لو كانت الجهات الرسمية الحكومية تقوم بدورها في رعاية الأدباء والمثقفين لما اضطررنا للتفكير في تأسيس جمعية خاصة برعاية المثقفين

بعد تنصل الحكومة من مسؤولية علاجهم: "مؤسسة بديلة" لرعاية شؤون المثقفين

منشور السبت 29 فبراير 2020

تطورت فكرة تأسيس صندوق يتكفل بتغطية نفقات علاج المثقفين غير القادرين على تحمل كلفته الباهظة، إلى مؤسسة شاملة تتولى حماية الحقوق القانونية للمثقفين، وذلك على خلفية ما وصفوه بـ "تقاعس" وزارة الثقافة واتحاد كتاب مصر عن تقديم الدعم الكافي لكتاب وفنانين تشكيليين أصيبوا بأمراض خطيرة ومزمنة خلال الأشهر الماضية. 

ومطلع العام الجاري، توفي الشاعر والمترجم محمد عيد بعد صراع مع مرض الالتهاب الرئوي، وذلك بعد أسابيع من اكتشاف إصابة الكاتب والمترجم رفعت سلام بسرطان الرئة. ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة علاج سلام نحو 300 ألف جنيه، حسب خطة وضعها طبيبه المعالج لا تعتمد على العلاج الكيماوي بل الجيني. ​

ولتأمين الموارد اللازمة، نظم المثقفون والكتاب معرضًا في جاليري ضي خصصت عوائده لدعم لمؤسستهم الخيرية، أضيف إليها نحو 20 ألف جنيه حصيلة بيع كتب بعضها للشاعر رفعت سلام وبعضها الآخر عنه، وزاد عليهم الشاعر محمد المتيم ألف جنيه بعد أن باع عددًا من كتب مكتبته الخاصة.

الفنان التشكيلي محمد موسى نظم معرضًا لمساعدة سلام في أزمته، لكن الأخير طلب توجيه المبلغ لصالح صندوق رعاية المثقفين الذي تحول لفكرة أكبر من مجرد مؤسسة خيرية.

بحسب الشاعر أحمد سراج، فإن المؤسسة الجديدة سيكون من مهامها "حماية حقوق المؤلفين والمبدعين بشكل قانوني في مواجهة دور النشر، وذلك في جميع مجالات الفنون الإبداعية، البصرية والأدائية، بعد التواصل والتنسيق مع الجهات المسؤولة كاتحاد الناشرين، ووزارة الثقافة، والتأمين الصحي، ولجنة الصحة باتحاد الكتاب المصري، حتى تتلافى المؤسسة الدخول في صدامات مع هذه الجهات الرسمية".

وتابع سراج للمنصة أن "المؤسسة لن تتكفل بإعانات مادية للكتاب والمثقفين، بل ستساهم في مجابهة المؤسسات الحكومية ودور النشر الورقية أو المنصات الإلكترونية لإعطاء هؤلاء الكتاب والمثقفين نسبة حقوقهم القانونية من أرباح مؤلفاتهم. كما ستساعد دور النشر في تحقيق نسب مبيعات عالية من خلال تنظيم مشاركاتهم في المعارض المحلية والخارجية".

ونوّه إلى أن المؤسسة الجديدة تحتاج لمبلغ 50 ألف جنيه في خزانتها، بالإضافة إلى مقر رئيسي وهو ما تم توفيره، موضحًا أن اتصالات تجري مع عدد من رجال الأعمال المهتمين بدعم الثقافة من أجل توفير الدعم اللازم للمؤسسة. 

ومن المقرر أن يتولى وزير الثقافة الأسبق شاكر عبد الحميد أمانة صندوق المؤسسة الجديدة، حسبما أكد للمنصة

اتحاد الكتاب: دور غائب

يلقي رفعت سلام باللوم على اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة ويعتبر في حديثه إلى المنصة أنهما "لا يقومان بدورهما في رعاية الأدباء والمثقفين عندما يحتاجون إلى رعاية، ودليل ذلك أن من تدخل لتحمل نفقة علاجي كاملة هي جامعة القاهرة" بعد أن "تلكأت طويلًا" وزارة الثقافة في مساعدته و"تملص اتحاد الكتاب من المسؤولية تمامًا".  

وواصل سلام أنه "لو كانت الجهات الرسمية الحكومية تقوم بدورها في رعاية الأدباء والمثقفين لما اضطررنا للتفكير في تأسيس جمعية خاصة برعاية المثقفين"، مضيفًا أن رئيس اتحاد الكتاب علاء عبد الهادي تواصل معه بعد مبادرة رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت بتحمل تكاليف العلاج كاملة، وعرض عليه مبلغ 10 آلاف جنيه طبقًا لقواعد العلاج بالاتحاد، لكنه رد عليه قائلًا "خليهم فيه ناس تانيه محتاجاهم للعلاج، إنما الحقنة الواحدة بتاعتي بـ 100ألف جنيه، متخليش الناس تضحك علينا".

من جانبه يوضح الكاتب إيهاب الورداني عضو مجلس الاتحاد وأمين الصندوق أن هذا المبلغ كان أقصى ما يمكن أن يمنحه الاتحاد، موضحًا أن سلام حصل على عضوية الاتحاد في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ليكون مستحقًا للعلاج، ووفر له الاتحاد بالفعل من خزينته مبلغ 10 آلاف جنيه، وهو أقصى مبلغ يمكن لاتحاد الكتاب التكفل به وفقًا لمشروع العلاج.

وفي عام 2009 تبرع حاكم الشارقة محمد بن القاسمي بمبلغ 20 مليون جنيه لاتحاد الكتاب على هيئة وديعة لا يمكن تسييلها، على أن تخصص فوائدها السنوية لعلاج المثقفين. وأوضح سراح أن هذه المنحة جاءت لعلاج جميع المثقفين ولا تقتصر على أعضاء اتحاد الكتاب فقط، وصرح بأنه سيتم فتح هذا الملف بعدما تتوفر لديهم كل الأدلة والأوراق بشكل كامل، ولكن الكاتبة الصحفية هالة فهمي والتي استقالت من عضوية مجلس اتحاد الكتاب عام 2016 تؤكد للمنصة أن الوديعة مخصصة فقط لعلاج أعضاء الاتحاد. 

سلام لفت أيضًا إلى "البطء الشديد" الذي تعاملت به وزارة الثقافة مع أزمة مرضه "بعد تلكؤها في بداية الأزمة"، مضيفًا بغضب "في النهاية عندما تدخلت وزارة الثقافة المصرية لحل الأزمة، أرادت عمل ملف عن حالتي، لإرساله لرئاسة الوزراء، ليصدر قرار علاجي على نفقة الدولة، وكل هذه الإجراءات كانت تتم بطء شديد مع مرض يستشري داخل الجسم بشراهة شديدة جدًا، فلم يكن هناك أي أدنى إحساس بالمسؤولية".

وأشار سلام إلى أن الجهات الرسمية لم تتدخل أيضًا في أزمة مرض الشاعر الراحل محمد عيد لعلاجه "في حين أن عُشر ميزانية مهرجان الشعر العربي الأخير 2020، كانت تسمح بعلاج بعض المثقفين، فجائزة الفائز بالمهرجان وصلت إلى 200 ألف جنيه، بعيدًا عن المبالغ التي تنفق في استضافة المثقفين والشعراء من كافة الأنحاء".

مسؤولية الجهات الرسمية

تواصلت المنصة مع المتحدث الرسمي بوزارة الثقافة المصرية محمد منير الذي قال باقتضاب إن "الوزارة لا علاقة لها بأزمة علاج المثقفين إطلاقًا". 

ومن جهته قال وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور إن اتحاد كتاب مصر هو النقابة المكلفة بعلاج الكتاب، أما وزارة الثقافة فهي وزارة تقدم خدمات، وليس منوطًا بها علاج المثقفين. واستطرد أن "هذا لا يمنعها من التصدي لعلاج الكتاب"، ولكن ذلك ليس التزامًا قانونيًا ملقىً على عاتقها. 

وذكر عصفور أن على اتحاد الكتاب أن يقرر بنفسه تغطية نفقات علاج أي من أعضائه دون الرجوع إلى وزارة الثقافة وطلب موافقة مسبقة، لافتًا إلى أنه وأثناء توليه وزارة الثقافة كان يتواصل مع الجهات المسؤولة بالدولة، مثل وزارة الدفاع لعلاج المثقفين في مستشفيات القوات المسلحة، وتم علاج ما يقارب 10 حالات بهذه الطريقة.

شاكر عبد الحميد بدوره أكد أنه لا يوجد قانون أو لائحة يلزمان وزارة الثقافة بالتكفل بعلاج المثقفين، باستثناء قانون التأمين الصحي الذي يغطي علاج الموظفين العاملين في الوزارة فقط، مشيرًا إلى أن الجهة المنوط بها علاج المثقفين هي اتحاد الكتاب. 

وتابع أن "كل ما يثار حول تحميل وزارة الثقافة علاج المثقفين هو نتيجة التعلق بالآمال العريضة في الحصول على مساندة الوزارة في هذه الحالات، وكل ما يتم من قبل الوزارة يتم بناءً على العلاقات الودية والطيبة".

الكاتب والشاعر أحمد سراج أحد أصحاب فكرة صندوق علاج المثقفين يطرح تساؤلات حول طريقة إدارة اتحاد الكتاب، معربًا عن اعتقاده بأن "اتحاد الكتاب المصري تمت شخصنته في شخص رئيسه علاء عبد الهادي". 

ولفت في حديثه إلى المنصة إلى إن "عملية إصلاح اتحاد الكتاب لا بد أن تتم من داخل الاتحاد بإرادة أعضاء الاتحاد أنفسهم، فأصحاب فكرة المؤسسة الخيرية لا يريدون الدخول في صدامات مع المؤسسات الرسمية هذه الفترة".