عمر باطويل.. نهاية 17 عامًا من الصور والأحلام المؤجلة

منشور الخميس 5 مايو 2016

               

صور لأنجلينا جولي واقتباسات لنزار قباني وباولو كويلو وصنع الله إبراهيم، وأمنيات مؤجّلة عن السفر والسلام والوطن .. هذا هو ما ستجده عند تصفح الحساب الشخصي للشّاب اليمني عمر محمد باطويل، ابن السابعة عشرة الذي لقي مصرعه برصاصة في الرأس على يد جماعة متطرفة، إثر اتهامه بالردة بسبب أرائه. واكتشف جثمانه يوم الإثنين 25 أبريل/ نيسان في مدينة عدن اليمنية. 

كان الشّاب اليمني قد خرج مساء الأحد لشراء بعض الأغراض، فأثار تأخره قلق أهله، فهاتفوه لكن أجابهم شخص غريب، أخبرهم بأن جثة ابنهم ملقاة في إحدى طرق المدينة.

                                                   

عمر باطويل

عن عُمر باطويل

 

يعرّف عمر نفسه بأنه إنسان لا يجيد اتباع ثقافة القطيع، ويغرد خارج السرب. كتب أيضا: لست أنا من يكتب هنا.. إنه عقلي. تفصح لنا بعض صوره الشخصية عن روح محبة للضحك والسفر ورفقة الأصدقاء. وتشير تدويناته إلى حس فكاهي يداعب به أصدقاءه تارة، ومعارضيه تارة أخرى. وقد حاول التأكيد على معنى الإنسانية في كتاباته التي خصصها لنقد العنف الديني القائم على التفسير الأعمى للنصوص. أكد عمر في تدوينة تلو الأخرى على هذا المعنى الذي ظل يناضل من أجل حتى آخر قطرة من دمه.

في تدوينة له عبر فايسبوك يقول ابن السابعة عشرة المغدور، إن أحد الأشخاص سأله عما يؤمن به، فأجاب: أؤمن بالإنسانيّة!

جاءت آخر تدويناته في مساء الأحد 23 أبريل، لتلخص لنا حياة زاخرة بالنضال، وكأنه يتحدث عمّن سيغدرون به:

"عندما يعرفون الفرق بين العالم والكاهن سيستعيدون عقولهم!"

 

عن الوطن: 

كتب عمر عدة تدوينات متتالية قصد بها طرح فكرته عن الوطن الذي يحلم به. يقول عمر:

-"الوطن الذي لا تشعر وأنت تسكن فيه بالأمان ليس وطنًا"، "الوطن الذي يقيدك ويسلب حريتك ليس وطنا"، "الوطن الذي لا يحترمك كإنسان ولا يوفر لك أدنى متطلبات الحياة ليس وطنًا"، "الوطن الذي يميز بين أفراد الشعب ويهمش الأقليات لا أعتبره وطنًا".

عن الله:

آمن عمر بإلهه على طريقته الخاصّة، المغايرة لتلك التي يروج لها الظلاميون وأتباع الدم والسيف. وعندما تحدث عنه استدعى الطفل الذي بداخله، لأنه وحده القادر على التواصل مع الله، فخاطبه بكلمات بيضاء:

"اسمح لي اليوم بالحديث عنك.. فأنت الذي لا أقسم إلا بك، لم أكن أعرفك حق المعرفة.. كنت خائفاً منك.. فأولئك الذين ينتسبون إليك زورا أرعبوني من قربك. صحيح أنني كنت أصلّي لك.. لكن ليس حبًا فيك بل خوفًا منك". 

أراد عمر أن يؤسس علاقة تقوم على الحب والمودة بينه وبين الله، فهو لا يستطيع أن يقاوم رغبته في إخبار الله عن سرّه الصغير: "أتذكر ذلك اليوم الذي أخبرتك فيه عن سرّي الصغير.. وبعد ذلك ضحكت طويلًا.. ما أجملها من لحظة!".

لمن الله يا عمر؟ .. بالطريقة البيضاء نفسها يجيب عمر: "الله ليس لأحد..ليس لقبيلة أو طائفة أو ملة أو جماعة من الناس دون غيرهم!".

يقول عمر في تدوينة اختتمها بهاشتاج #جوزيف_أحد يهود اليمن: "لا أصدق حكاية القتال لأجل الله.. الله ليس محتاجا لأحد أن يقاتل لأجله".

يقول عمر أيضًا في نقد واضح لهؤلاء الذين يتكلمون نيابة عن الله: "الأنبياء ينسبون أنفسهم للناس.. والكهنة ينسبون أنفسهم لله!"

                       

عمر باطويل

الأمنيات المّبعثرة

 

"الموسيقى والفن والأدب والفلسفة". رباعية أوصى بها عمر، مستندًا إلى تجربته الشخصية، معتبرًا إياها "مضادات التطرف، لمحاربة الفكر الظلامي".

كتب عمر تدوينة في 21 مارس/ أذار الماضي قال فيها: "رمضان الأول كنت في معشوقتي صنعاء، رمضان هذا كنت في عزيزتي عدن، رمضان الجاي إن شاء الله في جنتي أوروبا.. يا رب". 

رسائله

 

بحس مرهف يسترعي الاهتمام خاطب عمر أمه في عدة رسائل اختتمها بهاشتاج #أمي. وكثيرًا ما كان يخاطبها بهاشتاج #قديستي. كتب عنا قائلاً: "هي كالماء في حياتي.. تجعل مني كل شيء حي". وقال: "عندما أتأمل وجه أمي وهي نائمة، أرى الماضي والحاضر والمستقبل". ويحكي: "وكالعادة دخلت عليها يوما مازحا فقلت: انصحيني. فقالت: كن أنت.. كن حرًّا".

أما قاتليه فيكتب على لسانهم: "لا تحاول الاعتراض، فاعتراضك على ما أقول سيذهب بك إلى الجحيم!". ويتساءل متعجبًا: "كيف ننتظر سلاما من جماعات شعارها الموت!".

وكان عمر قد كتب في تدوينة بتاريخ 1 أبريل من هذا العام، قال فيها إن التكتلات الإرهابية تستهدف حاملي الأقلام قبل حاملي الأسلحة، لأنهم يعلمون جيدًا أن محاربة الإرهاب تبدأ بالقلم.. وأضاف: "وإذا أردنا أن نحارب الإرهاب؛ علينا خلعه من جذوره.. وجذور الإرهاب ما هي إلا أفكار.. والفكر لا يحارب إلا بالفكر".

خطاب للإله 

 

كتب عمر لله خطابًا قال فيه: "يا رب، أنا الآن بفضلك، وبفضل الحبّ الذي بيننا لم أعد أكترث لما يقولون.. سأعبدك وأتقرب إليك كما تحب وليس كما يحبون هم!! فهم يفرحون بالألم، وأنت تريد لنا اليسر. يارب، كلمات الشكر والحمد لك ستكون قاصرة أمام عظمتك وجلالتك. سأحيا كريمًا بك، ومستمتعًا بالجنة التي خلقتها لي في الدنيا.. فقد سخّرت لي الكون لأحيا كريما، شاكرًا، عارفًا..

يا رب سأحبك إلى الأبد وحتى بعد الممات، فلم أعد خائفًا، بل مشتاق إلى لقائك. وإلى ذلك اليوم تقبل خالص محبتي ومودتي يا خالقي.. أحبك ربّي"

                      

عمر باطويل

تشهد مدينة عدن التي عاش فيها باطويل منذ أشهر تناميًا في نفوذ الجماعات السنية المتطرفة، ومن بينها تنظيم القاعدة في جنوب اليمن وفرع تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن، اللذان يشاركان التحالف العربي بقيادة السعودية في محاربة مجموعة عبدالملك الحوثي الشيعية المدعومة من إيران.

وتستهدف تلك المجموعات السنية المتطرفة كل من يوجه انتقادات للتطرف في تفسير النصوص الدينية. وقد تلقى الشاب عمر باطويل تهديدات بالقتل قبل اغتياله في نهاية الشهر الماضي.