وزيرا خارجية مصر واليونان أثناء توقيع اتفاقية تعيين المنطقة الاقتصادية للبلدين - الصورة من موقع وزارة الخارجية المصرية

حدود ساخنة: مصر واليونان ترسمان خطًا أحمر في مواجهة "الوطن الأزرق"

منشور الأربعاء 16 سبتمبر 2020

 

بعد أسبوع واحد من توقيع وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره اليوناني نيكوس دندياس مطلع الشهر الماضي اتفاقية تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدين، اصطدمت السفينة الحربية اليونانية ليمنوس بالسفينة التركية كمال رئيس وهي إحدى سفن الحراسة لسفينة المسح التركية أوروتش.  

هذا التصادم الحقيقي في عرض البحر جاء تاليًا لصدام دبلوماسي أعقب الاتفاقية التي أثارت جدلًا، إذ وصفتها الخارجية التركية بـ "الباطلة"، مؤكدةً على التزام أنقرة بالاتفاقية المبرمة مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا في ليبيا، ليرد المتحدث باسم الخارجية المصرية عبر تويتر قائلًا "بالنسبة لما صدر من الخارجية التركية بشأن الاتفاق الذي تم توقيعه اليوم لتعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان، فإنه لمن المستغَرب أن تصدر مثل تلك التصريحات والادعاءات عن طرف لم يطَّلع أصلًا على الاتفاق وتفاصيله".

بعد تحقيق المنصة السابق حول تفاصيل الاتفاق التركي الليبي لتقاسم كعكة المتوسط ضمن سلسلة حدود ساخنة التي ترصد صراع دول شرق المتوسط على مصادر الطاقة، نعود في هذا التحقيق لنكشف البنود الرئيسية لاتفاقية تعيين الحدود البحرية المصرية اليونانية من خلال الوثيقة الأصلية للاتفاقية التي حصلنا عليها باللغة اليونانية. 

كما نوضح الأسباب وراء عدم تورط مصر في الصراع التركي اليوناني من خلال استثناء جزيرة كاستيلوريزو -كعب أخيل كما يُطلق عليها- من الاتفاقية، وأخيرًا الأثر القانوني للاتفاقية على صراع اليونان وتركيا وقبرص ومصر. 

بدأ الصراع على خرائط الحدود في منطقة شرق المتوسط عام 2010، حينما أعلنت هيئة المسح الأمريكي تقديراتها عن احتياطات غاز كبيرة في هذه المنطقة. وحتى الآن ووفقًا لآخر التقديرات التي أجراها المركز البحثي والاستشاري Wood Mackenzie، فإن احتياطات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط تتجاوز 125 تريليون قدم مكعب. 

 

صورة ضوئية من نص الاتفاقية يتضح فيها توقيعا شكري ودندياس

صعوبات وحسن نية

قبل 15 عامًا، بدأت مصر واليونان التفاوض على ترسيم الحدود، وكان الخياران المتاحان أمامهما إما التفاوض وديًا أو اللجوء إلى التحكيم الدولي في حال فشلت المفاوضات.

الدكتور كونستانتينوس يالوريدس، زميل أبحاث آرثر واتس في قانون البحار بالمعهد البريطاني للقانون الدولي والمقارن، يقول "رغم أن المفاوضات أجريت بحسن نية بين مصر واليونان، إلا أن الطبيعة الجغرافية لليونان، إضافة لوجود دولة ثالثة (يقصد تركيا) في منطقة ترسيم الحدود، شكّل صعوبات قانونية وسياسية".

ويُضيف في تحليله المنشور بموقع المجلة الأوروبية للقانون الدولي EJIL "موقف مصر كان بسيطًا.. اعقدوا اتفاقًا مع تركيا، ثم أخبرونا أي اتفاق من الاثنين سنوقع عليه"، مشيرًا إلى أن اليونان لم تكن الوحيدة التي قدمت اتفاقًا لمصر، بل سبقتها تركيا في عام 2013، حين قدمت اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع الحكومة المصرية. 

ينقل الدكتور كونستانتينوس عن أستاذ القانون الدولي اليوناني أنجيلوس سيريجوس، أن رفع قضية ترسيم الحدود لمحكمة العدل الدولية يعدّ أفضل الحلول، لكن ذلك يحتاج لاتفاق بين مصر واليونان على تقرير مشترك لرفعه للمحكمة الدولية.

ويُتابع أن "إجراءات المحكمة الدولية تستغرق مدة تتراوح بين أربع إلى خمس سنوات، وهذا ضد مصلحة البلدين، خاصة بعد توقيع تركيا وليبيا مذكرة تفاهم في 2019 حول ترسيم الحدود بينهم"، وهو الاتفاق الذي تجاهل مصلحة اليونان - حسب وصفه- وبموجبه بدأت تركيا خطط التنقيب في المياه شرق المتوسط.

اتفاقية البنود الخمسة

تتكون الاتفاقية المصرية اليونانية التي حصلت المنصة على نصها باللغة اليونانية من خمس مواد، تنقسم المادة الأولى منها لخمس فقرات، أولها أن الاتفاقية تُحدد خطًا حدوديًا بحريًا جزئيًا بين البلدين، وأن الترسيم الكامل سيتم عند الضرورة بعد التشاور بين الدولتين، وفقًا للقانون الدولي للبحار. 

في حين تنص الفقرة الثانية على أن الخط الحدودي الذي يفصل المنطقة الاقتصادية الخالصة لكلا البلدين، يتكون من خمس نقاط (A-B-C-D-E) تبدأ من الشرق إلى الغرب، وفقًا لقائمة الإحداثيات الجغرافية المرفقة بالاتفاقية.

 

صورة ضوئية من الاتفاقية تبين الإحداثيات الجغرافية المرفقة

إلى ذلك، توضح الفقرة الثالثة أن الخط الحدودي الموقع عليه في الاتفاقية بين الدولتين ينحصر بين خطي الطول 26 و28 شرقًا، مع بيان هيدروغرافي ملحق بالاتفاقية بذلك. وتنص الفقرة الرابع على جواز مراجعة الإحداثيات الجغرافية في الاتفاق مع الترسيم المستقبلي للمنطقة الاقتصادية الخالصة للدول المجاورة.

 

خريطة ترسيم الحدود البحرية المرفقة في الاتفاقية- المصدر: نسخة الاتفاقية البحرية

وذكرت الفقرة الخامس، بأنه في حال دخل أحد الطرفين في مفاوضات بغرض تعيين منطقته الاقتصادية مع دولة أخرى تتقاسم مناطقه البحرية مع كلا الطرفين،  في إشارة لتركيا، فإن هذا الطرف وقبل الانتهاء من اتفاقه مع دولة ثالثة يجب عليه إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه.

وتُلزم المادة الثانية البلدين بالتعاون بشأن استغلال الموارد الطبيعية إذا كانت تمتد بين المنطقة الاقتصادية للبلدين. وتنص المادة الثالثة على الالتزام بحل أي نزاع من خلال التفاوض والوسائل الدبلوماسية.

بينما تحظر المادة الرابعة إنهاء أو سحب أو تعليق الاتفاقية بشكل انفرادي، وأنه حتى لو تم إلغاء الاتفاق فإن الحدود المتفق عليها تظل قائمة. كما تنص المادة الخامسة على ضرورة موافقة برلمان الدولتين عليها، لإضفاء الطابع القانوني، ومن ثم البحث حول إيداعها منظمة الأمم المتحدة.

لماذا اتفاق جزئي؟ 

يُوضح الدكتور كونستانتينوس يالوريدس، زميل أبحاث آرثر واتس، أن الاتفاقية اليونانية المصرية محدودة جغرافيًا، باعتبار أنها تتناول خمس نقاط جغرافية فقط، ولا تتضمن الطول الكامل للحدود البحرية المحتملة بين البلدين، ذلك أنه بحسب الاتفاقية، فإن الحدود المتفق عليها بين مصر واليونان تم تبسيطها إلى خمس نقاط جغرافية تقع بين خطي الطول 26 إلى 28 شرقًا.

 

تقسيم المنطقة الاقتصادية بين مصر واليونان بعد الاتفاقية - صورة برخصة المشاع الإبداعي 

ويقول "لم تُضمّن جزيرة كاستيلوريزو أو بحسب مسماها التركي ميستي أو مايس، بالإضافة إلى جزء صغير شرق ساحل جزيرة رودس، لتجنب المواجهة مع تركيا". متابعًا أن الجيوب التي تُركت في الاتفاق تتعلق بالترتيبات المستقبلية بين الجانبين مع دول أخرى -يقصد ليبيا وقبرص وتركيا– على اعتبار أن الدول الثلاث لها حدود مشتركة محتملة مع مصر واليونان.

إلى ذلك، يرى المحللان غاليا ليندنشتراوس وعوفير وينتر من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن اتفاقية مصر واليونان تُمثل دفعة إضافية للعلاقة بين البلدين، لمواجهة الخطر التركي في شرق المتوسط أو في الحرب الأهلية الليبية، ومحاولة لاحتواء الأزمة التركية.

ويُضيفان في تحليل منشور في أغسطس/ آب الماضي، أن مصر واليونان ليس لديهما أمل في الوصول لحل نهائي للمسألة التركية طالما ظل رجب طيب أرودغان ممسكًا بزمام السلطة ومتسمكًا بسياسته العثمانية الجديدة.


اقرأ أيضًا: حدود ساخنة: تفاصيل الاتفاق التركي الليبي لتقاسم كعكة المتوسط 

 


من جهتها، تقول الدكتورة إيميت جوزوغوزيلي، أستاذ مساعد بكلية الحقوق بجامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية بقبرص الشمالية، إن هناك فرقًا بين ترسيم الحدود Maritime delimitiation وتعيين الحدود maritime demarcation.

وتُضيف للمنصة عبر البريد الإلكتروني، أن هناك تمييزًا واضحًا بين تعيين حدود الجرف القاري بموجب المادة 83 من قانون البحار والمحيطات الصادر سنة 1982، أو تعيين الحدود بموجب المادة 76 من نفس القانون.  

المادة 76 تُعرف الجرف القاري بأنه قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد إلى ما وراء بحرها الإقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم الدولة البري حتى الطرف الخارجي للحافة القارية أو لمسافة 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي يُقاس منها عرض البحر الإقليمي أو قد تصل إلى 350 ميل بحري.. إلخ.

أما المادة 83، فتنص على أنه من حق الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتلاصقة التوصل إلى تعيين حدود الجرف القاري لها عن طريق الاتفاق على أساس القانون الدولي أملاً في التوصل لحل منصف.

وتُوضح إيميت أن تعيين الحدود البحرية عملية يتم إجراؤها بين دولتين أو أكثر لأن هدفها فصل المناطق المتاخمة المتداخلة، بعكس ترسيم الحدود البحرية إذ إنه ليس عملاً منفردًا، بل يجب إتمامه بالاتفاق بين الدول المعنية، مدللةً بتأكيد محكمة العدل الدولية على أنه "لايجوز لأي من تلك الدول ترسيم الحدود البحرية بين الدول ذات السواحل المتقابلة أو المتاخمة لها من جانب واحد". 

ولكن هل وضعت الجزر اليونانية في الاعتبار؟

 

صورة من القمر الصناعي للجزر اليونانية المنتشرة في البحر المتوسط وبحر إيجة - المصدر: خرائط جوجل

بعد فترة قصيرة من توقيع الاتفاقية اليونانية المصرية، صرح وزير الخارجية التركي بأن الاتفاقية تدعم الفرضية التركية القائلة بأن الجزر اليونانية ليس لها رصيف قاري Continental shelf، وبالتالي فلن تدخل ضمن صراع اليونان وتركيا على مياه بحر إيجة.

الرصيف القاري أو الحافة القارية هو امتداد حافة اليابس تحت الماء، وتُشكّل منطقة الرصيف القاري حوالي 8% من مساحة سطح البحار والمحيطات، وهي المنطقة التي تنحدر في اتجاه البحر وفي نهايتها تظهر منطقة الانكسار القاري Shelf Break التي يتراوح عمقها بين 120 إلى 200 متر.

 يُوضح نيكولاس إيونيدس الحاصل على الدكتوراة في القانون الدولي العام من جامعة بريستول البريطانية، أن ترسيم الحدود بين مصر واليونان تم على أساس الإحداثيات الجغرافية، لافتًا إلى أن قاعدة الخط الأوسط لم يتم ذكرها في أي مكان، وهو ما تم تأكيده من خلال تعيين الإحداثيات المذكورة على الخريطة.

ويقول في تحليل له إن تقلص تأثير جزيرتي كريت ورودس تسبب في استحواذ مصر على حوالي 55% من المساحة البحرية المحددة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، واليونان 45%، معتبرًا أن هذا يشكل خروجًا على موقف اليونان التي تُصر على استخدام خط المنتصف واعتماد التأثير الكامل للجزر التابعة لها. 

ويلفت نيكولاس إلى أن هذه أول اتفاقية تحدد فيها اليونان المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بها، إذ أن الاتفاقية الأخيرة مع إيطاليا مختصرة ولا تختص بتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة، وحتى التسوية مع ألبانيا عام 2009 لم تدخل حيز التنفيذ بعد. 

ويًتابع أن الاتفاقية أيضًا لم تنص على اللجوء لمحكمة العدل الدولية في حال نشوء نزاع، على عكس اتفاقية اليونان وإيطاليا التي نصّت على ذلك بشكل واضح.

ويعتقد نيكولاس، أنه رغم الإشارة إلى عدم تأثير الاتفاقية على إمكانية إبرام اتفاقية ترسيم بين قبرص واليونان، فإن روح الاتفاق تُبدد الحجة القائلة بأن جزيرة كاستيلوريزو والجزر الصغيرة الأخرى، يمكن أن يكون لها تأثير على ترسيم الحدود. بعبارة أخرى "هذه الاتفاقية تُعزز من حجج تركيا بعدم تأثير الجزر في عملية ترسيم الحدود".

 

صورة مقربة لجزيرة كاستيلوريزو - خرائط جوجل

فضلاً أنه لايمكن للاتفاقية الحالية إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود التركية الليبية، فهذا حق للأطراف المعنية فقط "ليبيا/ تركيا"، لكن الاتفاقية المصرية اليونانية جاءت رد فعل ضد الاتفاق التركي الليبي، بحسب نيكولاس. 

لكن الدكتور كونستانتينوس يالوريدس يرى أن النص والخريطة في الاتفاقية اليونانية المصرية يبينان أن الجزر تم وضعها في الحسبان في عملية ترسيم الحدود، موضحًا أن الترسيم جرى من على سواحل الجزر اليونانية.

ويتضح هذا من خلال النقاط التي رسمت منها الحدود على طول جزر كريت ورودس، بحسب يالوريدس، مضيفًا أنه بالنظر لموقع اليونان فإن الجزر تنشئ مناطق بحرية خاصة بها، لأنها مترابطة وتُمثل وحدة جغرافية.

ويعتبر يالوريدس أن الجزر اليونانية يمكن أن تؤخذ كنقاط أساسية للحد البحري، وبالتالي فهذا هو خط الوسط بين الجزر اليونانية وسواحل البر الرئيسي المقابل، مضيفًا أن اليونان تفترض أن بعض ارتفاعات المد والجزر وعزلة الجزر وعدم صلاحيتها للسكن قد يتم تجاهلها في عملية ترسيم الحدود.

كيف تُؤثر على صراع بحر إيجة؟ 

ترى الدكتورة إيميت جوزوغوزيلي أن الاتفاقية المصرية اليونانية صنعت تداخلًا مزعومًا في الحدود التي أوجدتها الاتفاقية التركية الليبية، مما يخلق خلافًا بين الدول في شرق المتوسط.

وتعتقد إيميت أن السياسة اليونانية تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة وخاصة المادة 300 و301 التي تحظر على الدول إساءة استخدام الحقوق، باعتبار رفض اليونان التفاوض على عكس تركيا التي كانت مستعدة للتفاوض بشأن المشاكل مع اليونان بعد مبادرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وتلفت إلى أن هذه الاتفاقيات البحرية، ليست حتى اعترافات رسمية، مدللةً على ذلك بالإشارة إلى الملاحظة الكائنة بالصفحة الثانية من قانون البحار والتي تُوضح أن البنود وطريقة عرض المواد في هذا الإصدار القانوني لا تعبر عن رأي الأمم المتحدة فيما يتعلق بالوضع القانوني لأي بلد أو فيما يتعلق بتعيين حدودها، وأن نشر المعلومات المتعلقة بقانون البحار والناشئة عن الإجراءات والقرارات التي تتخذها الدول في النشرة لا يعني اعترافًا أمميًا بصحة الإجراءات أو القرارات المعنية.

 

الملاحظة الموجودة في الصفحة الثانية من قانون البحار والمحيطات الصادر عام 1982

وتُفسر إيميت ذلك، بأنه يعني ضرورة الانتهاء من ترسيم الحدود على أسس عادلة، مشيرةً إلى أن عامل الجغرافيا له مكانته في ترسيم الحدود. بعبارة أخرى؛ "الحقيقة أن الأرض تُهيمن على البحر".

وتقول إن اليونان وضعت خطوط الأساس البحرية الخاصة بها، عكس تركيا التي لم تنشر خطوط الأساس البحرية لها حتى الآن، متابعةً أن تركيا ترفض كل الخرائط المُعلنة التي أغلقت أعالي البحار أمامها، فضلاً عن ضرورة وضع دولة القبارصة الأتراك في الصورة.

وتُشير إيميت إلى أن تركيا التي تمتلك ساحلًا طويلًا على البحر، لها حقوقها التاريخية في مناطقها سواء في بحر إيجة أو البحر المتوسط، ولها الحق في تحديد مناطق الجرف القاري الخاص بها على أساس عادل طبقًا للمواد 74 و83 من قانون البحار.

 

السواحل التركية في ضوء اتفاقية قانون البحار 1982 - خرائط جوجل

للمزيد: معركة ترسيم الحدود البحرية: اليونان تسعى إلى إحياء حصان طروادة


كيف تستفيد مصر؟ 

تعتقد الدكتورة إيميت جوزوغوزيلي أن اليونان خيار خاطئ بالنسبة لمصر، كما فعلت أيضًا عندما وقعت الاتفاقية مع الحكومة القبرصية في 2003، وهو الاتفاق الذي نتج عنه تخلي مصر عن مساحة بلغت 11500 ألف كم2.

يُشار إلى أن السفير الراحل إبراهيم يسري، قدم عام 2014 بلاغًا إلى النائب العام يتهم فيه وزير البترول الأسبق سامح فهمي وحكومة الرئيس الراحل حسني مبارك بـ "التقاعس عن الدفاع عن حقوق مصر في حقول الغاز القبرصية"، باعتبار أنها تقع ضمن جبل إراتوستينس المغمور في البحر، ويدخل ضمن حدود مصر البحرية منذ أكثر من ألفي سنة، حسبما جاء في الدعوى والتقريرين العلميين المرفقين معها.

ويستند يسري في دعواه إلى المادة 74 لسنة 1982 من قانون البحار والتي تمنع التقسيم الثنائي لهذه المنطقة البحرية على اعتبار اشتراك تسع دول في حدودها، ويلزم تلك الدول بالاتفاق على أمر يرضيها جميعا.

وتتهم إيميت اليونان بمحاولة اغتصاب حقوق ليبيا البحرية في هذا الاتفاق، وترى أنه من الضروري أن تُركز مصر على حقوقها البحرية "بطرق عادلة"، معتقدةً أن بعض المستشارين السياسيين يُقدمون معلومات مضللة للقيادة السياسية المصرية.

وتُشير الأكاديمية التركية إلى أنه إذا أبرمت مصر اتفاقية لترسيم الحدود مع تركيا، فإنها ستزيد من مناطقها البحرية، موضحةً أن عملية ترسيم الحدود مسألة فنية، وعلى الأقل يمكن للحكومة المصرية حساب مناطقها البحرية مع تركيا ومقارنتها مع اليونان "في النهاية تركيا هي الجانب الصحيح لمصر".

كما يعتقد المحللّين غاليا ليندنشتراوس وعوفير وينتر في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن الاتفاقية ستعمل على توحيد منتدى غاز شرق المتوسط، وستُعزز من آمال تنفيذ مشروع خط أنابيب EastMed لتصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر قبرص واليونان إلى أوروبا ، والذي تمت الموافقة عليه من قبل الدول الثلاث خلال الأشهر القليلة الماضية على الرغم من انهيار أسعار الطاقة.

ويقول المحللّين، إنه على إسرائيل الاستعداد المجموعة متنوعة من السيناريوهات المحتملة في المواجهة اليونانية المصرية مع تركيا، سواء مواجهة عسكرية بين تركيا وخصومها أو مواصلة الحملة الدبلوماسية لاحتواء الأزمة.

ويلفت المحللّين إلى أن إسرائيل لم تدرس العواقب جراء انضمامها إلى المحور المناهض لتركيا في شرق المتوسط، لكن اكتشاف الغاز في البحر الأسود الذي أعلنه أردوغان في 21 أغسطس/ الماضي، قد يسمح ببعض المرونة في الموقف التركي.

في النهاية، تبدو الاتفاقية المصرية اليونانية أول اعتراف للأخيرة بمنطقتها الاقتصادية الخالصة، لكن عدم تضمين جزيرة كاستيلوريزو - كعب أخيل اليوناني - يُضعف موقف اليونان قانونيًا في حال مفاوضاتها مع تركيا، أما مصر فلم تتورط حتى اللحظة في الصراع اليوناني مع تركيا، بل حققت مكسبًا اقتصاديًا بالحصول على المساحة الأكبر من المياه الاقتصادية، وإن كان المكسب نظريًا حتى الآن.