تصميم: أحمد بلال - المنصة

مونديال الأخبار المفبركة

كيف ساعدت تصريحات المسؤولين القطريين في ترويج معلومات كاذبة؟

منشور الأحد 20 نوفمبر 2022 - آخر تحديث الاثنين 21 نوفمبر 2022

خلال الأشهر السابقة على حرب العراق 2003 كانت قناة الجزيرة الإخبارية حريصة على أن تظهر تغطيتها للحرب المرتقبة ملتزمة بمعايير الصحافة المحايدة. لكن الباحثَين الأكاديميَّين في الجامعات الأمريكية، عادل إسكندر ومحمد النواوي، درسا تلك التغطية وتوصلا إلى مفهوم contextual objectivity أو ما يعرف بـ "موضوعية السياق".

هذا المفهوم كان مدخلًا لدراسة كيف قامت الجزيرة بعملها خلال الحرب، عندما حرصت في تغطيتها على "التعبير عن جميع جوانب القصة مع الاحتفاظ بقيم ومعتقدات ومشاعر الجمهور المستهدف" وفقًا للدراسة. وبالتالي ظهر متحدث باسم القيادة العراقية وظهر آخر باسم القوات الأمريكية، كما ظهر موالون لصدام وآخرون مؤيدون لإدارة جورج دبليو بوش، لكن تلك الموضوعية لم تمنع جمهور الجزيرة من معرفة موقف القناة من الحرب وانحيازاتها التحريرية.

خلال تلك الأيام، وتحديدًا يوم 8 أبريل/ نيسان 2003، كتب محمد النواوي مقالًا في كريستيان ساينس مونيتور تحت عنوان "حقيقة من التي تجري تغطيتها؟". قال فيه إن "شبكات الأخبار التلفزيونية العربية أو الأمريكية تغطي جميع جوانب الحرب، الجيدة والسيئة والقبيحة. لكن هذه الجوانب تبقى مرهونة بوجهة نظر المشاهد الذي يبحث عن "الحقيقة" موضوعية السياق هي السبب في أننا نشاهد نسختين متلفزتين مختلفتين من نفس الحرب".

ومنذ لحظة حرب 2003 وحتى لحظة انطلاق مونديال قطر 2022، جرت في نهر وسائل الإعلام العربية مفاهيم كثيرة، لعل أبرزها الاستخدام المفرط للأخبار المفبركة خلال الأزمات السياسية التي عصفت بالعالم العربي طوال العقدين الماضيين.

أدركت الحكومات في العالم العربي أهمية السوشيال ميديا في الترويج لسياساتها أو النيل من خصومها. وأصبح من الشائع رؤية كم كبير من الأخبار المفبركة المنتشرة في منصات مثل فيسبوك أو تويتر كي تخدم أهدافًا سياسية أو تستخدم ضمن حربٍ كلامية.

لكن "صناعة الأخبار المفبركة" لم تعد حكرًا على الحكومات. فقد أصبحت ممارسةً يقوم بها أفراد أو صفحات من أجل خدمة أجندة مجتمعية بعينها أو ببساطة من أجل جلب المزيد من التفاعل مع تلك الصفحات. لعل المثال الأبرز حاليًا هو الجدل حول موقف السلطات القطرية من حضور مشجعين مثليين لمباريات كأس العالم في قطر.

تربة خصبة لخبر كاذب

تصريحات المسؤولين القطريين لوسائل الإعلام الغربية تؤكد أن قطر ترحب بجميع المشجعين من كافة الجنسيات والجماعات، وأنها تتمنى احترام عادات وتقاليد المجتمع القطري.

وتشكل المثلية قضية شديدة الحساسية في المجتمع القطري المحافظ. وفي الوقت نفسه فإن المسؤولين القطريين عن البطولة كانوا مدركين استحالة الاصطدام بقواعد فيفا أو إثارة غضب شبكات الإعلام الغربية الكبرى. لهذا كان الحل الحديث عن محاولة أن يراعي الحاضرون "قيم المجتمع"، دون توضيح لما هو مسموح وما هو ممنوع.

وهكذا لم يسجَّل تصريح واحد لمسؤول قطري حول منع مشجعين من أي دولة أو رفض استقبال مشجعين مثليين أو حتى منع رفع علم قوس قزح في مدرجات ملاعب المونديال، حتى تحدث المدير التنفيذي للمسابقة ناصر الخاطر مع صحفي لم يقتنع بالإجابة المعلّبة. 

ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أجرى الخاطر مقابلة رد فيها على سؤال السماح للمثليين برفع أعلامهم قائلًا إن "الجميع مرحب بهم هنا وسيشعرون بالأمان"، ولكن هذه الإجابة، وفقًا لمونت كارلو، لم تقنع الصحفي الذي سأل عن المثليين والعابرين جنسيًا على وجه التحديد، فرد الخاطر "نعم"، موضحًا أن بإمكانهم "إظهار روابطهم الحميمة"، حتى لو "أمسكوا بأيدي بعضهم البعض في الشارع لساعات وساعات".

هل يمكن لمنصة مثل فيسبوك أن تكافح الأخبار المفبركة في تلك المنشورات وتمنعها؟ هذا هو السؤال الذي لا تبدو إجابته تقنية فحسب

خلال الأشهر التي سبقت ذلك التصريح، ظهرت في عشرات البوستات على فيسبوك أخبار مفبركة تحمل قطعًا بإن "قطر منعت المشجعين المثليين من الحضور" وأنها أبلغت فيفا بذلك. مع إشادة بالموقف الرافض لكل ما هو ضد القيم الدينية للمجتمعات.

أغلب التعليقات حملت إشادة بذلك الموقف (المفبرك) دون أي محاولة للتحقق من صحة تلك الأخبار.

ولكن ما جعل تلك الصفحات الحافلة بالأخبار المفبركة تزدهر على منصات التواصل الاجتماعي؟

السبب الرئيسي كان في غياب موقف قطري واضح بشأن حضور مشجعين مثليين لمباريات كأس العالم ورفعهم أعلام قوس قزح في المدرجات.

إحدى هذه الصفحات على سبيل المثال فبركت خبرًا نسبته إلى ديلي ستار، وقالت فيه إن "قطر أعلنت أن أعلام قوس قزح ستكون محظورة وغير متاحة خلال كأس العالم" وأن عقوبة حمله سوف تكون بين سبع  إلى عشر سنوات في السجن. صفحة أخرى نسبت الخبر نفسه لصحيفة ميرور.

وفي محاولةٍ لإضفاء طابع الجدية على الخبر المفبرك، أضاف البوست أن "فيفا قال بأنه لن تكون هناك استثناءات".

كان ذلك البوست الذي يحتوي أخبارًا مفبركة، مثالًا نادرًا على تدخل إدارة فيسبوك التي حجبت الصورة المرفقة مع المنشور وكتبت فوقها "معلومات خاطئة.. تم التحقق من نفس المعلومات في منشور آخر من قبل مدققي الحقائق المستقلين".

لكن بقية البوستات الشبيهة ظلت بلا أي تدقيق من فيسبوك وحظت بالطبع بتعليقات تحتفي بموقف السلطات القطرية المُتخيّل.

صفحة مغربية وحيدة حاولت التحقق من الخبر المفبرك وقالت إنه "خبر غير صحيح"، ودعمت ذلك بتصريحات للرئيس التنفيذي للبطولة، ناصر الخاطر، قال فيها إن الحكومة القطرية سوف تحترم قواعد وإرشادات فيفا فيما يتعلق برفع أعلام قوس قزح. كما وضعت الصفحة المغربية روابط للأخبار التي ذكرتها، كان من بينها رابط لتصريحات الخاطر لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.

وكما هو متوقع لم يعلق على الخبر سوى شخصين.

تحليل الكذب

بالإضافة إلى الصفحات التي فبركت أخبارًا حول موقف قطر من رفع أعلام قوس قزح، كانت هناك بوستات أخرى حاولت تحليل الموقف القطري والإشادة بـ"شجاعة القرار" ودهاء وحنكة القائمين على البطولة في إخفاء قراراتهم الحقيقية إلى اللحظة الحرجة التي سوف تمنع الفيفا من اتخاذ أي إجراء مضاد.

ويمكن لمن يتصفح صفحات مؤلفي تلك المنشورات "التحليلية" للمواقف المفبركة، أن يتوصل إلى أنه لا توجد جهة منظمة خلفها، وإنما "جهود شعبية وذاتية" لخوض معارك "الدفاع عن قيم الأمة" على صفحات السوشيال ميديا. وهي المعارك التي تحظى بأعلى قدر من التفاعل الإيجابي في العالم العربي، وتستخدم أحيانًا كأداة لحشد التأييد لمواقف سياسية أخرى. 

هل يمكن لمنصة مثل فيسبوك أن تكافح الأخبار المفبركة في تلك المنشورات وتمنعها؟ هذا هو السؤال الذي لا تبدو إجابته تقنية فحسب. فعددٌ محدود جدًا من تلك البوستات تعرض لتدقيق من قبل فيسبوك، لكن العدد الأكبر استمر في حصد التعليقات المصدقة لمحتواها. كما أن أغلب التعليقات كانت انعكاسًا لأفكار قطاعات واسعة من المجتمعات العربية، التي ما زالت تعتقد أن في المثلية سم قاتل.