من حفل تأبين ضحايا مسرح بني سويف عام 2015. الصورة: الشاعر زين العابدين فؤاد- فيسبوك

16 عامًا على "محرقة بني سويف": الثمن البخس لضحايا الإهمال

منشور الأحد 5 سبتمبر 2021

في مثل هذا اليوم قبل 16 عامًا، وحين كانت مجموعة من الفنانين تستمع بتقديم عرض مَن منّا المأخوذ عن رواية حديقة الحيوان للكاتب الأمريكي إدوارد ألبي على خشبة مسرح بعيد عن العاصمة في مدينة بني سويف، حيث قصر ثقافة بسيط، نشب حريق هائل حوّل القاعة إلى مسرح جريمة تسببت في قتل 50 شخصًا وإصابة 23 آخرين بين فنانين ونقاد وعُمال، حصلوا أو حصلت أسرهم على تعويضات هزيلة تشبه ما يصرف لضحايا حوادث كارثية أخرى ناجمة عن الإهمال شهدتها الأعوام التالية.

انتهت التحقيقات الرسمية في حينه إلى أن السبب شمعة سقطت فشب الحريق الكارثي؛ ليعلن بعدها المسؤول الأكبر عن الثقافة؛ وزيرها فاروق حسني، الحداد ثم الاستقالة، ولكن عشرات الأدباء والمثقفين ممن يختلفون عن زملائهم الضحايا في أنهم من نجوم الصف الأول لا زوار مسارح الأقاليم، حشدوا توقيعاتهم على بيان رفض الاستقالة، ومثلهم فعل الرئيس مبارك، إذ أصر على بقاء الوزير الذي احتفظ بمنصبه من 1987 ولم يتركه إلا عندما رحل رئيسه بعد ثورة 25 يناير.

قضائيًا، تم توجيه تهم، أبرزها الإهمال، إلى ثمانية من مسؤولي وزارة الثقافة؛ وصدر ضدهم في مايو/ أيّار 2006 حكم بالسجن 10 سنوات مع الشغل وكفالة 10 آلاف جنيه لكل منهم. ولكن هذا الحكم خفف بعد أقل من سنة في الاستئناف، عندما قضت محكمة جنح مستأنف بني سويف في مارس/ آذار 2007 بتبرئة أربعة متهمين، وتخفيف أحكام السجن ضد الأربعة الآخرين إلى ثلاث سنوات لمتهم وسنتين لآخر، وسنة لكل من الاثنين الباقين.

في ذلك الوقت، وبسبب هذا الحادث الذي تقرر بعد ثورة 25 يناير إعلان ذكراه في 5 سبتمبر يومًا للمسرح المصري، صدرت أيضًا أحكام قضائية تتعلق بالتعويضات المالية، إذ ألزم حكم عام 2006 الوزير بدفع تعويض مدني مؤقت لأهالي الضحايا قدره 20 ألف‏ جنيه لكل ضحية، ثم صدر عام 2010 حكم آخر من محكمة شمال الجيزة يلزمه بتعويض مدني قيمته 100 ألف جنيه، لأسرة فتاة لقيت مصرعها في الحادث.

حين وقع الحادث، كان من بين إجراءات الوزارة صرف تعويضات عبر صندوق التنمية الثقافية، بواقع ‏10‏ آلاف جنيه لأسرة المتوفي، و‏5‏ آلاف جنيه لكل مصاب، فيما تبرع أحد رجال الأعمال بمبلغ نصف مليون جنيه للضحايا.‏

تعويضات هزيلة 

عادة ما يرافق الإعلان عن تعويضات الضحايا، عبارات للمواساة كالتي يؤكد بها المسؤولون أن ما يتم صرفه لا يعوّض القيمة الإنسانية أو الفنية للراحلين.

بجانب صحة هذه العبارة إنسانيًا، فهي صحيحة للغاية ماديًا كذلك، فالتعويضات كانت وما زالت هزيلة حتى اليوم، رغم تكرار الحوادث، وذلك في ظل عدم وجود منظومة تأمينية للمواطنين بقواعد واضحة وبنود محددة؛ ما جعل من التعويضات وكأنها منحة تُقدر قيمتها حسب بشاعة الكارثة وما تثيره من ضجة.

بعد 11 عامًا من كارثة المسرح، شهدت مصر كارثة أخرى هي المعروفة إعلاميًا بحادث أطفال قطار أسيوط، التي وقعت في نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2012 وراح ضحيتها 60 طفلًا.

حينها، ووسط غضب شعبي ومطالبات لحكومة هشام قنديل بالاستقالة، كانت التعويضات 50 ألف جنيه لأسرة كل متوفي و20 ألف جنيه لكل مصاب، وذلك بمشاركة وزارات وجهات مختلفة، بعد أن قررت وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية صرف إعانة عاجلة قيمتها 5 آلاف جنيه لأسرة المتوفى وألف جنيه للمصاب.

آنذاك، ولِما كان للحادث من وقع مؤلم وضجّة، حاولت جهات أخرى مدنية المساهمة في هذا الشأن، منها اتحاد الأطباء العرب، بإعانة بواقع  10 آلاف جنيه لأسرة كل طفل متوفي، و5 آلاف جنيه لأسرة المصاب.

بعد تسع سنوات، وفي مارس/ آذار 2021، وقع حادث شبيه، عندما اصطدم قطاران في مدينة طهطا التابعة لمحافظة سوهاج، راح ضحيته 32 قتيلاً و165 مصابًا.

حينها؛ قررت الحكومة صرف تعويضات، أعلن رئيسها مصطفى مدبولي أنها تضاعفت "عمّا يتم صرفه عادة في هذه الحوادث" وذلك بعد تدخل من الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ فأصبحت 100 ألف جنية للوفاة و40 ألفًا للإصابة. كما قررت وزارة الأوقاف صرف 10 آلاف جنيه لأسرة كل متوفي و5 آلاف لكل مصاب.

على مدار سنوات بين هذين الحادثين، وقعت حوادث أخرى لم تختلف فيها التعويضات كثيرًا عن تلك المبالغ، بل إن الأمر وصل أحيانًا حد عدم التزام الحكومة بما قررته من تعويضات، لدرجة اندلاع اشتباكات بسبب هذا الأمر، كما كان من أسر ضحايا "مذبحة رفح الأولى" بعد مرور عام على الحادث، دون استجابة لهم.

مقارنات ظالمة 

تحل ذكرى المسرح في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة الأمريكية، تحديدًا ولاية لويزيانا، إعصارًا وصفته السلطات بـ"الكارثي" رغم استعدادها له. ما دفع البيت الأبيض لإعلان الطوارئ وصرف مساعدات عاجلة للمتضررين، وأنها "يمكن أن تشمل منحًا للإسكان المؤقت وإصلاح المنازل وقروضًا منخفضة الفائدة لتغطية خسائر الممتلكات غير المؤمن عليها"، وذلك بخلاف ما سيتم صرفه من تعويضات بعد حصر الخسائر النهائية.

العام الماضي وقع في مصر حادث مشابه، عندما تعرضت عدّة مناطق لموجة أمطار وسيول على مدار أيام عُرفت إعلاميًا بـ"عاصفة التنين"، أعلنت الحكومة تعويضات وصفتها وسائل إعلامية بأنها "ضخمة"، بهدف "إعادة بناء المنازل وتعويض أصحاب المحاصيل والماشية".

كان المبلغ الضخم 100 مليون جنيه، لكنه قُسِّم على أسر الضحايا التي بلغ عددها 7750 أسرة، فيما يعني أن نصيب كل أسرة كان أقل من 13 ألف جنيه.

ربما لا مجال للمقارنة هنا بين مصر ودولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تضع برامج وقواعد حكومية رسمية خاصة بالتعويضات والمساعدات في مختلف الحوادث، تخصص لها مليارات الدولارات.

وكذلك ستكون المقارنة ظالمة، إذا ما انعقدت مع دولة أوروبية مثل أسبانيا التي شهدت عام 2013 حادث قطار راح ضحيته 79 شخصًا، فوصفه الإعلام بأنه "الأسوأ" في أسبانيا منذ 40 عامًا وتم إعلان اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن منظومة السكك الحديدية، مع صرف تعويضات لأسر الضحايا بلغ إجماليها 42.9 مليون يورو، حيث حصلت أسرة كل قتيل على 25 ألف يورو، وتراوحت تعويضات المصابين من ألف إلى خمسة آلاف يورو حسب شدّة الإصابة.

لكن بمقارنة مع أماكن أخرى، ليست ولايات أمريكية أو دول أوروبية، ستبدو التعويضات المصرية أيضًا هزيلة للغاية.

ففي سلطنة عُمان، وبسبب حادث مشابه لإعصار "التنين" المصري، لكنه وقع قبله بـ13 عامًا، صرفت حكومة السلطنة تعويضات لضحايا إعصار "جونو"، بلغ إجماليها 80 مليون ريال عُماني (الريال العماني = 40.7 جنيه مصري)، كانت مُقسّمة بين أكثر من قطاع، فخسائر المساكن خصص لها 39.021 مليون ريال، ووسائل النقل تخصص لتعويض خسائرها 19.261 مليون ريال، وقطاعات الزراعة والصيد والمنشآت التجارية تخصص لها 21.700  مليون ريال.


اقرأ أيضًا: حوادث قطاراتنا وتعويضاتهم: حياة تشبه الموت

 

آثار إصابة الجمجمة على جبهة فارس، تصوير: هاجر هشام

وفي المملكة العربية السعودية، صرفت السلطات تعويضات لضحايا حادث سقوط رافعة في الحرم المكي، بواقع مليون ريال لأسرة كل قتيل، ومثلها لكل من أصيب بإعاقة، و500 ألف ريال لكل حالة إصابة أخرى.

بعيدًا عن الدول العربية، وفي بلد لا يتميز باقتصاد مرتفع، وقع حادث مترو أنفاق عام 2021 في المكسيك، فكانت التعويضات 650 ألف بيزو (32 ألف و500 دولار) لأسرة كل قتيل.

بل إن التعويضات، لا تقتصر في بعض المناطق على الحوادث فحسب أو على وقائع حديثة فقط، ففي عام 2021، صرفت إسرائيل تعويضات لعائلات يهودية- غالبيتها يمنية الأصل- فُقد أثر أطفالها فيما بعد عام 1948. فتم رصد مبلغ للتعويضات قدره 162 مليون شيكل (41 مليون يورو)، على أن تحصل عائلات الأطفال المتوفين الذين لا يُعرف أين دفنوا على 150 ألف شيكل (37,800 يورو) لكل أسرة، وعائلات الأطفال الذين لا يزال مصيرهم غير محسوم 200 ألف شيكل لكل أسرة، في مبلغ بدا أنه يتناسب طرديًا مع "مأساوية" الحادث، حسبما وصف مسؤولو تل أبيب.