صفحة النقابة على فيسبوك
من مظاهرة للأطباء على سلم النقابة

أزمة الأطباء: عندما يكون التنحي حلًا قبل الغرق

منشور الأحد 13 مايو 2018

 

يوم الجمعة كانت الجلسة العمومية الطارئة لنقابة الأطباء. كان على أجندة الجلسة محوران رئيسيان؛ الأول هو الاستقرار على موقف النقابة من كلية العلوم الصحية التي تمنح لقب أخصائي لخريجيها، والثاني وهو السبب في كون الجمعية طارئة هو مناقشة رد فعل النقابة على قضية الطبيب محمد حسن الذي حكم عليه بالسجن عامًا مع العزل من الوظيفة الحكومية بتهمة إهانة القضاء وتعطيل سير التحقيقات.

التهمة التي حوكم حسن بسببها هى تهمة جديدة علينا نحن كأطباء، خاصة وأنها تتقاطع مع العمل الحكومي المشترك المستمر بين الأطباء والنيابة العامة، بالنسبة لدور الأطباء في كتابة التقارير الطبية التي تستعين بها النيابات في تحقيقاتها.

إذًا، نحن بصدد واقعة غريبة على هذا التعاون بين القطاعين، إذ أن ما حدث لحسن يعتبر إهانة مباشرة لجموع الأطباء الشباب الكادحين في أروقة المستشفيات الحكومية، الأطباء المطلوب منهم، بجانب مواجهة مشقات مهنتهم المنهكة، أن "يتحدثوا بأدب" مع ممثلي النيابة وإلا فهم مهددون بالفصل من عملهم مع احتمالية السجن، كما هو الحال في هذه القضية.

انتظر الجميع من مجلس النقابة أن يتبني موقفًا واضحًا محددًا، حفاظًا على كرامة الأطباء أو ما تبقي منها. كان الجميع مستعدًا لكافة الحلول، فلم يتبق لنا، نحن الأطباء، ما نخسره. هذه المرة شديدة الشبه بواقعة المطرية منذ عامين، التي نجحت في حشد أكبر عدد من الأطباء في تاريخ مصر الحديث، وبرغم فشل الجمعية العمومية السابقة في تبني أي موقف جذري و اكتفائها بالإضراب الجزئي في العيادات الخارجية بالمستشفيات الحكومية، إلا أن الأمل كان كبيرًا هذه المرة، لأن الخطر أكبر، إذ أنها المرة الأولى التي نواجه فيها تهديدًا بالسجن مقابل أداء وظيفتنا.

 

بدأت الجلسة بنصاب غير مكتمل. اعتذر الدكتور حسين خيري، نقيب الأطباء، لحضوره اجتماعًا دعي إليه عشية الجمعية العمومية مع وزير الصحة المحال إلى لجنة التأديب في نقابة الأطباء، والطبيب صاحب المشكلة. لم يكن اعتذار حسين خيري كافيا، وبدأ الحضور في الهجوم القاسي على مجلس النقابة وعلى شخص الدكتور حسين، و لم ينته هذا الهجوم حتى نهاية الجلسة التي لم أستطع اكمالها إلى النهاية.

لم يقنعني أحد بأنه يجب علي أن أكمل هذه المهزلة. توقعت أن أجد لهجة جديدة، وجوهًا غاضبة تستوعب كل هذا القدر من الغضب والإحباط لدى الحاضرين. لم أتوقع أبدا أنني سأساق إلى معركة كلامية بين أعضاء المجلس أنفسهم، أو بين المجلس وجموع الأطباء من ناحية أخرى.

تفاوض؟

كان الأمر واضحًا؛ هذه النقابة لا تمثل إلا نفسها، لن تستطيع هذه النقابة أن تسترجع أية حقوق، وستستمر في نهجها "السلمي التفاوضي" مع السلطة دون أية نتائج واضحة ملموسة في صالح الأطباء. الأمر يبدو كأنها ترسل رسالة واضحة للسلطة، بقصد أو بدون قصد، أن الأطباء لا يملكون إلا التفاوض. أنها لا تملك أية وسائل تصعيدية متاحة تهدد السلطة في الحقيقة وإنما تزعم أنها تملك حلولا "تصعيدية تدرجية" مثل المرات السابقة تجعل الأطباء مجرد مجموعة غير قادرة على التصدي لأي تهديد حقيقي، عاجزة عن استرداد أي من حقوقها المسلوبة.

لم تستطع النقابة هذه المرة، أو في أي مرة سابقة، الاستفادة من الحشد، بل على العكس. نجحت النقابة هذه المرة في تفريق الحشد الغاضب وجره إلى معارك جانبية تماما، كأنها لا تشعر بقوتها أو بقوة الغضب المتنامي لدى الأطباء. لا تشعر النقابة أنها قادرة على أي شيء، أو ربما تعرف أنها قادرة لكنها دائما ما تختار الحلول السهلة التي تبعدها عن أي صدام حقيقي مع السلطة. في كلتا الحالتين، هذه النقابة الضعيفة لن تستطيع أن تنتصر في معركة الكرامة للأطباء، فالتفاوض مع من أهانك هو غاية الذل.

فرحة السلطة بهذه النقابة الضعيفة و بمعاركها الجانبية هي أهم انجازات النقابة الحالية. مازلت لا أعلم هل هذه النقابة تمثل فعليًا جموع الأطباء و خاصة الشباب منهم الذين فاض بهم الكيل من العمل الحكومي وعدم تمتعهم بالحد الأدنى من التقدير المادي أو المعنوي؟ هل تستطيع هذه الجموع الغاضبة أن تقرر عدم الذهاب إلى عملها الحكومي في أحد الأيام، بعيدا عن وصاية النقابة الأبوية، أم أنها قد امتصت استكانة نقابتها فأصبحت تتصرف مثلها بعجز؟ هل تكمن المشكلة في مجلس النقابة أم في الأطباء؟

إجابة هذا السؤال قد تظهر ببساطة عند تغيير هذه الوجوه المتصدرة لمشهد الأطباء، وجوه لم تستطع تقديم أي جديد في معركة الأطباء. اعتدنا على لهجتهم الهادئة المطمئنة التي تعد بحلول قريبة، دون أن يتغير الواقع منذ سنوات طويلة.

التنحي

يجب على الأطباء المطالبة بتمثيل أوضح لتيار أكثر راديكالية داخل مجلس النقابة، فلا يستقيم الأمر داخل نقابة بحجم نقابة الأطباء وهي ممثلة بتيار واحد وفكر واحد جامد لم يتغير طوال السنوات السابقة. نعلم جميعا أن الانتخابات هي التي أفرزت لنا المجلس الحالي، لكن يبدو أننا أيضا لم نتعلم من أخطاء الانتخابات السابقة، ويبدو أن المجلس الحالي غير حريص على هذا التنوع بل يكاد يكون مرحبا بسيطرة تيار واحد على المجلس، وربما يساعد هذا التناغم  الظاهري، مع الخلافات التي بدأت تظهر على السطح، في توحيد كلمة المجلس، لكن هذا الجمود وتوحد الرأي أصبح مؤذيا بشدة لمعظم الأطباء، أو على الأقل هذا ما رأيته في وجوه الحاضرين يوم الجمعة.

يجب على الدكتور حسين خيري التنحي عن منصب النقيب. أحترم هذا الرجل كثيرًا، لكن يبدو أنه قد تم الدفع به لتصدر مشهد لا يقدر عليه، وهو ما لا يليق بتاريخ وسيرة هذا الرجل العظيمة. وبعد تنحيه، أعتقد أن مجلس النقابة يجب أن يلحق به. ربما تكون هذه الخطوة هي ما نحتاجه فعلا في هذه اللحظة الحرجة؛ أن يعترف أي مسؤول بعدم قدرته على إيجاد الحل أو البديل. ربما تكون هذه أفضل نتيجة نخرج بها من المأزق الحالي. والسلطة بالطبع لن تحب حلًا جذريًا كهذا، لكن ربما يجدر بنا الخروج إلى منطقة الحلول التي لا تحبها السلطة، إذا كنا فعلا في موقع مواجهة معها، و لا نقف معها في نفس الجبهة.

أتمنى أن يكون المجلس الحالي على هذا القدر من تحمل المسؤولية، الحل هذه المرة يبدأ من عندهم، لا جدوى من وجودهم حاليا وسط هذا القدر من الهوان الذي يتعرض له الأطباء. أشخاصهم الفاضلة و تاريخهم النضالي الطويل لا يجب أن يعيقهم عن الانسحاب. نحتاج إلى أن نشعر أن من يتصدى للحديث باسمنا قادر على الانسحاب عندما يجد نفسه عاجزًا ومحملًا بهموم لم يعد قادرًا على تحملها. نحتاج أن نرى المتصدرين للعمل العام ينسحبون من مواقعهم عند مواجهتهم بفشلهم. لا يجب أن يصل القارب إلى قاع النهر قبل أن نبدأ في القفز منه. هذا ما نحتاج أن نراه نحن الأطباء من مجلس نقابتنا، لنعلم أنه مازال هناك بعض الأمل في هذه البلد ومسؤوليها، لعلها تكون البداية لحراك نحتاج جميعا أن نعيشه مرة أخرى في هذه الحياة قبل أن نبحث عنه في حياة أخرى أو في بقعة أخرى من العالم.


* أعتذر عن تشابه الاسم مع الطبيب صاحب القضية الأصلية