حساب محمد صلاح العزب- فيسبوك
الكاتب محمد صلاح العزب

مع محمد صلاح العزب| من "أرخص ليالي" إلى "سفاح الجيزة"

منشور الأحد 8 أكتوبر 2023 - آخر تحديث الأحد 8 أكتوبر 2023

لم يكن الطفل ذو الأعوام الثمانية يدرك أن الكتاب الذي سقط في يديه سيغير حياته إلى الأبد، وأنه سيمنحه لاحقًا مهنة ستضع اسمه بين المشاهير، الذين اعتاد سماع أسمائهم دون أن يدرك قيمتهم بعد، مجموعة أرخص ليالي أول أعمال يوسف إدريس، وأول عمل يقرأه محمد صلاح العزب.

يقول العزب، الذي لمع اسمه بعد أعمال روائية ودرامية كان آخرها مسلسل "السفاح"، لـ المنصة "وقتها، كنتُ معتادًا على الذهاب إلى جدتي، وفي بيتها كان خالي يمتلك مكتبة كبيرة، منها تعرفت على القراءة، ومنها توجهت لكتب نجيب محفوظ ويحيى حقي وغيرهما من عظماء ذلك الجيل".

بعد أربع سنوات تقريبًا تولد إحساس خفي داخل الطفل يدفعه إلى الكتابة "كانت المحاولات، في البداية، مُحبطة. لكن لحسن الحظ أن والد زميلي بالدارسة، وكنا بالصف الثاني الإعدادي، كاتب القصة رفقي بدوي".

 يشير محمد إلى تلك الأيام "كنتُ أكتب قصصي وأرسلها له عبر زميلي، وكان والده يرد دومًا بكلمات قصيرة مثل (القصة دي فيها استظراف) أو (القصة فيها تطويل)، وأحيانًا (القصة كويسة) وهكذا".

سرداب طويل

استمر الصبي على ذلك الحال من حيث البحث عن تقييم نقدي لإنتاجه الأدبي، لكنه في المرحلة الثانوية، ربما لأنها بداية البحث الحقيقي عن الذات، قرر العزب الانتقال بإبداعه إلى مرحلة تالية، فاختار 10 قصص للتقدم إلى أول مسابقة أدبية حقيقية يخوضها في حياته باسم يحيى حقي، وأرسل كل واحدة منها على حدة.

يقول محمد "المدهش أنني حصلت وقتها على ثلاثة مراكز: المركز الثالث والخامس والسابع.. وهو ما شجعني لكتابة أول رواية (سرداب طويل يجبرك سقفه على الانحناء) في ثالثة ثانوي تقريبًا، وفي عمر الـ 16 سنة انتهيت من مخطوطها الأول".

لم تكن رواية محمد تحاكي ما درج من الإصدارات الكلاسيكية سواءً الموجهة لليافعين أو الكبار، بل تمثلت سردية جديدة لم تكن مألوفة في الكتابة العربية وقتها، من حيث ابتكار عالم سوداوي يخوضه أبطال يعانون من تعقيدات نفسية متعددة، "لم يكن في نيتي النشر أو التجديد، كل ما في الأمر أنني كنت ألعب، ألعب بالكتابة، وأدون بالطريقة التي أراها".

صحيح أن الكاتب نشأ على قراءة الأدب الراسخ، وما أنتجه روائيون مصريون بارزون، كما مر على سلاسل نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق كأي مراهق، لكنه تأثر بنوعية أخرى من الكتابة "في تلك الأوقات كانت مصر تشهد ازدهارًا ثقافيًا، المشروع العملاق (القراءة للجميع) وإصدارات قصور الثقافة، ومنها سلسلتا إبداعات وأصوات، كان كل أسبوعين يصدر كتاب جديد، وهو النوع الذي كنت أفضله، لذلك تأثرت بتلك النوعية أثناء الكتابة".


في تلك الفترة أيضًا، كان محمد يتردد على ندوتي محمد جبريل بنقابة الصحفيين، ويسري العزب بنادي الجيزة، فتعرف عن طريقهما على الروائيين هاني عبد المريد، ومحمد عبد النبي، والشاعر محمد أبو زيد، ونصحه الأخير أن يقدم مخطوط روايته إلى جائزة سعاد الصباح التي كانت في أوج ازدهارها، لتفوز روايته (2002)، وتنشر لاحقًا تحت اسمه الرباعي، محمد صلاح العزب محمدين.

يسترجع العزب ذكرياته "في حفل توزيع الجوائز تعرفت على الكاتب الكبير جمال الغيطاني الذي كان رئيس لجنة التحكيم.. وأشاد الغيطاني بموهبتي وطلب مني أن أزوره في مكتبه بجريدة أخبار الأدب وقتما أشاء"

ومن العادة الأسبوعية تلك التي اكتسبها في زيارة مبنى أخبار اليوم، انغمس محمد في الحياة الثقافية، فتوطدت علاقته بالكتاب إبراهيم أصلان وخيري شلبي اللذين قابلهما في دار ميريت، التي كانت تمثل في العقد الأول من الألفية الجديدة ملتقى ثقافيًا أكثر منها دار نشر.

"أدين بالفضل لمحمد هاشم صاحب ومدير الدار الذي اقتنع بموهبتي ورحب بنشر روايتي وقوف متكرر وهي الرواية التي أعتبرها أول تعارف بيني والقارئ، خاصة أن الرواية الأولى نُشرت بالكويت في طبعات محدودة.. وقوف متكرر عملت ضجة في الوسط الثقافي.. في هذه الرواية حاولت أن أجرب الكتابة ببساطة.. تلك الرواية التي تشعرك بأنك تستمع إلى حكايات صديق".

زائرًا للنيابة

بعد صدور "وقوف متكرر" بميريت، أعدت جريدة أخبار الأدب ملفًا سألت فيه كل مسؤولي النشر "ما العمل الذي نُشر في دار أخرى وكانت داركم تتمنى نشره"؟ فجاء رد دار الشروق: "وقوف متكرر".

غلاف رواية وقوف متكرر

وربما ذلك ما حفزها للتواصل مع محمد من أجل نشر طبعة ثانية للرواية، وكانت هي المرة الأولى التي تتعاقد فيه الدار العريقة مع كاتب شاب "لم يكن لدي غير شرط وحيد؛ أن يكون الغلاف من تصميم أحمد اللباد".

وللمفارقة كان ذلك الغلاف سببًا في مشكلة كبيرة للروائي الذي بدأ لتوه يحصد شيئًا من الشهرة "لم أكن أعرف أن هذا الغلاف سيكون سببًا مباشرًا لأن أقف أمام النيابة، ولأن أتعرض للأذى على مدار 15 سنة تالية" يهز محمد رأسه متعجبًا.

عقب نشر الرواية قررت النيابة استدعاء محمد للتحقيقات "وهناك اكتشفت أن شابًا وصديقه قدما بلاغًا في الرواية لأن الغلاف يحتوي على صورتهما، وأن الكاتب قد أساء لهما. غير أن وكيل النيابة كان متفهمًا ووعدني بأن الموضوع سينتهي على خير. ثم حقق مع اللباد".

ويضيف "اعتقدت أن أمر القضية أصبح في خبر كان. ولكن، ظلت المطاردات تلاحقني عبر فيسبوك حتى توصلت إلى واحد منهما، وأفهمته أنه عمل فني ليس أكثر، وتفهم الموضوع ومر الأمر بسلام".

جوائز للتسلية

نشر محمد خمسة أعمال سردية، ويكاد لا يوجد بينهما عمل لم يحصل على جائزة؛ سعاد الصباح عن رواية سرداب طويل يجبرك سقفه على الانحناء، وجائزة وزارة الثقافة عن مجموعة لونه أزرق بطريقة محزنة، وجائزة ساويرس عن رواية سيدي براني، والأخيرة فاز في دورتها نفسها أيضًا بجائزة أفضل سيناريو فرع الشباب، وهو سيناريو مستوحى من رواية أصلان غرفتين وصالة.

يضحك محمد، ويشير إلى أنه في العام التالي من الفوز بالجائزتين "اتصلت بي لجنة ساويرس لتخبرني أنني فزت بالمركز الأول عن رواية مش فاكر اسمها أصلاً، المهم بعد ما بشروني بالخبر بساعتين اتصلوا مرة أخرى ليعلنوا عن اعتذارهم فمجلس الأمناء حجب الجائزة".

لا يملك محمد إجابة واضحة لفوزه الدائم بأغلب المسابقات، فهو، على حد قوله، يلعب ويتسلى بالكتابة دون النظر إلى النتائج، لكن يبدو أن ذلك اللهو قاده إلى مجال جديد في الكتابة، فبعد ساويرس تعاقد مع محمد حفظي على إنتاج فيلم أوضتين وصالة، غير أن تنفيذه تعثر مع محمود عبد العزيز، ومن بعده يحيى الفخراني، وهي عثرات نالت فيلمًا آخر كان قيد التجهيز وقتها، يعتبره محمد "مهمًا" بالنسبة لمشواره "كان من بطولة أحمد عز وعمرو سعد ومن إخراج خالد يوسف، وكان من المفترض أن يبدأ التصوير بالفعل لولا أحداث 30 يونيو".

ويضيف "إذا كان حظي جيدًا في الجوائز فهو ليس كذلك في الأفلام.. أوضتين وصالة، ووقوف متكرر التي فازت أيضًا بجائزة ساويرس وهو الفيلم المقتبس من الرواية ذاتها، وأفلام أخرى لم ترَ النور"، هكذا يعلق محمد متحسرًا.

مع ذلك فـفيلم أوضتين وصالة كان بداية تعارف بين الوسط الفني ومحمد ككاتب سيناريو، لذلك بدأ صناع الدراما يعرضون عليه أفكارًا لتحويلها إلى أعمال درامية، ليدشن التجربة الجديدة بعملين للفنانة مي عز الدين من خلال مسلسل دلع بنات، وحالة عشق. ثم ثنائية أخرى مع محمد إمام هما هوجان والنمر.

لا شيء يعجبني

وصلت أعمال محمد الدرامية إلى عشرة مسلسلات حتى الآن، كان أحدثها سفاح الجيزة لأحمد فهمي وهادي الباجوري الذي حقق نجاحًا لافتًا، لكنه رغم ذلك لا يجد أن أيًا منهما يلبي طموحه الفني بعد "حتى الآن لم أكتب في الدراما ما أتمنى فعلاً.. رغم نجاح تلك الأعمال فإنها لم ترض طموحي الفني، أرغب في كتابة أعمال أكثر عمقًا وأكثر تأثيرًا. لهذا اعتذرت هذه السنة عن مسلسل محمد إمام.. لأنني أعتقد أنه حان الوقت لكتابة ما أريد".

محمد صلاح العزب خلاص تصوير مسلسل سفاح الجيزة

غير أن شخصية سفاح الجيزة كان لها، ولا يزال، تأثير عميق على الجمهور، حتى أن الكثير من المشاهدين تعاطفوا معه، يقول محمد "لا أحب أن تتعاطف الناس مع السفاح، ولم أكن أرغب في ذلك. ولكن، يبدو أن عملي الطويل على بناء جوانب الشخصية ساعد على ذلك، جعلها من لحم ودم. وربما الدوافع الشخصية للقاتل دفعت الناس لهذا التعاطف. المُشاهد بطبعه يحب البطل حتى لو كان مجرمًا، وإن رأى الشرطة وهي تطارد هذا المجرم سيشجع المجرم. تلك سيكولوجية المُشاهد. لذلك كنت طوال الوقت أحاول أن أهرب من هذا بجرائم القتل بهذا الشكل الدموي، وكأنني أربت على كتف المُشاهد كل حين: تذكر إنه سفاح".

لم تكن التحضيرات لتلك الشخصية المركبة سهلاً. "بدأت بالبحث عن كل المعلومات الحقيقية عن سفاح الجيزة كنقطة انطلاق.. ماذا في بناء الشخصية من خلال طرح الأسئلة عن جوانبها وأبعادها الأخرى.. لذلك قمت ببحث استقصائي كامل؛ رجال قانون، أطباء في علم نفس.. لتأتي الشخصية في النهاية كما جاءت مزيجًا بين الواقع والخيال".

رغم النجاح الذي حققه المسلسل، وتصدره الترند على السوشيال ميديا، الأمر الذي شجع القائمين على العمل على التفكير في تقديم جزء ثان. فإن محمد يرفض ذلك تمامًا "لن أوافق، حين ينتهي المشروع أبحث عن القادم دومًا".

انتهى محمد مؤخرًا من كتابة فيلم سينمائي، يرى أنه تدشين لعهد فني جديد حيث الكتابة بحرية أكبر. يستطرد "هو الفيلم الذي أشعر أنني راض عنه إلى حد كبير".