من مسيرة تطالب بالإفراج عن علاء عبد الفتاح عام 2011. الصورة لحسام الحملاوي برخصة المشاع الإبداعي

قوائم الإرهاب: ضمانات دستورية غائبة ومصطلح يفقد معناه

منشور الأربعاء 25 نوفمبر 2020

 

شعرت نعمة هشام ببعض التفاؤل عندما تلقت مكالمة من دفاع زوجها المحامي الحقوقي محمد الباقر، المحبوس احتياطيًا على ذمة إحدى قضايا "الانضمام لجماعة إرهابية"، ولكن سرعان ما تبدد الأمل عندما أبلغها بأن زوجها وضع على ما يسمى "قوائم الإرهاب" مع 26 اسمًا آخر أبرزهم المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب القوية عبد المنعم أبو الفتوح ونائبه محمد القصاص والمبرمج والناشط السياسي علاء عبد الفتاح. 

قرارات الإدراج على هذه القوائم الإرهابية، وفقًا لقانون صدر في فبراير/ شباط 2015 تحوم الكثير من الشبهات حول دستوريته، تصدر من محكمة الجنايات بناء على طلب من النائب العام يستند إلى بعض التحريات التي يجريها قطاع الأمن الوطني في وزارة الداخلية، ثم تقدر المحكمة مدى جدية الطلب وتصدر قرارها إما بالموافقة أو الرفض، دون أن تتاح الفرصة أمام المدرجين على هذه القوائم للدفاع عن أنفسهم.

ويرتب الإدراج على هذه القوائم عدة آثار منها التحفظ على أموال المدرجين ومنعهم من السفر، وفصلهم من أعمالهم إذا كانوا موظفين حكوميين، وإسقاط العضوية في النقابات المهنية. 

ووافقت الدائرة 28 بمحكمة جنايات برئاسة المستشار حسن فريد  يوم الاثنين الماضي على طلب النيابة العامة بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة "الكيانات الإرهابية"، وإدراج عبد المنعم أبو الفتوح وعلاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد القصاص والحسن خيرت الشاطر وأحمد أبو بركة وأحمد عبد الهادي ومحمود فتحي وأسامه سليمان وإبراهيم عطا وطارق السلكاوي ومحمود عامر وعبد الفضيل مبروك ومحمود أبو طالب وسلمان حمادة وعبد الجليل أبا زيد وأحمد سامي ومحمد شحاتة ومصطفى حجازي ومحمد عمرو وعبد الرازق المليجي ومحمد مبروك وأيمن رشاد وحسن البرنس ومحمد أبو السعود وعبده حسونة وأحمد نصر ومصطفى أشرف، على قائمة "الإرهابيين".

وفور إبلاغها بالنبأ، لم تصدق نعمة لوهلة ما يجري "مش عارفة أصدق الوضع اللي حاصل، محمد اتحط في قضية أولى عشان شغله كمحامي حقوق ومدافع عن حقوق الإنسان، ومش بس كده كمان اتحط في سجن شديد الحراسة 2، واتمنع من التريض أو الكتب أو كل حقوقه لمده سنة وشهرين، لحد ما بدأ يجيلنا أمل أن القضية خلاص يمكن تفك ويطلع، بس لقيناه بيدخل في قضية جديدة وهو محبوس، باتهامات جنونية، وبعد كده يتحط على قوائم الإرهاب، اللي هو مفيش كلام يتقال بجد"، حسبما أخبرت المنصة.

الباقر ألقي القبض عليه في سبتمبر/ أيلول 2019 من أمام المحكمة حيث كان يتأهب للحضور مع موكله علاء عبد الفتاح، ضمن حملة اعتقالات شنتها قوات الأمن عرفت إعلاميا بـ"قبضة سبتمبر" بعد دعوات المقاول محمد علي للتظاهر، ضمت العديد من الأسماء البارزة من بينها المحامية الحقوقية ماهينور المصري والصحفية سولافة مجدي وزوجها المصور حسام الصياد.

وفي أغسطس/ آب الماضي أعيد تدوير الباقر على ذمة قضية جديدة باتهامات مماثلة للاتهامات الموجودة في القضية الأولى، التي ما زال محبوسًا على ذمتها. الاتهامات في القضية الثانية تشبه كثيرًا اتهامات القضية الأولى؛ "الانضمام لجماعة إرهابية، والاشتراك في اتفاق جنائي بغرض ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب متمثلة فى نشر وإذاعة أخبار كاذبة، لبث مخطط عام في الدولة بغرض إشاعة الفوضى في البلاد".

وتتشابه القضيتان أيضًا في أن نيابة أمن الدولة العليا، التي توجه التهم، لم تحدد ما هي هذه الجماعة الإرهابية التي انضم إليها الباقر، كغيره من المحبوسين على ذمة الاتهام الموحد ذاته. 

مصطلح يفقد معناه

علاء والباقر جمعتهما الصداقة مثلما جمعهما الحبس والتهم، ليصبح خالد علي، المحامي الحقوقي والمرشح السابق في انتخابات الرئاسة، هو محامي علاء بعد حبس الباقر. 

يصف علي الوضع بأنه "مرعب"، موضحًا للمنصة "هم بيحطوا مجموعة أسماء كتير منها أسماء منتمية للإخوان وفي النص يحطوا اسم زي علاء مثلا، الوضع في الحقيقة مرعب، وقوائم الإرهاب كانت بتتم زمان مع المنتمين بشكل واضح لجماعة الإخوان، وحاليا بقت بتشمل أسماء من المجتمع المدني والقوى المدنية وكأنه نوع من أنواع الضرب للقوى دي".

أما بالنسبة لنعمة، التي لا تعرف حتى الآن كيف ستبلغ زوجها بالقرار الجديد الذي صنّفه كـ "إرهابي"، فإنها ترى أن "كلمة إرهابي اللي عمالة تتقال على الكل دي فقدت معناها أساسًا من كتر ما هي بتلم ناس مسالمين ملهمش علاقة بأي إرهاب".

الوضع لا يختلف كثيرا بالنسبة لأسرة علاء عبد الفتاح، الذي ترى والدته الدكتورة ليلى سويف أن "القرار مع علاء مش هيفرق كتير، أنا بس بفكر هنقوله إزاي أو هو ممكن يزعل لما يعرف ولا لأ، بس في الحقيقة القرار على أرض الواقع ملوش تأثير".

وتشرح الدكتورة ليلى في حديثها إلى المنصة "علاء معندوش أملاك أصلا ولا عنده وظيفة وبالنسبة للسفر فهو عليه حكم مراقبة لحد 2024 يمنعه من السفر، فتقديري إن القرار ده رسالة تخويف، وانهم لسه حاطينه في دماغهم، بس أنا بشوف إنها حاجة كويسة لأنها بتفكر الناس تاني بيه وبقضيته لما يتذكر اسمه تاني".

وتلفت سويف إلى "مفارقة صدور القرار من القاضي حسن فريد، وهو نفس القاضي الذي حكم على علاء بالحبس 5 سنوات" في القضية المعروفة إعلاميا بأحداث مجلس الشورى، وتنتقد "الطريقة كمان اللي بنعرف بيها القرار، وحشة قوي يعني محدش بيحضر جلسة ولا بيتبلغ وبنعرف فجأة القرار من الجريدة الرسمية".

ضمانات دستورية غائبة

وينتقد خالد علي الآليات التي يحددها القانون للإدراج على هذه القوائم، موضحًا أن "القانون أتاح للنيابة أن تقدم طلب الإدراج للمحكمة والتى تصدر قرارها بما لها من سلطة ولائية دون حضور المتهم أو محاميه ودون إعلانهما بالجلسة أو تمكينهما من الإطلاع على طلب النيابة ومرفقاته، ودون سماع أي دفاع منهما".

ويضيف "نعلم بالقرار من خلال النشر بالجريدة الرسمية، وللأسف هذا الأمر يعود لعيب في التشريع، فالنيابة تصدر قرارها كإجراء احترازي قائم على مجرد تحريات، والتحريات لا تفرق بين الأسماء".

 

وتطرقت أبحاث قانونية إلى أوجه عدم دستورية قانون الإدراج على القوائم الإرهابية، باعتبار أنه يهدم أصل براءة الإنسان بوضعه على قوائم الإرهاب استنادًا إلى شبهات ترد في تحريات الشرطة، وهي، بحسب الدستور، لا ترقى قانونًا إلى مرتبة الأدلة التي يمكن إدانة شخص بموجبها. 

هذا القانون أيضًا لا يوفر ضمانات المحاكمة العادلة التي يجب أن تكون علنية، وأن يتوفر فيها للمتهمين حق الدفاع عن أنفسهم في مواجهة ما يواجهونه من اتهامات. كما أنه يسمح بتطبيق نصوصه على وقائع حدثت قبل صدوره، بأثر رجعي.

وفي مارس/ آذار الماضي، أقرّ رئيس الجمهورية تعديلات على القانون تسمح بالتحفظ على أموال المدرجين وتجميد عضويتهم في النقابات المهنية ومجالس إدارات الشركات والجمعيات والمؤسسات، وأي كيان تساهم فيه الدولة أو المواطنين بنصيب ما، ومجالس إدارات الأندية والاتحادات الرياضية وأي كيان مخصص للمنفعة العامة، إلى جانب فقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية.

طعون طويلة الأمد

وإلى جانب شبهات عدم الدستورية التي تحوم حول هذا القانون، فإن إجراءات الطعن على القرارات الصادرة استنادًا إليه تأخذ وقتًا طويلًا، حسبما أوضح محامون.

المحامية هالة دومة تلفت إلى أن الطعن في قضايا الإدراج على قوائم الإرهاب "يأخذ وقتا طويلا لتحديد الجلسة"، ويتم الطعن على القرار أمام محكمة النقض، التي تنتهي في الكثير من الأحيان بالرفض، واستمرار وضع الأسماء على قوائم الإرهاب للمدة المحددة، وبموجب القرار تمنع الأسماء المحددة من السفر ويتم التحفظ على أموالها والعزل من الوظائف العامة إذا كان الشخص موظف عام أو الشطب من النقابات المهنية.

ويقول خالد علي، الذي أوضح أنه سيطعن على إدراج اسم علاء في هذه القائمة، إنه سيتم التقدم بالطعن على القرار في المدة القانونية وهي 60 يوما من إصدار القرار. ولكنه يذكر أيضًا بأنه "في قضية زياد العليمي مثلا لما أدرج اسمه في أبريل تم تحديد ميعاد للجلسة في فبراير، وده وقت طويل لنظر القضايا دي".

زياد العليمي وضع أيضا على قوائم الإرهاب مع عدد من المتهمين المحبوسين على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بـ"قضية الأمل" من بينهم رامي شعث نجل وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق نبيل شعث. وأيضًا نجم الأهلي ومنتخب مصر السابق محمد أبو تريكة الذي أدرج على هذه القوائم مرتين الأولى بقرار صدر 2017 مع 1528 شخصا آخرين وألغته محكمة النقض، والثانية عام 2018.

محكمة النقض أيضًا أصدرت في فبراير/ شباط الماضي، إلغاء إدراج أبو الفتوح، المرشح الرئاسي السابق، ورئيس حزب مصر القوية من على قوائم الإرهاب، وفي اليوم التالي عادت نيابة أمن الدولة العليا توجيه اتهامات جديدة له بقيادة جماعة إرهابية وارتكاب جريمة من جرائم التمويل، وقررت على إثره محكمة الجنايات إعادة إدراجه على القائمة نفسها مرة ثانية.

وفي الفترة من 2016 وحتى 2018 صدر 30 قرارًا بإدراج 6305 أشخاص على "قوائم الإرهاب".