات في السيطرة على الشعوب. ولذا، فإننا نشهد توسّعا في نشاط "المنظمات الإنسانية" الإسرائيلية لتوثيق علاقة تل أبيب بإفريقيا. هذا عدا عن المهمة الأولى التي أدرجها لوبي تعزيز العلاقات بإفريقيا على سلّم مهامه: تعزيز العلاقة بالطائفة الأنجليكانية والطوائف الأخرى المؤيدة لعودة اليهود إلى أرض الميعاد.
  3. سينهي نتنياهو،(وهو، للتذكير، رئيس وزراء الدولة التي تترأس لجنة القانون الدولي في الأمم المتحدة)، زيارته بانعطافة مؤثرة: فهو سيضع إكليلا من الورد على ضحايا الإبادة الجماعية 1994 في رواندا. هذه لن تكون الهدية الإسرائيلية الأولى للشعب الرواندي، فإسرائيل، قدّمت في السابق السلاح الذي تمّ بواسطته إبادة 20% من الشعب الرواندي. لعلّه خيراً.
    من ضحايا الإبادة العرقية في رواندا 

 

 

[1] أوغندا، كينيا، رواندا، وإثيوبيا

[2] صدر القرار بتشكيله في شهر فبراير الماضي

[3] تعدّ إسرائيل، مثلا، مركزا عالميا للاتجار بالألماس. وقد شهد الماضي القريب فضائحا إسرائيليّة متمثلة في سوء معاملة الشركات الإسرائيلية لعمال التعدين، والاستئثار بالأرباح، وارتشاء الشركات الاحتكارية الإسرائيلية للحكومات المحلية. وتطال الفضائح أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي (أركادي غايداماك، بيني شطاينميتس، دن غيرتلر، وليڤ ليڤاييڤ)

[4] تقوم وزارة الخارجية الإسرائيلية بتقسيم القارة إلى قسمين: القسم الأول هو الشرق الأوسط،  وهو الحيّز المعادي بتعبيرها. والقسم الآخر هو ’دول ما تحت خطّ الصحراء الكبرى‘ وتملك إسرائيل علاقات دبلوماسية ما مع 40 من أصل الدول الـ48 الموجودة تحت هذا الخط.

[5] لنتذكّر، مثلا، أن المساعدات الأميركية الأمنية وحدها لإسرائيل تبلغ أربعة مليارات دولار سنويا لمدّة عشرة أعوام قادمة*، ويطالب نتنياهو منذ سنتين، بإعادة تجديد العقد بمبالغ تفوق هذا المبلغ، بإصرار شديد. رغم رفض الإدارة الأميركية، وهو ما يهدد بتعليق نتنياهو للمفاوضات [تنبغي الإشارة هنا بأن هذا المقال ليس مقالا ساخرا]

[6] للتنويه مجددا: هذا المقال لا يندرج تحت باب الكوميديا السوداء، وإسرائيل ترأس الآن بالفعل، لجنة القانون الدولي في هيئة الأمم المتحدة!

[7] بلغت صادرات إسرائيل العسكرية خلال العام الفائت، مثلا: 5.7 مليار دولار، 2.5 بالمئة منها (أي 163 مليون دولار) متأتية من دول ما تحت خطّ الصحراء الكبرى

[8]  المحور السنّي المعتدل هو تعبير حديث دارج في الخطاب السياسي الإسرائيلي، يفترض بإمكانية خلق حلف مشكّل من السعودية، مصر، الأردن، ودول الخليج وإسرائيل، للدفاع عن المنطقة من الخطر الشيعي المتطرف


(*) ورد في نسخة مبكرة من هذا المقال أن إسرائيل تحصل من الولايات المتحدة على 10 مليار دولار سنويًا.