من جلسات نقاش التعديلات الدستورية. الصورة: صفاء عصام

تعديل مدّة الرئاسة: 12 سنة أم 8 أم 4.. لماذا تتغير الأرقام؟

منشور الأحد 14 أبريل 2019

وافقت اللجنة الفرعية لصياغة التعديلات الدستورية بمجلس النواب، في جلستها المنعقدة اليوم الأحد، على تعديل المادة الدستورية الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية.

واستقرت اللجنة التي تشكّلت في أبريل/ نيسان الجاري برئاسة علي عبد العال، على تعديل المادة 140، لتزيد مدة الفترة الرئاسية الواحدة من 4 إلى 6 سنوات، على أن تُطبق على الفترة الحالية للرئيس.

وبموجب هذا التعديل، تنتهي ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2024 بدلاً من 2022 كما كان مُقررًا، مع وضع مادة انتقالية في الدستور تسمح له بالترشح لفترة رئاسية إضافية (6 سنوات).

وأثار طرح التعديلات الدستورية جدلاً على مدار الشهور الماضية، لتعلّقها بمؤسسات حيوية مثل القوات المسلحة والقضاء والرئاسة، وهذه الأخيرة لاقت النصيب الأكبر من الجدل، في ظل تعدد الرؤى التي طُرحت حولها.

تغييرات متلاحقة

تناول الدستور المصري 2014، مسألة انتخاب الرئيس في المادة 140، والتي تنصّ على أنه.. "ينتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة".

وظهرت أول مقترحات تعديل مادة الرئاسة في مسوّدة لتعديل مواد الدستور، تلقاها مجلس النواب في فبراير/ شباط 2019، ونصّت المادة المقترحة على أن "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة 6 سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين".

وكان من بين المقترحات- آنذاك- إضافة مادة انتقالية للدستور، ونصّها "يجوز لرئيس الجمهورية الحالي عقب انتهاء مدته الحالية إعادة ترشحه لفترتين رئاسيتين على النحو الوارد بالمادة 140 المعدلة من الدستور".

ما يعني أنه بعد انتهاء ولايته الحالية في 2022، يتم ترشيحه من جديد لفترتين رئاسيتين مدة كل منهما 6 سنوات؛ إذن الرئيس الحالي سيستمر في الحكم حتى عام 2034.

بمرور الوقت، ومع مزيد من النقاشات، اقترح نواب أن تزيد الفترة الرئاسية من 4 إلى 6 سنوات، على أن يسري التعديل الجديد على الرئيس الحالي بالأثر الفوري المباشر، أي بأثر رجعي.

ووفقًا لهذا السيناريو، فإن الرئيس الحالي سيُضاف له 4 أعوام على فترتي رئاسته المنقضية والحالية؛ لينتهي حكمه في 2026 بدلاً من 2022.

وكان آخر ما خرج للإعلام من مقترحات، هو "زيادة مدة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، مع التطبيق بالأثر المباشر والفوري للتعديلات الدستورية على الدورة الحالية، فتنتهي مدة الرئاسة فى 2024 بدلًا من 2022".

وفي حين تداولت فيه وسائل إعلامية تصريحات مختلفة عن التعديل، قال النائب مصطفى بكري إن "الاتجاه (الحالي) هو المد للرئيس حتى عام 2024 بالأثر الفوري المباشر، ثم حق الرئيس في الترشح لمده واحده 6 سنوات".

وأضاف بكري، في حسابه الرسمي على تويتر، اليوم: "ومن ثَم فان المقترح السابق بمدتين بعد 2022 كما كان سابقًا، لم يعد مطروحًا".

وبعد ساعات من إعلان بكري، تأكدت الأخبار من داخل البرلمان أن التعديل سيجري وفقا لما ذكره بكري.

حالة ارتباك

علّق العضو المؤسس بحزب العيش والحرية عمرو عبد الرحمن على أمر التعديلات وتعدد مقترحاتها بين إضافة مادة انتقالية ثم التراجع عنها ثم الاستقرار عليها بقوله.. "واضح أن هناك حالة من الارتباك، ﻷننا وفي غضون 3 شهور فقط رأينا 3 صيغ على اﻷقل لتعديل مادة واحدة فقط".

وأضاف عبد الرحمن للمنصّة، للأمر تفسير بين 3 احتمالات "اﻷول هو أن اﻷجهزة اﻷمنية رصدت انطباع الشارع وكون المواطن غير مكترث أو مستنفر ومنزعج ولو أنه لن يشارك في احتجاجات بالضرورة، أما الاحتمال الثاني يتعلق بموقف الخارج خاصة بعد زيارة السيسيي للولايات المتحدة، فعلى ما يبدو تبيّن للنظام أن التعديلات لن تمر خاصة وأن النظام صورته حاليًا تحسًنت كثيرًا مقارنة بـ4 سنوات مضت، وتنفيذ تعديلات بهذه الفجاجة ستعيده للمربع صفر".

وشهدت آخر لقاءات الرئيس المصري ونظيره الأمريكي، إشادة بالعلاقات الثنائية بين البلدين، وكذلك إشادة من ترامب بأداء السيسي إذ وصفه بأنه "يقوم بعمل عظيم".  

وتابع الباحث السياسي أن الاحتمال الثالث يتعلق بـ"رصد النظام لما يجري في السودان والجزائر من أحداث"، مُضيفًا "وأي عاقل سيرى أوجه للتشابه بين سياقات مصر والسودان والجزائر".

وكان البرلمان السوداني قد أعلن في ديسمبر/ كانون اﻷول 2018، عن تلقيه طلبًا من عدد من أعضائه لإجراء تعديل دستوري لزيادة مدة حكم الرئيس عُمر البشير من خلال جعل فترة الرئاسة مفتوحة، بينما كان مُقررًا أن تنتهي فترة حكم البشير في 2020، ولم يكن ممكنا له أن يترشح مرّة أخرى، وفقًا ﻷحدث تعديلات للدستور السوداني عام 2005، وهي التعديلات التي تراجع عنها النظام فيما بعد ومع احتدام الغضب الشعبي.

وأضاف عبد الرحمن "فمن المتوقع أن هذه العوامل الثلاث سببت ارتباك غير مسبوق للمجلس، بعد ما كان لديه من ثقة في أن التعديلات ستمرّ مع بعض اﻷصوات المعترضة".

بلا مبرر

أعلن النائب البرلماني هيثم الحريري، عضو تكتل 25/ 30، رفضه للتعديلات، سواء فيما يخصّ مادة الرئاسة أو غيرها "لعدم وجود أي مبرر للتعديل أو لإدخال مواد انتقالية".

وعن تفسيره للتغيير في المقترحات، بدءً من إتاحتها للرئيس البقاء لمدة 12 عامًا إضافية وانتهاءً بقصرها على 4 أعوام فقط، وارتباط اﻷمر بالأحداث الجارية في المنطقة، علّق الحريري للمنصّة بقوله "لو أن هناك قلقًا من الغضب الشعبي، فمن الأولى غلق باب التعديلات من اﻷساس، مثلما حدث في السودان مع بدء الاحتجاجات. وبوجه عام، اﻷمر بالنسبة لنا سيان، سواء كان التمديد لـ2034 أو 2026، فاﻷمر مخالف للدستور وللإرادة الشعبية التي أقرّته".

واختتم النائب بقوله "نحن كأعضاء تكتل 25/30 سنصّوت على التعديلات داخل البرلمان بـ لا، وفي النهاية القرار للشعب، واﻷمل في رفض التعديلات برمّتها، خاصة وأن الحديث عنها محصور في مادة الرئاسة فقط، مع أنها الأقل سوءً، فهناك تعديلات لمواد أخرى أشد خطورة على أي مسار ديمقراطي مثل مواد القوات المسلحة والقضاء".

ضد الدستور

من الناحية القانونية، قال الفقيه الدستوري وأستاذ فلسفة القانون بجامعة الزقازيق، الدكتور نور فرحات، إن "زيادة فترة حكم الرئيس، سواء عن طريق زيادة عدد مدد الرئاسة أو زيادة أعوام كل منها؛ يعد قولاً واحدًا مخالفة صريحة للحظر الوارد في المادة 226".

وتنص المادة 226 من الدستور، في فقرتها اﻷخيرة، على أنه "في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات".

وكشف فرحات للمنصّة عن وجود نصوص في دساتير بعض الدول اﻷجنبية، تحظر إدخال تعديلات عليها لمدة معينة لا تقل عن 5 أو 10 سنوات وهو "اﻷمر غير الموجود في الدستور المصري"، مُضيفًا "وعلى ما يبدو، فإن التعديل كان مقررًا ومضمرًا منذ عام 2015، حين تحدث اللواء سامح سيف اليزل بالتزامن مع تشكيل ائتلاف في حب مصر، عن تعديل الدستور وعن الرئيس واختصاصاته".

في حوار أجرته معه وكالة رويترز عام 2015، أكد سيف اليزل على وجود مواد دستورية "تحتاج إلى إعادة نظر بجدّية".

بجانب المادة 226 من الدستور، لفت فرحات إلى "عقبة" أخرى في طريق التعديلات، سواء ولو كانت لعدد سنوات الفترة الرئاسية بأثر رجعي، إذ أوضح أن الأثر الرجعي الذي من الممكن للمشرع أن ينصّ عليه "يُشترط فيه ألّا ينال مراكز قانونية مكتملة، وهو ما ينطبق على منصب رئيس الجمهورية، إذ أنه يكتمل بمجرد انتخابه".

وكشف فرحات عن إجراءات قانونية من الممكن اتخاذها ضد التعديلات من قبيل "تقديم طعن للمحكمة الإدارية العليا بمجرد دعوة المواطنين للاستفتاء على التعديلات، باعتبارها مخالفة لصحيح الدستور.

حالة مصرية

في المقابل، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية إن "القضية لا تكمن في أن يُزيد المشرع من فترة الرئاسة أو يُقلّصها"، مُشيرًا إلى عدم وجود أي دليل على ما دار حول تعديل الفترة الرئاسية حتى 2034، وأن كل المناقشات التالية على الحوار المجتمعي حول التعديلات "كانت عن أن المدة الزمنية تكون أكثر وضوحًا".

وأضاف فهمي للمنصّة "قضية التعديلات الدستورية ما تزال قيد النقاش والتداول حتى اليومين الماضيين ولم يتم حسمها، وكل ما يُطرح ليس إلا مقترحات".

وشدد فهمي على ضرورة مراعاة الموائمة السياسية، والتي تتطلب النظر للحالة المصرية كنظام وظروف سياسية، قائلاً "الدول اﻷخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة كتبت دستورها بعد تجربة تاريخية طويلة مع الديمقراطية، بينما كُتب دستورنا نحن سريعًا وعُرف بدستور النوايا الحسنة، فاﻷمر لا يجب النظر له باعتبارات كم وكيف وفترات زمنية".

وخلال لقائه بالشباب فى أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس، في سبتمبر/ أيلول 2015، قال الرئيس السيسي إن الدستور المصري "كتب بنوايا حسنة ، وإن الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط".

وعن المرحلة المقبلة، قال عمرو عبد الرحمن إن تعديلات مادة الرئاسة وفي حال إقرارها فإنها تعني أننا "نودّع مرحلة بناء نظام 3 يوليو والتي شهدت القضاء على الإخوان وسيطرة رأسمال الدولة على الإعلام وتحديد إطار عمل للأحزاب السياسية، ونستعد للدخول في مرحلة الاستجابة لما يراه النظام لنفسه من استحقاقات".