فخ خدمة البنتاجون

انتهاكات صارخة لحقوق العمال المهاجرين في القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج العربي

منشور الجمعة 28 أكتوبر 2022

اعتقد عبد الله أن فرصة العمر جاءته أخيرًا بعد معاناة لإيجاد فرصة عمل في وطنه، بنجلادش. يقول عبد الله إن مسؤول توظيف عرض عليه فرصة عمل في مطعم يبعد آلاف الأميال، بمدينة الكويت، مقابل ما يعادل 660 دولارًا أمريكيًا في الشهر. 

كان هناك عائق. فعليه أن يدفع رسوما باهظة، حوالي 10,250 دولارًا، ولكنه رأى أن الأمر يستحق. حصلت والدته على قرض، ودفع الرسوم، وسافر إلى الكويت في يناير/ كانون الثاني 2016. كان عمره وقتها 21 عامًا. 

يقول عبد الله إن الوعود تبخرت فور وصوله إلى الكويت.فبدلا من العمل في مطعم، أرسلته شركة التميمي، التي وظفته، إلى معسكر "بيوري" في الكويت، حيث القاعدة العسكرية الأمريكية، ليقوم هناك بمهام غسل الصحون.

أما الراتب الشهري فكان 260 دولارًا، أي أقل من نصف المبلغ المتفق عليه. وفي المعسكر، كان يعمل لمدة 12 ساعة يوميًا، من دون إجازات، طوال نحو ثلاث سنوات قضاها هناك. 

عبد الله، وهو اسم مستعار لحمايته من مواجهة عواقب سلبية، وقّع على عقد، وسلّم جواز سفره. 

المقابلة مع عبد الله


تكرر الأمر نفسه مع نحو 400 عامل، بحسب عبد الله. "ما الذي يمكننا أن نفعله؟" يضيف، "اشتقت إلى أمي، وكانت تنتابني حالة بكاء يوميًا".

عبد الله هو واحد من آلاف العمال الذين يزعمون أنهم تعرضوا للاتجار غير المشروع بالعمالة على يد شركات خاصة تعمل في القواعد العسكرية الأمريكية، حيث تقاضَى العمال رواتب أقل مما وُعدوا به، ودفعوا رسوم توظيف أثقلتهم بالديون، ووقعوا عقود غير عادلة تحت ضغط، فضلًا عن عملهم لساعات طويلة، وفق تقارير حكومية أمريكية. كما تعرض بعضهم للإيذاء الجسدي.

أجرى الصحفيون المتعاونون* في انتاج هذا التحقيق لقاءات مع أكثر من 40 موظفًا حاليًا وسابقًا، لشركات متعاقدة لتقديم خدمات في القواعد العسكرية الأمريكية. وفحصت NBC News آلاف الصفحات من شهادات الكونجرس، وتقارير وزارتي العدل والدفاع، وملفات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وغيرها من المستندات، لتكشف عن الشركات المتهمة في الاتجار بالعمال، والشركات التي أدينت بالفعل بالاتجار بالعمال. 

وبناءً على هذه الوثائق، توصلت NBC News إلى غياب الشفافية فيما يخص استعداد البنتاجون لإطلاع الرأي العام على الاستغلال المزعوم الذي يتعرض له العمال على أيدي شركات متعاقدة معه، يُدفع لها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين، بالإضافة إلى غياب مشاركة مسؤولي البنتاجون، فيما بينهم أو مع وكالات أخرى، المعلومات المتعلقة بشركات ذات سجل مخز في شأن الاتجار بالعمال. 

من 2017 وحتى 2021، اتخذ الجيش الأمريكي إجراءات بشأن 176 حادثة انتهاك عمالي ارتكبها متعاقدون معه بشكل مباشر أو غير مباشر، وفقًا لسجلات وزارة الخارجية الأمريكية التي راجعتها NBC News، إضافة إلى انتهاكات مثبتة تعرَّض لها أكثر من 900 عامل في السنة المالية 2020 وحدها، وفق وزارة العدل.

ورغم أن هذه المعلومات من المفترض أن تكون علنية، لم يكشف البنتاجون عن أسماء المتعاقدين الذين ارتكبوا انتهاكات لـNBC News، بالرغم من تقديم عدة طلبات بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات.

وتنص القوانين واللوائح الفيدرالية على ضرورة إدراج أسماء الشركات، ومعلومات عن الانتهاكات المرتكبة بقاعدة بيانات التعاقدات. ولكن مكتب المحاسبة الحكومي (GAO) أفاد العام الماضي، أن مسؤولي تعاقدات الجيش لم يدخلوا بيانات الانتهاكات إلى قاعدة البيانات.

وقال المكتب أيضًا، إن المفتشين العموميين للجيش والبنتاجون لم يبلغوا عن نتائج تحقيقاتهم في شأن الاتجار بالعمال، وأن البنتاجون تساهل في الإشارة إلى الشركات التي قامت بانتهاكات تتعلق بالاتجار بالعمال. فمسؤولو الجيش لم ينتبهوا، طوال الأعوام الستة الماضية على الأقل، إلى شركة واحدة تعرَّض عمالها لانتهاكات. 

يعني هذا أنَّ الحكومة الأمريكية تفتقر إلى الشفافية خارجيًا وداخليًا، الأمر الذي أدى إلى احتمالية عدم علم موظفي التعاقدات أنهم يمنحون تعاقدات جديدة لشركات ارتكبت مخالفات سابقة. 

ووفق تحليل NBC News حصلت 10 شركات على الأقل ارتكبت انتهاكات موثقة للاتجار بالعمالة، على عقود حكومية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات منذ عام 2007. 

عبودية العصر الحديث

تقول لاتيشا لوف، مديرة فريق الشؤون الدولية والتجارة بمكتب المحاسبة الحكومي، الذي حقق في العديد من حالات الاتجار بالعمال في قواعد الجيش الأمريكي "من المرجح أن أموال دافعي الضرائب تذهب لدعم العمل القسري والاتجار بالبشر، وهذا غير مقبول"، وتضيف "طريقة التعامل (مع العمال) تتماثل مع ما قد يسميه البعض اليوم بعبودية العصر الحديث".

قالت شركة التميمي، التي كان يعمل بها عبد الله، إنها لا تستطيع التعليق على "عموميات أطلقها موظفون سابقون، أو على أي قضايا ما زالت جارية". وأضافت أنها "شركة ممتازة تهتم بعمق بموظفيها".

أما عبد الله فلا يزال بالكويت، ولكنه يعمل لدى شركة أخرى، وليس في قاعدة عسكرية.

صورة من احتفال لجنود أمريكيين في قاعدة arifjan العسكرية الأمريكية في الكويت

تدافع جنوني 

تواجد عمال أجانب أمر ضروري في أكثر من 700 قاعدة عسكرية تديرها الولايات المتحدة حول العالم، وهم في الغالب يقومون بأعمال متواضعة، مثل تقديم الطعام، وتنظيف الثكنات وحراستها. وفي كثير من الأحيان، يفد العمال من بلاد أخرى لا تتوفر فيها فرص عمل، مثل بنجلادش ونيبال والهند والفلبين. 

خلال الفترة ما بين أبريل/ نيسان ويونيو/ حزيران فقط، أفادت القيادة المركزية الأمريكية التي لديها قوات بنحو 100 قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، من ضمنها قواعد في العراق والكويت والسعودية، أن الشركات المتعاقدة معها وظفت نحو 20,300 عامل، وأن قرابة 9 آلاف منهم قادمون من بلاد أخرى.

هؤلاء الوافدون يتقاضون رواتب أقل، بحسب خبراء. 

وتصاعد عدد العمال الأجانب خلال العقدين الماضيين لأسباب يتعلق بعضها بالحروب في أفغانستان والعراق. 

يقول آدم مور، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، ومؤلف كتاب عن اعتماد أمريكا على العمالة الأجنبية في قواعدها العسكرية، "وقتها كان هناك تدافع جنوني، وحاجة كبيرة إلى العمالة لم تكن متوقعة، ما أنشأ هناك نظام التعاقد غير المباشر، والخارج عن السيطرة".

رغم أن عدد القوات الأمريكية القتالية في الشرق الأوسط الآن أقل عما كان عليه سابقًا، إلا أن الآلاف من القوات والمدنيين ما زالوا يجندون ويعملون في القواعد في الشرق الأوسط وإفريقيا. وهناك أيضًا أعداد متزايدة من القوات الأمريكية في أوروبا وفي منطقة الخليج الهندي.

ومن ضمن الشركات التي استمرت في الحصول على تعاقدات، على الرغم من انتهاكاتها السابقة، والمثبتة باتفاقية الامتثال المبرمة مع الجيش، شركة التميمي التي وظفت عبد الله.

منذ 2007، حصلت الشركة، التي يقع مقرها في السعودية، على عقود بقيمة 277 مليون دولار، ولديها عقد سارٍ مع البنتاجون بقيمة لا تقل عن 10.1 ملايين دولار، تقوم بموجبه بإرسال الطعام إلى المنشآت العسكرية الأمريكية.

كانت محكمة فيدرالية أدانت مديرًا سابقا بالشركة في عام 2006 بتلقي رشاوى. وفي 2009 أدين بالعبث بالشهود. ودفعت شركة التميمي غرامة قدرها 13 مليون دولار في سبتمبر/ أيلول 2011 بسبب تلقي الرشاوى في إطار اتفاق ادعاء فيدرالي مؤجل. 

وبسبب ارتكابها مخالفات، وقعت التميمي على اتفاقية امتثال إداري في تموز/ يوليو 2017، على الرغم من قول الجيش إن لديه "أساس قانوني متين" لمنع الشركة من الحصول على عقود في المستقبل. 

لقتل بق الفراش

عملت لاجريس روبرتس هارفي، 59 عاما، موظفة تعاقد مدني للجيش الأمريكي في الكويت في الفترة ما بين 2015 و2018. وفي أحد أيام عام 2016، زارت الثكنات التي تأوي موظفي التميمي في معسكر بيوري، وهي قاعدة غالبًا ما تستخدمها القوات الأمريكية المتجهة إلى العراق. وهناك التقت عمالًا أفادوا بحصولهم على قروض باهظة لدفع رسوم التوظيف، "هناك رجال بالغون يبكون لعدم امتلاكهم أموالًا يرسلونها إلى عائلاتهم".

قالت روبرتس إنهم شكوا من ساعات عملهم التي تصل إلى 12 ساعة يوميًا على مدار سبعة أيام في الأسبوع، فضلا عن سحب جوازات السفر منهم. فبدأت في فحص ظروف معيشتهم، وأجرت حوارات عديدة مع عمال. 

وفق روبرتس، كان المعسكر مكتظًا، وعندما كان يسمع موظفو التميمي أنها قادمة للتفتيش، كانت الشركة تخفي الأسرَّة على السطح لتظهر أن الإشغالات أقل داخل الثكنات. 

تقول "عرض بعضهم صورا تظهر تعرضهم للإيذاء الجسدي، فهناك علامات على مناطق في أجسادهم وكأنهم تعرضوا للضرب.. بعض العمال تعرضوا للدغات بق الفراش، وكبائن الاستحمام كانت بحاجة للتنظيف، وبعض دورات المياه والاستحمام لم تكن صالحة للاستخدام".

فقدت روبرتس هارفي وظيفتها بعد توجيه الحكومة اتهامات إليها بتلقي هدايا مقابل تقديم خدمات، وهي التهم التي تنكرها، وتدفع بأنها طردت بسبب إبلاغها عن مخاوفها المتعلقة بشركة التميمي. أيد مجلس شؤون الموظفين الحكوميين فصلها. لكنها حاليًا تستأنف على القرار، زاعمة بأنها عوقبت لإبلاغها عن المخالفات. 

من جهتها نفت شركة التميمي، في خطاب، ارتكابها انتهاكات متعلقة بالاتجار في العمالة لسنوات. ورفضت التعليق على تصريحات عمالها السابقين لـ NBC News، ووصفت اتفاقية الامتثال المبرمة مع الجيش بأنها تستند على أحداث مرت عليها سنوات. وقالت إنها "تسعى للامتثال التام" لقواعد التعاقدات العسكرية. 

وقالت الشركة إنها "تفخر بشراكة عمرها 32 عامًا مع الشركات الأمريكية وحكومة الولايات المتحدة"، وبعملها مع الجيش الأمريكي في تقديم أكثر من 600 مليون وجبة على مدار عقدين. وقالت إنها أوصلت الطعام إلى القوات الأمريكية في مدينة الفلوجة العراقية التي دمرتها المعارك، في الوقت الذي رفضت شركات أخرى القيام بذلك. 

وعزت النزاع الدائر حول الأجور إلى "تفسيرات مختلفة" للوائح الحد الأدنى للأجور في الكويت، وقالت إنها كانت سابقًا تستلم جوازات سفر العمال "للحفاظ عليها"، لكن الشركة لم تعد تتبنى هذه السياسية. وأكدت أنها تتخذ إجراءات ضد العمال الذين يدفعون رسوم توظيف، ولكنها لم ترد على الأسئلة عن الرسوم التي دفعت في الماضي. 

وقالت الشركة إنها تلقت في 2016 أوامر لتحسين الظروف المعيشية. وفي حملات التفتيش التي أجريت في 2018 تبين امتثالها، مضيفة أن الأسرَّة التي ذكرت روبرتس هارفي وجودها فوق السطح، وُضعت هناك لاستخدام حرارة الصحراء في قتل بق الفراش. 

سياسة عدم التسامح مطلقا

كرست الحكومة الأمريكية الوقت والموارد لمكافحة الاتجار بالبشر. وأصدرت مرسومين رئاسيين وعددًا من القوانين واللوائح، وأكدت على انتهاجها "سياسة عدم التسامح مطلقًا" في هذا الشأن. وشكلت وزارة الدفاع الأمريكية مكتبًا لمكافحة الاتجار بالبشر. 

لكن وفق مراجعة أجراها المفتش العام بوزارة الدفاع في عام 2019، فإن الرقابة ضعيفة.

إن لم تبحث عن الاتجار في البشر، لن تجده في الغالب

طوال السنوات الخمس الماضية، أحالت وزارة الدفاع قضية واحدة تتعلق بالاتجار بالبشر إلى وزارة العدل لاتخاذ الإجراءات القضائية. وحظرت على الأقل سبع شركات من المتعاقدين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، وفق تقارير وزارة الخارجية.

ولكن فيما يخص أغلب حالات الاتجار بالعمال المثبتة التي يبلغ عددها 176 حالة، اقتصر الأمر على اتخاذ إجراءات إدارية تتضمن تكثيف الإشراف.

ويقر مكتب المحاسبة الحكومي بأن ثقافة التخبط واللامبالاة تسود فيما يخص تعامل وزارة الدفاع مع ملف الاتجار بالبشر، فبعض موظفي التعاقد في الجيش والبحرية لا يعرفون حتى مسؤولياتهم إزاء منعه، وفق المكتب. 

تقول لاتيشا لوف، مديرة فريق الشؤون الدولية والتجارة بمكتب المحاسبة "إن لم تبحث عنه، لن تجده في الغالب".

في الواقع، تتضمن اتفاقية الامتثال الإداري بين التميمي والجيش، التي حصل عليها مشروع الرقابة على الحكومة، بندًا يحظر نشر التقارير المتعلقة بالشركة، حتى بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات. 

هذه السرية التي يفرضها البنتاجون على الانتهاكات المتعلقة بالاتجار بالبشر تُصعِّب عمل المحامين، وكلَّ من يسعى لمساعدة العمال الأجانب، خاصة في الشرق الأوسط، بحسب ويليام جويس، المدير الإقليمي لمنتدى Migrant Forum in Asia، وهي مظلة تشمل محامين ورجال دين وآخرين يسعون لمساعدة نحو 25 ألف عامل يواجهون خطر الاتجار بالعمالة في الشرق الأوسط وآسيا سنويا. 

ويقول جويس "بسبب أطر السرية التي تفرض على الكثير من هذه الإجراءات، هناك صعوبة في تحديد وقائع الاستغلال".

وأعدَّ المفتش العام بوزارة الدفاع تقريرًا في عام 2019 عن شركة متعاقدة مع الوزارة، وفرت وجبات غذائية بالكويت، يشير إلى مذكرة للجيش ذُكر بها أن الشركة "كانت على دراية بفرض رسوم توظيف باهظة أدت إلى نشوء حالة من استعباد موظفيها".

أشارت مذكرة الجيش أيضًا إلى أن "مساكن العمال التي وفرتها (الشركة) لم تكن بها مياه صالحة للشرب، ولم تكن نظيفة، وكانت مليئة ببق الفراش".

لكنَّ تقرير المفتش العام لم يذكر اسم الشركة.

مقابلة مع ويليام جويس


وتقول الكوماندر نيكول شويجمان، المتحدثة باسم البنتاجون "تدعم وزارة الدفاع سياسة عدم التسامح مطلقًا مع الاتجار في البشر، وهي مستمرة في العمل بدأب على مكافحة الاتجار بالبشر، لأن هذه الأفعال تنتهك حقوق الإنسان وتضر بمهمة الأمن القومي التي نتولاها".

وحسب تصريح آخر لمتحدث باسم الجيش، "يمثل منع الاتجار بالبشر أولوية قصوى لنا، ولا نتوانى عن التحقيق الجاد في كل حالة انتهاك مزعومة لنتأكد من الامتثال للقوانين المعمول بها"، مضيفًا أن الجيش "لا يمكنه أن يناقش المزاعم الحالية، أو التحقيقات والقضايا الجارية"، ولكن عند التعاقدات الجديدة، يتم النظر في سجل الشركة السابق، قبل إرساء التعاقدات، ويخضع الموظفون المدنيون في الجيش والجنود ومسؤولو التعاقدات لتدريبات متخصصة تمكنهم من تمييز حالات الاتجار بالعمالة. 

وقال المتحدث الرسمي إن مسؤولي التعاقدات متواجدون في المواقع المشمولة بالتعاقد "لتحديد الأنشطة المشبوهة والإبلاغ الفوري عن المزاعم ذات المصداقية ليتم التحقيق فيها".

وتابع أن القيادة العسكرية المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط وأفغانستان (CENTCOM) "عززت خطط ضمان الجودة (للتعامل مع انتهاكات حقوق العمال المحتملة) على وجه الخصوص، بشكل مكثف بما في ذلك عمليات الإشراف"، وهذا ما حدث في الكويت عندما عين لواء الإسناد التعاقدي 408 التابع للجيش مسؤولًا متخصصًا "لضمان الامتثال لكل القوانين المعمول بها في شأن الاتجار بالبشر".

العمل في أجواء الخوف

في الشرق الأوسط وأفغانستان، لا تزال مزاعم انتهاكات حقوق العمال مستمرة، حتى في ظل التغييرات التي طرأت على التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة.

ففي العام الجاري، أقام 22 أوغنديًا وظفتهم شركة الأمن الخاصة Triple Canopy كحراس أمن في قاعدة العمليات المتقدمة شراب Shorab في أفغانستان، دعوى قضائية في محكمة أمريكية ضد الشركة، الكائنة في ولاية فرجينيا، بزعم انتهاكات تتعلق بالاتجار بالعمالة. 

وقالوا في الدعوى إن جوازات سفرهم صودرت بشكل غير قانوني لمدة شهور، ما منعهم من المغادرة أو البحث عن عمل آخر. وقالوا إنهم واجهوا "مخاوف وتهديدات وأوضاع غير آمنة" من شركة Triple Canopy، تتضمن التهديد بالفصل من العمل. 

وقالوا إنهم اعتُبروا متعاقدين مستقلين وليسوا موظفين بدوام كامل، على الرغم من أنهم يعملون لأيام طويلة من دون راحة، وهذا التمييز عني أنهم غير مؤهلين للحصول على رعاية طبية، على الرغم من تعرضهم لهجمات متكررة من قبل مقاتلي طالبان، أدت إلى إصابة عدد من الحراس.  

وأدعى الـ 22 عاملًا أنهم طُردوا من العمل بشكل غير قانوني في ديسمبر الماضي بسبب تساؤلهم عن أسباب خصومات، يقولون إنها كانت غير مبررة، من مرتباتهم البالغة 500 دولار شهريًا. 

استبعدت الشركة الادعاءات بالمحكمة، وجادلت بأن العمال أوغنديون، وبالتالي لا يحق لهم رفع دعوى في محكمة فيدرالية أمريكية. وما زالت القضية مستمرة للآن ولكن لم تستجب Triple Canopy لطلب الرد.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تخضع فيها الشركة للمساءلة. فقد وجدت لجنة التعاقدات إبان الحرب في العراق وأفغانستان المكونة من مجلسي الكونجرس، قبل أكثر من عقد مضى، أن نفس الشركة لم تمد رجال الأمن الأوغنديين بالملابس الثقيلة المناسبة أثناء خدمتهم في القاعدة العسكرية المتقدمة في العراق. 

عمل الأوغندي عثمان كيمولي، في Triple Canopy بأفغانستان في 2019 و2020. ولكنه لم يكن جزءًا من الدعوى المقامة ضدها. 

أخبر كيمولي NBC News أنه كان يعمل لمدة 12 ساعة يوميًا، ولكنه تقاضى راتب ثماني ساعات عمل فقط لمدة شهرين. وقال العامل البالغ من العمر 35 عامًا، إن العمال حصلوا على مجموعة واحدة فقط من القفازات وقناع واحد في اليوم خلال جائحة كورونا، رغم أن رجال الأمن يتولون مهمة تفتيش زوار المعسكر، "كنا نعمل بينما ينتابنا الخوف".

وحصلت Triple Canopy على أكثر من 350 عقدًا رئيسيًا من الحكومة الفيدرالية منذ عام 2007، بقيمة 4 مليارات دولار، وهي حاليًا متعاقدة مع البنتاجون ووزارة الأمن الداخلي. 

يعمل سام مكاهون، المستشار السابق لمشتريات الجيش ومحامي الشركات المتعاقدة مع الجيش سابقًا، محاميًا موكلًا عن الناجين من الاتجار بالعمالة، بمن فيهم العمال الأوغنديون في دعوتهم. 

ويقول إن الجيش يتساهل في منع الاتجار، ويعتمد بكثرة على عمال بأجور قليلة لتشغيل قواعده العسكرية بالخارج، "نموذج العمل هذا لا يمكن أن يتماشى مع سياسة عدم التسامح مطلقًا مع الاتجار"، مستدركًا "هو (نموذج) مؤسسي". 

أبرمت شركة Vectrus Systems، وهي شركة لوجستيات مقرها كولورادو سبرينجز، أكثر من 800 عقد بقيمة تزيد عن 17 مليار دولار منذ 2007. ومن ضمن هذه العقود، عقد تصل قيمته إلى 37.8 مليون دولار، لتوفير خدمات التدبير المنزلي للجيش الأمريكي في السعودية. 

ورفع عدد من الموظفين السابقين في Vectrus دعوى قضائية ضد الشركة في عام 2015، زاعمين أنهم واجهوا انتقامًا وطردوا بشكل غير قانوني، لأسباب من ضمنها الإبلاغ عن الاتجار بالعمالة في قاعدة العمليات المتقدمة العسكرية "شانك" بأفغانستان. 

وحكمت محكمة فيدرالية للمدعين بتعويض يبلغ أكثر من 1.5 مليون دولار، ورفض قاضٍ فيدرالي محاولة Vectrus عقد محاكمة جديدة. وبعد الاستئناف، تمت تسوية القضية مقابل مبلغ لم يُكشف عنه. ولم تعترف الشركة بارتكاب أية مخالفات.

إلا أنها لم تكن المرة الأولى التي تواجه فيها الشركة مثل هذه الادعاءات، فقبل ست سنوات، اتصل مشتكٍ مجهول بالخط الساخن لمكافحة الاتجار بالبشر في مكتب المفتش العام بوزارة الدفاع. ادعى المتصل أن شركة متعاقدة من خلال Vectrus وظفت عمالًا بوعود كاذبة، وامتنعت عن دفع رواتبهم، وفق تقرير صادر عن وزارة العدل. 

تمت إحالة القضية إلى دائرة التحقيقات الجنائية التابعة لوزارة الدفاع، ولكن لم يتبين كيف تمت تسويتها. قالت الشركة "نحن نُقدِّر كل العاملين، ونعاملهم بكرامة واحترام". وأضافت أنها تلتزم بقوانين العمل، وتطلب من الشركات المتعاقدة معها الالتزام أيضًا.

أما شركة الأمن الخاصة Aegis Group، فأبرمت هي الأخرى العديد من التعاقدات مع البنتاجون، وحصلت على أكثر من 95 عقدًا منذ 2011 بقيمة أكثر من 830 مليون دولار، خصصت أغلبها لتوظيف رجال أمن. 

تحدث لوسامبو كريم، العامل الأوغندي الذي يبلغ من العمر 50 عامًا، لـNBC News عن الانتهاكات التي تعرض لها عندما كان يعمل لدى الشركة في أفغانستان في الفترة ما بين 2018 و2020. 

صورة كريم على موقع وزارة الدفاع الأمريكية، ضمن الناجين من الاتجار في البشر

يقول كريم إنه دفع رسوم توظيف، وكان ينام في مبنى متهدم يفتقر لمكيف هواء رغم درجات الحرارة المرتفعة، وأُجبر على العمل من دون عقد، ما حال دون حصوله على رعاية صحية في منطقة حرب، "كان الأمر مأساويًا، العمل في أفغانستان سيئ جدًا جدًا جدًا". 

تقول GardaWorld التي تملك Aegis إن كريم لم يفهم تفاصيل عقده جيدًا، وإنه فيما بعد غادر عمله أثناء فترة دوامه. 

البنتاجون يعرف عن كريم. 

ظهر كريم هذا الصيف في مقطع فيديو نُشر على موقع وزارة الدفاع. كان جزءًا من سلسلة بعنوان "أصوات الناجين من الاتجار بالبشر"، أعدها مكتب إدارة برنامج مكافحة الاتجار بالبشر، وهي إحدى الوكالات العسكرية الرئيسة التي تحاول الحد من الانتهاكات.

فيديو كريم على موقع البنتاجون


وكتبت الوكالة التابعة للبنتاجون في مقدمة السلسلة "نحن ممتنون لهؤلاء الناجين الذين كرسوا وقتًا لمشاركة قصصهم".


*أنتج هذا التحقيق بواسطة موللي بويجون، أندرو ليرين، لورا ستريكلر، كورتني كيوب، أنا شيكتر زيجلر، يوسف الشماري.

وهو  إنتاج مشترك بين NBC News، والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ)، وصحيفة واشنطن بوست، وإعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج)، وراديو WGBH بوسطن، والمركز الفليبيني للصحافة الاستقصائية، وبرنامج التقارير الاستقصائية بجامعة كاليفورنيا، بركلي. وتنشره المنصة باتفاق خاص.