شخصية ثانوس

ثانوس: الشرير صاحب المنطق المتماسك

منشور الأحد 26 مايو 2019

في أقل من أسبوعين، حصد فيلم Avengers: Endgame  من إخراج الأخوين روسو، إيرادات تفوق أي فيلم في التاريخ، باستثناء فيلم Avatar.

حصد فيلم مارفل الأخير من سلسلة استمرت معنا منذ أكثر من عشر سنوات 2.1 مليار دولار في 11 يومًا فقط، مما يجعله الأسرع في كسر حاجز الـ 2 مليار عن منافسه الأول في الإيرادات آفاتار، الذى حصد 2.7 مليار دولار في 47 يوما ليظل محتفظًا بهذا الرقم القياسي منذ 2009.

قبلها بعام بدأت مسيرة مارفل في صنع عالم يضم كل أبطال قصص الكوميكس التي تملكها في عالم سينمائي واحد، والمعروف اختصارا بـ  MCU. بدأت السلسلة بفيلم Iron Man وهو ما ساهم بشكل فعال، بعد 22 فيلمًا، في وصول الفيلم الأخير لهذا النجاح الساحق.

 

البعض يعزو جزءًا من ضخامة الإيرادات إلى أنه عُرض في الصين قبل عرضه في العالم وأمريكا بيومين، والتي ساهمت بما يقرب من ربع تلك الإيرادات وحدها.

ولكن هذا لم يمنع وجود ثغرات ضخمة في حبكة الفيلم والتي بدأ المتابعون للانتباه لها الآن. ولكن ما يهمنا في هذا السياق حقًا هو ثانوس، الشرير الخارق الذى واجهوه في Avengers Infinity War.

الشرير.. كبطل

كما نقلت مارفل شخصيات الأبطال الخارقين من عوالم الكوميكس إلى عوالم السينما، أهتمت أيضًا بشخصية الشرير، الـ villain، في كل فيلم بنفس القدر. ففي فيلم (The Avengers (2012 ظهرت شخصية Loki، ولكن قصة الفيلم كانت عن تكوين الفريق، ما أعطى اهتمامًا أقل لـ "لوكي".

وفى فيلم (Captain America: Civil War (2016 واجه فريق الأبطال الخارقين، "زيمو" العميل الاستخباراتى من سوكوفيا، الذي لا يحاول فقط تدمير العالم أو السيطرة عليه؛ بل يحاول إشعال حرب أهلية بين أعضاء الفريق وينجح في ذلك.

لكن في فيلم (Avengers: Infinity War (2018 يفرد مساحات للخصم والعدو ثانوس أكبر من أي مواجهات أخرى، فهو يكاد يكون بطل الفيلم.

في Infinity War لا نتتبع الأبطال الخارقين كالعادة، بالعكس القصة تمشي وراء رحلة ثانوس بين العوالم لامتلاك الأحجار اللانهائية وصولا إلى الأرض ويتصدى له فريق "المنتقمون" .

تركنا فيلم Civil War بانقسام واضح في الفريق بين الرجل الحديدي وكابتن أمريكا وحراس المجرة: فريق «Guardians of the Galaxy و"دكتور سترينج"، Doctor Strange، الذي يملك حجر الوقت، و"الفهد الأسود"، Black Panther، ملك واكاندا صاحب ساحة القتال الأخيرة.

الأحجار اللانهائية هي ستة أحجار، يمثل كل حجر قوة من قوى الوجود التي خلقت الكون، حسب الأسطورة، تلك الأحجار كانت موجودة قبل بداية الكون نفسه: حجر القوة، حجر الروح، حجر الواقع، حجر الفضاء، حجر العقل، حجر الزمن، وامتلاك أي منها يتيح لك التحكم في الخاصية التي يملكها هذا الحجر.

ينجح ثانوس في وضع الأحجار الستة في قفاز خاص تمكنه من استخدام هذه القوى مجتمعة في مجرد طرقعة أصابع وتحقيق رغبته في إفناء نصف الحياة من الكون كله.

 

ينتهي هذا الفيلم بضياع نصف الأبطال ونجاح مخطط ثانوس على أكمل وجه، وهي نهاية أربكت العالم وجعلته في انتظار الفيلم التالي على أحر من الجمر ليرى كيف سيتغلب الأبطال على ثانوس الذي هزمهم في الفيلم السابق؟ فلم يخيب فيلم Endgame توقعاتهم العالية على مدار حوالي ثلاث ساعات، فقد عاد الأبطال الراحلين وحدثت مواجهة أخرى فاز فيها "المنتقمون".

منطق متماسك

رغم ذلك تفوق ثانوس Thanos على كل أشرار عالم MCU وأصبح عن جدارة أقوى Supervillain، فقد قدم منطقًا وهدفًا يصعب دحضه، هو القضاء على نصف الكائنات الحية ليعيش النصف الآخر في سلام، وهذا الهدف لم يضف له مجدًا شخصيًا، بل على العكس تقاعد بعدها وعمل مجرد مزارع وحطّم الأحجار اللانهائية التي مكنته بطرقعة واحدة من إنجاز مهمته على أكمل وجه.

بالرغم من كل أخطائه؛ من الصعب الجدال أنه لا يفكر خارج الصندوق، ولديه ميل لحل المشاكل المعقدة بشكل جذري وقاس. ولكن السؤال الضروري والمُلح، لأنه عمليا نجح في تنفيذ مخططه، هل نجح ثانوس حقًا؟ أو بشكل أدق، هل كانت مهمته التي قضى عمره كله محاولًا إعادة التوازن للكون المختل حسب رؤيته، بالقضاء على نصف الحياة في الكون، فعالة وناجحة؟

دعنا نضع إجابة هذا السؤال موضع التنفيذ عمليًا، وهو ما لم يتطرق له الفيلم، مع كوكب مزدحم بالبشر مثل كوكب الأرض مثلًا، لا يفيد هذا الحل في إصلاح أي شيء. فكوكب الأرض الذي يلتهم موارده الطبيعية بشكل أكثر من مبالغ فيه كل دقيقة، يبلغ تعداد البشر عليه الآن 7.7 مليار نسمة، وهو تقريبا حوالي 7% من البشر الذين عاشوا على الكرة الأرضية منذ بدء الخليقة.

لو تم تنفيذ مخطط ثانوس، فمن المفترض أن يكون تعداد البشر 3.9 مليار نسمة وهذا سيعيدنا فقط لتعداد سنة 1970، هل خمسون عامًا من الموارد الطبيعية ستؤثر في إصلاح البشرية التي تستطيع إعادة تعداد البشر للضعف في نصف هذا الوقت مستقبلًا؟ هل يظن ثانوس أنها ستعيد التوازن للكرة الأرضية على اعتبار كونها جزءًا من الكون.

في حالة كوكب الأرض قد يكون هذا الحل سببًا في هلاكه، وليس نجاته. فالحجة المضادة التي قلتها تنطبق على الحياة الواعية وهي البشر، ولكن هل نضمّ الحياة الحيوانية إلى المصير المحتوم الذي صنعه ثانوس؟ أو نضم الحياة النباتية؟ فقد يؤدى إفناء نصف الحياة النباتية مرة واحدة خلل بيئي خطير، أقل مظاهره خلل في نسب الغازات في الغلاف الجوى ونسب الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون وهو ما يؤثر على حياة باقي البشر والكائنات الحية. وماذا عن البكتيريا والميكروبات؟  

ينشغل الفيلم بالصراعات النفسية والدرامية للأبطال ولا يلتفت لتلك لعواقب المنطقية لتنفيذ مخطط ثانوس.

إجابات غائبة

يمكن أن نسوق الكثير من الحج المضادة والكوارث التي سوف تحدث إذا اختفت فجأة نصف الحياة. لكن ما يثير الأسف أن الفيلم لم يقدم أي سبب من الأسباب السابقة. يدفع" الأبطال الخارقون" لتصحيح الوضع أو استعادة توازن الكون حسب رؤيتهم، غير أنهم وجدوا بارقة أمل.

هل كل تلك التعقيدات والدوافع لم تؤثر فيهم واكتفى الفيلم الذى يبلغ طوله حوالي الثلاث ساعات في تقديم بعض المناظر والمشاهد لأرض خربة ونصب تذكارية.

وإذا ما مرت خمس سنوات ليرى Avengers بارقة أمل، لاحظ أن عودة Ant-Man من Quantum Realm بسبب مصادفة فأر، فهل تأقلم العالم مع وضعه الجديد؟ وإذا ما فعلوا؟ فكيف يتقبل العالم عودة نصف الحياة المفقود مرة واحدة؟

تذكر أنهم رجعوا للماضي لكي يجمعوا الأحجار الستة ليستخدموها لاستعادة نصف الحياة المفقود وليس لقتال ثانوس، فما الدافع ليجعلهم يحاولون فعل ذلك؟ كلها أسئلة لم يتطرق لها الفيلم.

وواقع الفيلم يقول أن أبطالنا لا يرون أن هناك توازنًا في الكون، لأنه لو صحت عندهم تلك الرؤية، فسيرون أن الكون يصحح ويوازن نفسه بعد طرقعة ثانوس، وليس بإعادة النصف المفقود.

لا يحتاج الأمر أي نوستالجيا إيمانية لمعالجة تلك المعضلة. ولكن هذا يؤدي بالطبع إلى حتمية تعايشهم مع الفشل في هزيمة ثانوس، وهو بالطبع ما لا يستطيعون تحمله.

ناقشت كثير من أفلام الخيال العلمي فكرة أن إنسانيتنا نفسها عائق أمام تقدم جنس البشر على كوكب الأرض، فالتعاطف والحب والصداقة كلفنا الكثير. لماذا لا يُستخدم هذه كحجة أمام منطق ثانوس، فحتى لو مسحت نصف الحياة، فإنسانيتنا مازالت فينا، والطريف أن إدراك تلك الحجج جاءت على يد ثانوس أيضًا.

 

في الفيلم الأخير يقول لهم بعد أن اجتمعت في أيديهم الأحجار الست، محاولًا استعادتها منهم، واستخدامها مرة أخرى "أنتم لم تسطيعوا العيش مع فشلكم، وأين أوصلكم ذلك؟ إلى العودة ثانية إلي. لقد اعتقدت أنى بمسح نصف الحياة، سيزدهر النصف الثاني. ولكنكم أظهرتم لي أن ذلك لم يتحقق، فطالما بقى هؤلاء الذين يتذكرون، فسيظل هناك مَن لا يتقبل الأمر، وسيقاومون. أنا شاكر لكم لأنكم أظهرتم لي هذه الحقيقة، فأنا الآن أعرف ما يجب عمله. سوف أمزق كل هذا الكون حتى آخر ذرة. وبالأحجار التي جمعتموها لي، سأخلق كونًا جديدًا. كون يعج بالحياة، التي لا تعرف ما فقدت، وتعرف فقط ما منحته لها، كون ممتن للحياة التي أعطيتها له، كون يولد من الدماء والمعاناة".

ثانوس بهذا الخطاب برهن على أنه ما يزال أفضل super villain، أما رد فعله هو التحول إلى تقمص دور إله كامل. هنا عاود الـ Avengers قتال ثانوس بكل قوتهم وإمكانياتهم.

الثغرة الكبرى في الفيلم تقع في هذا النقطة تحديدًا، أنه لم يقدم أي منطق أو دافع للأبطال الخارقين.

صناع الفيلم قدموا الدراما وراء الشخصيات، مثل الانهيار النفسي والضياع الذي يعيشه Thor أو التحول في شخصية Hawkeye أو تمسك الجندي Captain America بأرض المعركة واستمرار القتال والمقاومة، ولكنه لم يقدم أي سبب أو منطق لتحركهم كما فعل مع ثانوس.

أعتقد لو كان تم تقديمهم كأبطال يحاولون إنقاذ العالم من الانهيار كسبب لتجميع الأحجار الستة وعكس المصير المحتوم من طرقعة ثانوس؛ لكان ذلك أوقع من جلسات العلاج النفسي.

ثغرات ليست قليلة

إذا ما كان من غير المطلوب التطرق لتلك الأسئلة لأنه فيلم "أبطال خارقين"؛ فسيصبح عندها ملحمة المنتهى Infinity Saga المكونة من حوالى 22 فيلمًا مجرد Soap Opera سينمائي. كل ما قدمته هو محاولة لتفسير أن السفر في الزمن مغاير للصورة النمطية التي عهدناها في أفلام الخيال العلمي القديمة، وأعتقد أن الفيلم فشل أيضا في هذه النقطة.

ملحوظة أخيرة؛ من المفترض أن كابتن مارفل Captain Marvel التي لم يكن لها دور إطلاقا غير إكمال عدد فريق النساء من الأبطال الخارقين في المعركة الأخيرة،  كانت تعرف أين يوجد Space Stone في Tesseract ولم يكن هناك داع للعودة بالزمن مرتين لاسترجاعه، يكفى سؤالها في مختبر العالمة Mar-veel من فيلم Captain Marvel 2019.

أو يمكن لـ Thor العثور عليه في قصر Odin في Asgard من فيلم Thor: Ragnarok 2017 في نفس الرحلة التي قام بها مع Rocket Raccoon للحصول على Reality Stone في Aether .

بقي فيلم واحد وينتهى Phase Three من MCU وهو Spider-Man: Far From Home والذي سيصدر في أول يوليو القادم في اليابان، قبل عرضه في العالم وأمريكا. وعُرض إعلانه الرسمي على قناة Sony Pictures في أول يوم من رمضان وفيها بالطبع spoilers للفيلم السابق، وهذا يعني أن فيلم endgame قد أدى مهمته في شباك التذاكر.

أيضا تم بث اعلانات تشويقية قصيرة للمرحلة الرابعة من MCU. يذكر أن فيلم سبايدر مان الثانى في عالم مارفل السينمائى الممتد يدور في  فترة زمنية بعد Thanos Snap وبعد موت تونى ستارك Tony Stark، البطل الخارق الذى بدأ هذا العالم كله.