موقع البيت الأبيض
الرئيس الأمريكي جو بايدن متحدثًا أمام الكونجرس الأمريكي بمجلسيه ومن خلفه نائبته كاميلا هاريس التي تتولى أيضًا بحكم منصبها رئاسة مجلس الشيوخ، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.

شعار الجمهوريين في مواجهة بايدن: يا عزيزي كلنا لصوص!

منشور الثلاثاء 17 يناير 2023 - آخر تحديث الثلاثاء 17 يناير 2023

استمتع الديمقراطيون في الولايات المتحدة وهم يتابعون بتشفٍ على مدى نحو أسبوع المحاولات الفاشلة للنائب الجمهوري كيفين مكارثي الفوز برئاسة مجلس النواب، ثالث أهم منصب في الدولة بعد الرئيس ونائبه، بسبب الخلافات في صفوف حزبه وتمكن أقلية صغيرة من الأعضاء لا تتجاوز الخمسة من تعطيل التصويت على مدى 14 جولة، في سابقة لم تحدث منذ 160 عامًا في تاريخ الدولة الفيدرالية.

بالطبع أصل المشكلة أن الحزب الجمهوري لم يحقق "المد الأحمر"، أو الاكتساح الذي تنبأ به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في انتخابات الكونجرس التي جرت في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفاز مرشحوه بالكاد بأغلبية ستة مقاعد فقط في مجلس النواب المكون من 435 عضوًا.

ولكن كل هذه الأمور باتت جزءًا من التاريخ، والآن جاء دور انتقام الجمهوريين، الذين مهما بلغت درجة الخلافات بينهم، فهم موحدون في تصميمهم على الإطاحة ببايدن والديمقراطيين في انتخابات الرئاسة والكونجرس عام 2024 بكل الوسائل، ومن ضمنها تلك التي استخدمها الديمقراطيون أنفسهم لملاحقة الرئيس السابق دونالد ترامب ومحاولة عزله من منصبه أثناء وجوده في البيت الأبيض. وفي كلتا الحالتين، فإن كلمة السر هي أوكرانيا.

هناك قائمة أخرى طويلة من الاتهامات الموجهة لبايدن والتي سيسعى الجمهوريون للتحقيق فيها من خلال ترأسهم لمجلس النواب ولجانه المختلفة، مثل طريقة الانسحاب المهينة من أفغانستان، ومؤخرًا في قضية احتفاظ الرئيس الحالي بوثائق سرية تعود لفترة شغله لمنصب نائب الرئيس في ظل إدارة باراك أوباما بين عامي 2008 و2016.

ولغرابة الأقدار، فإن تهمة امتلاك وثائق غاية في السرية هي نفس التهمة التي ضخمها الديمقراطيون في مواجهة ترامب قبل أسابيع فقط، إلى درجة قيام ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي بتفتيش قصر ترامب في فلوريدا للتحفظ على تلك الوثائق.

في ذلك الوقت، اتهم الجمهوريون الحزب الديمقراطي وبايدن باستخدام الـ إف بي آي كـ"سلاح سياسي" في مواجهتهم بعيدًا عن أي معايير مهنية. ويواجه الـ إف بي آي نفس الاتهام من الجمهوريين في التحقيقات التي يجريها حاليًا وتتناول مسؤولية ترامب الشخصية عن محاولة أنصاره اقتحام مبنى الكونجرس في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 لمنع النواب من التصديق على فوز بايدن بانتخابات الرئاسة.

ولكن تبقى الاتهامات الموجهة لبايدن بالفساد بسبب علاقات نجله، هانتر بايدن، بشركات نفط في أوكرانيا والصين، هي الأكثر إثارة بالطبع، خاصة مع مزاعم الجمهورين بأن بايدن الأب نفسه استفاد من تلك العلاقات عبر تبرعات تلقاها لمؤسسات يتولى إدارتها، وهو ما جرى عليه العرف في الولايات المتحدة بعد خروج الرؤساء وكبار المسؤولين من مناصبهم، سواء من خلال إنشاء مكتبة كما هو حال الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، أو مركز بحثي ومؤسسات خيرية تعمل في مجالات التعليم أو الرعاية الاجتماعية.

وعندما كانت الديمقراطية هيلاري كلينتون، على سبيل المثال، تتولى منصب وزيرة الخارجية في الفترة الأولى من إدارة أوباما، نالتها اتهامات أثناء منافستها لترامب في انتخابات الرئاسة عام 2016، أن المؤسسة التي يمتلكها زوجها بيل كلينتون تلقت تبرعات سخية من دول خليجية، مقابل عقد لقاءات معها وتلبية طلبات محددة كانوا يسعون وراءها.

لن يقوم أحد بتسليم مبلغ مالي بشكل مباشر إلى وزيرة الخارجية الأمريكية، ولكنَّ تبرعًا سخيًا بعدة ملايين لمكتبة بيل كلينتون في نيويورك قد يساهم في التأثير على قراراتها وجدول زياراتها الخارجية بعد أن تلتقي زوجها العزيز على وجبة العشاء في المساء، فيخبرها عن الشيك الذي تلقاه من الدولة الجميلة المحترمة س أو ص في الشرق الأوسط أو جنوب شرق آسيا.

أما في حالة الابن الأصغر لبايدن، هانتر، فإن التفاصيل أكثر إثارة وتصلح لفيلم سينمائي حيث يختلط الفساد بإدمان المخدرات والكحول، ومغامرات عاطفية فاشلة شملت انفصاله عن زوجته ثم ارتباطه بأرملة أخيه الذي توفي فجأة بعد إصابته بسرطان الدماغ، وهو ما مثل صدمة كبيرة للأب والابن معًا.

وعندما واجه هانتر مشاكل مالية حادة ولم يتمكن من دفع ضرائبه التي قدرت بنحو مليوني دولار، قبل سريعًا نصيحة أحد المقربين منه بالانضمام لمجلس إدارة شركة بترول أوكرانية مُنع مالكها من دخول الولايات المتحدة بسبب اتهامه بالفساد.

الأهم في القصة هو صعوبة تجنب شبهات الفساد عندما يتعلق الأمر بدخول أبناء الرؤساء وكبار المسؤولين عالم التجارة والاستثمار

كما وافق على العمل مع رجل أعمال صيني مقرب من الحزب الشيوعي، بزعم رغبة الأخير استثمار أمواله في شركات نفط أمريكية. تلقى هانتر بايدن من رجل الأعمال الصيني قطعة ضخة من الألماس كعربون صداقة ومحبة، كما كان يتلقى مرتبًا ثابتًا من شركة النفط الأوكرانية بزعم عضويته في مجلس إدراتها، رغم عدم حضوره أي اجتماعات بالطبع.

الأهم في القصة هو صعوبة تجنب شبهات الفساد عندما يتعلق الأمر بدخول أبناء الرؤساء وكبار المسؤولين عالم التجارة والاستثمار، لأن الكثيرين من أصحاب المصالح على الصعيد المحلي والدولي سيسعون لاستمالتهم، أملًا في الحصول على امتيازات وعقود من آباءهم سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

وعندما أرادت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، مثلًا، معاقبة الأمين العام السابق للأمم المتحدة الراحل كوفي عنان على معارضته لغزو العراق عام 2003، وإعلانه أن تلك الحرب كانت "غير شرعية"، كان المدخل لتشويه سمعته هو الكشف عن صفقات أجراها نجله مع عدة دول إفريقية، تربطها علاقات ومصالح بالمنظمة الدولية.

بالطبع سيسارع البعض بالقول إن أبناء الرؤساء وكبار المسؤولين بشر ولهم الحق في العمل في كافة المجالات، ومن الظلم حرمانهم من الخوض في عالم التجارة والأعمال، وأن الأرباح التي يحققونها ترتبط بقدراتهم الشخصية وليس علاقتهم المباشرة بأهم صانع قرار في الدولة: الرئيس.

الواقع، أنه سواء في حالة هانتر بايدن في الولايات المتحدة، او جمال مبارك في الحالة المصرية، وغالبًا كل دول العالم، فإن القدرة على الوصول للرئيس واستمالته لاتخاذ قرار ما أمر شديد الصعوبة. في حين أن نجل الرئيس يلتقي بوالده بالطبع في مناسبات عدة ومن المستحيل منعه من التواصل معه، والحديث ولو بشكل عابر عن مؤسسة ما في دولة ما تواجه مشاكل أو معوقات لاستثمار أموالها في الولايات المتحدة، كما يتهم الجمهوريون بايدن ونجله.

قصة هانتر بايدن والاتهامات بالفساد ليست جديدة، وكانت هي السبب وراء المحاولة الأولى للديمقراطيين عزل ترامب من منصبه عام 2019، وذلك بعد اتهامه أنه استخدم منصبه للضغط على رئيس أوكرانيا السابق من أجل كشف تفاصيل علاقات هانتر ترامب بأحد رؤساء شركات النفط الأوكرانية وعضويته في مجلس إدارتها، لإضعاف فرص بايدن بالفوز في انتخابات الرئاسة نهاية 2020. وقام ترامب بتجميد نحو 400 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لأوكرانيا كوسيلة للضغط على حكومتها الكشف عن تلك التفاصيل.

بالطبع فشلت محاولة الديقراطيين في عزل ترامب لأنهم لم يكونوا يمتلكون أغلبية الثلثين الكافية لعزل الرئيس عن طريق مجلس النواب، وسيكون ذلك أيضًا مصير السعي الحالي للجمهوريين التحقيق في اتهام بايدن ونجله بالفساد بسبب علاقتهم بشركة النفط الأوكرانية. ولكن المهم في الحالتين هو اثارة اللغط والتأثير على فرص بايدن أو ترامب الفوز في انتخابات الرئاسة، وذلك على طريقة: يا عزيزي كلنا لصوص!

وسواء كان المتهم بالتأثير على قرارات الرئيس الأمريكي نجله كما في حالة بايدن، أو صهره جاريد كوشنير كما في حالة ترامب، فإن الاقتراب من الدائرة اللصيقة من الرئيس والقدرة على استمالته ميزة كبيرة يسعى وراءها الكثيرون للحصول على عقود واستثمارات بمئات الملايين من الدولارات، وربما المليارات، في دولة شديدة الثراء كما في الولايات المتحدة.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.