يوتيوب
مشهد من فيلم برسوم يبحث عن وظيفة

مئوية شاشة الفضة| مقبرة توت تصنع أول فيلم.. والرقيب يمنع الملوخية

منشور الأربعاء 31 مايو 2023 - آخر تحديث الاثنين 26 يونيو 2023

لعقود طويلة كان مؤرخو السينما المصرية يعتبرون أن فيلم "ليلى" لعزيزة أمير (1927) هو أول فيلم مصري، ولكن خلال الثلاثين سنة الماضية ظهرت بعض الوثائق التي تبين خطأ ذلك الاعتقاد، وأصبح لدينا أكثر من تاريخ وأكثر من عنوان تبدأ عندهما السينما في مصر.

بشكل عام، هناك الكثير من الالتباس حول تأريخ السينما في معظم بلاد العالم، وليس مصر وحدها، لأسباب عدة على رأسها الاختلاف حول ما الذي يحدد نقطة البداية، هل هو تاريخ أول عرض سينمائي، أم أول شريط سينمائي يصور في بلد ما، أم أول شريط يُنتج من قبل مواطني ذلك البلد، أم أول شريط يصنعه مواطن يحمل جنسية البلد؟ وهل يبدأ تاريخ السينما بالأفلام الروائية الطويلة فقط، أم بالروائية القصيرة، أم بأول شريط وثائقي.. وهكذا.

تواريخ متعددة للبداية

وفقًا لموقفك من هذه الأسئلة ستجد أن تاريخ السينما في مصر له عدة بدايات.

بالنسبة لسمير فريد، تبدأ السينما عام 1907، عندما جرى تصوير أول شريط بواسطة شركة توزيع "عزيز ودوريس" المصرية لزيارة "الجناب العالي للمعهد العلمي في مسجد سيدي العباس" بالإسكندرية.

أما أحمد الحضري، فيشير إلى المقاطع القصيرة التي قام بتصويرها شركات ومصورون أجانب، لكن لعب بطولتها ممثلون مصريون من نجوم المسرح آنذاك، مثل أمين عطا الله وفوزي الجزايرلي وفوزي منيب وعلي الكسار، وكانت تتناول موضوعات مصرية، ومنها "مدام لوليتا" للجزايرلي، 1919، و"الخالة الأمريكانية" للكسار، 1920، و"خاتم سليمان" لفوزي منيب، 1922، ولكنه لا يعدها أفلامًا.

يرى الحضري أن تاريخ السينما المصرية يبدأ بالفيلم الروائي الطويل "في بلاد توت عنخ آمون" الذي صنعه المحامي الإيطالي، المقيم في مصر، فيكتور روسيتو، والذي شهد عرضه الأول في 1923. وأتفق مع الحضري على أن فيلم روسيتو يعد بالفعل أول عمل سينمائي متكامل، غير أن ذلك لا يمنعني من ذكر فضل الإرهاصات والمحاولات السابقة عليه.

بالنسبة لمحمد كامل القليوبي، فمحمد بيومي هو الرائد الأول للسينما المصرية بلا منازع، وأول صانع أفلام مصرية بداية من 1923، عندما قام بتأسيس شركة وإصدار جريدة سينمائية، وفيلمًا روائيًا قصيرًا بعنوان "برسوم يبحث عن وظيفة"، وهو فيلم وراءه قصة غامضة. ولا شك أن بيومي هو أول مصري يمتهن الإخراج والإنتاج السينمائي، ويتولى مسؤولية صنع فيلم من الألف إلى الياء.

إذا استبعدنا الشريط الخبري لافتتاح المعهد العلمي بمسجد سيدي العباس، والمقاطع المسرحية لعلي الكسار والجزايرلي، وإذا تغاضـينا عن التفرقة غير المنطقية بين الروائي القصير والروائي الطويل، يمكننا أن نقول أن تاريخ السينما المصرية يبدأ فعليا عام 1923 بفيلمي روسيتو وبيومي.

تجاهلت الحكومة التعليم فظهرت السينما

للأسف لم يعد لفيلم "في بلاد توت عنخ آمون" وجود، ولا حتى صور فوتوغرافية منه، لكن لحسن الحظ بقيت أفلام محمد بيومي ومنها "برسوم يبحث عن وظيفة"، المتوفر على يوتيوب بنسخة جيدة. وكل من الفيلمين له قصة تستحق أن تروى ويصنع عنها أفلامًا.

يبدأ الفصل الأول من حكاية "في بلاد توت عنخ آمون" قبل ظهور الفيلم بعشر سنوات.

صفحة من مجلة الصور المتحركة

في 1913 شهدت مدينة الإسكندرية فعاليات ما أطلق عليه "الدورة السينماتوغرافية العلمية"، عرض خلالها شريط يصور ميكروبًا بعد أن تم تكبيره ألف مرة، وهو ما فتح نقاشًا موسعًا في الصحافة حول إمكانية استخدام السينماتوغراف في التعليم، ونشر الوعي بين المواطنين.

وفي 1917 قام مواطن إيطالي مقيم في مصر اسمه باسكال بروسبيري بتقديم مشروع للسلطان حسين كامل يدعو فيه إلى "تعميم الاستعانة بالسينما في التعليم بالمدارس الحكومية في عموم مصر". ولاقى المشروع والدعوة اهتمامًا كبيرًا في الأوساط الصحفية والثقافية، وكان من أشد المتحمسين للمشروع مواطن إيطالي آخر هو فيكتور روسيتو. ولكن خبا الحماس للمشروع بمرور الوقت، فأعاد بروسبيري تقديم مشروعه مدعومًا بتقرير مفصل في 1922، ومرة أخرى لم تنظر الحكومة إلى مشروعه بعين الاهتمام.

في العام نفسه قام روسيتي بتقديم مشروع مماثل إلى الحكومة لتعليم الفلاحين أصول الزراعة بواسطة السينما، ولم يكن مصيره أفضل من مصير مشروع بروسبيري.

الطريف أن باسكال بروسبيري وفيكتور روسيتو لم ييأسا، وقرر كل منهما تنفيذ المشروع بطريقته، فقام بروسبيري بتأسيس شركة حملت اسم "بروسبيري أورينتال فيلم كايرو" ووضع لها عدة أهداف، منها إنتاج أفلام تعليمية عن المهن المختلفة، إنتاج أفلام فنية روائية مأخوذة عن أعمال أدبية لأدباء مصريين يقوم ببطولتها مصريون، وتأسيس مجلة سينمائية.

ونجحت الشركة في إنتاج قليل من المواد المصورة التعليمية والدعائية منها شريط حول "الملك فؤاد في جامع عمر"، 1923، وآخر يصور "الأمير ليوبولد يتسلق هرم خوفو"، 1924. ويستنتج سمير فريد(1) أن مصور هذا الشريط هو مدير التصوير المصري الرائد حسن مراد، وذلك من خلال حوار بينهما ذكر فيه مراد شيئًا عن تصويره لأمير أجنبي يتسلق الهرم. كذلك نجحت الشركة في إصدار مجلة "الشرق" في 1925، وظلت تصدر لسنوات عدة.

هذا عن بروسبيري، أما فيكتور روسيتو فقرر أن ينتج ويخرج بنفسه، فقام بصنع فيلم تعليمي بعنوان "خطر البصق"، عرض على نطاق واسع في بدايات 1923(2).

لكن القرار الأهم الذي اتخذه روسيتو هو أن يصنع فيلمًا روائيًا طويلًا يعرّف بحضارة وآثار وتقاليد المصريين، ويدور في الأماكن السياحية والأثرية الشهيرة. واستغل الشهرة العالمية التي أحاطت باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في العام السابق، فصاغ قصة تتناول في جزء منها اكتشاف المقبرة، وأطلق على فيلمه اسم "في بلاد توت عنخ آمون".

ومن اللافت أن فصول هذه القصة نشرت كأخبار متفرقة في صحف ومجلات هذه الفترة، قبل أن يربط أحداثها المؤرخ أحمد الحضري في الجزء الأول من كتابه "تاريخ السينما في مصر".

العرض الأول للفيلم الأول

في الحادي عشر من يوليو/تموز 1923 أقام روسيتو العرض الخاص الأول لفيلمه في دار "سينماجيك ماتوسيان"، وفقًا لما نشرته الأهرام في 12 يوليو تحت عنوان "حفلة سينماتوغرافية علمية ومفيدة":

"في الساعة السادسة والنصف أم دار السينما نحو مئة مدعو بين رجال مصريين وأجانب وسيدات أوروبيات، فعرض عليهم الشريط المذكور فإذا هم أمام رواية محكمة الوضع دقيقة الحوادث ذات مناظر خلابة. ومما استرعى الأبصار فيها مناظر القاهرة وشوارعها الكبرى وأهرامها مع أبي الهول، ومناظر الصحراء القاحلة ذات الرمال المتناثرة والواحات الآهلة ذات النخيل والآبار، ومناظر القوافل وهي سائرة على ظهور الإبل تقطع الفيافي بسكون وهدوء.

وقد تخلل الرواية بعض الأدوار الغرامية والحوادث المثيرة للشجون فاكسبتها حلة قشيبة ومغزى ساميًا إذ أظهرت للحاضرين ما اتصف به المصري من الكرم، وحب الضيافة، وإيواء الغريب، وإغاثة الملهوف أيًا كان جنسه، وما فطر عليه من دماثة الأخلاق والدعة وتأدية الخدمات من دون انتظار أجر.

ومما يؤثر عن هذه الرواية الطويلة ذات الخمسة فصول أنها وضعت في القطر المصري وأخذت مناظرها في قصر أنطونيادس بالأسكندرية وفي مختلف الجهات في القاهرة وفي صحاري الوجه القبلي. وقد عرض على الجمهور المتفرج منظر وادي الملوك مع الأعمال التي أجريت فيه لفتح مقابر توت عنخ آمون... ".

ويشير الخبر الطويل في نهايته إلى نية المخرج عرض الفيلم خارجيًا في أمريكا وأوروبا، لكنه ليس من المعروف حتى الآن مصير العروض الخارجية للفيلم، وهو أمر يحتاج إلى بحث دقيق، ولكن المؤكد أنه عاد بعد جولته في الخارج ليعرض في مصر في بداية العام التالي، كما سيذكر بالتفصيل لاحقًا.

بين "الصور المتحركة" وتوت عنخ

من الطريف أن نتابع علاقة مجلة الصور المتحركة، التي صدر عددها الأول في العاشر من مايو 1923، بتوت عنخ آمون، المقبرة والفيلم، خلال ذلك العام الحاسم من عمر السينما المصرية.

يفتتح العدد الخامس من المجلة (7 يونيو، 1923) صفحته الأولى بباب "حديث الصور" ومقال بعنوان "توت عنخ آمون" يقول "أثار اكتشاف قبر توت عنخ آمون كل العالم ولم تنج السينما من هذا التيار، فبعد أن أخذت الممثلات يلبسن الملابس المرسومة على الزي المصري القديم، وبعد أن أخرج المخرجون كل رواية تدور حول مصر أو ذكرها، جاء ويليام إيرل أحد المخرجين الأمريكيين وألف رواية عن توت عنخ آمون نفسه وبعد ثمانية أشهر من الاستعداد لها شرع فيها مظهرًا كارمل مايرز وجون الفدج ومالكولم يجوير ويقال أنه اكتشف ممثلًا جديدًا سيظهره في دور توت".

ومما يدل على جنون المخرجين بالروايات المصرية في ذلك الوقت أن شركة يونايتد ستوديوز أرسلت، حسب المجلة، مديرها الفني و"تحت أمرته مائة ألف ريال ليشتري كل ما يقع تحت يده من آثار قدمائنا في الأقصر وغيرها".

الفيلم الذي تشير إليه "الصور المتحركة" حقيقي، وهو من إخراج William P.S. Earle، وبطولة كارمل مايرز ومالكوم ماجريجور وسام دي جراس وجوون ألفيدج (ممثلة وليست ممثل) وقام فيه الممثل الإنجليزي برترام جراسبي بدور الأمير توت، ويبلغ زمن عرضه 60 دقيقة، في أربعة فصول، أو بكرات، بحساب ذلك الزمن.

وعرض لأول مرة في 28 أكتوبر/تشرين الثاني 1923، أي بعد عرض الفيلم المصري بأكثر من ثلاثة أشهر، كما أن زمنه يقل عن الأخير بحوالي ربع ساعة، أو فصل، أو بكرة كاملة.

خلال أعدادها التالية رصدت "الصور المتحركة" بعض مظاهر الولع الغربي بالحضارة المصرية القديمة، وخاصة توت عنخ آمون الذي تحول إلى "موضة" على رؤوس النجوم، كما يشير أحد الموضوعات المصورة بالمجلة. وهو موضوع يحتاج إلى بحث منفصل.

مصري أصلي

يبدو أن مجلة الصور المتحركة كان يتم تجهيزها قبل صدورها بوقت طويل، حيث يشير أحد أعدادها إلى أن المجلة يبدأ توزيعها قبل التاريخ المذكور على غلافها بعدة أيام، تجنبًا لبطء وصعوبة المواصلات داخل وخارج مصر. لذلك نجد أن أول عدد تتحدث فيه المجلة عن فيلم "في بلاد توت عنخ آمون" هو العدد الثاني عشر، الصادر في 26 يوليو 1923، أي بعد تاريخ عرض الفيلم بأسبوعين. وذلك في مقال طويل يحتل صفحة كاملة من القطع الكبير يحمل عنوان "في بلاد توت عنخ آمون- أول شريط عن مصر"، وهو مقال تاريخي مهم يستحق أن نقرأه كاملًا.

مقال عن فيلم توت عنخ أمون

 كذلك تذكر المجلة المعلومات التالية عن الفيلم "الممثلون الرئيسيون: بروفسور كارتون عالم المصريات العظيم المولع بالأبحاث الأثرية. وابنته كيتي (تمثيل الآنسة جون ماربيرت) فتاة جميلة قلبها له نفس صفاء ابتسامتها. وفيكتوريا الابنة المتبناة للبروفسور (تمثيل الآنسة بولاند ديريس) وهي فتاة متآمرة لديها إحساس بالحسد والغيرة. وابن وادي النيل الذي يقوم بالدور الرئيسي، ويؤديه مصري. وتدور الأحداث أثناء اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون بواسطة اللورد الراحل كارنافون".

قبل كتاب أحمد الحضري لم يقل أي مؤرخ أن فيلم "في بلاد توت عنخ آمون" مصري، رغم أن ذكره تردد عبر بعض المؤلفات مرفقًا بأن بعض الممثلين المصريين ظهروا فيه، منهم فوزي منيب ومحمد بيومي، الذي قام بتصوير الفيلم أيضًا. لكن كتاب الحضري لا يكتفي بكشف قصة صنع الفيلم وكثير من المعلومات الجديدة عنه. بل يبرهن أن الفيلم لا لبس في مصريته، ذلك أن روسيتو كان من الأجانب المقيمين في مصر وهو محامٍ معروف. و حكمه هنا حكم كل الأجانب الذين عملوا في مجال السينما في مصر، مثل إبراهيم وبدر لاما، وآسيا وتوجو مزراحي وماريو فولبي وعشرات غيرهم. وهو وضع مشابه لبدايات صناعة السينما في كثير من بلاد العالم وقتها.

السينما ابنة المدينة، وخاصة المدينة الكوزموبوليتان، متعددة الأعراق والجنسيات واللغات، وجزء من سر انتشارها الساحق هو أن لغتها عالمية، ولدت وتشكلت تحت أعين جمهورها، الذي لم يكن يحتاج إلى لغة إضافية لفهمهما، خاصة في عصر السينما الصامتة الذي امتد إلى بداية الثلاثينيات.

"في بلاد توت عنخ آمون" فيلم مصري إنتاجًا وصناعة وموضوعًا، ويجب أن يشار إليه على الأقل باعتباره أول فيلم مصري روائي طويل.

الملوخية التي سخرت من شعب مصر

1923 عام مميز أيضًا لأنه شهد مولد أول فيلم روائي يصنعه مصري، وهو "المعلم برسوم يبحث عن وظيفة"، إخراج وإنتاج وتصوير محمد بيومي، الذي عرض لأول مرة كما تقول بعض المراجع في 18 سبتمبر/أيلول 1923، أو في ديسمبر/كانون الثاني من العام نفسه، وفقًا لمصادر أخرى، منها نسخة الفيلم التي عرضت في الاحتفال بمئوية السينما.

هناك لبس كثير يحيط بهذا الفيلم، من العجيب أن أحد أسبابه محمد بيومي نفسه وبالتحديد المقال المنشور باسمه في مجلة "الكواكب" بعددها الخامس والعشرين الصادر في مارس/آذار 1951.

مقال محمد بيومي في "الكواكب"

ظل هذا المقال مرجعا لمعظم مؤرخي السينما في مصر، إلى أن قام المخرج والباحث الراحل محمد كامل القليوبي باكتشاف هائل عندما عُثر على أفلام وأوراق محمد بيومي في "سندرة" بيته، بعد عقود من الاعتقاد بأن تاريخ الرجل ضاع إلى الأبد.

باختصار، ولد محمد بيومي في 1894 وتوفي في 1964، وكان من أوائل المصريين الذين حملوا الكاميرا، ودرسوا السينما في الخارج، وعاد إلى مصر 1922، حاملًا معدات اشتراها من ألمانيا، وعمل مصورًا وممثلًا في فيلم "في بلاد توت عنخ آمون"، حيث قام بتصوير افتتاح المقبرة، كما أسس في 1923 أول جريدة سينمائية حملت اسم "آمون" وقام بتصوير أول شريط "يقوم بإدارته وعمله مصري وطني"، يصور احتفال المواطنين باستقبال الزعيم سعد زغلول 1923 في ميدان الأوبرا (العتبة)، غالبًا أثناء زيارته لقصر عابدين.

علمًا بأنه ينسب خطأ إلى عام 1919، كما ينسب خطأ إلى الاحتفال بعودة سعد زغلول من المنفى التي حدثت قبل ذلك بعامين.


في 1923 قام بيومي أيضا بصنع فيلمه الروائي الأول "برسوم...".

المقال المشار إليه في "الكواكب" ممتلئ بالمعلومات الخاطئة، وهو درس لأي مؤرخ أو باحث، إذ يمكن أن يكون الخطأ ناتجًا عن المصدر صاحب الخبر نفسه، وغالبًا قام أحد محرري المجلة بكتابة المقال بناء على حوار معه، أو قام بيومي بكتابته وقامت المجلة باختصاره بشكل مخل أدى إلى ارتباك المعلومات الواردة به.

أولًا، فإن المقال الذي يحمل عنوان "بفضل السجائر المصرية تعلمت السينما في ألمانيا"، يحمل توقيع "بقلم المصور السينمائي الأستاذ محمد بيومي"، متغافلًا عن أنه لم يكن مجرد مصور، بل منتج ومخرج ومؤلف.

ثانيًا، يحمل المقال فقرة تسببت في لبس هائل يقول فيها بيومي:

"أنتجت أول فيلم، وهو من النوع الكوميدي الخفيف.. وكان موضوعه شعبيًا، فكان طبيعيًا أن يكون الطعام الذي يتناوله أبطال الفيلم هو حلة الملوخية، ولكن هذه الحلة كانت سببًا في مصادرة الفيلم، فقد قال الرقيب أن ظهور هذه الحلة فيه سخرية بشعب مصر، فمنع عرض الفيلم! وتقبلت الصدمة بقلب رحب، وشرعت في إخراج فيلم كوميدي آخر باسم "المعلم برسوم يبحث عن وظيفة"، وقد أسندت بطولة الفيلم إلى ابني الصغير، وإلى جانبه بعض مشاهير الفنانين كالمرحوم بشارة واكيم وعبد الحميد زكي وفردوس حسن.

ولكن قبل أن أنتهي من إخراج هذا الفيلم، توفي ابني، فكان لوفاته صدمة عنيفة في نفسي وكان طبيعيًا أن أتوقف عن العمل في الفيلم".

من غير المعقول كم الأخطاء التي تحملها الفقرة السابقة، ومن واقع العثور على الشرائط والأفلام التي قام محمد بيومي بصنعها، والمدون على كل منها تاريخ إنتاجها بالفعل، يتبين أن الفقرة السابقة جريمة في حق السينما المصرية.

مبدئيًا، أول فيلم صنعه بيومي هو "برسوم يبحث عن وظيفة"، وليس "المعلم برسوم.." كما تشير الفقرة.

ثانيًا "برسوم.." هو الذي لعب بطولته عبد الحميد زكي وبشارة واكيم وفردوس حسن، بينما فيلمه التالي "الباشكاتب" شارك في بطولته أمين عطا الله وأديل ليفي وزكي طبنجات، وبشارة واكيم أيضًا.

ثالثًا، فيلم برسوم هو الذي يحتوي على حلة الملوخية ومشاهد كثيرة أخرى للفقر المدقع الذي يعاني منه جموع وأطياف الشعب المصري، وقيام البوليس باعتقال الغلابة دون سبب في نهاية الفيلم، وهو ما يمكن أن يثير استياء الرقيب.

وبالمناسبة، هو عمل رائع ورائد بمقاييس عصره والعصور التالية، أدعو كل من لم يشاهده إلى مشاهدته وتأمله، والتساؤل كيف كنا، وكيف أصبحنا بعد قرن من الزمان، وهل تغير شيء فعلًا؟


(1)مجلة "نزوى"، أبريل 1997

(2)خبر نشرته مجلة "الشرق" في مارس 1949