تصميم أحمد بلال، المنصة
تتغذى الكائنات البحرية على الحفاضات الملقاة في البحار والمحيطات ما يعرضها للتسمم والنفوق

حفاضات موقوتة.. تدمر البيئة وتقضي على السلاحف

منشور الثلاثاء 27 فبراير 2024

استخدمت ماجدة فكري الحفاضات ذات الاستخدام لمرة واحدة لطفلها باسم، لمدة 3 سنوات ونصف السنة. كانت تستهلك من 5 إلى 8 حفاضات يوميًا، ثم تلقي بها في سلة القمامة، دون أي احتياطات.

تستخدم ملايين الأمهات الحفاضات لأطفالهن في السنوات الأولى من أعمارهم، حفاظًا على صحتهم، ولحمايتهم من الفيروسات والبكتيريا. لكن تبقى هناك مشكلة في التخلص الآمن منها.

تلقي ماجدة الحفاضات المستعملة في القمامة، تقول "بارميها في الزبالة واللي بيلم الزبالة بيشيل كله مع بعضه، معرفش إن فيه طريقة مخصوص للتخلص منها". 

أطنان من الحفاضات

يولد في مصر كل عام نحو مليوني طفل، وبحساب متوسط معدل الاستهلاك بحفاضتين في اليوم، يمكن القول إن الاستهلاك يصل إلى قرابة المليار ونصف المليار حفاضة في العام.

هذا العدد مرشح للارتفاع، حسب شركة الأبحاث التسويقية العالمية Mordor Intelligence، التي تتوقع زيادة معدل النمو العالمي بنسبة 4.43% سنويًا بين عامي 2023 و2028 في سوق الحفاضات، وترجعه بطبيعة الحال لزيادة الوعي بأهميتها في الحفاظ على نظافة الأطفال. لكن ذلك يخلق مشكلةً بيئيةً تؤثر بدورها في الصحة العامة، ناتجةً عن التخلص غير الآمن من الحفاضات.

في حين تشير الأكاديمية الطبية الأمريكية لطب الأطفال إلى أن ما يقرب من 90-95% من الأطفال الأمريكيين يستخدمون 27 مليار حفاضة خلال العام الواحد، ما ينتج قرابة 8 مليارات طن قمامة.

 

ورصدنا 18 علامة تجارية مختلفة من الحفاضات في السوق المصرية، بينها 12 شركة ذكرت المكونات على العبوات، و6 أخرى لم تشر إليها بوضوح، بينها شركتا بيبي جوي وبي بم.

فإلى جانب ما تحمله من فضلات، تحتوي الحفاضات على بلاستيك ومواد كيميائية تسبب تلوثًا للبيئة في حال التخلص غير الآمن منها. وأمكننا رصد 8 مكونات على عبوات الحفاضات، هي: البلاستيك (6 شركات) والقطن (12 شركة) والبولي بروبلين (14 شركة) والبولي يوريثين (شركة واحدة) والخيزران (شركة واحدة) وألياف دقيقة (شركتان) والبوليستر (شركة واحدة) ولب الزغب (شركة واحدة).

الخطر في المكونات

وكشفت دراسة علمية أن حفاضات الأطفال التي تستخدم لمرة واحدة لها تأثير خطير على البيئة، بدءًا من إنتاجها وانتهاءً بعملية التخلص منها، فمع الحصول على المواد الخام مثل الُلب والقطن والبلاستيك، ينتج كميات ضخمة من مياه الصرف الصحي تحتوي على ملوثات.

كما أكدت الدراسة أن الحفاضات المستخدمة لمرة واحدة تخلف كميات من النفايات البيئية، فهي تتكون من مادة هلامية بلاستيكية فائقة الامتصاص تستغرق مئات السنين حتى تتحلل. حتى الحفاضات التي تسمى "صديقة للبيئة"، التي تحمل علامة أنها قابلة للتحلل الحيوي، لا تتحلل بيولوجيًا في مدافن النفايات، وتسبب مشكلة كبيرة مثلها مثل الحفاضات العادية.

يعزو مستشار وزير البيئة السابق الدكتور صالح عزب الخطر الأكبر للحفاضات إلى البلاستيك الذي يدخل في تصنيعها، ما يضر بصحة الإنسان ويلوث الهواء والمياه، لافتًا إلى أن البلاستيك بأنواعه مضرٌ بالبيئة، "لا يتحلل بسهولة ويتسرب إلى التربة حال الدفن، كما أنه يتحول إلى مواد سامة متطايرة في الهواء حال الحرق".

وتعتمد شركات الحفاضات والفوط الصحية على البلاستيك "لتخفيض المصروفات"، وفق عزب، وتتعمد عدم ذكر المكونات على العبوة.

يصعب التحكم في سوق الحفاضات، نظرًا لدخول مصانع دون ترخيص إليها. يقول المدير العام لإحدى شركات الحفاضات، أحمد القطان، إن "بعض هذه المصانع تستغل العلامات التجارية لشركات كبرى لتحقيق المكاسب، ولا تتبع أي معايير صحية أو بيئية"، وهو ما يجعل عزب يطالب بتشديد رقابة جهاز حماية المستهلك على الأسواق.

أما ما يكشفه مدير عام الرقابة بوزارة التموين أحمد أبو الفضل فيشير إلى مزيد من الخطر "بعض الحفاضات يُعاد تدويرها وبعضها الآخر يُصنع من القمامة في مصانع بير السلم". وهي مخالفة قانونية تندرج تحت قانون قمع الغش وقوانين حماية الملكية وقانون حماية المستهلك، وكذا قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 113 لسنة 1994 بحظر تداول السلع مجهولة المصدر.

يقول مدير الرقابة "مصانع بير السلم تستغل العلامات التجارية، وتُصنّع بخامات من القمامة بالمخالفة لكل المعايير الصحية والبيئية، وعقوبة ذلك الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز 5 سنوات، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف ولا تجاوز 30 ألف جنيه". 

مشاكل صحية وبيئية

تصف خبيرة علوم البيئة وتغير المناخ الدكتورة سوسن العوضي، الحفاضات، بـ"القنابل الموقوتة"، موضحة "أي منتج يدخل في صناعته البلاستيك ويصعب التخلص منه إلا بطرق معينة يحتاج إلى رقابة شديدة من الدولة".

في حال التخلص من هذه المخلفات في البحار والمحيطات "تتحول لغذاء للكائنات البحرية نظرًا لتشابهها مع قناديل البحر التي تعد طعامًا أساسيًا للسلاحف، فتتعرض للتسمم والنفوق، وبالتالي الإخلال بالتوازن البيئي"، حسب العوضي.

كما يؤثر البلاستيك في الشعب المرجانية، التي تعد نظامًا بيئيًا أساسيًا لأكثر من 25% من الكائنات البحرية "وتحتاج مئات السنين للتعافي". وتقدر النفايات البلاستيكية بـ12,7 مليار طن تلقى في المحيطات. 

الحل ليس الدفن

تنصح خبيرة علوم البيئة بمراعاة الشروط الصحية للدفن عند التخلص من الحفاضات، "فيه خطورة شديدة على التربة الزراعية، لأن بعض المواد لا تتحلل رغم مرور السنين"، وتضيف "ما تحويه من مواد كيميائية خطيرة تتسرب للتربة فتقضي عليها وتبورها، أو تنتقل هذه المواد إلى الزرع مسببة أمراضًا سرطانية للإنسان، كما تلوث المياه الجوفية تحت الأرض".

وتحذر العوضي من حرق تلك النفايات، موضحة أن ذلك سيلوث الهواء بمواد كيميائية مضرة بالبيئة.

يذكر أن البصمة الكربونية لحفاضات الطفل الواحد حتى عمر عامين ونصف العام تعادل 457 كجم من ثاني أكسيد الكربون في الهواء، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وكشف التقرير السنوي لمؤشر جودة الهواء في 2023، أن مصر تقع في المركز الـ50 بين 250 دولة حول العالم، من حيث سوء جودة الهواء.

تقول إيمان مرجان، أم لطفلة، إنها استخدمت الحفاضات لطفلتها حتى عمر 3 سنوات ونصف السنة، بمعدل 3 حفاضات في اليوم خلال الصيف و6 في الشتاء، لم تكن إيمان تعلم أن الحفاضات تمثل مشكلة بيئية، "بس لو كنت أعرف مكنتش هوقف استخدامها برضه.. لأن إيه البديل؟"، مصححة "أفتكر السؤال هو إيه الطريقة الصح للتخلص منها؟". 

تخلص آمن 

تجيب عن السؤال خبيرة معالجة المخلفات بشعبة البيئة بالمركز القومي للبحوث الدكتورة حنان إبراهيم "البداية نتخلص من الفضلات البشرية في المرحاض، وبعدين نطهر الحفاضة نفسها بالكلور، ونرميها في سلة منفصلة عشان ما تتخلطش بالمخلفات الصالحة لإعادة التدوير". 

توجد أكياس مخصصة تساعد على تحللها في التربة حال الدفن، حسب خبيرة معالجة المخلفات "هذه الأكياس مصنوعة من البامبو والقطن، وتساعد على تحلل الحفاضات وفيه ناس بتستخدمها في دفن الحيوانات كمان، لكن سعرها غالي لأنها مش بتتصنع في مصر وبتيجي مستوردة".

وأوصت حنان بأن ينظم الإعلام حملات توعية للأمهات بطرق التخلص من الحفاضات، وتشجيعهن على ذلك، خاصة وأن الدولة أنفقت 7 مليارات جنيه لبناء بنية تحتية للتخلص من المخلفات الصلبة، تمثلت في محطات وسيطة ومصانع تدوير ومدافن صحية بعدد من محافظات الجمهورية.

جريمة إلقاء الحفاضات

يقول المحامي والخبير القانوني أحمد الضبع، إن "التخلص من المخلفات غير الخطرة، التي تندرج تحتها الحفاضات، يعرض مرتكبها للحبس والغرامة طبقًا لقانون إدارة المخلفات. والغرامة تصل إلى مليون جنيه مع الحبس في حال تكرار المخالفة".

تجمع شركات النظافة التابعة للمحافظة القمامة على مستوى المحافظات والمراكز، وتنقلها إلى محطات التجميع، ثم يتم التخلص منها بواسطة الحرق أو الدفن في مكبات النفايات بواسطة وزارة البيئة. ويشرف على تنظيم هذا القطاع الجهاز المركزي للشؤون البيئية والمستدامة بوزارة البيئة، حسب مستشار وزير البيئة السابق. 

منذ عام واحد تقريبًا عرفت ماجدة فكري الأضرار البيئية للحفاضات، تقول "بدأت أدور على بدايل غير الحفاضات القماشية لأنها مش عملية". لكن الخيارات لم تكن كثيرة "وجدت أنواعًا صديقة للبيئة لكنها غالية جدًا مقارنة باللي بستخدمه، ومش دايمًا متاحة في السوق". 

فيما يشكك مستشار وزير البيئة السابق، الدكتور صالح عزب، في كون هذه الأنواع "صديقةً للبيئة"، يقول "هي في حقيقة الأمر ليست كذلك، إذ إن البلاستيك يدخل في تصنيعها أيضًا".

ويدعي عزب أنها مجرد دعاية تعتمدها الشركات "مقابل الحصول على أموال أكثر من العميل، ولذلك لم تجد صدى لدى المستهلك". لتبقى مهمة الحفاظ على البيئة ملقاةً على عاتق وعي ماجدة وغيرها من الأمهات بطرق التخلص الآمن من الحفاضات.