اللعب والموسيقى كانت الإعاشة الأهم في قافلة دعم نازحي العريش- خاص للمنصة- تصوير: صفاء سرور

"مزّيكا ولِعْب وإعاشة" في قافلة "تخفيف المواجع" عن نازحي العريش

منشور الخميس 2 مارس 2017

قليل من الخلافات كثير من التسرية.. كانت تلك السمة الغالبة على رحلة 50 شخصًا تقريبًا، بين رجال ونساء وأطفال، خرجوا من القاهرة للإسماعيلية، قاصدين تقديم الدعم للأسر المسيحية النازحة قسريًا من شمال سيناء.

ومن حزب "العيش والحرية"، الذي وضع مقره طيلة يوم الإثنين الماضي، تحت تصرّف منظمي القافلة، خرجت صباح الثلاثاء، مواد إعاشة جُمعت سريعًا، في رحلة رافقتها "المنصّة".

في السكة.. خلافات وأغاني

كانت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة صباحًا، حين تحركت القافلة بأعضائها، ومنهم عازفة الأكورديون يسرا الهواري، التي لم تتردد في توظيف مهاراتها لخدمة النازحين قسريًا "أنا أساسًا مهتمة بالموسيقى والورش الفنية، وسبق لي الشغل مع ناس عندهم محنة".

تقول يسرا، التي شاركت من قبل في قافلة لمساعدة اللاجئين السوريين في سهل البقاع بلبنان، "دايمًا التفكير في دعم ضحايا الصراعات بيكون بمواد الإعاشة، مع إن الجانب ده (الترفيهي) مهم ولو حتى في التوثيق، أنا مثلاً عملت مع الأطفال السوريين أغاني عن اللي حصلّهم".

 

أعضاء بالقافلة في انتظار بدء الرحلة- تصوير: مصطفى بهجت

ودعمت وجهة نظر يسرا، إحدى مُنظّمات القافلة- طلبت عدم ذكر اسمها- بقولها "التجربة قاسية، والأطفال اتصدموا؛ فمحتاجين حاجات ترفع معنوياتهم زي المزيكا والرسم، ومعانا النهارده متخصصين هيقدموا للأهالي الدعم النفسي، وكنا بندور على فنان جرافيتي يشارك معانا".

وما منع مشاركة رسامي الجرافيتي إلا ضيق الوقت، الذي تحكي عنه السيدة "بداية القافلة كانت بيان من بعض النشطاء، اتفقوا على تحويله لحملة شعبية وليس مجرد بيان لإبراء الذمة؛ فاجتمعنا يوم الأحد الماضي، وانتهينا لقرار بتسيير قافلة بمساعدات عينية ومادية، خلال يومين".

"إحنا هنا ناس من التيار المدني".. بتلك العبارة، خاطب أحد منسقيّ القافلة، والمحامي بالنقض هاني رمسيس، مستمعيه المنتمين لمشارب فكرية وسياسية مختلفة. هذه الأهواء السياسية المتباينة لم تتسبب في أية خلافات بين أفراد القافلة؛ لكن الاحتقان أتى عندما اُعلن "لقاء محتمل" ببعض وعّاظ المحافظة، ما أثار حفيظة البعض ممن ألمحوا أن هدف أولئك الوعاظ هو "الشو".

استقبال "الأنبا أنطونيوس"

 

                             

قافلة التضامن والإعاشة تصل دير الأنبا أنطونيوس

في الثانية عشرة ظهرًا، وصل الأتوبيس لأولى محطاته، ساحة شاسعة تتقاسم صحراءها أشجار ومباني تحت الإنشاء، هي حرم كنيسة الأنبا أنطونيوس بمدينة المستقبل، إحدى الجهات التي استقبلت النازحين قسريًا.

حتى ظهر أمس الأول، وصل لمدينة المستقبل، حوالي 34 أسرة من إجمالي 120 أسرة تقريبًا، وتلّقت للكنيسة من أجلهم الإعاشات اللازمة، وفقًا لقول راعيها، الأنبا بولس مكرم.          

 

الأب بولس مكرم، راعي كنيسة الأنبا أنطونيوس- تصوير: مصطفى بهجت

          محاطًا ببعض المراتب والأغطية، قال الأب "مكرم" إن جميع من وصلوا "المستقبل" مستقرين الآن في وحدات جُهِّزّت منذ أمس الأول بمواد الإعاشة الدائمة "الأجهزة المنزلية"، ويتلقون الرعاية الطبية من قوافل طبية حكومية تزور الكنيسة، والتي وفرّت لهم الملابس، من خلال معرض خيري.

وردًا على سؤال "المنصّة" حول مصير أرباب الأسر النازحين، قال "مكرم" إن التنسيق جارٍ مع أجهزة الدولة لحل مشكلتهم، وكان من أوجهه وعدًا من وفد وزارة القوى العاملة، بمنحهم إجازة بأجر كامل، لحين استقرار الأوضاع وعودتهم لعملهم.

لم يكد الأنبا "مكرم" يكمل حديثه مع الزوار، حتى قطعه شجار، سببه اعتراض شخص غريب على استخدام لفظ "تهجير" لوصف حالة مسيحيي العريش، ما استفز أغلب الحضور، وبينهم القائمات على الخدمة الكنسية، إذ تساءلت إحداهن باستنكار "لو مش تهجير إيه اللي هيجبر الناس تسيب حياتها وتيجي هنا؟".

"مُهَجَّرين قسريًا" هو الوصف الذي استخدمه المحامي الحقوقي هيثم محمدين عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، أثناء حديثه مع عدد من الأقباط النازحين، محمّلاً المسؤولية لـ"الإرهابيين" والأمن، بسبب "العجز والفشل الذريع هناك [في سيناء]".

ولم يُفسد الخلاف حالة التضامن التي كانت ملموسة في نقل الإعاشات، وبينها "أدوات النظافة، وحفاضات الأطفال، والملابس، والأدوية"، قبل انطلاق الأتوبيس لثاني وجهاته، وسط صحبة أمنية تمثلت في سيارتي شرطة، لم تفارقه منذ بدء الجولة.

                              

أعضاء بالقافلة ينقلون بعض مواد الإعاشة لكنيسة الأنبا أنطونيوس- تصوير: مصطفى بهجت

"القرش".. معسكر المضطرين

لافتة تعلو سور ممتد، كُتِبَ عليها "المُعسكر الدائم للشباب بالقرش"، كانت ثاني محطات القافلة، والتي لاح فيها الخلاف بمجرد دخول الزوار، الذين تحفظ أحد المسؤولين بالمعسكر، على عددهم "الكبير"، لينتهي الأمر بدخول الجميع قاعة للمحاضرات، انقسم فيها المجلس نصفين بين الأسر وزائريهم.

لكن الخلاف الأكبر، تمثل في غضب انتاب إحدى النازحات تجاه زائريها، لدرجة رفضها أن تتحدث معهم،  هي أو أي من الأسر، ما دفع بعض أقرانها للتراجع عن الحديث.

                                         

معسكر القرش- تصوير: صفاء سرور

وذلك التوتر، هو ما أنهى الزيارة بسرعة قياسية،لتغادر  القافلة التضامنية معسكر "القرش"، التابع لوزارة الشباب، دون أن يبدو لها منه إلا بوابة، خلفها شباب يلعبون الكرة في ملعب صغير،  وأسر نازحة علمنا من بعضهم أن المعسكر، كان مستقرهم بعد محاولة منهم للسكن بـ"النُزل"، في إشارة لبيت الشباب بالإسماعيلية، الذي تكدس بوفود سابقة.

بيت الشباب.. موسيقى وألعاب

بمجرد الوصول إلى بيت الشباب بالإسماعيلية، بدا الفرق جليًا بينه وبين معسكر "القرش" رغم تبعيتهما لنفس الجهة التنفيذية، ففيه تمتد مساحة خضراء تطلّ على بحيرة التمساح؛ ما جعله مناسبًا لنازحين يلتمسون شيئًا من السلام النفسي.

بلغت القافلة بيت الشباب بشق الأنفس، بعد رفض قوة الشرطة المصاحبة للأتوبيس، بدعوى أنه ليس ضمن نطاق تأمينهم، وانتهى الأمر إلى الموافقة، شريطة تسليمنا لقوة أخرى هناك.

                                    

أعضاء بالقافلة يحاولون التفاوض مع الشرطة لزيارة بيت الشباب- تصوير مصطفى بهجت

داخل "النُزل" جلست الأسر، مكتفية بتبادل عبارات الترحيب والود مع زائريهم، عازفة عن الانخراط في أحاديث أخرى، ليكون الأكثر ترحيبًا هم الأطفال، الذين تحلّقوا سريعًا حول أعضاء القافلة.

"ممكن النهارده يكونوا مش محتاجين يتكلموا قد ما محتاجين يلعبوا".. قالت يسرا الهواري قبل الخروج من القاهرة، وثبت صدق توقعها، فسرعان ما اندمج الأطفال مع موسيقاها وألعاب اخترعوها سويًا "المهم نثق في بعض، بحيث نشيل الرهبة من نفوسهم".. تقول عازفة الأكورديون.

 

أطفال النازحين يلعبون مع أعضاء بالقافلة- تصوير: صفاء سرور

أما المهم في نظر المحامي الحقوقي هيثم محمدين فهو "التعرف على مشكلات الأهالي واحتياجاتهم للأيام المقبلة، والوقوف على مدى توفير الحكومة سبل الراحة لهم"،  مطالبصا الحكومة بـ"تحمّل مسؤولياتها تجاه الأهالي، لاسيما الأطفال، بإلحاقهم مجانًا بمدارس قريبهم من أماكن إقامتهم، التي يجب أن تكون وحدات تابعة لوزارة الإسكان، ومنح عاملي القطاع العام منهم إجازة بأجر كامل، وما يساوي الحد الأدنى للأجور بالنسبة لعاملي القطاع الخاص".

بعد ساعة أو أكثر قليلاً داخل بيت الشباب، اجتمع أعضاء القافلة من جديد، لكن هذه المرّة للعودة إلى القاهرة، بعد انتهاء يوم، حاولوا خلاله تقديم "إسعافات أولية"، نفسية وإنسانية لمن جاءوا من العريش في صحبة الغضب والخوف.