المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية- فيسبوك
صورة أرشيفية للقاء البابا تواضروس والبابا فرنسيس

زيارة جديدة للفاتيكان؟ صراع يتجدد في أروقة الكنيسة القبطية

منشور الأربعاء 10 مايو 2023 - آخر تحديث الأربعاء 10 مايو 2023

هي "زيارة محبة ليس أكثر"، هكذا اهتم البابا تواضروس الثاني بتوضيح ماهية زيارته الحالية إلى الفاتيكان، نافيًا في لقائه مع صحفيي الملف القبطي، في 29 أبريل/ نيسان الماضي، إقامة قداس مشترك مع البابا فرانسيس، أو توقيع أي وثيقة مشتركة أو اتفاقيات.

ولا تعد تلك الزيارة الأولى للبابا تواضروس إلى روما، إذ زار الفاتيكان مرتين في 2013 و2018، ليتجدد الصراع مرة أخرى بين التيارين المحافظ والإصلاحي بداخل الكنيسة القبطية، حول ماهية الزيارة وطبيعتها.

ويتهم التيار المحافظ البابا تواضرروس بالهرطقة لتقاربه مع الكاثوليك ويضعه في مقارنات يعتبرونها خاسرة دائمًا مع سلفه البابا شنودة الثالث، وهو التيار محل الانتقاد من الإصلاحيين الذين يعتبرون أفكاره عفا عليها الزمن، وحتى ضد فكر الكنيسة نفسه. ويمثل كلا التيارين عدد من الأساقفة والكهنة. 

قبل خمسين سنةً

الزيارة الأول لبطريرك قبطي لروما كانت للبابا شنودة الثالث، في عام 1973، بعد قطيعة استمرت 15 قرنًا، ووقع وقتها على اتفاقية لاهوتية مشتركة بهدف الوصول للوحدة الكاملة بعد محاولات لحل الخلافات العقائدية بين الكنيستين.

أقر نص البيان بالنقاط الإيمانية المشتركة بين الكنيستين مثل طبيعة المسيح والأسرار المقدسة وتكريم العذراء مريم كوالدة الإله، ثم أشار للنقاط الخلافية ومحاولات السعي للوحدة "ونحن نعترف بكل اتضاع أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة في المسيح بصورة أكمل بسبب الانقسامات القائمة بينها، والتي تحمل وراءها تاريخًا مثقلًا بالصعوبات لعدة قرون مضت".

وهنا يقول الباحث الإكليريكي، مينا ملاك، إن زيارة البابا تواضروس ليست خروجًا عن المألوف لكنها حصاد ما زرعه سلفه، واعتبر أن الزيارة تاريخية  نظرًا لبرنامجها الذي يشمل القداس الإلهي في بازيليك القديس يوحنا لاتيرن، وهو القداس الأول لغير الكاثوليك في تلك الكنيسة.

تغطية جريدة وطني للأسبوع السنوي المخصص للصلاة من أجل وحدة الكنائس

"هذه الوحدة التي تحدث عنها البابا شنودة يوم الجمعة 25 يناير (كانون الثاني) 1974، في خطاب في الكاتدرائية يوم الختامي للأسبوع السنوي المخصص للصلاة العالمية لأجل اتحاد الكنائس بحضور بطاركة وأساقفة ورؤساء الطوائف المسيحية، وأكثر ستة آلاف مسيحي، ونشرتها جريدة وطني في عددها الصادر 27 مايو (آيار) 1974، وكنت ملخص الكلمة: أن وحدة الكنيسة أمر يتفق مع مشيئة الله وأن الوحدة هي الوضع الطبيعي و الكنسي والتاريخي"، يقول ملاك للمنصة.

كيف عاد الصراع من جديد؟

كانت لجنة الدراسات المشتركة التي تسعى للوحدة تعمل جيدًا حتى عيَّن البابا شنودة الثالث الأنبا بيشوي مطران دمياط رئيسًا للجنة مما ترتب عليه خروج الأساقفة الإصلاحيين بعد التنكيل بهم، أمثال الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، والأنبا يؤنس أسقف الغربية. 

الأنبا بيشوي كان يمثل الرجل الثاني بعد البابا شنودة، وكانت إدارة الحوار مع الطوائف ضمن سلطاته، ومع ذلك لم يُبدِ انفتاحًا تجاه المذاهب المسيحية الأخرى، بل كان يصنف الكاثوليك كغير مسيحيين. وزاد على ذلك أن اعتبر دخول الملكوت قاصرًا على عقيدة بعينها، وأن الطوائف الأخرى محرومة منه.

البابا شنودة رغم سفره للفاتيكان لم تكون مواقفه أكثر تسامحًا، بل قال مرة في إحدى عظاته "سفير الفاتيكان في مصر مر عليا وقالي إحنا مستعدين نسلمك كل الكنايس والمدارس الكاثوليكية بمجرد إنك تعترف بأولوية بابا روما فقلت لأ طبعًا".

كل هذه المواقف خلقت رفضًا شعبويًا وعداءً مستمرًا داخل العقل الجمعي القبطي الأرثوذكسي تجاه أي طائفة أخرى، ومن هنا ترسخ فكر التيار المحافظ الذي يرى أن البابا تواضروس طالما لا ينفذ سياسة سلفه، فقد خرج عن الإيمان المستقيم. 

البابا تواضروس وحرب الإصلاح

زار البابا تواضروس روما في عام 2013، ثم زار البابا فرنسيس مصر في 2107 وعندها وقَّع البابوان بيانًا نص في صيغته التي نشرتها المواقع الكاثوليكية وقتها على عدم إعادة المعمودية، وهو ما دعا التيار المحافظ لفتح النار على البابا، وبعدها ظهرت صيغة أخرى تنص على السعي لعدم إعادة المعمودية. 

لقطة من صفحة "حماة الإيمان"

ثم زار البابا تواضروس روما في 2018 من أجل الصلاة واستكمال حوارات السلام وسط استنكار وهجوم من التيار المحافظ الذي تمثله مجموعة "حماة الإيمان". والآن تدور الدائرة نفسها.

يقول الباحث في الحركات الأصولية باسم الجنوبي، للمنصة، إن مفهوم الإيمان ليس مثار جدل طائفي، بل محدد في قانون اﻹيمان وهو دقيق وواضح وﻻ يتجاوز عقيدة الثالوث المقدس، وكل ما عدا ذلك هو اختلاف عادات ونُظم من الصحي التنوع فيها، وﻻ معنى لتوحيدها.

ويضيف أن الأصوات الأصولية المسيحية لا تقبل الوحدة باﻷساس لأنها تتبنى عقيدة "ﻻ خلاص خارج كنيستنا" ومع مثل هؤلاء، مفهوم "وحدة اﻹيمان" يعني أن يصير الكاثوليك أقباطًا أرثوذكس قبل أن نتصافح.

من جهته، يرى الباحث في القبطيات، ماركو الأمين، في حديث مع المنصة، أن الصراع بين التيارين "مجرد مشهد عبثي" لمجموعة راديكالية منغلقة، تعطل مسيرة الكنيسة أمام مجموعة شبابية الفكر والروح وأرثوذكسية التوجه بانفتاح، لتحقيق شراكة حقيقية ومعالجة كثير من أخطاء إكليروس (رجال دين) سابقين وحاليين للوصول بالكنيسة لما رسمه المسيح لها.

طريق الوحدة تلزمه عقول متجددة وإكليروس على استعداد حقيقي للإصلاح، كانت هذه رؤية الأنبا إبيفانيوس الذي حضر لمرات عديدة جلسات الحوار بين الطوائف، وقدم أوراقًا علمية حول موضوعات متنوعة تخص الوحدة، وسبق أن قال إن الكنيسة معرضة للخطأ. وأكبر مشكلة تواجه الكنائس اليوم هي الذات الكنسية، مؤكدًا "لا بد أن نسأل أنفسنا باستمرار عمَّ نبحث: هل نبحث عن الوحدة أم لا؟ أنت تعلم جيدًا أنك تستطيع أن تستشهد بالكتاب المقدس على شيء وعلى عكسه. كل شيء يتوقف على ما نبحث عنه. نفس الشيء بالنسبة لكلام الكنائس بخصوص الوحدة. إن كنا نريد بالفعل الوحدة سنجد كلمات تؤدي إلى الوحدة، وأي شيء آخر سيصبح في الخلفية".