الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

مترجم | مظاهرات "تحرير سيناء" وخطأ السيسي الأخير

منشور الثلاثاء 26 أبريل 2016

 عن معهد بروكينجز 

سارة يركس؛ باحثة زائرة بمركز سياسة الشرق الأوسط 


شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس حركة احتجاجية ضد طريقة إدارته للحكم، هي الأكثر غضبًا وصخبًا منذ توليه السلطة إثر انقلاب عسكري في عام 2013. تجمع المصريون في مسيرات داخل العاصمة المصرية القاهرة والمحافظات ورددوا بعضًا من شعارات ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، مثل: "الشعب يريد إسقاط النظام"، "يسقط حكم العسكر".

لم تخرج هذه الاحتجاجات بطريقة عفوية، ولكن خُطط لها، وأُعلن عنها يوم 15 أبريل/ نيسان، فيما عُرف بـ "جمعة الأرض"، إذ خرج آلاف المصريين إلى الشوارع احتجاجًا على أحدث قرار ضمن سلسلة من قرارات السيسي المثيرة للجدل، وهو اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وإعلان جزيرتي تيران وصنافير في المياه الإقليمية للمملكة، هذه القرارات تفتّ، ببطء وثبات، في عضد هيكل النظام القوي والداعم للسيسي، سواء داخل البلاد أو خارجها.

خلال الزيارة الأخيرة لعاهل السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، أعلنت الحكومة المصرية أنها وافقت على نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى السعودية. تزامن هذا القرار مع توقيع البلدين اتفاقية نفط ومساعدات بقيمة 22 مليار دولار، هذا الذي سيكون له مردود سريع لإيقاف نزيف الاقتصاد المصري المهتريء.

اقرأ أيضا.. 25 إبريل في لقطات.. الدهس للمعارضين والكلاب البوليسية في خدمة المؤيدين

ومجددًا وعن طريق هذا القرار، يقلل السيسي وحكومته بشكل دراماتيكي من تأثير طريقة إدارتهم للحكم على التدمير الذاتي الذي يقومون به. وكما قالت زميلتي تمارا ويتس فإن "حكام مصر يواصلون وضع العقبات في طريق التعاون بين واشنطن والقاهرة"، ولكن الأسوأ من سلوك قادة مصر المدمر لعلاقاتهم الخارجية، هو الضرر الذي يجلبه السيسي لسمعته داخل مصر.

 

إلى الشوارع.. مجددًا

 

في أعقاب الإعلان عن القرار الأخير، غرّد المصريون على موقع تويتر بهاشتاجات سرعان ما صارت الأعلى تداولًا، منها "ارحل" و"لم انتخب السيسي". ورفع محامون دعاوى قضائية في المحاكم المصرية اعتراضًا على الاتفاقية، كما خططوا لمظاهرة كبيرة بالتزامن مع عيد تحرير سيناء.

لكن المظاهرات التى انطلقت أمس ليست كسابق عهدها؛ في الوقت الذي خطط ونسق المحتجون المعارضون للسيسي للمسيرات، فإن النظام الحاكم فَعَل المثل، إذ نظم أنصار السيسي مظاهرات في ميدان التحرير، رمز الثورة، حاملين بفخر أعلام السعودية. بدورها، رسمت العروض الجوية للقوات المسلحة علم مصر في السماء. احتشدت قوات الأمن المصرية في وقت مبكر في جميع أنحاء القاهرة الكبرى، مُغلِقة طرق الوصول إلى أماكن التظاهرالمعتاده مثل نقابتى الأطباء والصحفيين. وكان الهدف من الاستعراض الهائل للقوة ردع المواطنين من المشاركة في المظاهرات.

اقرأ أيضا.. ماذا يحدث في مصر قبل 25 إبريل؟

بدورها، استوعبت الحكومة المصرية بعض الدروس منذ سقوط مبارك. فقانون تنظيم التظاهر الصادر في عام 2013 يتطلب موافقة مسبقة من وزارة الداخلية على أي نشاط احتجاجي. وهو ما أعطى لرجال السيسي الضوء الأخضر، منذ الخميس الماضي، لاعتقال  مئات من الأشخاص والنشطاء الحقوقين، على خلفية التحريض على التظاهر، فيما لم يتعرض المحتجون المناصرون للسيسي لأي تضييق أمني.

وكما هو المعتاد، في تعامل النظام مع بزوغ مظاهرات ضده، ألقت قوات الأمن القبض على المتظاهرين والصحفيين وفرّقتهم بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطّي. ولكن بغض النظر عن النتيجة النهائية لأحداث أمس فعلى السيسي الحذر من تنامى الغضب الشعبي ضده.

تنظيم المظاهرات في عيد تحرير سيناء يحمل دلالات غاية في الأهمية، لأن التهديدات للقومية المصرية والسيادة الوطنية من أقوى محركات الغضب الشعبي، وبناء على ذلك استفاد الداعون إلى المظاهرات من حالة الغضب والإحباط في أوساط المصريين من مختلف الأطياف السياسية، فالغضب الذى عبر عنه المواطنون في الشوارع، وعلى شبكة الإنترنت، وفي وسائل الإعلام، يجب أن يدركه السيسي كإشارة حمراء على تدني شعبيته.

ومن الجدير بالملاحظة، أن السيسي هذه المرة لم يضايق فقط الإسلاميين أو فئات المعارضة السياسية الأخرى، ولكنه تصادم مع واحد من معاقل أنصاره المتبقين؛ المواطنين العاديين الذين ليست لديهم ميول سياسية، وهم الفئة التى وجدت في السيسي أفضل فرصة لتحقيق الاستقرار لمصر في ظل منطقة غير مستقرة، وبعد خمس سنوات من الاضطراب السياسي، ويبدون على استعداد دائم لغض الطرف عن انتهاكاته، فهم لا يعتقدون في تورط الأجهزة الأمنية المصرية في مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، كما أنهم يتفقون على أن التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية هو شكل من أشكال التدخل الغربي في الشؤون المصرية، ويبررون القمع الوحشي لحرية التعبير بالحفاظ على الأمن القومي.  ولكن الأمر ليس مشابهًا حين تعد الحكومة اتفاقًا سريًا للتنازل عن أرض مصرية، فذلك أمر لا يمكنهم أن يغضوا الطرف عنه كسابقيه.

 

القشة الأخيرة؟

 

مما يزيد الأمر سوءًا تداول تقارير صحفية تفيد بأن مصر تشاورت مع إسرائيل والولايات المتحدة قبل توقيع الاتفاقية. في حين لا تزال معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب سارية المفعول، لكن العلاقات الفعلية بينهما باردة في أفضل الأحوال.

فالاعتقاد بأن السيسي تشاور مع إسرائيل في الوقت الذى أخفى المشاورات حول نقل تبعية الجزيرتين إلى السعودية، يراه الكثير من المصريين كإهانة وخيانة لا تغتفر. في الوقت الذي تتوفر فيه معلومات قليلة جدًا حول توقيع الاتفاقية، فإن ما يهم هو اعتقاد الشعب المصري بأن الرئيس خدعه.

وبالتالي قد يصبح قرار نقل ملكية الجزر إلى المملكة العربية السعودية المسمار الأخير في نعش السيسي. فعلى مدار الأشهر الماضية خسر السيسي أركان أخرى من دعم نظامه، منهم  الثوار العلمانيون، الذين أيدوا وصول الجيش إلى السلطة، و انقلبوا على الرئيس السابق محمد مرسي، بدعوى أنه أفسد الثورة. ولكن الحملة المستمرة على الصحفيين المصريين ومنظمات المجتمع المدني، أسفرت عن تغيير موقفهم من السيسي. وفيما ينهار الاقتصاد المصري، بدأت طبقة الأثرياء تنظر بعين الشك إلى السيسي، رغم أن هذه الطبقة صدقت في وقت سابق وعوده بتنمية الاقتصاد وحماية ثرواتهم. 

ليست المشكلة فقط في أن أنصار السيسي ينفضّون من حوله، ولكن حتى تبريراته بدأت تنفد؛ دافع عن قراراته منطلقًا من نظرية المؤامرة، وتحدث أمام جمع من الشباب عن خطة "شريرة" لزعزعة استقرار مصر من الداخل، بالتزامن مع الاحتجاجات التي انتشرت في أنحاء مصر في 15 أبريل.

ولكن لسوء حظ السيسي فلا يوجد "مخطط"، فما حدث في 2011 لم يكن مؤامرة غربية كما تشير بعض نظريات المؤامرة المصرية، فالذي أطاح بمبارك هو الشعب المصري الذي ضاق من قراراته التي كانت تستهدف تعزيز سلطته والذي كان يرفض الإصلاحات الديمقراطية. 

لو كان مبارك أو مرسي أمضيا المزيد من الوقت في الاستجابة لمطالب الشعب بدلًا من قمع المعارضة، لظل واحد منهما على الأقل في منصبه، فالسيسي الذي يسير على درب أسلافه إلى حد كبير، لا يدرك أن الخطر الذي يهدد استقرار حكومته لا ينبع من مؤامرة خارجية أو مخطط داخلية، وإنما من طريقة إدارته للحكم.