الموقع الرسمي للوزارة
وزير التربية والتعليم د. طارق شوقي من لقاء بمسؤولي الوزارة

إلغاء التشعيب في الثانوية العامة: وزارة لا تعرف شيئًا عن الغد

منشور الثلاثاء 24 مايو 2022

 

تسيطر على بسنت أشرف، الطالبة بالصف الثاني الثانوي العام، حالة من الندم لأنها تعاملت مع كلام الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، حول إلغاء التشعيب ابتداءً من العام المقبل، بجدية كبيرة.

عندما أعلن وزير التعليم، في شهر يونيو/ تموز من العام الماضي، أي قبل بدء العام الدراسي الحالي بثلاثة أشهر، إلغاء التشعيب في الثانوية العامة بدءا من العام الدراسي الجديد، 2022- 2023، صُدمت بسنت، فهي لا تُحب الرياضيات ودائما ما تحصل فيها على درجات ضعيفة، ويعني إلغاء التشعيب بالنسبة إليها دمج مواد العلمي علوم مع العلمي رياضة في شعبة واحدة، ما دفعها، وفي ظل تأكيدات الوزير المتتالية، إلى دخول القسم الأدبي، على عكس ما كانت تتمنى وتحلم طوال طفولتها.

كانت بسنت تتابع أخبار التشعيب على فترات متقاربة، لعل الوزير يتراجع عن موقفه ويقرر تأجيل التطبيق إلى فترة لاحقة، لكنها في كل مرة تقرأ تصريحاته التي يتحدث فيها عن أن دفعة الصف الثاني الثانوي (التي تدرس فيها بسنت)، ستكون الأولى التي يطبق عليها إلغاء التشعيب، ولا رجعة في ذلك، يزيد استسلامها إلى قرار دخول القسم الأدبي، ويزيد كذلك يقينها بأن حلم التحاقها بإحدى كليات الطب صعب المنال.

يدرس طالب الصف الأول الثانوي، جميع المواد الدراسية العلمية والأدبية، وعندما يصعد للصف الثاني فإنه يختار ما بين القسمين العلمي والأدبي، وفي الصف الثالث تكون هناك ثلاث شُعب، إما العلمي علوم، أو العلمي رياضة، أو الأدبي، ولكن لا يحق للطالب الذي اختار القسم الأدبي في الصف الثاني، أن يدخل شعبة علمية في الصف الثالث، بل يستمر بشعبته الأدبية، ويقتصر الاختيار بين العلمي رياضة والعلمي علوم في الصف الثالث، على من اختاروا القسم العلمية بالصف الثاني.

ووفق القرارات الوزارية المنظمة للثانوية العامة، فإن "آخر موعد لاختيار القسم في الصف الثاني الثانوي، يكون قبل امتحانات الترم الأول مباشرة أي في نهاية ديسمبر/ كانون الأول من كل سنة"، بمعنى أن الطالب الذي اختار القسم الأدبية سيظل فيه دون تغيير حتى يتخرج من الثانوية العامة، وبالمثل من اختار العلمي.

تقول بسنت للمنصة "كان عندي أمل لآخر لحظة إن الوزير يغير كلامه، وفضلت لحد آخر شهر 12 اللي فات منتظرة ده، وكنت متمسكة بحلمي إن التشعيب يستمر وأقدر اختار القسم العلمي، والسنة الجاية (في 3 ثانوي) أختار علمي علوم، لأني عارفة لو حصل وتم إلغاء التشعيب إني هسقط، لأني فاشلة في الرياضيات، ومستحيل كنت همشي فيها لما التشعيب يتلغي، فاخترت الأدبي وأنا مقهورة وكنت بعيط وأهلي ساعدوني إني أتأقلم على الوضع وأشوف لي حلم تاني غير الطب".

في 24 إبريل/ نيسان الماضي، أي بعد مرور نحو شهرين على انتهاء الفصل الدراسي الأول وإغلاق باب التسجيل في الشُعب، خرج الوزير في مداخلة هاتفية مع برنامج الحكاية الذي يقدمه الإعلامي عمرو أديب، ليعلن أن الوزارة قررت تأجيل تطبيق قرار إلغاء التشعيب لعامين، وربما ثلاثة، لحين تطوير مناهج الصفوف التي تسبق المرحلة الثانوية، ثم يتم الدخول على المناهج الثانوية لتطويرها قبل إلغاء التشعيب.


اقرأ أيضًا|الثانوية العامة علمي فقط أو أدبي: "الكلام كويس" لكن التنفيذ...؟

 


الخدعة الأكبر

تستعيد بسنت وقع صدمة ما بعد تصريح شوقي "مكنتش مستوعبة اللي بيحصل، وحسيت إني اتخدعت أكبر خدعة في حياتي إني صدقت الوزارة، وغيّرت مسار حياتي كلها لما تسرعت وأعلنت إلغاء التشعيب، وبعدين تقرر استمراره، لكن بعد فوات الأوان، بعد قرار غلق باب التحويل من أدبي لعلمي، والعكس، ولما رحت المدرسة علشان أحوّل قالولي خلاص مبقاش ينفع، كان لازم الكلام ده في الترم الأول، فعلًا حسيت بمرارة وقهر محدش يقدر يستحملهم، لأني كنت راسمة لنفسي أي كلية من المجموعة الطبية لما أدخل علمي علوم".

حالة بسنت ليست فردية، بل مثال على أزمة يعيشها كثير من طلاب الثانوية العامة، ممن يدرسون في الصف الثاني الثانوي تحديدًا، ويقدر عددهم بـ 586 ألفًا و675 طالبًا وطالبة، بينهم من اختار الشعبة الأدبية هربًا من الرياضيات لأنه لا يستهويها ويرفض دمجها للأحياء، مثل بسنت، وآخرون اختاروا الشعبة الأدبية هربا من الأحياء، وباقي المواد العلمية، لأنهم يفضلون الرياضيات، لكن كل هؤلاء غيروا مسار تعليمهم لشعبة أخرى على وقع التصريحات التي أطلقها الوزير طارق شوقي في يونيو/ حزيران من العام الماضي.

ويرفض الكثير من الطلاب وأولياء الأمور في الثانوية العامة، إلغاء التشعيب لأنه سيدمج المواد العلمية والرياضية معًا، رغم أن ميول الطلبة مختلفة، فهذا يحب المناهج العلمية ويكره الرياضية، والعكس، فيما ترى الوزارة أن ذلك جزءًا من التطوير في المرحلة الثانوية، كما أن إلغاء التشعيب سيفتح الباب أمام الطلاب لدخول أي كلية علمية أو رياضية، بعد دمج الشعبتين معًا، لكن هذه المزايا لا تلقى رواجًا عند الطلاب وأسرهم، خشية أن تكون الشعبة العلمية تعجيزية، عندما يتم دمج المناهج العلمية والرياضية معًا.

ولم يكن هناك تشعيبًا في الثانوية العامة حتى عام 1994، وكان الاختيار مقتصرًا على العلمي والأدبي فقط، لكن صدر قرارًا في العام ذاته، بأن يتم تطبيق نظام التشعيب ليكون أمام الطالب الاختيار بين العلمي علوم والعلمي رياضة، فيما يؤمن الوزير طارق شوقي بأن دراسة الطالب للمواد العلمية والرياضية معًا في الثانوية العامة، مطلوب في الجامعة، لأنه يجب أن يكون ملمًا بكل العلوم باعتبارها صارت مرتبطة ببعضها، ولا يوجد انفصال بينها، وتلك كانت الرؤية الخاصة بإلغاء التشعيب في المرحلة الثانوية.

ترى الدكتورة بثينة رمضان، أستاذة البحوث التربوية بجامعة القاهرة، أن ما يحدث مع طلاب الثانوية العامة في ملف التشعيب قمة الضبابية وانعدام الشفافية والخطط المستقبلية، فلا توجد وزارة لا تعرف ماذا ستفعل غدًا، خاصة وهي مسؤولة عن مستقبل ملايين الطلاب، مضيفة للمنصة "مش معقول يكون سهل على الوزارة إنها تكون سبب في تغيير طموح ومستقبل وأحلام شريحة من الطلاب، ولو طالب واحد فقط، الوضع ده مش هيتغير إلا لو كان فيه محاسبة من الحكومة ضد أي مسؤول يتلاعب بالقرارات، لأن الملايين بتاخد قرارات مصيرية بناء على كلامه".

لا تعرف بسنت، ولا زملاؤها الذين وقعوا في ورطة اختيار شعبة لا تتناسب مع طموحاتهم المستقبلية، تعليميًا ووظيفيًا، كيف التصرف الآن بعد قرار الوزارة باستمرار التشعيب، لكن مصدرًا مسؤولا بوزارة التربية والتعليم، وهو قيادي بقطاع التعليم الثانوي تحدث للمنصة شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث للإعلام، قائلًا "مفيش غير حل واحد، إن الطالب اللي في الصف الثاني الثانوي يعيد السنة من أول وجديد، علشان يقدر يختار شعبة تانية، غير كده لازم يكمل في الشعبة اللي اختارها، لما يروح 3 ثانوي".


اقرأ أيضًا| على أنقاض الثانوية العامة: التعليم الفني كملاذ آمن

 


عبث ممنهج

رغم أن الحل الذي يفترضه القيادي التعليمي يعني تخلي الطالب عن سنة من عمره في مقابل الرهان على شيء قد يدركه أو يخفق فيه، فإنه ما يزال حلًا صعبًا، حيث إن هؤلاء الطلاب خاضوا فعلًا ثلث عدد مواد امتحانات نهاية العام الدراسي بالصف الثاني الثانوي، ما يعني أن معظمهم نجح بالفعل، وهو ما يؤكده القيادي التعليمي قائلًا "اللي دخل الامتحانات في مواد الشعبة (جغرافيا، تاريخ، وهكذا) في الترم التاني، مش هينفع يعيد السنة، لأن القانون بيمنع الطالب من كده، لكن اللي مدخلش الترم التاني، أو دخل في مواد معينة وهيأجل الباقي من حقه يغير شعبته السنة الجاية، وبدل ما كان في علمي يروح أدبي والعكس".

لكن نيفين حمدي، وهي ولية أمر طالبة بالصف الثاني الثانوي، تحدثت للمنصة واصفة هذا الوضع بـ "العبثي"، معللة ذلك بقولها "يعني إيه الطالب يتحمل غلط وزارة هي مش عارفة ناوية تعمل إيه وإمتى وإزاي، أنا بنتي دخلت أدبي علشان بتكره المواد العلمية، هي ذنبها إيه إن الوزارة هتلغي كل الكلام ده وتسيب كل حاجة زي ما هي. المطلوب يطلع قرار يسمح للطالب لما يروح 3 ثانوي عام، يختار الشعبة اللي هو عايزها، طالما اختار شعبة غصب عنه، ليه بنتي تضيع سنة من عمرها وتعيد علشان تحاسب على قرارات غلط".

من جهته، ينفي القيادي التعليمي مسؤولية وزارة التربية والتعليم المباشرة في إبقاء التشعيب من عدمه، مؤكدًا "إلغاء أو استمرار التشعيب هو قرار المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، يعني الموضوع مش محتاج قانون، لكن فكرة إتاحة تغيير الشعبة في 3 ثانوي دي صعبة جدًا، إلا لو البرلمان كان له دور في الموضوع وناقش القضية، والوزارة اقتنعت، والمجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي اقتنع، وقتها ممكن ده يحصل".

لا تنكر الأم نيفين، أن ابنتها تعيش حالة نفسية بالغة السوء، منذ أعلن الوزير طارق شوقي التراجع عن إلغاء التشعيب، فهي منذ طفولتها كانت تطلب من الجميع تسميتها بالمهندسة إيمان، فوالدها يمتلك شركة مقاولات تعمل في الإنشاءات المعمارية، وتحلم بكلية الهندسة حتى تتخرج وتعمل معه، وأبوها كان يتمنى الأمر نفسه لابنته، لتصبح مسؤولة معه بالشركة، ومستقبلًا تتولى إدارتها، لكنها اختارت الشعبة الأدبية لقناعتها بأنها لن تستطع الحصول على مجموع في العلمي بعد قرار إلغاء التشعيب.

تقول الأم للمنصة "لما سألت بنتي، قالتلي يا ماما أنا عندي عقدة من العلوم، واللي بيحصل في الامتحانات من أسئلة تعجيزية وارتباك وتغيير القرارات باستمرار، ممكن معرفش أدخل حتى كلية هندسة خاصة بفلوس، كانت فعلًا محبطة وحزينة ودماغها واقفة عن التفكير، ونجحت أنا وباباها إننا نخرجها من الحالة النفسية دي، ودخلت الأدبي وهي مش عارفة هتعمل بيه إيه، ولا تمشي فيه إزاي، بس كان بالنسبة ليها أهون من المواد العلمية اللي كان ممكن تسقط فيها، لكن للأسف الوزير تراجع بعد وقف التحويلات بين الشُعب وكانت دي صدمة أكبر".

يؤكد القيادي التعليمي أن التراجع عن إلغاء التشعيب سببه أن الوزارة أدركت صعوبة انتهاء المركز القومي للمناهج من إنجاز مهمة تغيير مناهج الصف الثالث الثانوي ودمج العلمي علوم مع العلمي رياضة قبل بداية العام الدراسي الجديد، لأن هذا يحتاج وقتا وجهدًا كبيرًا جدًا، مضيفًا "كان لازم هيحصل تطوير في الشعبة الأدبية كمان، يعني المناهج دي كلها كانت هتتغير، والمفروض يتم الانتهاء منها قبل بداية العام الدراسي الجديد، مع بدء تطبيق إلغاء التشعيب، كان فيه مواد هيتم دمجها، ومواد هتتلغي، وده محتاج تخطيط على الأقل سنتين تلاتة، لكن الخوف كان من عدم إنجاز كل ده، فتقرر التراجع عن إلغاء التشعيب واستمراره".

وعلّقت الدكتورة بثينة عبد الرؤوف على ذلك، بقولها "هذا تخبط غير معقول وتلاعب خطير في قيم الولاء والانتماء عند الشباب في الثانوية العامة، وهذه مرحلة شديدة الخطورة، لأن الطالب يشعر بأنه فأر تجارب، لا وضوح ولا شفافية ولا خطط مستقبلية، واستمرار هذا الوضع ينتج عنه جيل كاره للمجتمع، والمشكلة أن هؤلاء المراهقين يأخذون صورة سلبية عن الحكومة، لأن التربية والتعليم جزء منها، وهنا نتحدث عن قيمة الانتماء والنظرة المهتزة والمشكوك فيها تجاه أي مسؤول".

لا تنكر بسنت، أنها والكثيرون من زملائها يشعرون بأنهم فعلًا صاروا فئران تجارب لقرارات تعليمية غير مدروسة، وكأن ذلك مقصودًا، وإلا كانت هناك محاسبة للمسؤول الذي يتلاعب بالطلاب، لكنها لا تزال تتذكر كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما أبدى تحفظه على كثرة دخول الطلاب للكليات الأدبية، كالحقوق والآدب والجغرافيا، رغم أن سوق العمل لا تحتاج لهم، معلقة على ذلك "أدينا دخلنا أدبي وهندخل حقوق وآداب وجغرافيا اللي الريس رافضهم، بسبب وزارة التعليم، هل هذا يقبله الرئيس"؟