برخصة المشاع الإبداعي: Ahmad Hammoud، فليكر
حجب المعلومات

"حرية الصحافة".. 10 سنوات من السيطرة بالعتاب والأوامر

منشور الخميس 2 مايو 2024

في سبتمبر/أيلول 2016 كان الصحفي وائل إبراهيم(*) يراجع تقريرًا صحفيًا عن الأوضاع في السجون استعدادًا لنشره، قبل أن تصله رسالةٌ من رئيس تحريره بإلغاء التقرير. وعندما سأله عن السبب، أجابه "مش عايزين وجع دماغ مع الجماعة".

كان وائل يعمل صحفيًا في مؤسسة خاصة بدأت عملها بعد ثورة 25 يناير، وكانت صحيفته واحدةً من الأصوات المعارضة لحكم الإخوان والرئيس الأسبق محمد مرسي، اعتادت نشر تقارير وتحقيقات صحفية "جريئة". لكن الوضع اختلف قليلًا مع ظهور حركة تمرد في 2013، ثم اختلف تمامًا مع انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا للمرة الأولى يونيو/حزيران 2014، حسب حديث وائل لـ المنصة.

ورغم أن غالبية وسائل الإعلام كانت تدعم ترشح السيسي لرئاسة الجمهورية، حتى مع التصريحات التي صدرت عن بعض المقربين منه خلال تلك الفترة بعدم رغبته في الترشح، وكذلك تصريح المتحدث العسكري بعدم ترشحه، مع ذلك وجّه السيسي انتقادات إلى الإعلام في السنة الأولى لتوليه منصبه رسميًا، رئيسًا للجمهورية.

بعد 10 سنوات في الحكم لا يزال السيسي ينتقد الإعلام ويتهمه بخلق الأزمات

في أكثر من لقاء انتقد السيسي الإعلام، إما لأنه يركز على تقصير الحكومة، أو لأنه لا يقف مع النظام وحكومته بالقدر المناسب، وهي السنة ذاتها التي قال فيها السيسي إن "الزعيم الراحل عبد الناصر كان محظوظ، صحيح، لأنه كان هو اللي بيتكلم والإعلام معاه".

وبعد مرور 10 سنوات في الحكم لا يزال السيسي يوجه الانتقادات نفسها، بل ويحمّل الإعلام المسؤولية عن الكثير من الإخفاقات وخلق الأزمات، وهو ما يراه صحفيون وحقوقيون، تحدثوا مع المنصة، اتهامات "غير مفهومة"، كون النظام نفسه أصبح المسيطر على الإعلام إما بالملكية أو بالتهديد أو بالحجب.

سيطرة "الجماعة"

يشير وائل، الذي كان يتولى منصبًا تنفيذيًا في الصحيفة، إلى أن رئيس التحرير كان يطلق لفظ "الجماعة" على الجهة التي تبلغه بما لا يُحبذُ نشرُه، دون أن يكشف عنها، لافتًا إلى أن الوضع تطور من العتاب في الفترة ما بين 2013 وحتى نهاية 2014، إلى مرحلة الأوامر من نهاية 2014 "دخلنا مرحلة جروبات الواتس". 

صباح 16 مارس/آذار 2015 صدرت 11 صحيفة بمانشيت موحد "مصر تستيقظ"، الذي كان مأخوذًا من كلمة السيسي في جلسة ختام المؤتمر الاقتصادي وقتها. العنوان الموحد كان منشورًا في صحف قومية وخاصة وحزبية.

لم تكن هذه الواقعة وحدها دليلًا على السيطرة على الإعلام، ففي 2018 أُقيل الزميل محمد السيد صالح من رئاسة تحرير صحيفة المصري اليوم، وقال صحفيون آنذاك لـرويترز إن الإقالة جاءت بعد تغريم الصحيفة 150 ألف جنيه بسبب تغطيتها للانتخابات الرئاسية، إذ نشرت الصحيفة وقتها عنوانًا رئيسيًا في صدر صفحتها الأولى "الدولة تحشد الناخبين في آخر أيام الانتخابات"، التي فاز فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بولاية ثانية.

وفي 2019، كانت واقعة فيديو مذيعة فضائية إكسترا نيوز، التي قرأت خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، نافية أن يكون تعرض لإهمال طبي، لكنها في نهاية الخبر قالت إنه "تم الإرسال من جهاز سامسونج"، ما بدا أنها جملة لم تكن ضمن الخبر الأساسي، وإنما جاءت للقناة بالتليفون فنقلتها نصًا.

تحدثت المنصة مع خمسة صحفيين يعملون في مؤسسات مختلفة، واحد يعمل في مؤسسة قومية، واثنان في مؤسسات تابعة لشركة المتحدة، وآخر في صحيفة حزبية، والأخير ترك عمله في صحيفة خاصة وتفرغ لمراسلة صحف خليجية.

اتفق الجميع في حديثهم مع المنصة على أنهم إما طُلب منهم عدم الكتابة عن موضوع معين "لأنه قد يسبب مشكلة"، أو كتابة موضوع معين "عشان ميحصلش مشكلة"، مؤكدين أن قواعد النشر، وإن لم تكن مكتوبة، لكنها باتت معروفة للجميع، "لا تنتقد أي مسؤول إلا لما نقولك".

يقسِّم محمود كامل وكيل نقابة الصحفيين للحريات، العشر سنوات الماضية، في حديثه مع المنصة، إلى ثلاث مراحل؛ ما قبل 2015 وحتى اقتحام نقابة الصحفيين في 2016، ثم مرحلة ما بعد دعوة الحوار الوطني.

الفترة منذ 2016 وحتى الدعوة للحوار الوطني كانت الأسوأ على كل المستويات

ويشير كامل إلى أن المرحلة الأولى كانت الأفضل بالمقارنة مع المراحل الأخرى، "ليس برغبة من النظام وإنما بالأمر الواقع.. لسه خارجين من ثورتين وتغيير نظامين، فكانت الأوضاع أفضل"، مضيفًا "أنا شخصيًا كصحفي في مؤسسة قومية (أخبار اليوم) كنت أستطيع نشر مقالات سياسية، لم أستطع نشرها بعد ذلك".

ويؤكد رئيس لجنة الحريات أن الفترة منذ 2016 وحتى دعوات الحوار الوطني "كانت الأسوأ على كل المستويات"، مضيفًا أنه رغم تحسن الوضع نسبيًا بعد دعوات الحوار الوطني، إلا أن الوضع لم يعد لما كان عليه قبل 2016.

وحسب الصحفي أحمد صلاح(*)، الذي يعمل في إحدى المؤسسات القومية، فإن تلك المؤسسات بطبيعتها منحازة للنظام، لكنها في بعض الفترات كانت توجه انتقادات لمسؤولين حكوميين أو لبعض الوزراء "ربما كان ذلك بتوجيهات أو بسياسة ترك الحبل قليلًا، أو يمر موضوع أو مقال بالخطأ فيه بعض الانتقاد".

"بشكل عام مقدرش أقول إن فيه حاجة اسمها حرية صحافة في المؤسسات القومية، فهذه المؤسسات مملوكة للدولة في النهاية مع اختلاف المسميات، سواء كان الاتحاد الاشتراكي أو مجلس الشورى أو الهيئة الوطنية للصحافة"، يوضح صلاح.

أسوأ من تأميم عبد الناصر

بينما يصف صلاح وضع الإعلام حاليًا في مؤسسته بأنه "أسوأ من تأميم الصحافة في عهد جمال عبد الناصر"، وهو ما يتفق معه المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الفكر والتعبير محمد عبد السلام، ويقول لـ المنصة "ما حدث من سيطرة على الإعلام في السنوات الأخيرة أسوأ من قرارات التأميم الصحافة، لأنه ينظر للشركة المتحدة على أنها قطاع خاص، ويتم الاحتفاء بها من هذا المنطلق".

كان جمال عبد الناصر  أصدر في مايو/أيار 1960 قانون تنظيم الصحافة الذي عُرف بقانون "تأميم الصحافة"، وآلت بموجبه ملكية صحف الأهرام والأخبار وروزاليوسف والهلال إلى "الاتحاد القومي"، إلى أن بدأت مرحلة الصحف الحزبية في السبعينيات، ثم الصحف الخاصة في وقت لاحق. وبدأت بعدها تتسع مساحة الحربة في الصحف المصرية.

وجود شركة مملوكة لجهاز سيادي تشتري وسائل إعلام منَع التعددية

ويرى عبد السلام أن أبرز ظاهرة يمكن رصدها خلال العشر سنوات الماضية، وجود شركة مملوكة لجهاز سيادي تشتري وسائل إعلام مختلفة، صحفًا ومواقع وفضائيات ومحطات راديو، ولا أحد يعلم شيئًا عن استثماراتها، أو مصدر تمويلها أو القانون الذي ينظم عملها أو يراقبها.

وتأسست "المتحدة" في مايو 2016، وتقول عن نفسها إنها "واحدة من أكبر الكيانات الإعلامية في المنطقة العربية بأكملها"، مشيرة إلى أنها تمتلك أكثر من 40 شركة في مختلف المجالات الإعلامية تتنوع ما بين إعلام مرئي، إعلام مسموع، إعلام مطبوع، إعلام إلكتروني، إنتاج درامي، دعاية وإعلان، خدمات إعلانية مباشرة وغير مباشرة وخدمات الحقوق الرياضية وتسويقها.

ولفت عبد السلام إلى أن أغلب وسائل الإعلام الخاص التي ظهرت قبل ثورة 25 يناير والفترة التي تلتها، كانت مملوكة لنخبة من رجال أعمال "ممكن يكون لهم علاقات بالنظام بشكل ما، لكنهم في النهاية اضطروا لبيع أسهمها وأصبح الكل تحت ملكية جهة واحدة، وهو ما يسمى تركز ملكية وسائل الإعلام".

"هذا التركز منع وجود تعددية أو تنوع، وأعطى فرصة للرقابة من المنبع، باعتبار أن هذا الجهاز السيادي هو المالك فيفرض سياساته على الجميع، وبالتالي ضعفت فكرة وجود حرية إعلام"، يوضح عبد السلام.

وتواصلت المنصة مع المهندس حسام صالح، الرئيس التنفيذى للأعمال بشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، للحصول منه على رد بشأن الاتهامات الموجهة إلى الشركة بالسيطرة والتوجيه، إلا أنه أحالنا إلى الزميل محمود مسلم رئيس قطاع الصحف والمواقع بالشركة، الذي حاولنا الاتصال به لكنه لم يرد على مكالمتنا ورسائلنا. بينما قال مصدر مقرب من المتحدة لـ المنصة في وقت سابق إن "الشركة لا تسعى لاحتكار سوق الصحافة والإعلام في مصر".

ويشير حسن عليوة(*)، الصحفي في إحدى المؤسسات الخاصة، إلى أن الوضع الآن في صحيفته أصبح مختلفًا تمامًا عما قبل "أعمل في تغطية وزارة خدمية مهمة، في الماضي كنت أستطيع نشر ما أريد من تحقيقات وتقارير، الآن لا أستطيع نشر أي تقرير ينتقد هذه الوزارة"، مضيفًا "اتقال لي قبل كده لِم نفسك عشان محدّش يحطك في دماغه، ومش هنعرف نساعدك".

حبس الصحفيين

التهديد الذي يحكي عنه حسن هو الظاهرة الثانية التي ربطها محمد عبد السلام بالعشر سنوات الماضية، لافتًا إلى أن الصحفي الآن بات مهددًا طول الوقت بسبب ممارسته عمله الطبيعي "كل فترة نجد حملة للإفراج عن صحفي اختطف ومختفٍ، أو صحفي قبض عليه وعرض على النيابة ووجهت له تهم تتعلق بالنشر".

يشير محمود كامل إلى استمرار حبس 21 صحفيًا واختفاء صحفي آخر منذ إلقاء القبض عليه في 10 مارس الماضي، ولم يظهر حتى الآن، مشددًا على أن مجلس النقابة في كل اتصالاته واجتماعاته بالمسؤولين يطالب بإنهاء ملف الصحفيين المحبوسين.

حجب المواقع إجراءات أمنية لا علاقة لها بالقوانين

أما الظاهرة الثالثة فهي الحجب خارج إطار القانون، التي ظهرت خلال العشر سنوات الماضية "لمواجهة الصحافة المستقلة أو بعض النوافذ الإلكترونية الموجودة"، يوضح عبد السلام، لافتًا إلى أن "ممارسات الحجب موجودة ومستمرة وبنسمع ردود من مسؤولين إن دي حاجة عادية"، معتبرًا أن هذا الأمر كارثي "لأنه لا يستند إلى قوانين حتى لو تشريعات قمعية، وإنما فقط إجراءات تحدث بشكل أمني تام".

وتعاني المئات من المواقع الإخبارية والحقوقية في مصر من الحجب خارج إطار القانون. وانتقدت الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي حول حالة حقوق الإنسان في مصر "فرض قيود على حرية الصحافة"، واستمرار حجب المواقع الصحفية بما في ذلك مدى مصر والمنصة منذ 2017.

يوضح محمود كامل أن كل اتصالات مجلس النقابة بالمسؤولين تؤكد ضرورة فتح المجال لحرية الصحافة "خطر عدم وجود صحافة حرة، دي مسألة تمس الأمن القومي"، موضحًا "الإعلام الحر دائمًا ما يكون سلاح في مواجهة الأخطار التي تواجه الدول. لكن عندما يكون الإعلام لسان السلطة يفقد المواطنون الثقة فيه، ويعتبرونه وجهين لعملة واحدة، بينما الإعلام في الأساس وجد ليكون على يسار السلطة، ويكون عين المواطن".

وهو نفس ما يحذر منه عبد السلام، إذ يشير إلى أنه لفترات طويلة كان هناك مسؤولون يسألون عن السبب الذي يجعل المواطنين يثقون في وسائل إعلام أجنبية أو عربية ولا يثقون في الإعلام المصري، "الإجابة ببساطة أن الأوضاع التي تعيشها الصحافة الآن أفقدت الناس الثقة بها".

بين محاولات النقابة لتحرير الصحافة وتحذير مؤسسات المجتمع المدني من استمرار فقدان الثقة في الصحافة المصرية، وتقييد حرية الصحفيين، هل تنتهي حقبة إحكام السيطرة على الإعلام والصحافة ويستطيع وائل ومئات الصحفيين ممارسة عملهم دون قيود الجماعة؟


هذه القصة من ملف  حرية الصحافة في 2024.. حقوق مهددة وأقلام صامدة


في غزة.. تدمير المعدات يهدد بوقف التغطية

سحر عزازى_  نقص المعدات اللازمة لعمل الصحفيين هو إحدى سمات الحصار الممتد على القطاع منذ أكثر من 17 سنة.. ومع الحرب منعت إسرائيل دخول أي معدات جديدة وتوحشت السوق السوداء فلجأ الصحفيون للموبايل.

في السودان.. ظلام إعلامي وصحفيون مشردون

أحمد سليم_  نتيجة الاستهداف الممنهج، نزح أغلب الصحفيين السودانيين بدارفور إلى تشاد وصاروا في معسكرات اللاجئين، بينما نزح الموجودون بالخرطوم والشمال إلى مصر حيث يواجهون تهم الدخول غير الشرعي.

الصحافة المصرية والبحث عن "تنفيسة"

محمد بصل_  ظني أنَّ "التنفيسة" تصلح هدفًا أساسيًا للصحافة المصرية اليوم، لمصلحة المواطن والدولة والمهنة. لكن السبيل إلى التقاط "اللمحات النضيفة" مع المعلومات والتفسيرات، يبقى محفوفًا بالقيود.