كمال الشيخ - صورة لفان ليو

كمال الشيخ ليس هيتشكوك

منشور الجمعة 18 أغسطس 2017

في زيارتي الأخيرة للإسكندرية، دُعيت لزيارة مكان لم أسمع به من قبل، لم أعلم حتى نطقه الصحيح، وكالة بهنا، بكسر الباء. بدا لي الاسم غريبًا إلى أن أتضح أنه اسم عائلة عراقية نزحت إلى مصر فى القرن قبل الماضي. المكان الذي تحول لمساحة للمعارض والندوات كان في الماضي مقرًا لشركة منتخبات بِهنا للإنتاج والتوزيع السينمائي، التي بدأت نشاطها فى الثلاثينيات، أنتجت فيلمًا واحدًا ولكنها وزعت عشرات الأفلام حتى منتصف الستينيات. يضم المكان عددًا كبيرًا من بوسترات الأفلام، صور مكبرة لنجوم الأبيض والأسود، أرشيف ضخم لسجلات الأفلام الموزعة باسم المؤسسة، بقايا من بكرات الأفلام، ماكينات، صور لحفلات عُقدَت أثناء التصوير، نُسَخ من سيناريوهات أفلام كلاسيكية بخط الآلة الكاتبة، رسائل باسم دور العرض وبعض الفنانين، بوسترات لأفلام "القصر الملعون"، "الحب في خطر"، "الغائبة"، "حبيب قلبي"، "هل أقتل زوجي"، وبجوارهم صورة كبيرة أخرى من فيلم باسم "قلب يحترق"، يحمل إمضاء واحد من أحب المخرجين إلى نفسي، كمال الشيخ. لم أكن شاهدت هذا الفيلم من قبل، وضعته فى خططي، وعند عودتي إلى القاهرة بحثت عنه عبر يوتيوب، شاهدت الفيلم، وتأملت كيف أفقدنا اليوتيوب متعة البحث والظفر، وجعل حياتنا سهلة ربما إلى درجة الملل.

 

تبدأ تيترات الفيلم بـ "منتخبات بهنا تقدم: مديحة يسري"، كان الفيلم من إنتاج مديحة وبطولتها مع عماد حمدي ومحمود المليجي، ورغم الانطباع الذي يتركه عنوان الفيلم بأننا بصدد فيلم رومانسي ميلودرامي يليق بعماد حمدي ومديحة يسري، إلا أن الدقائق الأولى تفضح خدعة الاسم، ونجد أنفسنا أمام واحد من أفلام الإثارة والتشويق، أو بتعبير أقل احترافية واحد من الأفلام البوليسية، التي أتقنها وعُرِف بها كمال الشيخ، إلى حد تلقيبه بهيتشكوك مصر.

نشرت "مجلة العربي" في منتصف التسعينيات شهادة كتبها كمال الشيخ عن علاقته بالسينما ومفهومه عنها، وقال ضمن ما قال إن مقارنته بهيتشكوك لا تروق له، "هذا رغم اعترافي أن هيتشكوك فنان متميز في طريقة عمله وفي إيقاعه، أما أنا فقد وجدت نفسي أعمل في إطار أفلام التشويق بشكل تلقائي، وهو قالب أعبر فيه عن وجهة نظري، وليس هدفًا في حد ذاته، بل هو مجرد أسلوب". كان كمال الشيخ هادئًا ومهذبًا، وهو ما يتضح في جملته السابقة، حيث أنه انتقى الكلمات بدقة كي لا يبدو مغرورًا أو متعاليًا، ولكن ما قصده الشيخ بشكل أكثر وضوحًا هو أن هيتشكوك سينمائي متميز أو (صنايعي شاطر) ولكنه يفتقر إلى الفكر.

 بالنظر إلى مسيرة الشيخ، نجد أننا قد نضع بأريحية خطًا فاصلًا بين أفلامه قبل "اللص والكلاب"، وأفلامه بعدها، حيث اتسمت المرحلة الأولى بغزارة الإنتاج وتنوعه، ففي بعض الأعوام المبكرة أخرج الشيخ ثلاثة أفلام دفعة واحدة، كما تنوعت الألوان السينمائية التي قدمها، بين عاطفي وتشويقي وغنائي، فقدم "حبي الوحيد" و"سيدة القصر"، و"من أجل حبي" الذي قام ببطولته فريد الأطرش. عبّر الشيخ لاحقًا عن عدم رضاه عن الأخير، وقلة حماسه للأفلام الغنائية، إلا أنه قام بالعمل فى ذلك الفيلم في إطار المجاملات، وتحقيقًا لرغبة نجم كبير مثل فريد الأطرش.

تظل أفلام التشويق هي الأشهر ضمن إنتاجه في تلك الفترة، أو "أفلام علامات الاستفهام" كما أسماها الشيخ في حوار مع الكاتب بلال فضل، حيث تمثلت في "المنزل رقم 13"، "حياة أو موت"، "تجار الموت"، "قلب يحترق"، "ملاك وشيطان"، و"لن أعترف". بعض تلك الأفلام قد لا تختلف كثيرًا عن أفلام هيتشكوك، مثل الفيلمين الأولين حيث اعتمدا على التشويق أولًا وأخيرًا. كان "المنزل رقم 13" هو أول أفلام الشيخ بعد عمله كمونتير لفترة طويلة وبعدد كبير من الأفلام، وهي المهنة التي تدرج فيها حتى أصبح من أشهر القائمين عليها, وبات المونتير الخاص بأفلام أنور وجدى، تاركًا حلمه الأول بأن يصبح ممثلًا، ومُصَوِّبًا وجهه شطر كرسي الإخراج. استوحى الشيخ فكرة "المنزل رقم 13" من خبر نُشر فى جريدة "المصري" عن طبيب هولندي يُخضع مرضاه لنوع من التأثير أو التنويم ليقوموا بمهام مخالفة للقانون نيابة عنه، إلا أنه عانى في رحلة البحث عن منتج، فتلك النوعية من الأفلام كانت بمثابة مخاطرة إنتاجية ومغامرة غير محسوبة فى زمن سيطرت فيه الأفلام الميلودرامية والغنائية على الشاشات. تأجل الفيلم لأكثر من مرة حتى تحمس محمد رشدى، مدير ستوديو مصر، للمساهمة في تمويل هذا اللون السينمائى الجديد.

أما فيلم "حياة أو موت" وهو الفيلم الثالث للمخرج الكبير، فقد أوضح كمال الشيخ لبلال فضل في الحوار ذاته أنه أراد بهذا الفيلم أن يشير لمعنى سياسي غير مباشر، فقدم من خلاله تصوره للمجتمع الجديد الذي يتخيله بعد ثورة يوليو، وبيَّن من خلال رحلة الفتاة بالدواء (الذى به سم قاتل)، تكاتف طبقات المجتمع المختلفة، المؤسسات والأفراد، الشرطة والشعب، وتعاونهم لإنقاذ فرد واحد. كان هذا هو الشكل الذى تخيله الشيخ لمصر الجديدة, إلا أن إنجاز الفيلم الأكبر والأبقى كان قدرته على التصوير بشكل مكثف فى شوارع وطرق القاهرة، وهو المنهج الذي سينتهجه مخرجو الواقعية الجديدة في الثمانينيات. لاقى "حياة أو موت" نجاحًا كبيرًا وشهرة واسعة كما عُرض بمهرجان كان فى دورة عام 1955.

إلا أن تطورًا قد طرأ على مضمون سينما كمال الشيخ فيما لحق من أفلام، فبدت أفلام مثل "ملاك وشيطان" و"لن أعترف" أكثر تعمقًا في تحليل شخصيات الأبطال نفسيًا وتشريحهم اجتماعيًا على خلفية الحدث المثير الذى يتصدر المشهد.

***

في عام 1960، بدأت أعمال البناء في السد العالي، واستقلت أكثر من عشر دول أفريقية ولقى ألبير كامو مصرعه وولد دييجو أرماندو مارادونا، إلا أن الحدث الذى تابعه المصريون بشغف على صفحات الجرائد هو قصة السفاح، أو محمود أمين سليمان، بعدها بعام واحد صدرت المجموعة القصصية "شفتاه" لإحسان عبد القدوس، ورواية "جفت الدموع" ليوسف السباعي، بينما صدرت رواية "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، والتي استوحاها من قصة السفاح إياه، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي في عام 1962 على يد كل من صبري عزت وعلي الزرقاني، وطبعًا كمال الشيخ.

هنا بدأت مرحلة جديدة في سينما الشيخ، اتجه فيها إلى الاهتمام بالأدب وبتحويل الروايات إلى الشاشة الكبيرة، لم يتخل عن إطار التشويق الذي أجاده منذ البداية وعلى مر السنين، ولكنه وظفه للتعبير عن هموم اجتماعية وآراء سياسية، تخصه وتخص مجتمعه. هنا يبدو كمال الشيخ مختلفًا جدًا عن هيتشكوك حتى لو أخرج فيلمًا بوليسيًا.

 

وكما أغرت أجواء الراقصات والعوالم حسن الإمام في الثلاثية وفي "زقاق المدق" فصنع أفلامًا بعيدة عن مضمون الروايات، أو كما أغرت أجواء الفتوات حسام الدين مصطفى ونيازي مصطفى أثناء صنعهما أفلامًا عن "الحرافيش" فخرجت مسوخًا بلا طعم أو معنى، كانت الأجواء البوليسية لـ "اللص والكلاب" فخًا قد يسرق نظر أي مخرج ويبعده عن المعنى السياسي والاجتماعي للنص الأدبي، لكن كمال الشيخ كان واعيًا لذلك الفخ فلجأ إلى محفوظ نفسه، تردد عليه وشاوره في تفاصيل السيناريو ودقائقه، مما مكنه من إتقان صنع فيلمه بيقظة ووعي فني ظهرا في تصوير العلاقة بين سعيد مهران ورؤوف علوان. ورغم موقف نجيب المعروف من عدم التدخل في سيناريوهات الأفلام المأخوذة عن رواياته إلا أنه أبدى تعاونًا في تلك المرة، وهو ما ظهر أثره جليًا في النتيجة النهائية للعمل.

 قدم الشيخ بداية من "اللص والكلاب" تسعة أفلام عن نصوص أدبية، لنجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، وجمال حماد، وفتحي غانم، ومارجريت واين، ونهاد شريف، فكان اكتشاف الشيخ لأهمية النص الروائي بالغ الأثر على منتجه السينمائى.

في العام اللاحق، 1963، قدم صلاح أبو سيف فيلم "لا وقت للحب"، وقدم شاهين "الناصر صلاح الدين"، وأخرج بركات "الباب المفتوح"، وعُرض لكمال الشيخ واحد من أشهر أفلامه وأبرزها وهو "الليلة الأخيرة"، والذى أعتقد أن مشهده الأول من أفضل وأهم المشاهد الافتتاحية فى السينما المصرية، ففي خلال دقيقة أو أقل نتعرف على أزمة وشخصية البطلة، التي أدتها فاتن حمامة، عندما تستيقظ صباحًا لتجد أن الجميع يعاملها على أنها أختها، فندخل إلى عمق القصة بأقصر طريق ممكن، وفي سرعة مبهرة نصبح متورطين معها فى عقدة الفيلم. يستغل المخرج التيمة المثيرة والأحداث المتصاعدة ليقدم لنا صورة تفصيلية لشخصية ونفسية البطل الذي أداه محمود مرسي، إضافة إلى إشارة سريعة لأثر الغارات الأجنبية على مصر في الحرب العالمية الثانية.

 كان "الليلة الأخيرة" فيلمه السادس والأخير مع فاتن حمامة، ستتبدل الأجيال ويغير الشيخ بعدها مجموعة الممثلين التى اعتاد أن يعتمد عليها في العديد من الأفلام؛ فاتن ومديحة يسري وعمر الشريف وعماد حمدي، ستعود شادية للظهور في أفلام الشيخ بعد دورها في "اللص والكلاب" لتقدم "ميرامار" و"الهارب"، وستقدم سعاد حسني معه ثلاثة أفلام من أبرز أفلامهما: "بئر الحرمان" و"غروب وشروق" و"على من نطلق الرصاص"، وسيشاركه محمود مرسي في فيلمين متتاليين، ومحمود ياسين في ثلاثية لاحقة، ثم نور الشريف في فيلمين متعاقبين. إلا أن أكثر الممثلين ظهورًا في أفلامه هو محمود المليجي الذي بدأ مع الشيخ منذ فيلمه الأول "المنزل رقم 13" حيث قدم دور الطبيب المجرم، وهو الدور نفسه الذي أداه لاحقًا في فيلم "تجار الموت"، كما شاركه فى عدد من أدواره النمطية المعتادة، إلى أن أعاد الشيخ اكتشافه مُقَدَِمًا إياه فى دور الطبيب النفسى في "بئر الحرمان" ثم في دور الباشا في "غروب وشروق".

 رغم اعتزاز كمال الشيخ بأفلامه في المرحلة الأولى، تحديدًا "حياة أو موت" و"أرض السلام"، إلا أنني أرى أنه كان مدركًا وواعيًا لما طرأ على أفلامه من تطور، لم يكن الأمر وليد الصدفة أو الحظ، ففي حوار تلفزيوني بالنصف الثاني من الستينيات، يجلس كمال الشيخ بجوار الكاتب ثروت أباظة، يتكلم الشيخ بهدوء وينفث من دخان سيجارته، بينما يقترح أباظة على المذيعة سلوى حجازى أن يعرضوا مقطعًا من فيلم "حياة أو موت"، فيتدخل الشيخ ويقول "ما نشوف حاجة أحدث" ويقترح فيلم (الخائنة) مضيفًا "أعتقد أنى عملت أحسن شغل ليا في الفصل الأخير من الفيلم دا".

***

 قدم الشيخ نقدًا مجتمعيًا متصاعدًا في مرحلته الثانية، بداية من "اللص والكلاب" مرورًا بـ "المخربون" و"الرجل الذي فقد ظله" ثم "بئر الحرمان" وصولًا إلى أكثر أفلامه إثارة للجدل رقابيًا، وهو "ميرامار" الذى عاد فيه مرة أخرى للتعامل مع روايات نجيب محفوظ، وقدم – ربما للمرة الأولى- نقدًا سياسيًا واضحًا للنظام متمثلًا في شخصية سرحان البحيرى عضو الاتحاد الاشتراكي، مما دفع الرقابة لمنع الفيلم وتعطيل عرضه، حيث توقفت الرقيبتان المسؤولتان عن مشاهدة نسخة الفيلم عند جملة "طظ فى الاتحاد الاشتراكي" التي وردت على لسان الإقطاعي السابق طلبة مرزوق (يوسف وهبى)، وقامتا باستدعاء مديرتهما السيدة اعتدال ممتاز، التي بدأت في مشاهدة الفيلم وسط جمع من الرقباء وبدأت تسجل الملحوظات واحدة تلو الأخرى، حتى مَلّت من كثرتها، وقالت إنه لا داعي لتسجيل هذا الكم من الملاحظات ولنستمتع بمشاهدة الفيلم. رفضت الرقابة الفيلم قبل أن يلجأ صناعه إلى عبد الناصر الذي مرره وسمح بعرضه فى آخر الأمر.

اقرأ أيضًا: عبد الناصر في قاعة السينما

 

كان "ميرامار" بداية لسلسلة من الأفلام المحملة بالرسائل السياسية، ففي العام التالي تحمس الشيخ لتحويل رواية جمال حماد "غروب وشروق" إلى فيلم سينمائي، وعَرَض الأمر على أكثر من سيناريست إلا أنه لم يرض عن أى من رؤاهم. في ذلك الحين، عُرض مسلسل تليفزيوني من سيناريو رأفت الميهي، كان الاسم جديدًا، طلب الشيخ من عبد الرحمن الشرقاوى أن يدبر له لقاءً مع هذا الشاب. في السنوات اللاحقة على هذا اللقاء قدم الميهي وكمال الشيخ أربعة أفلام متتالية: "غروب وشروق"، "شيء في صدري"، "الهارب"، و"على من نطلق الرصاص".

استغل الميهي موهبته الكبيرة في الفيلمين الأولين ليمرر رسائله السياسية وأفكاره المعارضة من خلال روايات تدور أحداثها قبيل ثورة يوليو، ولكنه في الفيلمين الأخيرين كان أكثر صراحة ووضوحًا، ففيلم "الهارب" يهاجم مراكز القوة ويُعرِض في أحد حواراته بحكام يوليو واصفا إياهم بـ "كلاب الحراسة التي لم تعد كلاب حراسة"، أما "على من نطلق الرصاص" فقد بدا صريحًا في مهاجمة سياسات الانفتاح الساداتية وأثرها على الطبقات الأكثر فقرًا. قدّم الشيخ في هذا الفيلم تابلوهات بديعة لكل أبطاله، ركَّز كاميرته على وجوههم ليكشف عنها الأقنعة، بدا ذلك تحديدًا مع سعاد حسنى التي تفنن فى تصوير ملامحها المرتبكة المضطربة حينًا، والمنكسرة المقهورة أحيانًا، ليصنع واحدًا من أهم علامات السينما المصرية.

يختار الشيخ "على من نطلق الرصاص" كواحد من أبرز المحطات في تاريخه, بالإضافة إلى "الليلة الأخيرة"، ومن قبلهما "أرض السلام" ضمن شهادته المنشورة فى التسعينيات. وبالرغم من تواضع القيمة الفنية للأخير إلا أن الشيخ كان يبدي اعتزازًا كبيرًا به، فهو من أول الأفلام العربية التي تتناول الصراع العربي- الإسرائيلي، حيث تم تصوير الفيلم في 1956، قبيل العدوان الثلاثى على مصر.

فى عام 1987، عُرضت سبعة أفلام من بطولة نور الشريف، وستة لمحمود عبد العزيز، وأخرج محمد النجار فيلمه الأول "زمن حاتم زهران"، وحقق فيلم "سلام يا صاحبي" نجاحًا جماهيريًا مبهرًا، وقدم رأفت الميهى رابع أفلامه مخرجًا وهو "السادة الرجال"، وكانت السينما على موعد مع الفيلم الأخير لكمال الشيخ، "قاهر الزمن" عن رواية خيال علمى للكاتب نهاد شريف. صدر في العام نفسه فيلم "جري الوحوش"، كلاهما من بطولة نور الشريف وكلاهما يدور حول طبيب يجري تجارب علمية يواجهها المجتمع بالرفض وبتُهَم كمعاندة إرادة الله ومخالفة مشيئته. ينتصر الشيخ فى فيلمه للعلم موجهًا نقدًا حادًا للجهل المستشري في المجتمع، على عكس "جري الوحوش" الذي تبنى رؤية مناقضة تمامًا، تنتصر للجهل وتُحقِّر من تجارب الطب العلمية تحت شعارات الرضا بالمكتوب ونظرية الـ24 قيراط.

***

استطاع كمال الشيخ عبر أفلامه الخمسة والثلاثين أن يقدم لغة سينمائية تميزه عن كل زملائه عبر رتم أفلامه المشدود، وإيقاعه المنضبط، وحبه لممثليه، رَسَم بورتريهات لوجوههم وإبراز ردود أفعالهم، إلا أن اهتمامه بالنصوص كان له أكبر الأثر في منتجه السينمائي. قد نلمس ذلك الاهتمام من خلال مشاركته الدائمة في كتابة سيناريوهات أفلامه، بل وإعادة الكتابة لأكثر من مرة مثلما حدث في "غروب وشروق" و"الصعود إلى الهاوية".

ربما لو كان القدر قد جمعني به ذات يوم، لاختلفنا سياسيًا، هذا ما أتصوره عندما أسمع عن بعض آرائه المتعاطفة مع الإقطاعيين أو مع السادات في بداية ولايته، إلا أنني لا أملك أمام سينماه إلا أن أجلس متأملًا، أفكر فيما يطرحه من أفكار أبعد من الأشخاص والأحزاب، أتعاطف مع أبطاله وأهاجمهم وأربت على أكتافهم. كان الشيخ محقًا فى امتعاضه من تشبيهه بهيتشكوك وحصره فى تلك الصورة، فلم يكن كمال الشيخ هيتشكوك المصري ولا حتى العربي، لم يكن كمال الشيخ عبر مشواره إلا كمال الشيخ.