من مستشفى السلوم- الصورة: وزارة الصحة- فيسبوك

"اشتريها من برة": كميات الأدوية في حالة "حرجة" بمستشفيات العزل

منشور الأربعاء 26 يناير 2022

قبل شهرين، كانت نعمات عبد الفتاح البالغة من العمر 67 سنة، ترقد في إحدى غرف العناية المركزة بمستشفى الموظفين، أحد مستشفيات العزل بمحافظة القاهرة، إثر إصابتها بفيروس كورونا.

كانت نعمات تعاني أعراضًا شديدة جراء إصابتها بفيروس كورونا، خاصة أنها مريضة بالذئبة الحمراء، فتم حجزها بالقسم الاقتصادي لعدم توفر مكان في القسم المجاني، ورغم ذلك طلبت الممرضة من نجلها إسلام، شراء أدوية من خارج المستشفى تشمل مضادات حيوية وأدوية نقص مناعة لعدم توفرها في المستشفى.

للوهلة الأولى، ظن إسلام أن النقص بسبب الضغط على المستشفى، وسارع ليشتري لوالدته الأدوية "كان ما بين الأدوية أصناف غالية زي حقنة ريمديسفير، كتبها الدكتور لمدة 10 أيام، لكن مكنتش أتوقع إن حتى محلول الملح غير متوفر في المستشفى".

الأدوية التي لم تتوفر بالمستشفى كانت لعلاج الأعراض الحادة لكورونا، مثل فافيبيرافير، وسولو ميدرول، وكذلك حقنة ريمديسيفير المضادة للالتهابات.

رغم أن معاناة إسلام مع أدوية والدته، كانت خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإنها مازالت تتكرر مع مصابين آخرين بفيروس كورونا، حيث إن نقص أدوية الرعاية المركزة والحالات الحرجة بات كابوسًا يقلق الأطقم الطبية وأهالي مرضى كورونا على السواء، خاصة مع تزايد الإصابات بالفيروس خلال الأسابيع القليلة الماضية، الذي اضطر الأطباء أحيانًا إلى مطالبة ذوي المصابين بشراء الدواء من خارج مستشفيات العزل، فيما يقول مسؤولون بوزارة الصحة إن هناك بدائل لتلك الأدوية، وأن ثمة تعاون بين هيئة الدواء والإدارة المركزية لشؤون الصيادلة، لإيجاد حلول مستمرة.

في مستشفى المطرية التي تعج حاليًا بالحالات الحرجة نتيجة ارتفاع الإصابات بفيروس كوفيد-19، ثمة نقص في أدوية بلاكوينيل، وديكساميثازون المضادين للالتهابات، والمدرجين في بروتوكول العلاج، بحسب مصدر طبي داخل المستشفى، تحدث للمنصة، شريطة عدم الكشف عن هويته.

"لا يتوفر في صيدلية المستشفى سوى صنف أو اثنين من أدوية البروتوكول، علمًا أنها لا تكفي إلا لعلاج عدد قليل من المصابين بالفيروس، والمستشفى سعته 300 سرير تقريبًا، ما بين مرضى الحالات الحرجة وحالات العزل، وفي أفضل الأحوال، إذا فرضنا توفر بدائل لباقي الأصناف، فلن تكفي لعلاج كافة المصابين الذين زادت أعدادهم منذ نهاية ديسمبر الماضي". يقول المصدر.

 

دواء سولوميدرول. برخصة المشاع الإبداعي: ويكيبيديا

نقص في أدوية الكورتيزون

ومنذ تفشي الوباء، كان هناك عجز في بعض الأدوية المستخدمة في علاج مضاعفات الفيروس كوفيد بمستشفىات العزل، إذ نقصت أدوية الكورتيزون لكنها أصبحت متوفرة الآن في صورة بدائل، بحسب مدير عام مستشفى المطرية التعليمي، الدكتور وائل الدرندلي. 

يقول الدرندلي للمنصة إن البدائل تكفي لثلاثة أشهر، فضلًا عن بدائل أدوية لعلاج مرضى الحالات الحرجة. ووصف شراء الأهالي للأدوية من خارج المستشفى بأنها "حالات فردية". يبدو الوضع في المحافظات أسوأ من القاهرة كثيرًا، ويصف طبيب يعمل في وحدة العناية المركزة بمستشفى بنها التعليمي، الوضع للمنصة "صعب توفير معظم الأدوية اللازمة لعلاج كوفيد-19، خاصة للحالات الشديدة أو كبار السن، الذين يعانون من حالات طبية تُعرضهم لخطر الإصابة بالمضاعفات الشديدة للفيروس".

"الأزمة ليست مرتبطة بالأدوية الخاصة ببروتوكول كورونا فقط، بل تشمل الأدوية الضرورية في أقسام الرعاية الحرجة كأدوية الادرنالين وأدوية الضغط، وكذلك هناك نقص في حقنة لوفينوكس المستخدمة لمنع تجلطات الدم"، يقول الطبيب مشيرًا إلى أن أدوية الرعاية ضرورية لحالات العزل المصابة بأمراض مزمنة.

ويوضح الطبيب أنه يضطر لطلب قائمة أدوية بها ثمانية أصناف من مرافقي حالات العزل، لشرائها بمعرفتهم، فيما لا تزال بدائل الدواء المناعي أكتيمرا، المستخدم لتقليل المضاعفات والوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا، غير متوفرة على الإطلاق في مستشفيات العزل الحكومية والخاصة، ويضطر وأهالي المرضى إلى شرائه من السوق السوداء.

بدائل أكتيمرا 

أكتيمرا هو دواء كان مدرجًا في بروتوكول علاج الحالات الحرجة المصابة بفيروس كورونا، حيث يستخدم لتقليل حدة المضاعفات والوفيات الناجمة عن الإصابة، وتم استبداله في النسخة السادسة من تحديث بروتوكول العلاج بأربعة بدائل أخرى، وخاصة بعد توقف إنتاجه مؤخرًا على مستوى العالم نتيجة الضغط الشديد والاحتياج العالمي للمستحضر خلال الفترات الماضية ومنذ بداية الجائحة. ويعترف عضو اللجنة العليا لمكافحة كورونا بوزارة الصحة، الدكتور محمد نادي، للمنصة بصعوبة حصول المرضى بالمستشفيات على بدائل عقار أكتيمرا خلال الفترة السابقة، و"لكنه متوفر حاليًا ويصرف للحالات بشروط"، حسب قوله.

"بدائل أكتيمرا متوفرة ولكنها تحت تصرف وزارة الصحة، ويشترط لصرفها إرسال تقرير طبي من قبل إدارة المستشفى بالحالة الطبية للمريض، وبناء عليه تُصرف جرعة من الدواء للحالات الشديدة فقط المصابة بفيروس كورونا". يشرح نادي. 

منشورات بالبدائل  

بحسب القانون رقم 151 لسنة 2019، أنشئت هيئة الدواء المصرية، لتحل محل قطاع الدواء بوزارة الصحة والسكان، حيث أعطاها القانون اختصاص الشراء الموحد لاحتياجات القطاع العام الصحي، حيث تتولى دون غيرها، إجراء عمليات الشراء الأدوية والمستلزمات الطبية لجميع الجهات والهيئات الحكومية، وإعداد خطط لشراء كميات أكبر من الأدوية بسعر منخفض. ولا توجد أرقام دقيقة بهيئة الدواء عن نواقص الأدوية في مستشفيات العزل، لكن الدكتور حمادة شريف معاون رئيس هيئة الدواء قال للمنصة إن ثمة تعاون بين الهيئة والإدارة المركزية لشؤون الصيادلة، لإيجاد حلول مستمرة لمواجهة النواقص.

ورفض نادي، عضو اللجنة العليا لمكافحة كورونا بوزارة الصحة، ذكر أسماء النواقص أو عدد الشكاوى الخاصة بنقص الأدوية بالمستشفيات أو الحديث عن خطط لتوفيرها خلال الفترة المقبلة، واكتفى بالتأكيد على توافر البدائل "جميعها لها بدائل بنفس التأثير العلاجي ولدينا مخزون يكفيني أكثر من عام".

وللدواء البديل نفس تأثير العقار الأصلي، ولكن بنسب تختلف من دواء لآخر، وفقًا لعوامل كثيرة منها طول مدة تأثير الدواء في العلاج، واختلاف جودة التصنيع، بحسب أمين عام نقابة أطباء أسيوط، الدكتور محمد رسلان.

أعباء مادية وصحية

بحسب قاعدة بيانات التمويل الصحي لمنظمة الصحة العالمية، ينفق المواطنون المصريون على الصحة من جيوبهم بنسبة 62% بينما لا تتخطى تلك النسبة عالميًا 19%، وذلك بحسب بيانات عام 2016.

 

نسبة إنفاق المواطنون على الصحة. المصدر: منظمة الصحة العالمية

فيما فرضت الجائحة أعباء مالية وصحية إضافية على المواطنين الذين يعيشون في مناطق تعاني من نقص في الإمكانيات الصحية بحسب ما أكده الدكتور علاء غنام، مسؤول ملف الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، للمنصة.

واتفق، غنام، مع المصادر الطبية التي أكدت للمنصة أن الجائحة كشفت النقص الحاد، سواء في المستلزمات أو الأدوية في المستشفيات والوحدات الصحية التي غالبًا تعمل فوق طاقتها. و قال غنام إن أزمة نواقص الأدوية تفاقمت مؤخرًا، واختفت أدوية كثيرة من المستشفيات، بينما لا توفر بعض البدائل نفس النتيجة في العلاج، وهو ما يزيد من الأعباء على المصابين بفيروس كورونا المستجد.

كما يرى غنام أن ثمة تفاوت كبير في توزيع الأدوية والمستلزمات بين المحافظات، "الخدمات الصحية أقل في الريف قياسًا بالحضر، وفي الشمال قياسًا بالجنوب، وهو ما يؤثر على قدرة النظام الصحي في مواجهة أزمة ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا المستجد، والجائحة كشفت الفجوة الموجودة منذ سنوات".

مخصصات الصحة لا تكفي 

فيما يرى الدكتور أحمد راغب، الباحث في سياسات الدواء، أنه رغم زيادة مخصصات الصحة في موازنة الدولة للسنة المالية 2021/ 2022 بنحو 15 مليار جنيه عن سابقتها، لكن هذه الزيادة لا تلائم التحديات التي فرضها تداعيات الجائحة.

و يوضح، راغب للمنصة، أن الإنفاق على الصحة لا يتجاوز 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نصف النسبة التي حددها الدستور والبالغة 3% من الناتج كحد أدنى.

و يرجع راغب، تكرار أزمات نقص الأدوية إلى عدة أسباب، منها تعثر استيراد المواد الخام اللازمة لصناعة الدواء بسبب تأثير جائحة كوفيد-19 عالميًا، إضافة إلى انعدام الشفافية في وضع سياسات لمواجهة الأزمات.

وتصاعد منحنى أعداد الإصابات في مصر منذ الأسبوع الأول من يناير/ كانون الثاني الجاري، حيث تسجل أعداد أكبر من الإصابات، تتخطى الـ 1500 حالة يوميًا، بحسب وزارة الصحة.

وبعد مرور 12 يومًا، سمح الطبيب بخروج نعمات من المستشفى لتكمل علاجها في المنزل، كان الطبيب متعجلًا أثناء خروجه من وحدة العزل، وسط زحام في أروقة المستشفى لاستقبال مصابين جدد بحاجة إلى سرير عناية، بينما كانت ممرضة تنادي "مين مع حالة عبد الله؟ اشتري الأدوية دي" مشيرة إلى قائمة أدوية غير متوفرة.