أحمد شيبة. الصورة: صفحته الرسمية- فيسبوك

عقود الاحتكار قد توقف "الزهر": أحمد شيبة ومحاولات الهروب من مصير بهاء سلطان

منشور السبت 20 يونيو 2020

كان صعود نجم بهاء سلطان في مصر سريعًا قبل عشرة أعوام، ولكنه اختفى عن الساحة الغنائية المصرية بسرعة أكبر من تلك التي صعد بها، والسر وراء ذلك كان عقد احتكار، وهو ذاته المصير الذي يحاول أحمد شيبة تلافيه.

يلجأ المنتجون لتوقيع عقود الاحتكار مع الفنانين بغية تحقيق أرباح كبيرة، في الوقت الذي يوقع فيه الفنان العقد دون تمهل، خاصة وأنه يعتبرها فرصة سانحة للظهور من خلالها للجمهور، بالإضافة إلى الدعم المادي الذي سيُوفر لها لإنتاج عدة ألبومات يتفق عليها تباعًا، لكن الأزمة تقع فور تحقيق الفنان للشهرة والتحقق الفني، فيلجأ للفكاك من يد المنتج الذي يعتبره الفنان يمص دمه، ويسلبه مجهوده دون مقابل مادي مُرضٍ.

الأزمات الناتجة عن عقود الاحتكار عديدة، وانتهى بعضها بدفع المطرب للشرط الجزائي، أو لجوء أحد الطرفين إلى المحكمة لحل النزاع، بينما انتهى معظمها بشكل ودي، مثل أزمة عمرو دياب مع شركة روتانا التي امتدت لأربع سنوات في المحاكم وانتهت وديًا، لكن أزمة الفنان هيثم شاكر مع المنتج نصر محروس فقد انتهت بدفع شاكر الشرط الجزائي وكان قدره مليونيّ جنيه.

كما ينوي منتج الأغنية الشعبية أحمد فخري، رفع دعوى قضائية ضد المغني أحمد شيبة، بموجب عقد احتكار وقعه الطرفان عام 2006، وذلك بعدما أن خالف شيبة كل البنود المتفق عليها في العقد.

حتى التواشيح

 يقول فخري للمنصة إن العقد احتوى على بند يُلزم شيبة بأداء وتسجيلات الأغاني بأنواعها العاطفية والوطنية والدينية، وكذلك التواشيح الدينية والقصص الشعبي والديني والمونولوجات، وبالجملة استغلال صوته وكل ما يؤديه خلال مدة عامين بدأت من 3 أغسطس/ آب 2006، وتُجدد هذه المدة من تلقاء نفسها لمدة أو لمدد مماثلة ما لم يخطر أي طرف منهم بعدم رغبته في التجديد، وذلك بخطاب مسجل بعلم الوصول.

"طبقًا لهذه البنود قررت التحرك قضائيًا لمطالبة أحمد شيبة بالشرط الجزائي المنصوص عليه ضمن بنود العقد، وهو رد جميع المبالغ المسددة إليه مسبقًا، فضلًا عن دفع كل كافة التعويضات المادية والأدبية عن الخسائر التي لحقت بي، والمقدَّرة في العقد بمبلغ خمسمائة ألف دولار"، يوضح فخري.

 

عقد الاحتكار بين شركة الغربية للصوتيات والفنان أحمد شيبة عام 2006

لكن من جهته، لا يعترف وكيل شيبة، أحمد زين، بهذا العقد المبرم بين شيبة وفخري، "لأنه يرجع لسنوات بعيدة"، على حد تعبير زين للمنصة، مشددًا على أن المنتج أحمد فخري لم ينتج ولو أغنية واحدة لأحمد شيبة.

تلميع المطرب

يدافع صاحب شركة الغربية للصوتيات، المنتج أحمد فخري، عن عقود الاحتكار، ويرى أن من حق كل منتِج أن يعمل وفق فكره ورؤيته، فقد يرى أن المطرب الذي اكتشفه أو يتعامل معه يحتاج لأدوات تساعد على إبراز صوته أو "تلميعه"، ويستحق أن ينفق عليه الأموال لإنتاج أعمال فنية، وهنا لابد أن يضمن المنتِج أن هذه الأموال التي أنفقها ستعود إليه فيما بعد، كما يضمن حقه في أن المطرب لا يتجه لشركة فنية أخرى تستفيد منه دون أن تبذل نفس الجهد في تجهيزه.

وأشار فخري إلى أنه وقع عقود احتكار مع مطربين أمثال شفيقة، ومسعد رضوان، وأحمد شيبة، لافتًا إلى أنه لكي يضمن حقوقه يوقع مع المطرب عقد احتكار لمدة خمس سنوات يُجدد من تلقاء نفسه، فلا يستطيع المطرب أن يعمل مع شركة أخرى دون إنذار بفسخ العقد، وفي حال مخالفة هذا الشرط يستطيع المنتج أن يستحوذ على كل الأعمال الفنية التي صدرت للمطرب مع أي شركة فنية أخرى.

أما المطرب حسام حسني، فيُرجع  مسألة احتكار المنتج للمطرب إلى عدة أسباب، أولها ارتفاع تكلفة الإنتاج بداية من فترة إنتاج الاسطوانات وتكلفتها، وتسجيل الاستديو وطباعة اﻷسطوانات، هذا بالإضافة إلى عملية تقديم المطرب نفسه للجمهور، وهي عملية شاقة للغاية، تبدأ من بداية خوضه لاختبارات لجنة الاستماع بالإذاعة، ثم يبحث عن فرصة لتقديم نفسه من خلال حفلات التلفزيون المصري أو المشاركة في عمل درامي أو سينمائي.

ويشير حسني، إلى أنه في  بداية فترة الثمانينيات كان المنتج "صاحب رأس المال" يتحمل تكلفة إنتاج شريط كاسيت للمطرب الموهوب، وبما أنه لا يضمن تحقيق الربح المادي من الألبوم الأول فيضطر إلى توقيع عقد احتكار لمدة طويلة، يضمن فيها تحقيق هذا المكسب.

وكما أوضح حسني، لم يكن المطرب يشارك المنتج في نسبة الربح أو الخسارة، في تلك الفترة، فهو يتقاضى أجره فقط، كبقية الموسيقيين المشاركين في شريط الكاسيت أو الألبوم، ويعتمد بعد ذلك في تحقيق مكاسب مادية من خلال حفلات "اللايف"، كالأفراح وحفلات المنشآت السياحية وغيرها.

بعد انهيار تجارة شرائط الكاسيت والأسطوانات، لجأ المنتج إلى وضع شرط جديد في عقد الاحتكار ألزم من خلال المطرب بدفع نسبة يُتفق عليها من أجره في حفلات "اللايف".

 

بند الشرط الجزائي في عقد احتكار الفنان أحمد شيبة وشركة الغربية للصوتيات البالغ قيمته 500 ألف دولار

أزمة "سيجارة" 

كان من المفترض أن يطرح بهاء سلطان ألبومه "سيجارة" عام 2014، إلا أن أزمته مع المنتج نصر محروس، مالك شركة فري ميوزيك، أوقفت صدوره، بسبب رغبة محروس في تجديد عقد الاحتكار مع سلطان، أو دفع الشرط الجزائي الذي بلغت قيمته مليون ونصف دولار.

المطرب صاحب الشعبية الكبيرة رفض طلب محروس، الذي رآه متعسفًا، وفضّل اللجوء للقضاء لانتزاع حقه، خاصة بعد استنفاد كل الطرق الودية لحل الأزمة بوساطة من الشاعر الغنائي بهاء الدين محمد، والمطرب مصطفى كامل، بالإضافة إلى عرض سلطان لاتفاق يسمح له أن يصدر ثلاثة ألبومات خلال ست سنوات.

تدخلت وقتها الممثلة واﻹعلامية إسعاد يونس من خلال برنامجها صاحبة السعادة في حلقة بتاريخ 31 ديسمبر/ كانون الأول،  ودعت المنتج نصر محروس للصلح وحل الأزمة وديًا، وهو ما ثمَّنه  محروس معلنًا أنه تواصل هاتفيًا مع بهاء سلطان للوصول اتفاق ودي، ليظهر بعدها سلطان في حفل بساقية الصاوي، ليغني للجمهور للمرة الأولى بعد أكثر من سبع سنوات، رغم أن أزمته مع محروس لم تنته إلى الوقت الحالي، وما زالت أمام القضاء.

لم تكن أزمة بهاء سلطان الوحيدة مع المنتج نصر محروس التي وصلت إلى القضاء، فكان للمطرب تامر حسني نزاع قضائي معه عام 2009، وانتهى بدفع حسني للشرط الجزائي المنصوص عليه في العقد، الذي تجاوز العشرة ملايين جنيه، وهو ما حدث أيضًا في أزمة  شيرين عبد الوهاب، وسددت الشرط الجزائي الذي تقارب قيمته 2 مليون جنيه، بحسب علاء الشاذلي محامي شركة فري ميوزيك وقتها والمتخصص في نزاعات حقوق الملكية الفكرية.

وقال الشاذلي للمنصة إن كل عقود الاحتكار التي وقعها الفنانون آنذاك مع نصر محروس، كانت تتضمن شرطًا جزائيًا بقيمة تصل إلى مليون دولار.

وتابع "كانت هناك أزمة بين الفنان خالد عجاج ومحروس، وذلك بعد توقيع عجاج عقد مع شركة روتانا في الوقت الذي اقترب فيه عقد احتكاره مع نصر محروس على الانتهاء، وقبل طرح الألبوم الذي أنتجته فري ميوزيك لخالد عجاج للأسواق، لكنهما وصلا لاتفاق ودي؛ اشترى الفنان خالد عجاج من خلاله الألبوم من نصر محروس مالك شركة فري ميوزيك.

اقتناص الفرصة

بحسب الشاذلي فإن القانون يشترط أن تكون طرق استغلال المصنف الفني محددة، كما يشترط أن يحدد كل حق على حدة، فمثلًا إذا احتوى العقد على شرط استغلاله عن طريق الإنترنت، فلابد أن يوضح هل يستغله على منصات التواصل الاجتماعي، أم المواقع الفنية، إلخ.

 وقال الشاذلي  للمنصة، إن جانبًا من أزمات عقود الاحتكار هي لجوء المطرب لها في بداية مسيرته الفنية، بهدف اقتناص الفرصة، دون أن يُمهل نفسه فرصة لقراءة بنود العقد، ولكن حين تتسع شعبيته يفكر في الطريقة التي يتملص فيها من المنتج.

ويؤكد الشاذلي على أن الحل الودي هو الأمثل لفض النزاع وفك حالة الجمود بين الطرفين، موضحًا أن نفوذ المنتج يلعب دورًا في إدارة اﻷزمة، ففي حالة عرض عمل فني للمطرب الذي يحتكره على شاشة إحدى الفضائيات، قد تتخذ إدارة القناة قرارها بوقف العرض أو استمراره بناء على نفوذ المنتج أو متانة علاقتها به، خاصة أن إدارة هذه القنوات تضمن حقها من خلال اتفاق مكتوب بينها وبين المطرب، تحمله فيه المسؤولية تجاه أية نزاعات مستقبلية تتعرض لها بسبب ذلك العمل.

عن الجهة القضائية المختصة، يقول الشاذلي إن المحكمة الاقتصادية هي صاحبة الاختصاص في حل هذه النزاعات، التي قد تعرض الصلح على الطرفين في البداية، فإذا رُفض ذلك تحدد موعدًا لجسة محاكمة تُنظر  القضية.

وكان من ضمن القضايا النادرة التي نجحت الإجراءات التحضيرية للمحكمة الاقتصادية في حل أزمة بالصلح، هي قضية رفعها الملحن عصام كاريكا على إحدى شركات الألبان، التي بثت إعلانًا لها على لحن أغنية روميو، دون تصريح من كاريكا، وانتهت بالصلح بين الطرفين.

وأشار الشاذلي إلى أن هناك ثغرة قانونية كبيرة للغاية في عقود الاحتكار، كونها تحتوي على بنود مبهمة، فالمنتج يكتب ضمن بنود العقد، أشياء مستقبلية لم تحدث، سواء كانت أغنيات أو كليبات، والبند الذي يستند عليه المنتج في العقد "أن كل ما يغنيه المطرب أثناء فترة العقد تمتلك الشركة حقوق استغلاله" غير قانوني، فالقانون يتطلب أن تكون هذه الأغنيات محددة وواضحة بمسمياتها.

لذا يلجأ المنتج في الوقت الحالي لتلاشي هذه الثغرة القانونية، فيطلب من المطرب أن  يوقع على عقد تنازل عن كل ألبوم، شاملًا عدد الأغنيات وأسمائها.

صيغة كارثية

كما يشترط القانون أيضًا في عقود الاحتكار، تحديد النطاق المكاني والزماني، هل سيتم استغلال هذا المنصف داخل مصر أم خارجها، وفي أي توقيت، ويشترط أن تكون المدة محددة بفترة معينة.وتعتبر المدة القانونية لاستغلال المصنف الفني خمسين سنة فقط. و لا ينطبق شرط البيع القطعي على المصنفات الفنية، فهو ينطبق فقط على المنقولات (مقعد، سيارة، إلخ)، فالمصنفات الفنية ينطبق عليها حق الاستغلال.

ويؤكد الشاذلي على أن معظم التنازلات التي تمت قبل تدخل المصنفات الفنية باطلة، لأن معظمها يشتمل على صيغة "تنازلت أنا"، فالصيغة القانونية الصحيحة هي "رخصت" أو "صرحت"، فالعقود الفنية التي تشتمل على صيغة "تنازلت عن كافة حقوقي القانونية" كارثية، لأنها تسلب صاحبها كل الحقوق القانونية، سواء كان ملحن أو مؤلف أو مطرب، ويستطيع الطرف الآخر من خلال هذا الصيغة أن يطرح المنتج الفني باسمه الشخصي.


اقرأ أيضًا: دبابات على الكباسات: أو صعود موجة الموسيقى المصرية الجديدة


نقابة الموسيقيين على الحياد

ومن جانبه قال وكيل نقابة الموسيقيين، الموزع الموسيقي حماده أبو اليزيد، إن النقابة لا تتدخل في منازعات عقود الاحتكار بين المنتج والمطرب إلا في حالة توثيقها لدى النقابة، وهنا لو ثار نزاع بين الطرفين، تستدعيهما النقابة أمام اللجنة القانونية، التي بدورها تكتب تقريرًا، يمكن أن يستند إليه الطرفان عند اللجوء للمحكمة. 

وأشار أبو اليزيد، إلى أن التقرير في هذه الحالة لا يكون ملزمًا للمحكمة، بل سند قوي لصاحب الحق، وهو ما تم في حالة النزاع بين الفنان محمد الشرنوبي وسارة الطباخ، فقد تم إيقاف الشرنوبي، نظرًا لأنه أخل ببنود العقد المبرم بينه وبين الطباخ، لحين الفصل في النزاع قضائيًا.