تبرع بالإجبار في قصر العيني: القرنية من حقنا.. وفقيه قانوني: جريمة

منشور الأربعاء 1 أغسطس 2018

كان المواطن محمد عبد التواب نزيلاً على قسم الرعاية المركزة بمستشفى قصر العيني، في انتظار جراحة كعشرات غيره، لكن اﻷمور انقلبت رأسًا على عقب حين علمت أسرته يوم اﻷحد الماضي بخبر وفاته؛ فانتقلت إلى مشرحة المستشفى لتسلم جثمانه؛ لتجده بلا قرنية في العين.

تقدمت اﻷسرة ببلاغ ضد المستشفى في قسم شرطة مصر القديمة، حمل رقم 5505 لسنة 2018، يتهمها بـ "سرقة القرنية وقتل المريض"، وفقًا لصحيفة اليوم السابع التي نقلت عن شقيق المتوفى قوله إنه وعند تسلّم الأسرة للجثمان "لاحظنا أن العينين بهما نزيف، فتحت عيني أخي فلم أجدهما".

من المستشفى إلى قسم الشُرطة إلى وسائل الإعلام، أثارت الواقعة جدلاً لم ينته حتى هذه اللحظة، ﻷن المستشفى لم ينفِ الواقعة، كما لم يتوان في الدفاع عن موقفه، وتأكيد سلامته طبيًا وقانونيًا، لكن قانونًا مصريًا أُقر عام 2010، قد يشكل تهديدًا لهذا الدفاع.

القرنية ليست عضوًا

نفى عميد كلية طب قصر العيني، الدكتور فتحي خُضير، اتهام سرقة أو انتزاع القرنية من المتوفين، مشيرًا إلى أن ما تأخذه المستشفى هو "الجزء السطحي فقط، ﻹنقاذ مرضى آخرين من العمى".

وأشار، في تصريحات هاتفية لبرنامج العاشرة مساءً، إلى أن القانون يبيح هذا الأمر للمستشفيات الحكومية الكبيرة التي لديها بنك للعيون والقرنية، مثل قصر العيني، إذ أن الطبيب في هذه الحالة "لا يأخذ عضوًا من الجسم أو القرنية بحالها أو العين بحالها، فقط الطبقة السطحية التي لا تؤثر في شكل العين أو الجثة، ولا تنطوي على أي إهانة للجثة".

تنص المادة 60 من الدستور المصري على أن "لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه، أو تشويهه، أو التمثيل به، جريمة يعاقب عليها القانون. ويحظر الاتجار بأعضائه، ولايجوز إجراء أية تجربة طبية، أو علمية عليه بغير رضاه الحر الموثق، ووفقا للأسس المستقرة فى مجال العلوم الطبية، على النحو الذى ينظمه القانون".

تبنّى الدفاع عن المستشفى أيضًا عضو لجنة الصحة بمجلس النواب الدكتور مجدي مُرشد، الذي أوضح أن القرنية "نسيج يتراوح سمكه بين 0.05 مليمتر إلى مليمتر، وليس به أوعية دموية ولا جزء حي، مثله في ذلك مثل الأظافر والجلد".

يُعرّف المعهد القومي اﻷمريكي للعيون القرنية بأنها الطبقة الخارجية من العين، وإنها السطح الشفاف الذي يُغطي الجزء اﻷمامي منها، ويلعب دورًا مهمًا في تركيز الرؤية.

يُشير الموقع الطبي نفسه إلى أن القرنية نسيج شديد التنظيم، وإنها عكس معظم الأنسجة اﻷخرى في الجسم "لا تحتوي على أي أوعية دموية لتغذيتها أو حمايتها من العدوى".

وأضاف مُرشد، خلال لقاء مع برنامج يحدث في مصر، أن القرنية عبارة عن "نسيج شفاف يُمكّن الإنسان من الإبصار"، مُشددًا على أن نقلها لا يمكن أن يتم إلا من جسد ميت إلى جسد حي.

استند الطبيبان وغيرهما من المدافعين عن موقف المستشفى على ما ورد في الكتاب الدوري رقم 22 لسنة 2008 بشأن إعادة تنظيم بنوك قرنيات العيون، والذي استهل أحكامه بذكر ما صدر من قبل من نصوص قانونية في هذا الصدد، كان منها الكتاب الدوري الذي أصدره النائب العام برقم 17 لسنة 1999، والقرار بقانون رقم 103 لسنة 1962 في شأن إعادة تنظيم بنوك قرنيات العيون ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الصحة رقم 417 لسنة 1996، والقانون رقم 79 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 103 لسنة 1962، وغيرهم من المنشورات القانونية المعنية بمعالجة هذه القضية.

ونص الكتاب الدوري رقم 22 لسنة 2008، على عدد من القواعد الحاكمة لاستئصال قرنيات العيون، إذ اشترط أن تتم في المستشفيات المرخص لها في إنشاء بنوك قرنيات العيون، والتي تندرج في قائتمها أقسام طب وجراحة العيون بكليات الطب بالجامعات المصرية، وذلك بمعرفة الأطباء المرخص لهم في ذلك.

وذكر الكتاب الدوري أن الحصول على القرنيات يكون من عيون مصادر عدّة، تمثّلت في الأشخاص الذين يوافقون موافقة كتابية على نقلها بعد وفاتهم بغير مقابل، وقتلى الحوادث الذين تأمر النيابة العامة بإجراء الصفة التشريحية لهم، والموتى بالمستشفيات والمعاهد المرخص لها في إنشاء بنوك قرنيات العيون.

أما النقطة الأهم في دفاع قصر العيني عن نفسه، فتتمثل في البند الرابع من الكتاب الدوري، الذي نصّ على أنه "لا يشترط موافقة أحد– المتوفى أو ورثته أو ذويه– قبل الحصول على قرنيات العيون في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين ب ، ج من البند ثالثا".

والحالة ج تحديدًا هي الخاصة بالحصول على قرنيات عيون الموتى بالمستشفيات والمعاهد المرخص لها في إنشاء بنوك قرنيات العيون، وهو ما سينطبق هنا- وفقًا لمنطق المدافعين- على حالة المواطن محمد عبد التواب.

جريمة

على الرغم من دفاع كبير قصر العيني وأطباء آخرين عن موقفه، منهم المقرر السابق للجنة العليا لزراعة الأعضاء بوزارة الصحة، الدكتور عبد الحميد أباظة، عن اﻷمر باعتباره مُنظم قانونيًا، إلاّ أن الاتهام ما يزال قائمًا في وجه المستشفى.

ليس أهل المتوفى فحسب هم من يتهمون قصر العيني، إذ شاركهم في اﻷمر العميد الأسبق لكلية الحقوق بجامعة القاهرة، الدكتور محمود كبيش.

قال كبيش، في مداخلة هاتفية لبرنامج هنا العاصمة، إن نقل قرنية المتوفي "جريمة"، مستندًا في ذلك على القانون 5 لسنة 2010 وتعديلاته، الذي أورد هذا الأمر في أحكامه العامة، ونص على عقوبات بالسجن خمس سنوات وغرامة تتراوح بين مائة و300 ألف جنيه، توقّع على مَن ارتكب الفعل والمشاركين فيه، ومدير المنشأة المسؤول في حالة علمه بإجراء الجراحة، مؤكدًا أنه "لا يُعذر أحد بجهله للقانون الجنائي".

ينصّ القانون 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع اﻷعضاء البشرية، في أحكامه العامة على عدة أحكام، لم تكن أنسجة الجسم مُستثناه منها.

وذكر القانون في هذه اﻷحكام أنه "لا يجوز إجراء عمليات زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة بنقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي أو من جسد إنسان ميت بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا طبقاً لأحكام هذا القانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له".

ونصت الأحكام العامة لهذا القانون أيضًا على أنه "في جميع الأحوال يجب أن يكون التبرع صادرًا عن إرادة حرة خالية من عيوب الرضاء، وثابتاً بالكتابة وذلك علي النحو الذي تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون".

ومن أجل وجود هذه القواعد القانونية، اختتم كبيش تصريحاته بتوجيه انتقادًا لوزارة الصحة على "تقصيرها" في إعلام اﻷطباء بهذه "الحقيقة"، في إشارة للقانون الصادر منذ ثمانية أعوام، بدلاً من أن يستمروا بالعمل وفقًا "لقانون قديم".