العاهل الأردني عبد الله الثاني وولي عهده الأمير الحسين ورئيس الأركان اللواء يوسف الحنيطي. الصورة من الديوان الملكي الهاشمي - فليكر

عملية إسكات الأمير: وأد التهديد الضعيف يجدد "البيعة الدولية" للهاشميين

منشور الأربعاء 7 أبريل 2021

 

في الأردن، حيث تتمتع الأجهزة العسكرية والأمنية، خصوصًا الجيش والمخابرات، بنفوذ هائل وقوة كبيرة، سيصعب على المراقب أن يسمي تحركاتٍ محدودةً لأشخاصٍ خارج دائرة الفعل المباشر لتلك الأجهزة، ومن دون مشاركتها أو مشاركة أجزاء وازنة منها، "محاولة انقلاب"، حتى ولو كان من يقوم بهذه التحركات أمير من العائلة الهاشمية الحاكمة، وابن لملكها الراحل، وولي سابق للعهد.

كما أن تحركًا من النوع الانقلابي، ومن داخل المجموعة الحاكمة لبلد مثل الأردن، سيتطلب، لا بد، تنسيقًا مباشرًا وعالي المستوى مع "الحلفاء" الاستراتيجيين، وأقصد هنا تحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، ذات التأثير الكبير والحضور الواسع في البلاد. وفوق هذا؛ سيتطلب الأمر ترتيبات لضمان حياد قوىً إقليمية ومحلية مؤثرة وفاعلة مجاورة على رأسها السعودية وإسرائيل، ستتأثر، طبعًا، بأية تغييرات من هذا النوع.

كلا الأمرين لم يحصلا، إذًا، إزاء الأحداث التي مر بها الأردن خلال الأيام القليلة الماضية، نحن لسنا بصدد "محاولة انقلابية" كما أطلقت عليها بعض المصادر الغربية، ربما لأغراض إضفاء شيء من الإثارة والإكزوتيكية. فالحكومة نفت تورط أو اعتقال أي من قيادات وضباط الجيش، بينما استخدم الإعلام الرسمي والخطاب الحكومي عبارة "محاولة زعزعة أمن الأردن واستقراره" لوصف "الأحداث" التي تسببت بإرسال قائد أركان الجيش للطلب من الأمير التوقف عن الاتصال مع الناس، ونشر التصريحات عبر الوسائل المختلفة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي.

لا شيء جديد بهذه التصرفات، والتوصيفات، والتكييفات القانونية، فلطالما أحيل نشطاء إلى محكمة أمن الدولة بتهمٍ أكبر بكثير، مثل "تقويض نظام الحكم"، لمجرد التعبير عن رأيهم، أو توجيه نقد مباشر للملك، أو التظاهر، الأمر الذي يجعل من تهمة "محاولة زعزعة أمن الأردن واستقراره" صيغة مخففة نسبيًا، لا وجود فعليًا لها في المدونة القانونية، وتتعلق بموضوعٍ شبيه. 

من ولاية العهد إلى المعارضة

لم تبدأ قصة الأمير حمزة بن الحسين مع هذه الأحداث، وأغلب الظن أنها لن تنتهي بها، فالرجل اختاره أبوه الملك الحسين بن طلال وهو على فراش الموت عام 1999 وليًا لوليِ العهد، بعد أن قام بتغييرٍ مفاجئ في ترتيب ولاية العهد أزاح بموجبه شقيقه الأمير الحسن بن طلال من ولاية العهد لصالح ابنه الأكبر عبد الله. استمر الأمير حمزة وليًا لعهد شقيقه الملك عبد الله الثاني منذ ذلك الحين وحتى 2004، حين أزيح عن هذا الموقع لصالح الابن الأكبر للملك، الأمير حسين بن عبد الله، وما صاحب ذلك من تحديد لدوره في الحياة العامة.

مثله مثل بقية من يتبوأ مناصب أساسية في تراتبية الحكم الملكي في الأردن، قام الأمير حمزة أثناء ولايته للعهد بالاتصال المستمر وبناء العلاقات مع الناس، خصوصًا منهم القيادات الاجتماعية والعشائرية. استمر هذا التواصل بعد عزله عن ولاية العهد، وحاز، على ما يقول الكثير من المراقبين، على قبول واسع من بعض القطاعات الاجتماعية، خصوصًا وأنه يتحدث العربية بطلاقة، ويتبسط في التعامل، ويتخفف من البروتوكولات والحرس.

أتاح الأمير الشاب لنفسه هامش حرية وحركة أوسع من تلك "المقبول بها" داخل أروقة الحكم، يستمع إلى انتقادات الناس، ويعبر هو نفسه أحيانًا عن مواقف ناقدة، أو يفهم منها أنها كذلك، مثل تغريدته الشهيرة في سبتمر/ أيلول 2018 التي تضمنت موقفًا مضادًا لإقرار قانون ضريبة الدخل الجديد، ونقدًا للإدارة الفاشلة والفساد، ومطالبةً بتصحيح النهج بدلًا من العودة المستمرة إلى جيب المواطن، وكان مشروع هذا القانون أشعل فتيل احتجاجات كبرى في يونيو/ حزيران من نفس العام، أسقطت حكومة رئيس الوزراء هاني الملقي وأتت ببديل يحظى بقبول نسبي في حينه هو عمر الرزاز، ما هدأ الاحتجاجات. لكن أصحاب القرار، من خلال حكومة الرزاز، أتوا بقانون وصفه خبراء بأنه أسوأ من المشروع الذي أثار الاحتجاجات.

منذ ذلك الحين، وربما قبلها بقليل، أصبح اسم الأمير يُطرح اجتماعيًا، وكذلك في بعض أوساط الحراك، كـ"خيارٍ مقبول"، وصولًا إلى الهتاف باسمه في بعض الاحتجاجات التي عمت الأردن في مارس، آذار الماضي؛ ليتصاعد النقد الذي يوجهه ويمثله الأمير، أخيرًا، بشكل دراماتيكي وصريح وواضح في المقاطع المصورة التي بثها، وصارت الآن مشهورةً ومتداولة.

إثبات وحدة السلطة بوأد تهديد ضعيف

المانشيت الرئيسي ليوم الاثنين 5 إبريل/ نيسان 2021، وعلى كامل عرض الصفحة الأولى لجريدة الرأي الأردنية، التي ينظر إليها على أنها لسان حال السلطة، جاء كما يلي "وأد الفتنة في مهدها".

باستثناء الطابع الدرامي المبالغ به لكلمة "الفتنة" الواردة فيها، فأنا أجد أن العبارة تعبر بدقة عن جزء من واقع الحال، فإنهاء تحركات الأمير وزياراته، وإسكات نقده، وتحديد شعبيته المتنامية في بعض أوساط الحراك وبين العشائر، كان يجب، بنظر السلطة، أن تتم وهي ما تزال غضة طرية، قبل أن تكبر وتتجذر وتتطور، ويصبح التعامل معها أكثر تعقيدًا وكلفة: "nipped in the bud" كما جاءت، بدلالةٍ مجازية أفضل، الترجمة الإنجليزية لتصريحات نائب رئيس الوزراء، والتي عنونت بها صحيفة أردنية مستجدة ناطقة الإنجليزية صفحاتها.

 

صورة للصفحة الأولى لعدد 5 إبريل 2021 من جريدة الرأي الأردنية 

أمر آخر تخدمه هذه التحركات الأخيرة لـ"منع محاولة زعزعة أمن الأردن واستقراره"، هو محاولة حشد التأييد خلف السلطة في الأردن داخليًا وخارجيًا بعد سلسلة من المستجدات.

على الصعيد الخارجي، تعرض الدور الوظيفي للأردن للاهتزاز بعد صعود دونالد ترامب إلى الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتجاهله للسياسات والتوازنات والأدوار التي كانت قائمة ومستقرة قبله، ليطرح ما سمي بـ"صفقة القرن"، ويفعل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وينقل سفارة بلاده إليها، ويعترف بقرار تل أبيب ضم الجولان، ويتوقف عن وصف الضفة الغربية بـ"المحتلة"، ويلمح إلى استعداده للاعتراف بضم إسرائيل للمستوطنات المقامة على فلسطين المستعمرة عام 1967، مع تهميش وتجاهل كاملين للأردن في هذا السياق، الأمر الذي اعتبرته المجموعة الحاكمة في عمَان تهديدًا استراتيجيًا لها، فرفضت "صفقة القرن"، واستمرت بالحديث عن، والإصرار على، "حل الدولتين"، لأنه يشكل ضرورة لدورها الوظيفي المهدور.

إن أضفنا لذلك الذي ذكرناه التحالف الناشئ والمتصاعد بين إسرائيل ودول الخليج، والذي أنتج إلى الآن معاهدتي سلام مع الإمارات والبحرين، وزيارات إلى عُمَان، وتنسيقًا وقنوات اتصال مفتوحة مع البلد الأكبر؛ السعودية، سنجد أن الدور الكياني الوظيفي التقليدي للأردن فقد أهميته إلى حد كبير، ما قد يشكل تهديدًا وجوديًا، جديًا هذه المرة، يستدعي التحرك وإعادة التموضع، ومحاولة استعادة الدور واستمراريته.

لذا، فإن الإعلان عن "تهديد" يُفهم منه أنه "انقلابي"، أو يستهدف تغيير رأس السلطة، أو يبغي زعزعة أمن مساحة جغرافية تجمع غالبية من القوى الدولية والإقليمية والمحلية على ضرورة إبقائها "واحة مستقرة"، خصوصًا وأنها تملك أطول خط حدودي مع "إسرائيل"، لربما سيؤدي إلى حشد تأييد دولي وإقليمي خلف السلطة التي تضعضع وضعها الخارجي؛ وهو ما تم، إذ انهالت مباشرة رسائل الدعم من أرجاء الأرض الأربع، وظهرت وكأنها تجديد للـ"بيعة الخارجية" للمجموعة الحاكمة، ولدورها الذي شابته بعض الشكوك في خضم التغيرات الدولية والإقليمية المذكورة.

على الصعيد الداخلي، ومنذ التظاهرات الحاشدة التي اندلعت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، والمعروفة باسم "هبَّة تشرين"، صارت شرعية المجموعة الحاكمة نفسها توضع على بساط النقاش، وصار النقد يطال الملك نفسه بشكل علني، وصار اسمه يرد بشكل صريح في هتافات المتظاهرين، فيما طالبت عدة تحركات، آخرها التحرك في الذكرى العاشرة لحركة 24 آذار قبل أسبوعين تحت شعار "يوجد هنا شعب"، بتعديلات دستورية تحدد سلطات الملك وتلغي حصانته، وتثبت تلازم السلطة والمسؤولية، وتمنع تدخل الأجهزة الأمنية في الحياة السياسية، وتنص على حكومة منتخبة تمتلك الولاية العامة، وتعديل قانون الانتخاب لضمان وجود برلمان قادر على المراقبة والتشريع، مع إلغاء مجلس الأعيان الذي يعين أعضاءه الملك.

من المظاهرات الاحتجاجية ضد الملك عبد الله


في مارس الماضي، ورغم أنها لم تحظَ بتغطية إعلامية تتناسب ووزنها المعنوي؛ خرجت تظاهرات في كافة أرجاء البلاد إثر وفاة مواطنين مصابين بكورونا في مستشفى السلط الجديد، نتيجة انقطاع مخزون الأوكسجين فيه. كسرت هذه التظاهرات حظر التجول الليلي المفروض بعد الساعة السابعة مساءً، متحديةً قانون الدفاع المعمول به منذ بدء جائحة كورونا، وهو قانون يشبه الأحكام العرفية، يتيح التشريع وتعديل القوانين القائمة بأوامر دفاع تصدر عن الحكومة مباشرة دون العودة لأحد، مرتبة غرامات وعقوبات على من لا يلتزم بها، مطالبةً بإنهاء العمل به.

مثلت هذه التظاهرات الشعبية، بتظلماتها التي تنطلق من واقع اقتصادي منهار نتيجة للفساد وارتفاع المديونية المضطرد، وارتفاع الأسعار، وارتفاع نسب البطالة، وكلها كانت قائمة منذ ما قبل فترة الكورونا، لتأتي الجائحة وتزيدها قسوة، حالة تحدٍ جديدة وجدية للسلطة، تقف في وجه محاولة توسيع مساحة سيطرتها بواسطة قانون الدفاع، وتمارس هذه التوسع بانفراد كامل، دون أي رقابة نيابية في ظل مجالس نواب ضعيفة جدًا تلعب عمومًا دورًا وساطيًا/ زبائنيًا لصالح السلطة، أو مجتمعية في ظل أحزاب ونقابات ومؤسسات مجتمعية صُفَّي دورها تمامًا على مدار السنوات السابقة، بالاحتواء، أو الغواية، وأحيانًا بالقمع المباشر، كما حصل مع نقابة المعلمين.

في مواجهة هذه التحديات الداخلية الجدية، وارتفاع مستوى النقد ليصل إلى برنامج يطالب بتحديد سلطات الملك، وحكومة منتخبة تملك الولاية العامة، ومنع الأجهزة الأمنية من التدخل في الحياة السياسية، وفرت هذه "الأحداث" الأخيرة المتعلقة بالأمير حمزة، كما عُرضت وأديرت من قبل السلطة، فرصةً لمحاولة تحشيد أجزاء واسعة من الناس خلفها في مواجهة تهديداتٍ قدمت على أنها ستزعزع أمن واستقرار البلاد، وهو أمر لم تنجح به إلى حد كبير.  

قضية أخيرة خدمتها هذه "الأحداث"، تمثلت في إثبات وحدة المجموعة الحاكمة وتماسكها، وهو أمر كان مدار تشكيكٍ من قبل ما يسمى بـ"المعارضة الخارجية" التي تنشط عمومًا من خلال فيديوهات يوتيوب وفيسبوك؛ خصوصًا وأن هذه "المعارضة" تعرض بشكل مستمر معلومات حساسة وداخلية توحي بأن هناك من يسربها من البيت الداخلي للسلطة نفسه. لهذا، أثبت التعامل الجماعي والحاسم مع الأمير حمزة، أن المجموعة الحاكمة وأجهزتها الأمنية المتعددة متعاضدة تمامًا، تتحدث بمقولة واحدة، حُملت للقائد العام لأركان القوات المسلحة لينقلها بنفسه، في إشارة لا تفوت على النبيه، باعتباره قائد الجهاز العسكري الأقوى في البلاد؛ في حين خرج المانشيت الرئيسي ليوم الأحد 4 إبريل/ نيسان 2021، وعلى كامل عرض الصفحة الأولى لجريدة الرأي إياها، ليقول "الجيش: لا أحد فوق القانون"؛ وهي إشارة واضحة وحاسمة للجميع، من جهةٍ ليس من مهامها إنفاذ القانون.

ملاحظات حول المؤامرة الخارجية

لم تحدد البيانات الحكومية أو الأمنية الجهات الخارجية المتورطة بالتآمر على الأردن، وترك نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أمر الكشف عنها للتحقيقات الجارية، رغم أنه أعلن عن تورطها قبل استكمال هذه التحقيقات. هذه الالتباسات تشوب كثيرًا من التفاصيل التي صرحت بها المصادر الحكومية، أو تلك القريبة منها والدائرة في فلكها، منذ البداية؛ فهي نفت وضع الأمير رهن منزله وقطع الاتصالات عنه، وهو ما ناقضه الأمير نفسه في تسجيلاته؛ أما التلميح بأن "الأطراف الخارجية" هي إسرائيل نفسها فهو مسألة طريفة إن أخذنا بعين الاعتبار أن السلطة في الأردن تربطها معاهدة مع إسرائيل، تتبادلان من خلالها السفارات، وهي على اتصال مستمر ومباشر معها، بما في ذلك التنسيق الأمني.

والأمر لا يقتصر على هذه الجوانب فقط، إذ تدعم المجموعة الحاكمة في الأردن إسرائيل ماليًا بسحبها عشرة مليارات دولار من جيوب دافعي الضرائب الأردنيين المفقرين، ومن اقتصادها المنهك، لتودعها في خزائن الصهاينة عبر اتفاقية لاستيراد الغاز، وفوق هذه المليارات، تسلمهم إمكانية ابتزاز البلد عبر التحكم بأمن طاقته، بعد أن مكنتهم من ابتزازه مائيًا من خلال معاهدة وادي عربة.

أما التلميح بارتباطات الرجل البارز الثاني الذي اعتقل في هذه الأحداث؛ رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله، الذي كان يشغل مناصب أخرى سابقًا من بينها وزير التخطيط، ومبعوث الملك إلى السعودية، ومستشار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فأمرٌ لا يقل طرافة؛ فالرجل كان في مرحلة من المراحل، وحتى وقت قريب، من أقرب المقربين إلى الملك، ما جعل منه هدفًا فرديًا "تعويضيًا" بديلًا عن أصحاب القرار مجتمعين، فهوجم بشدةٍ كرمزٍ من رموز الفساد وعراب للتحولات الاقتصادية "النيوليبرالية"، وهو سيئ السمعة في الأوساط الشعبية الأردنية، خصوصًا في الأوساط الاجتماعية (العشائرية) التي يتفاعل معها الأمير حمزة، وهو من المحسوبين على تيار "الحرس الجديد" الذي حاول في فترة من الفترات إضعاف نفوذها، ما يجعل ارتباط الاثنين بمشروعٍ واحد أمرًا مستغربًا.

ولكون الرجل على صلة مباشرة بالمجموعة الحاكمة السعودية، خصوصًا ولي عهدها، فمن غير المرجح أن يكون جزءًا من "مؤامرة" أو تحركاتٍ لا يعلم عنها حكام السعودية، الذين كانوا من أوائل الداعمين للملك عبد الله الثاني بعد الإعلان عن "الأحداث"، إذ أصدر الديوان الملكي السعودي بيانًا بهذا الخصوص، تلاه اتصال هاتفي أجراه ولي العهد السعودي مع الملك عبد الله لتأكيد الموقف، وبعدهما زيارة لوفد ترأسه وزير الخارجية السعودي للمزيد والمزيد من التأكيد.

هل وئدت الفتنة؟

من المهم أن نلاحظ أن كل ما جرى هو تحركات تمت داخل المجموعة الحاكمة، وفي حدودها، وربما أفضل من عبر عن هذه المفارقة عنوانٌ لخبر نشره موقع الحدود الساخر؛ "النظام الأردني يُنقِذ النظام الأردني من محاولة النظام الأردني زعزعة استقراره". فكل الشخصيات التي ذُكر أنها "متورطة" في الأحداث هي من المحسوبة على الحكم، وساهم بعضها بفاعلية، في إيصال البلد إلى الوضع الذي هو فيه اليوم على الصعد الاقتصادية والسياسية.

وقد يُطرح هنا سؤال افتراضي؛ هل كانت هذه المواقف النقدية الحادة التي عبر عنها الأمير حمزة لتكون لو أنه استمر إلى اليوم وليًا للعهد، وتولى الملك بعد أخيه، أم أنه كان سيسير على المسار نفسه في ظل انعدام الخيارات التحررية الحقيقية لبلدٍ كالأردن؟ طبعًا، هذا سؤال لا معنى له من الناحية الواقعية والتاريخية، فالأمور لم تسر بذاك المسار، لكنه سؤال يؤشر على محدودية الفعل الممكن من داخل السلطة نفسها، خصوصًا إن كانت مكبلةً وظيفيًا، وتعمل مجموعتها الحاكمة بشكل رئيسي من أجل البقاء.

ومن المهم أن نلاحظ أن الأمير حمزة، الذي استهدف التحرك ضده، جزئيًا، "وأد" شعبيته، أو إضعافها، وإسكات صوته، قد خرج بشعبية أكبر، واحترامٍ أوسع، وصوتٍ أعلى، خصوصًا بعد أن سمع المواطنون تسجيلاته المتعددة التي تضمنت مواقفه الصريحة بشكل علني ومباشر، واطلعوا على مزاياه الشخصية التي برزت في التسجيل المسرب لحديثه مع رئيس هيئة الأركان المشتركة. كان هذا أول شرخ علني في الأسرة الحاكمة في الأردن، لكن أسلوب التعامل الأمني المعتاد معه حول الأمير من "حالة محتملة" يتم الكلام عنها همسًا، إلى "حالة قائمة" لها جمهور ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي.

تسريب للتسجيل الصوتي المنتشر للأمير حمزة مع رئيس الأركان يوسف الحنيطي


أخيرًا، من المهم ملاحظة أن شعار "لا أحد فوق القانون" الذي أطلقه الملك قبل فترة، وتكرر قبل أيام على لسان الجيش في تعامله مع "الأحداث"، يتناقض مع واقع الحال الدستوري، فالمادة 30 من الدستور الأردني تنص على أن "الملك هو رأس الدولة، وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية"، كما يتناقض مع الواقع القانوني والفعلي، إذ أن محاسبة المسؤولين الكبار والوزراء يتطلب إجراءات خاصة تجعل الأمر قريبًا من الاستحالة إلا إن تحركت السلطة نفسها ضد المسؤول المعني. التحرك ضد الأمير حمزة جاء في خضم، وأعاد التأكيد على، التغييرات الجوهرية التي يحتاجها الأردن على الصعد السياسية والاقتصادية، وعلى وجه الخصوص، تلك المتعلقة بشكل الحكم القائم وأدواته ومحدداته.

ربما تكون المجموعة الحاكمة قد نجحت في استقطاب "بيعة خارجية"، أي تجديد الثقة بوظيفيتها الإقليمية والدولية، عبر سيل التأييدات التي حازت عليها من كل حدبٍ وصوب، ونجحت في إثبات تماسكها الداخلي وتعاضد مكوناتها، ونجحت إلى حد أقل بكثير في حشد قطاعات واسعة من الناس خلفها؛ لكن الأحداث الأخيرة هي دليلٌ إضافي على حالة الغليان الداخلي المتصاعد؛ غليانٌ يتم تجاهله والتعامل معه بحلول أمنية تزيد من فورانه؛ فهل ستلتفت السلطة إليه الآن بعد أن وصل إلى داخل البيت الهاشمي نفسه، أم أنها ستوغل بمسار القمع المباشر المتسارع الذي يتحجج بظروف الوباء، ويستخدم قانون الدفاع، والذي ابتدأ بتصفية نقابة المعلمين، وتفاقم باعتقال الحراكيين والتضييق عليهم، ويستمر اليوم بإسكات الأمير؟