الصورة المتداولة للمواطنة السعودية ماريا ناجي- المصدر: فيسبوك وتويتر

جَلْد ماريا.. سوط السعودية لا يعرف "إصلاحات الأمير"

منشور الأربعاء 7 فبراير 2018

لم تزد ماريا عن أن طالبت بإسقاط ولاية الرجل على المرأة السعودية بصورة كاملة؛ فكان العقاب بالسوط الذي يبدو أن "إصلاحات الأمير" لم تمسّه.

كانت فتاة سعودية تستعد، يوم 3 فبراير/ شباط الجاري، لمغادرة مطار جدّة في طريقها إلى المدينة المنورة، حين قررت سُلطات بلادها تغيير مسار يومها، بل أسبوعها بأكمله، باستيقافها ومباشرة تحقيقات معها انتهت بقرار حبسها وتغريمها وكذلك جلدها.

الفتاة اسمُها ماريا ناجي، سعودية الجنسية تُقيم في القاهرة من أجل الدراسة، وأما سبب استيقافها فلم يخرج عن اتهامات ثلاثة هي "كتابات ضد سياسة المملكة، والتحريض على كراهيتها، والمشاركة في دعوات سابقة طالبت بإسقاط ولاية الرجل على المرأة في السعودية"، حسبما تداولت حسابات على فيسبوك وتويتر، المصدرين الوحيدين تقريبًا لأي أخبار عن الفتاة التي يلف التعتيم قضيتها.

جلد ماريا

"بتهمة التحريض على كراهية المملكة، اعتُقلت "ماريا ناجي المناصرة لحقوق المرأة، وحكم عليها بالسجن 5 أيام والجلد 10 جلدات وغرامة 10 آلاف ريال" هكذا نشر حساب على تويتر يحمل اسم "ساحة البلد"، قبل يومين، خبر معاقبة ماريا.

تشير معلومات "ساحة البلد" إلى أنه حساب سعودي، وكتب في تعريف نفسه "‏‏أحداث تقع في البلد، يجب أن يرويها أهل البلد، وهنا ساحة البلد، أهلًا بك إلى أخبار الناس، ندافع عن حقوق الإنسان. ينشر في الصفحة أكثر من محرر من مناطق مختلفة".

كان خبر "ساحة البلد" عن ماريا مُقتضبًا ولم يحظ بانتشار كبير، إلاّ أن الرد الوحيد عليها كان يُطالب بحذف التدوينة بل وتوّعد الناشر بالعقاب.

كان الحساب الذي ردّ على "ساحة البلد" يحمل اسم سارة محمد،  أنشئ حديثًا في فبراير/ شباط الجاري، يخلو من المتابعين إلا واحد فقط، وتبيّن أن كل نشاطه كان محصورًا في تدوينات الرد على كل من يذكر اسم ماريا ناجي، بين مطالبتهم بمحو ما كتبوه وتهديدهم بالعقاب.

وسبق أصدقاء مصريين "ساحة البلد" في ذكر ما تتعرض له ماريا ناجي التي لم تذكرها الأخبار، فبينما نشر الحساب السعودي خبر القبض عليها يوم 5 فبراير، كانت الحديث عن ماريا انتشر بالفعل منذ يوم 4 فبراير.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fahmed.M.elsheikh.25%2Fposts%2F1697902076935773&width=500

أحد هؤلاء الأصدقاء كان الصحفي أحمد الشيخ، الذي كتب يوم الأحد الماضي  "موقف مُهين للإنسان والإنسانية بشكل عام" وقع بحق ماريا التي وصفها بأنها "من المدافعين الحقيقيين عن حقوق المرأة"، وقال إن التحقيق معها وصديقة لها تُدعى لُجين استمر لمدة 24 ساعة، وانتهى بـ"الحبس لمدة 5 أيام لكلٍ منهما، و10 جلدات لكلٍ منهما، والغرامة 10 آلاف ريال على ماريا و20 آلاف ريال على لُجين".

ووفقًا للشيخ، الذي يُتابع أمر ماريا مع محاميها، فإن أُسرتها عرضت دفع مليون ريال مقابل عدم جلد ابنتهم، وهو ما قوبل بالرفض والتشبث بتوقيع كامل العقاب، بما فيها ذلك الركن شيء السُمعة حقوقيًا ودوليًا، الجلد.

https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fahmed.M.elsheikh.25%2Fposts%2F1698178196908161&width=500

.. وإصلاحات الأمير

من المُسلمات تقريبًا أن الجلد أحد مآخذ المنظمات الحقوقية ضد النظام السعودي، جنبًا إلى جانب عقوبات أخرى مثل قطع اليد والإعدام، لا سيما وأن هُناك تشكيكًا في "عدالة المُحاكمات" من قبل تلك المنظمات.

وسيق إلى الجَلد قبل ماريا آخرون- بينهم قُصّر- ممن رأت السلطات السعودية في السوط العقوبة المستحقة عليهم، سواء كانوا من مواطنيها مثل الناشط الحقوقي البارز رائف بدوي، أو حتى وافدين إلى المملكة مثلما وقع عام 2012 مع المصرية نجلاء وفا التي حُكم عليها بـ500 جلدة، وهذا العقاب يُطبق على اتهامات تختلف في درجاتها بين السياسية وصولًا لإهانة مواطن مثلًا.

لكن الجُرم المتهمة بارتكابه ماريا، التي لا أثر حالي لحساباتها على أي من مواقع التواصل، هو إهانة المملكة وليس مُجرد مواطن، وأما الجُزء الأعظم في هذا الجُرم فكان ما يُشاكس في عُرف المجتمع وعاداتها وقواعده وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، وهو الدعوة إلى إسقاط ولاية الرجل على المرأة، التي طالما نادت بها أصوات حقوقية.

ولا تتمتع السعوديات بالعديد من الحقوق بسبب نظام الولاية هذا، الذي يمنح السعودي اليد الطولى والكلمة العليا فيما يتعلّق بأدق شؤون المرأة، فموافقته كوليّ لها مطلوبة قبل إجراءات من قبيل "إصدار جواز سفر، السفر إلى الخارج، الدراسة في الخارج بمنحة حكومية، الزواج، وحتى خروجها من السجن".

ولكن من المفترض أن كل هذه الأمور في طريقها إلى الزوال، فاﻷمير مُحمد بن سلمان هُناك، ووعد بمزيد من الإصلاحات من أجل مملكة جديدة ترسم ملامحها خطته الاستراتيجية "السعودية 2030" التي تعدّ السعوديات بتمكين بدت بشائره في قرارين، أبرزهما صدر في 26 سبتمبر/ أيلول 2017 بالسماح للمرأة بقيادة السيارات، وذلك بعد طول مطالبات انتظار وجدال امتدا لأعوام شهدت القبض على كل مَن تُخالف القاعدة العُرفية غير المكتوبة في أي قانون.

اقرأ أيضًا.. أمر ملكي سعودي بإصدار رخص قيادة للسيدات: "الشرع يُبيح"

وأما القرار الآخر فكان قبل 3 أيام فقط من إصدار قرار رخص القيادة، وقضى بالسماح للسعوديات بدخول الاستادات الرياضية ﻷول مرّة في تاريخ المملكة، وذلك لمشاهدة الاحتفالات بعيدها القومي الذي سجّلت لقطات فيديو التقطت خلاله رقص النساء جنبًًا إلى جانب الرجال في الساحات العامة للمملكة.

اقرأ أيضًا: الإصلاحات السعودية.. تغيير المجتمع "بما لا يخالف الشريعة"

بقرارات أكدت "عدم مُخالفة شرع الله"، سمح عاهل السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهده مُحمد بأن تمارس فتيات بلادِهما الرياضة في المدارس، وبدءًا تعيين سيدات في مناصب إدارية عُليا نسبيًا، وهو ما بدا مع قراري إصدار رُخص القيادة ودخول الاستاد، كخطوة نحو إسقاط جُزئي للولاية عنهن. ولم تزد ماريا ناجي عن أن طالبت بما بدأت السعودية في تطبيقه فعلًا، ولكنها طالبت بأن يتم الأمر بصورة كاملة وليست جزئية؛ فكان العقاب بالسوط الذي يبدو أن "إصلاحات الأمير" لم تمسّه.