فليكر برخصة المشاع الإبداعي
جرافيتي لطفل

"الحقيني يا دكتورة ابني مش بيتكلم": كل ما تريد أن تعرفه الأم عن النطق عند الأطفال

منشور الثلاثاء 9 فبراير 2021

لا تكاد تخلو عيادة تخاطب من أم تحمل طفلها في ذعر بينما تسجل شكوى، صارت من كثرة تكرارها اعتيادية: "الحقيني يا دكتورة ابني عنده سنتين ومش بيقول ولا كلمة".

في أي بيت ثمة طفل متأخر في الكلام، أو مصاب بإحدى المتلازمات الشهيرة كالتوحد أو فرط الحركة وتشتت الانتباه، وهي ظواهر كفيلة بإثارة القلق والخوف داخل المنزل، لكنها مشاعر، رغم منطقيتها، قد تضر بالطفل وعائلته على السواء في حالة الجهل بطبيعة أعراض تلك الحالات، فيما يسهل الإحاطة ببعض المعلومات الطبية الصحيحة عنها، على الأم بالأخص، التعامل مع طفلها إذا لاحظت أعراضها عليه، أو تبث في قلبها الطمأنينة إن كان ما يظهر عليه مجرد أعراض تصاحب نموه الطبيعي.

ولعل فيما سنطرحه من إجابات لكثير من الأسئلة الشائعة التي تشغل بال الأمهات ما يقدم لهن بعض المساعدة.

ما السن الطبيعي للنطق؟ 

يبدأ الطفل في النطق في الفترة ما بين بلوغه تسعة أشهر إلى سنة ونصف، وينطق جملًا بسيطة تتكون في الأغلب من كلمة واحدة، لأن حصيلته اللغوية التي يستطيع جمعها لا تتعدى عشرون كلمة، مثل: ماما، بابا، أسماء إخوته، والموجودات من حوله.

ومن عمر سنة ونصف إلى سنتين، تصبح جملته أكثر تعقيدًا، فيضيف إليها كلمة أخرى، دون أن يربطهما بحرف عطف أو جر، كأن يقول: ماما مَمْ، أو ماما إمبو، بتلك البساطة، وتتسع حصيلته اللغوية لتضم من خمسين إلى مائة كلمة تقريبًا.

وبعد أن يدرك السنتين وحتى بلوغه ثلاث سنوات، فإنه يضيف إلى جملته كلمة ثالثة، ويستطيع أن يسجل في حصيلته اللغوية نحو خمسمائة كلمة، ثم يصير بعد تجاوز تلك السن حكاءً، ويقدر ساعتها على الإخبار بقصة جرت له أو سرد أحداث يومه وما رآه مثلًا أثناء التنزه أو في الحضانة أو عند أجداده.

ماذا يحتاج الطفل لكي ينطق في موعده الطبيعي؟

ثمة عوامل متعددة يجب أن تجتمع معًا حتى يستطيع الطفل الكلام في موعده الطبيعي وبشكل سليم، فيما قد يؤثر غياب إحداها على نمو الطفل وقدرته على النطق، وهذه العوامل، هي:

الحواس الخمس: يجب أن تكون حواس الطفل سليمة وتعمل بكفاءة ليستطيع الطفل النطق في موعده، وبخاصة حاسة السمع، حيث إن الطفل يحتاج إلى إدراك الكلمات بصوت واضح ونقي لاستيعابها وتعلمها ومن ثم نطقها، مثل الحاسوب يحتاج إلى مدخلات كي ينتج مخرجات.

لكن من المهم الانتباه إلى أن ضعف السمع ينقسم إلى نوعين: توصيلي وحسي، والتوصيلي أمره بسيط إذ يعني أن هناك شيء ما يقف حائلًا في طريق الصوت مثل كتلة شمع كبيرة أو إفرازات كثيرة كما في حالات التهاب الأذن الوسطى، أما الحسي فيعني أن ثمة عيب في قوقعة السمع أو في العصب السمعي المسؤول عن نقل إشارات الصوت إلى المخ.

ولا يؤدي ضعف السمع التوصيلي إلى تأخر النطق، لكن إذا كان بالغ الشدة ولم يتم علاجه بصورة صحيحة فإن ذلك سيؤثر على نطق الطفل بالتأكيد.

ويتم اكتشاف ضعف السمع الحسي عبر ملاحظة أهل الطفل لمستوى سمعه، أو عن طريق رسم السمع الدوري، ثم تبدأ جلسات التخاطب لتحسين قدرته على النطق، إذا كان استجابته لها مثل الطفل صاحب الجهاز السمعي السليم، وإذا لم يستطع ذلك، نلجأ في تلك الحالة لتركيب سماعة للطفل أو جهاز قوقعة إن لم يستجب للأخيرة، مع البدء في جلسات التخاطب بالتزامن.

العامل النفسي: تؤثر حالة الطفل النفسية في قدرته على النطق، لذلك احرصي على إبعاد طفلك عن أي خلافات أسرية قد تشوه من تركبيه النفسى، ومن حين إلى آخر روحي عنه حتى ولو بمجرد التنزه حول المنزل، واحذري من الاستهانة به أو التقليل من العامل النفسي في تربيته حرصا على مصلحة طفلك وصحة تكوينه.

العامل البيئي: قد يكون ذلك العامل من أشهر أسباب تأخر النمو اللغوي عند الأطفال، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق، ويطلق عليه أطباء التخاطب اسم "الحرمان البيئي".

بيئة الطفل هي أمه وأبوه وأخوته والعناصر المتفاعلة معه، التي قد تتخلى عن دورها في التحدث والتفاعل معه لانشغالاتهم المختلفة، فتتركه فريسة للتلفاز والتابلت، فيما أطلق عليه اسم "جريمة توم آند جيري".

جرافيتي لسبايدر مان- الصورة: فليكر برخصة المشاع الإبداعي

الطفل في تلك السن يحتاج إلى تفاعل كل من حوله معه، حتى وإن لم يكن كلامه مفهومًا لديهم، أو لم يلقى كلامهم صدى عنده بالمثل، فيجب على ذوي الرعاية التحلي بالصبر والحرص على التفاعل والتحدث كثيرًا مع أطفالهم وتقليل تعرضهم إلى التلفاز إلى ساعة بحد أقصى مقسمة على مدار اليوم، وخلال ذلك الوقت، يجب عليه مشاهدة التلفاز والتفاعل معه، على سبيل المثال، عندما يشاهد الطفل الكارتون، فيجب أن تخبره أمه أو من يقدم له الرعاية أن هذا اسمه فأر وذلك قط، هذا لونه برتقالي وذلك أزرق.. وهكذا.


اقرأ أيضًا: تأديب الأطفال "المباح شرعًا": قتل يحميه القانون


ويؤدي الحرمان البيئي إلى أعراض تتشابه مع أعراض متلازمة التوحد، مثل عدم الالتفات لنداء الأهل أو عدم النظر في أعينهم، وكذلك الانعزال، مما يصيب الأهل من الفزع خشية أن يكون طفلهم مصابًا بالتوحد، لكنه في الحقيقة، وفي أغلب الأحيان، يكون تشخيصه المبدئي هو "الحرمان البيئي"، وهو ما يتأكد بعد زوال الأعراض عند تقليل عدد ساعات مشاهدة التلفاز وزيادة التفاعل معه.

ماذا عن أخطاء النطق؟

أن ينطق الطفل في ميعاده دون تأخير لا يعني أنه سينطق الأحرف دون أخطاء، فخلال تلك السنين الأولى من عمره وحتى بلوغه عامه الرابع، تكون أخطاءه في نطق بعض الأحرف طبيعية، وقد تصحح تلقائيًا، لكن إذا تمادى الأمر وصاحبته أخطاء النطق بعد تجاوزه عمر الأربع سنوات فعليكِ زيارة عيادة التخاطب.

عامل آخر يفرق أيضًا

مستوى الذكاء من أكثر العوامل المؤثرة على نمو اللغة عند الأطفال، و يتراوح مستوى الذكاء الطبيعي للطفل بين تسعين ومائة وعشرة درجة، وهناك الكثير من الاختبارات المعدة لقياس ذلك المستوى ولعل أشهرها هو ستانفورد بينيه، لكن مستوى ذكاء الطفل يتغير بنموه، ويعتقد بعض الأهالي خطئًا أن مستوى الذكاء منخفضًا أو مرتفعًا سيلازم الطفل مدى حياته، في حين يلعب تدريب الطفل على قدرات ومهارات جديدًا عاملًا مؤثرًا في تطور ذكاءه من عدمه، لذلك يستطيع الأطفال أصحاب المستويات الأقل تنمية ذلك المستوى عن طريق جلسات تنمية القدرات ومساعدة مقدمي الرعاية لهم على اكتساب مهارات جديدة.

كذلك هناك بعض الأسباب التي قد تؤدي لانخفاض مستوى الذكاء عند الأطفال، يتعرض لها الطفل خلال فترة حمل أمه به أو أثناء عملية الولادة، أو بعدها.

 

جرافيتي لطفل- الصورة: فليكر برخصة المشاع الإبداعي

فيتأثر الجنين أثناء الحمل ببعض الأمراض التي قد تصيب أمه خلال تلك الفترة أو نتيجة ما تتناوله من عقاقير لعلاج تلك الأمراض، مثل مرض الحصبة الألماني الذي ينتقل إلى الأم التي لم تصب به طفلة ولم تُطعم ضده في الوقت نفسه، ومثل مرض شهير آخر يعرف بمرض القطط، الذي ينتقل عن طريق براز القطط المختلط بالأطعمة، لذلك على الأم التعامل بحرص مع اللحوم المصنعة التي تتناولها أثناء فترة الحمل مثل اللانشون والبسطرمة مجهولي المصدر، وعليها أن تراجع كذلك طبيب النساء والتوليد المختص إذا كانت تتعاطى أي نوع من العقاقير سواء لإصابتها بمرض مزمن يلزم معه تناول تلك العقاقير، أو لأي مرض طارئ أصيبت به أثناء الحمل.

وقد يسبب تعسر عملية الولادة، وبخاصة الطبيعية، في تعرض الطفل لاختناق لعدة دقائق ينخفض خلالها مستوى الأكسجين الواصل إلى المخ مما يؤدى إلى التأخر الذهني، لذلك يجب التنبيه دائمًا أن تكون الولادة في مكان مجهز مثل المستشفى أو الوحدة الصحية لإجراء الإسعافات اللازمة سريعًا وعدم تعريض الطفل لفترات طويلة من الاختناق بدون أكسجين.

كذلك قد يتعرض الطفل بعد عملية الولادة لخطر نقص الأكسجين الواصل للدماغ لأسباب متعددة، أشهرها خبطات الرأس الشديدة التي يصاحبها أعراض ارتفاع ضغط الدماغ مثل القيء الاندفاعي الذي يشبه انطلاق النافورة في وجهكِ، أو زغللة العين أو فقدان الوعي أو الصداع الشديد، إذا رأيتِ إحدى تلك العلامات على طفلك عليكِ بالإسراع فورًا إلى أقرب مستشفى لإجراء أشعة مقطعية على الدماغ والإسعافات اللازمة، أما في حالة عدم ظهور أي من تلك العلامات على الطفل، فعليكِ بمراقبته لبضع ساعات دون السماح له بالنوم، حتى لا يتعرض لخطر النزيف الداخلي والدخول في غيبوبة وهو نائم.

أيضا من أسباب تعرض الطفل للتأخر الذهني بعد الولادة، إصابته بالصفرا، التي تنقسم إلى نوعين يجب التفرقة بينهما جيدًا،: الصفرا الفسيولوجية أو الحميدة غير المؤذية، وتظهر في خلال اليوم الثاني أو الثالث من عمر الطفل، وتكون نسبتها قليلة ويمكن الشفاء منها عن طريق الرضاعة المشبعة للطفل والمتابعة مع الطبيب المختص، أما النوع الثاني فهي الصفرا غير الفسيولوجية، وتظهر في اليوم الأول من عمر الطفل وتكون نسبتها عالية للغاية، حيث تتكون في الدم مادة تعرف بـ"البليروبين" وهي قادرة على عبور الحاجز بين الدم والمخ لتترسب على الأخير، وتؤدي إلى إصابة الطفل بتأخر ذهني، لذلك يجب المتابعة مع طبيب حديثي الولادة عند إصابة الطفل بالصفرا للتفرقة بين النوعين وسرعة التدخل لعلاجه.

هل إصابة الطفل بالحمى أو ارتفاع الحرارة الشديدة قد يؤدي للتأخر الذهني؟

 الإجابة: نعم.

يجب أن يتوفر ترمومتر في كل منزل لقياس درجة الحرارة، ويفضل عند قياسها وضعه تحت إبط الطفل مع إضافة نصف درجة على القراءة، وعند اكتشاف إصابة الطفل بالحمى فإن هناك إجراء غاية في الأهمية قبل التوجه للطبيب، وهو استخدام كمادات الماء البارد، ولكن على الأم الانتباه إلى أن وضع الكمادة على جبهة الطفل خطأ شائع، حيث إن الهدف الأساسي من التبريد هو حماية الشرايين الأساسية المحملة بالدم المخالط للأكسجين المتجه إلى المخ، و تلك الشرايين لها أماكن محددة ولها الأولوية كذلك فى التبريد والحماية، وموجودة على جانبي الرقبة وتحت الإبط وبين الأرجل.

كذلك يمكن تعريض نصف جسد الطفل السفلي إلى الماء الفاتر، واحذري عند اتخاذ تلك الخطوة إضافة ثلج إلى العملية أو تعريض جسد الطفل بأكمله للماء لأن ذلك قد يصدم جهازه العصبي.

وأخيرًا عزيزتي الأم، أرجو أن أكون قد استطعت التعبير بما يكفي عن ما يشغلك من أسئلة تخص العوامل المؤثرة في نطق طفلك وكيفية التعامل مع تأخره والوقاية منه، لكن لغة الطفل أمر يطول الحديث عنه، وليس سرعة النطق أو تأخره موضوعه الوحيد، وإنما قد تتسع لنا الفرصة لاحقًا لمناقشة الكثير حول تلك اللغة وسبل تطويرها.