موقع شاهد
لقطة من مسلسل تحت الوصاية

دراما المرأة.. تحدي خلق المتعة من قلب المأساة

منشور الاثنين 15 مايو 2023

طيف واسع من الحكايات التي تروي ما يمكن أن نطلق عليه مآسٍ نسائية، كانت سمة أساسية في مسلسلات عدة ظهرت هذا العام. غير أنها ظهرت باهتة تحاول خلق بطل درامي وسط أحداث بلا حبكة في بناء ضعيف، يرتكز بشكل أساسي على فرضية الانتصار للمرأة، باعتبارها كارت المرور إلى عالم الدراما الواسع المتعطش لأعمال تتصدرها النساء، لم ينجُ من فخها سوى القليل.

امرأة الانتقام

تظهر المرأة في الدراما مقهورة، ترزح تحت ظلم بيِّن فلا تجد سوى الانتقام طريقًا إلى العدالة، كما في مسلسل وعود سخية، إذ تتعرض بطلته حنان مطاوع لظلمٍ بدا أحيانًا مبالغًا فيه دون سياق واضح، وكأنه يراهن على التعاطف معها كونها امرأة فقط.

تعاني البطلة سخية الظلم المادي والمعنوي والوجودي، إذ تتعرض للخيانة من الأهل والأصدقاء، وتطالها اتهامات بسوء السمعة هي بريئة منها، مما يدفعها للتحول إلى شخصية انتقامية، تكتب أسماء ظالميها على المرآة أمامها كل صباح لتتذكر ثأرها دائمًا. 

تستمر تيمة الانتقام في مسلسل تلت التلاتة الذي سرد قصته بشكل أقل مظلومية، دون ابتزاز عاطفي مباشر، وإنما صياغة درامية لواقع قاسٍ لا يرحم النساء ولا يسامحهن، فيصبحن مثله.

يحكي المسلسل، قصة ثلاث أخوات توأم، تعمل كل منهن في مهنة مختلفة، وتدور بينهن العديد من الأحداث المثيرة التي تدفع إحداهن (فريدة) للانتقام. تختلف شخصيات الأخوات التي تقدم أدوارهن غادة عبد الرازق، نرى الشر في إحداهن والطيبة في الأخرى، لا تشحذ تعاطف مباشر  كما نرى مع سخية، لكن سذاجة الأخت المغدورة تمهد له الطريق. 

على النقيض يأتي مسلسل عملة نادرة، الذي يقدم حكاية امرأة صعيدية تخوض حربًا ضد عائلة زوجها الراحل من أجل الحصول على حقها في الميراث. ورغم أهمية القضية، ورغم أن بطلة العمل نيللي كريم قدمت أعمالًا في مواسم رمضانية سابقة لا تزال في وجدان المشاهدين، مثل ذات، وسجن النسا، وفاتن أمل حربي، إلا أنها فشلت هذه المرة في الوصول بنادرة إلى أبعد من الشاشة، فالبطلة تقودها رغبة في الانتقام دون تساؤل درامي حقيقي. 

على ذات الموجة يأتي مسلسل ستهم، الذي يحكي قصة امرأة تتنكر في هيئة رجل سعيًا للحصول على فرصة عمل، في محاكاة لحادثة واقعية أعدها الكاتب ناصر عبد الرحمن للدراما. غير أنها، كما زميلاتها في بقية المسلسلات، تقع في فخ ثنائية الظلم/الانتقام.

إلى جانب الانتقام، يأتي البناء الدرامي الضعيف ليجمع بين هذه الأعمال، ليصبح بدوره ثقلًا إضافيًا تحمله المرأة على عاتقها، ولكن هذه المرة للنجاة بمسلسلها وتمرير مشكلاتها جميعًا دون تخصيص لقضية بعينها. الأمر الذي يجبر المشاهد على التعاطف مع القصة من أجل بطلتها ذاتها، لا من أجل تماسك العمل.


المرأة الإنسانة

في مقابل حروب الانتقام، وقف مسلسل تحت الوصاية وحيدًا فيما يبدو من السقوط في فخ التنميط والتعميم. يتعرض المسلسل لقضية الوصاية على القُصّر التي تُحرم الأم منها بالقانون، وتُمنح للذكور من أهل الزوج ليكونوا أوصياء على الأبناء، مقدمًا معركة انتقامٍ غير مباشرة من خلال حكاية حنان/منى زكي.

تحاول البطلة الفرار من حكم الوصاية عليها لخلق حياة جديدة لها ولأولادها، وتقاوم محاولة الآخرين إعادتها والسيطرة عليها وعلى مال زوجها المتوفي.

 يفتح المسلسل نافذة على عالم النساء الأرامل وصراعهم مع المجتمع الذكوري والقوانين التي تعقِّد مسائل الحضانة والوصاية على الأطفال. وعلى عكس الأعمال الأخرى قرر الصناع (الأخوان دياب للكتابة ومحمد شاكر خضير المخرج) الذهاب بعيدًا بالقصة والبطلة، في مدينة بعيدة، هادئة، ساحلية، لسرد أحداثها. تشق حنان طريقها إلى دمياط، حيث تقرر العمل على قارب زوجها الراحل لصيد السمك، مع تحدي البقاء بعيدًا عن يد شقيق زوجها.

تختلف الحكاية في تحت الوصاية كونها تبرز التساؤل الذي يخص المصطلح المعطّل للقصة النسائية أو غيرها، أو ما يعني تحديدًا عدم اعتمادها المباشر على جلب التعاطف من خلال تعرض بطلتها للظلم دون مقدرة الدفاع عن نفسها، فقط لأن القصة الجيدة هي قصة إنسانية عمومًا، وليست قصة جندرية.

العمل الفني الجيد كما أثبته النص، هو فني لأنه يملك قصة ذكية وصادقة مقدمة بشكل متماسك يطمح في أنسنة الجميع، ويطرح تساؤل حول أحقية امرأة مقهورة (إنسان) في الوقوف أمام القانون الذي ينصف أحد على الآخر لنوعه الجنسي.

نحن نرى قصة إنسانية خالصة، لا شياطين فيها ولا ملائكة، كلٌ لديه دوافعه وأحلامه التي تحركه، لا يعتمد على ظلم بطلته فقط، تُمكن المشاهدين من تخيل أنفسهم مكان البطل/ ــة أو من يقف ضدها، مشاعر مركبة تحتاج للتفاعل والتفسير، ولا تترك المجال لأحكامنا الواضحة التي حركتنا في القصص الأخرى المباشرة.

مقاومة وليس انتقامًا

تخرج حنان في تحت الوصاية من إطار التنميط الفج الذي وقعت فيه سخية وستهم وفريدة عندما اعتمدن على بناء ضعيف لامرأة يقهرها المجتمع دون حبكة ملهمة يمكن التفاعل مع أشخاصها كافة وليس مع بطلتها فقط.  

لقطة من مسلسل تحت الوصاية

تبرر الدراما السعي المحموم للأخ الأصغر للزوج المتوفي والبطل الضد/دياب، لإعادة المركب، في الحلقة الثانية من العمل، دون أن تتم شيطنته مثلما فعلت المسلسلات الأخرى مع البطل المضاد. فهو يسعى لإتمام زواجه من الفتاة التي يحبها، في مبرر درامي يؤنسنه، ويورط المشاهد معه. 

تقترب كاميرا المخرج محمد شاكر خضير من الجميع للمراقبة لا للحكم، فنرى نظرات الشاب الذي يسعى لتوفير نفقات الزواج، حيرة زوج الأخت/علي الطيب، المستسلم الذي لا يريد غير زوجته التي يحبها ويمكنه التنازل عن كل شيء، حتى أختها، مقابل أن يضمنها في سريره، والأطفال المجبرين على حبسة المنزل في انتظار رحلة الأم لبناء عالم جديد بيديها.

اختار تحت الوصاية المعركة الأذكى مع القانون الذي يقف في مواجهة المرأة. فتح الباب للدراما والقصة، فأوجد تعاطف وخجل من الإجحاف النسائي والرجالي، بات إنساني أكثر من كل الأعمال التي وُضعت معه في الإطار ذاته دون وجه حق.

ربما يضع المسلسل فكرة التصنيف الجندري للعمل محل تساؤل، أو يجعل منها فكرة ساذجة أساسًا، فكل قصة تقدم نفسها ليس لأن بطلتها امرأة أو رجل، بل لأنها في ذاتها قصة متكاملة يمكن أن يجد المشاهد نفسه في شخوصها وتتوحد مشاعره مع أبطالها.

تحت الوصاية قرر أن يخوض المعركة الأكثر صعوبة، محتكمًا إلى شخصيات من لحم ودم يمكن التعلق بهم، وتفهم دوافعهم، ومشاركتهم انتصاراتهم وانكساراتهم، فلا تجد البطلة نفسها وحيدة في وجه مجتمع  وافق على ظلمها بقوانين تحتاج إلى إعادة نظر.