تصميم: المنصة

"عزلة مستمرة": مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والتعتيم على المعلومات في ظل كورونا

منشور الثلاثاء 2 مارس 2021

كان تقييد الوصول إلى المعلومات ومنع تداولها من أبرز ما رصدته مؤسسة حرية الفكر والتعبير في تقريرها السنوي، عن حالة حرية الرأي في مصر لعام 2020، تحت عنوان "عزلة مستمرة"، إضافة إلى تأثير الوباء على أوضاع المحبوسين احتياطيًّا في قضايا حرية التعبير، فبدلًا من الإفراج عنهم بتدابير احترازية، مُنعت عنهم الزيارة، ولم يتمكنوا حتى من الاتصال هاتفيًا بذويهم، وتزايدت ظاهرة تدوير المتهمين بعد إخلاء سبيلهم، وإدراجهم على ذمة قضايا جديدة.

رصد التقرير كذلك التضييق الذي تعرضت له الحقوق الرقمية، وحرية الإعلام، بجانب الحريات الأكاديمية، واستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان، ووثقت 16 واقعة قبض ضد صحفيين على خلفية عملهم، ورصدت كذلك 11 انتهاكًا تندرج تحت مداهمة المقرات وسحب التراخيص، بحق إعلاميين ومكاتب الصحافة الأجنبية في مصر.

حرية التعبير أثناء الجائحة

ذكر التقرير أنه مع ظهور الجائحة أصبحت الحاجة أكبر للوصول للمعلومات، ولكن تعاملت الدولة بنوع من أنواع التعتيم، ومنعت تداول المعلومات بشتى الطرق، سواء من الناحية التشريعية، فانقضى عام 2020 دون صدور تشريع لحرىة تداول المعلومات رغم انتهاء المجلس الأعلى للإعلام من إعداد مسودته منذ أكتوبر 2017، بالإضافة لقصور المعلومات الرسمية الخاصة بالجائحة، فالكثير من العوار ظهر في نقص المعلومات أو عدم إتاحتها بشكل ملائم، ما قيَّد قدرة الصحفيين والمتخصصين على تحليل تلك الأرقام والبيانات.

التقرير لفت لتدشين موقع إلكتروني لوزارة الصحة للإعلان عن عدد الإصابات اليومية، ولكنه افتقر لعدد المسحات التي تتم في مقابل تلك الإصابات، فضلًا عن عدم توضيح التوزيع التفصيلي لأعمار الحالات المصابة والمتوفاة، وكذا مناطق انتشار الإصابة جغرافيًّا والنوع، وغيرها من المعلومات الهامة.

المؤسسة ترى في تقريرها، أن المعلومات المرتبطة بالجائحة مُنع تداولها، مع الحرص على مشاركة أقل عدد من المعلومات، بل وتهديد وسائل الإعلام والصحافة بشكل مباشر باللجوء إلى إجراءات تأديبية و بالملاحقة القانونية حال محاولة أي منها تقصي الحقائق أو نشر المعلومات غير تلك التي تصدر عن الجهات الرسمية رغم ندرتها، ومنها سحب اعتماد مراسلة جريدة الجارديان في مصر، وإنذار مراسل جريدة نيويورك تايمز، على إثر نشر الجارديان تقريرًا يتناول انتشار الفيروس في مصر، وحجب ثلاثة مواقع صحفية بسبب تناول أمور متعلقة بالجائحة، ولفت نظر 16 موقعًا إلكترونيًّا وصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، لنشرهم أخبارًا كاذبة عن اكتشاف حالة إصابة بفيروس كورونا في طنطا.

منع تداول المعلومات طال الأطباء أيضًا، وفقًا للتقرير، الذي أوضح أنه تم القبض على 8 أطباء على الأقل لنشرهم آراء عبر صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي حول الجائحة وانتشار الفيروس، مع استهداف واضح للصحفيين، فمن بين 62 انتهاكًا وثَّقتها المؤسسة بحق حرية الصحافة والإعلام خلال عام 2020، كانت نسبة الانتهاكات ضد الصحفيين على خلفية مواضيع صحفية على علاقة بالجائحة بنسبة 30% تقريبًا، وأظهر الرصد ارتفاعًا ملحوظًا للانتهاكات ضد حرية الصحافة خلال شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار بالمقارنة بباقي الشهور، وهي الفترة التي بدأت أعداد الإصابة تتزايد فيها بنسبة كبيرة خلال الموجة الأولى من الجائحة.

قبضة حديدية

جاء بالتقرير أن هناك جهودًا من وزارة الثقافة في عملية الرقمنة، منها الجولات الافتراضية في المتاحف، والحفلات، أعمالها الفنية من حفلات ومسرحيات ولوحات ومنحوتات للجمهور عبر نوافذها الإلكترونية ومواقعها المختلفة وغيرها من الفاعليات التي تصل لعدد كبير من المواطنين بمنازلهم في وقت الجائحة، وفي المقابل تعاملت الأجهزة الأمنية مع المحتوى الترفيهي المقدم من أشخاص عاديين بنوع مختلف من تشديد القبضة الأمنية، مثلما حدث مع فتيات التيك توك، وثقت المؤسسة محاكمة ومعاقبة تسع نساء بالسجن ما بين سنتين وست سنوات، في 2020 في مثل هذه القضايا.

وقال التقرير إنه بدلًا من اللجوء لإطلاق سراح المساجين غير الخطرين والمحبوسين احتياطيًّا تفاديًا لانتشار العدوى، كما حدث في دول مختلفة، وتلبية دعوة مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أعلنت وزارة الداخلية تعليق الزيارات بالسجون بداية من 10 مارس، بدعوى الحرص على الصحة العامة وسلامة النزلاء، بل قوبلت دعوات الإفراج بمزيد من المحبوسين احتياطيًا بتهم واحدة.

لم تعلن وزارة الداخلية عن أعداد المصابين بفيروس كورونا في السجون، ولم تمكِّن المساجين من التواصل مع ذويهم تليفونيًا بعد قطع الزيارات،  رغم أن المادة 38 من قانون تنظيم السجون تنص على حق التراسل والاتصال التليفوني بمقابل مادي لجميع المحتجزين بغض النظر عن موقفهم القانوني، وذكر التقرير أن الحكومة استغلت انتشار الفيروس، لتُجري تغييرات على آليات تجديد حبس المتهمين، وحرمانهم من حقهم القانوني في التواصل مع العالم الخارجي، بدعوى تطبيق إجراءات احترازية لمواجهة الجائحة.

في ذروة موجة الجائحة الأولى، ودون حضور المتهمين أو دفاعهم، جددت دوائر الإرهاب التابعة لمحكمة جنايات القاهرة، حبس 1600 متهم على الأقل في الفترة من 4 إلى 6 مايو 2020.

تدوير المتهمين 

استمرت وتزايدت ظاهرة تدوير المتهمين بعد إخلاء سبيلهم، وإدراجهم على ذمة قضايا جديدة، بعد تعرضهم لفترة من الاختفاء القسري، ليظهروا بعد ذلك في النيابة للتحقيق معهم على ذمم قضايا جديدة بنفس التهم السابقة.

بجانب التدوير ومخاوف انتشار الوباء وزيادة عدد المحبوسين، حل الإهمال الطبي ومعه الموت داخل السجون، ففي صباح يوم 2 مايو 2020، توفى الشاب شادي حبش في محبسه بسجن طرة، نتيجة للإهمال الطبي. كان حبش انقطع عن التواصل عن أهله نتيجة قرار تعليق الزيارات بالسجون منذ مارس 2020، فضلًا عن أنه قد قضى 26 شهرًا من الحبس الاحتياطي، بمخالفة القانون وذلك بسبب عدم قيام الدائرة المسؤولة عن النظر في أمر حبسه بإطلاق سراحه بعد انتهاء مدته القانونية.

رحبت المؤسسة في تقريرها بالاتجاه نحو الرقمنة، ففي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلنت وزارة العدل عن إطلاق نظام لتجديد حبس المتهمين احتياطيًّا عن بعد، لعدة أسباب من بينها تقليل فرص انتشار كورونا بين المحبوسين والمواطنين، لكنها إجراءات من جانب من اتجاه واحد، فهناك العديد من البدائل للحبس الاحتياطي، وهو في الأصل إجراء احترازي، ويمكن استبداله بالعديد من الإجراءات مثل عدم مبارحة المتهم منزله، أو إلزامه الحضور لقسم الشرطة في أوقات معينة، ولكنها إجراءات لم تتجه لها الدولة في الجائحة، بل زادت معها القبضة الأمنية.

الحقوق الرقمية

وثَّقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 67 حالة انتهاك تعرض لها مستخدمو الإنترنت خلال عام 2020، منها 22 بسب نشر آراء أو معلومات حول انتشار الجائحة، منها القبض على 14 شخصًا بسبب تعبيرهم عن آرائهم حول سياسات الحكومة في التعامل مع الجائحة، بينما تعرض طبيبان لإجراءات تأديبية إدارية على خلفية نفس السبب، وهو ما دعا نقابة الأطباء مخاطبة النائب العام، للمطالبة بالإفراج عن ستة أطباء ألقي القبض عليهم في محافظات مختلفة على خلفية منشورات شخصية على فيسبوك، عبروا فيها عن آرائهم.

وقعت أغلب الانتهاكات المرصودة في القاهرة بواقع 30 حالة، ثم الجيزة بواقع 10 حالات، بينما شهد الشهران الأولان من الموجة الأولى للجائحة، مارس وأبريل، وقوع أكثر الانتهاكات، ورصدت المؤسسة، القبض على 14 مستخدمًا للتطبيقات معظمهم نساء، أبرزها تطبيق تيك توك، في 9 وقائع مختلفة، وصدرت بحق 8 منهم أحكام بالسجن ما بين سنتين إلى 6 سنوات، وذلك ضمن 43 حالة قبض.

رصدت المؤسسة 7 حالات حجب للمواقع، منها 4 حالات حجب نهائي من قبل جهة غير معلومة، و3 حالات حجب لمدد مختلفة صادرة عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حتى تصبح المعلومات المتاحة أمام الجمهور هي المعلومات التي تعلنها الحكومة فقط.

حرية الإعلام

من بين 62 انتهاكًا وثقتهم المؤسسة لانتهاكات حرية الصحافة والإعلام خلال عام 2020 ارتكبت السلطات المصرية 20 انتهاكًا ضد الصحفيين بسبب مواضيع صحفية عن أزمة انتشار وباء كوفيد 19، وأظهر الرصد ارتفاعًا ملحوظًا لانتهاك حرية الصحافة خلال شهري أبريل ومايو بالمقارنة بباقي الشهور خلال السنة.

وجاءت وقائع القبض على الصحفيين خلال 2020 على رأس قائمة الانتهاكات ضد حرية الصحافة، ورصدت المؤسسة 16 واقعة قبض ضد صحفيين على خلفية عملهم الصحفي، كما احتُجز 3 صحفيين بشكل غير قانوني قبل إطلاق سراحهم دون تحرير أي محاضر أو توجيه أية اتهامات.

وثقت المؤسسة 11 انتهاكًا تندرج تحت مداهمة المقرات وسحب التراخيص، بحق إعلاميين ومكاتب الصحافة الأجنبية في مصر، عندما اقتحمت قوة من الشرطة مقر وكالة الأنباء التركية الأناضول في 15 يناير/ كانون الثاني 2020 واحتجزت القوة الأمنية المدير المالي والذي يحمل الجنسية التركية، وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا في اليوم التالي، أعلن فيه قيام قطاع الأمن الوطني برصد اضطلاع إحدى اللجان الإلكترونية الإعلامية التركية باتخاذ إحدى الشقق بمنطقة وسط القاهرة مركزًا لنشاطها المناوئ لمصر، وبحسب بيان وزارة الداخلية فقد عملت تلك اللجان على إعداد تقارير سلبية تتضمن معلومات مغلوطة ومفبركة حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والحقوقية وإرسالها إلى مقر الوكالة في تركيا بهدف تشويه سمعة مصر، وأضاف البيان أن تلك اللجان تعمل تحت غطاء شركة سيتا للدراسات والتي أسستها جماعة الإخوان المسلمين.

بعد تلك الواقعة، وثقت المؤسسة 4 انتهاكات قامت بها الهيئة العامة للاستعلامات ضد صحف أجنبية، تنوعت ما بين سحب ترخيص مزاولة المهنة والإنذار.

حرية الإبداع

رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ارتفاعًا ملحوظًا في انتهاكات ملف حرية الإبداع خلال عام 2020، وذلك بالمقارنة مع العام الماضي 2019، حيث ارتفع الرصد من 11 انتهاكًا إلى 36 عامَ 2020، مارست نقابة المهن الموسيقية أغلب هذه الانتهاكات بإصدارها قرارًا بمنع 23 مطربًا من الغناء، وذلك على إثر أزمة النقابة مع المهرجانات ومؤديها.

رصدت المؤسسة ارتفاعًا ملحوظًا في انتهاكات النقابات الفنية ضد المبدعين وتحديدًا الموسيقيين، بواقع 24 انتهاكًا، في مقابل انتهاك واحد للتمثيليين، في 3 وقائع مختلفة، وذلك من بين 36 انتهاكًا رصدتها المؤسسة خلال العام. بينما امتنعت النقابة ذاتها عن استخدام سلطتها تلك في حماية جماعة المبدعين في ظل أزمة تفشي الجائحة.

وترى المؤسسة في بيانها، أن النقابات تستخدم سلطة لها طابع أخلاقي للسيطرة على عملية الإبداع، لفرض أكواد أخلاقية ليس على الفن وحسب، بل امتد أيضًا إلى التدخل في حياة الأعضاء الخاصة.

التجمع السلمي ومخالفات البناء

في عام 2020 شهد قانون التصالح في مخالفات البناء حالة من الغضب، خرجت معه تظاهرات محدودة بعدة محافظات، والتي جاءت بالتزامن مع دعوات المقاول محمد على للخروج في تظاهرات للعام التالي للمطالبة بإسقاط النظام، لتتكرر القبضة الأمنية التي شهدها سبتمبر 2019 للمرة الثانية، ورصدت المؤسسة عرض ما لا يقل عن 1920 شخصًا على نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس، للتحقيق على ذمة القضيتين 960 لسنة 2020 و880 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة العليا، واستمرت موجة الاعتقالات بداية من 10 سبتمر لمدة شهر كامل.


اقرأ أيضًا: بهي الدين حسن عن "السخرية من العدالة" والاستقواء بالخارج والسجن 15 عامًا

 

تراوحت أعمار المقبوض عليهم خلال التظاهرات من 11 إلى 65 سنة، بينما كان كل المقبوض عليهم من الذكور عدا 10 سيدات، وأكد المحامون ممن حضروا التحقيقات مع المقبوض عليهم، أن أغلبهم ليس لهم نشاط سياسي من قبل، وتعرض أغلبية المقبوض عليهم على ذمة القضية رقم 880 لسنة 2020، و960 لسنة 2020 حصر نيابة أمن الدولة للاختفاء القسري لأيام متفاوتة من يومين إلى 17 يومًا.

وتابع التقرير أن العام الماضي شهد كذلك ملاحقة أمنية للمدافعين عن حقوق الإنسان، وعلى رأسها الهجمة الأمنية اليت شهدتها المبادرة المصرية للحقوق والحريات، والقبض على 3 من العاملين بها، واخلى سبيلهم فيما بعد بكفالة مالية، وفي في 25 أغسطس/ آب 2020، حُكم على بهي الدين حسن مؤسس ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالسجن 15 عامًا بتهمة "بث ونشر أخبار كاذبة والتحريض على العنف وإهانة السلطة القضائية".

أوصى التقرير السنوي للمؤسسة،  العمل على الإفراج الفوري عن جميع المحبوسين احتياطيًّا من الصحفيين والنشطاء السياسيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والأطباء والطلبة والأكاديميين في القضايا المتعلقة بنشر معلومات كاذبة عن جائحة كورونا، وإصدار قانون لحرية تداول المعلومات، بجانب الإفصاح عن جميع البيانات المرتبطة بالوضع الصحي في مصر في ظل انتشار فيروس كورونا، ووقف ممارسات حجب المواقع الإلكترونية، وأخيرا الإفصاح عن الإجراءات الاحترازية في أماكن الاحتجاز.