تشارلي ليبين - بروكلين بورو هول - نيويورك

حرب ترامب على أمريكا التي أحببتها

منشور الثلاثاء 7 فبراير 2017

نشرت النسخة الإنجليزية من المقال في صحيفة ميدل إيست آي

ترجمة المنصة


في عام 1978، استقل صبي مصري مسلم طائرة من القاهرة متجهًا إلى نيويورك الباردة المغطاة بالثلج. كان "حلمه الأمريكي" يتلخص في مشروب "سيفين آب"، وشطائر الهوت دوج، وأفلام الكارتون، والتعلم وأيضًا إجراء عملية جراحية هامة – على الرغم من أن أهمية الأمور لم تكن بالضرورة على هذا الترتيب.

بعد أربعين عامًا، يصاحب الصبي حلم مختلف قليلًا، صار الصبي الآن صحفيًا، وصار الحلم كابوسًا، وذلك بسبب دونالد ترامب.

حَظْر تدفق المسلمين من سبع بلاد ذات أغلبية مسلمة – القرار الذي تُصِرّ إدارة ترامب على أنه ليس حظرًا، ولا يستهدف المسلمين بالتحديد – بَلوَر الاهتياج المعادي للمسلمين بداخل البيت الأبيض.

اقرأ أيضًا: إدارة ترامب ومَنْع المهاجرين

"ماذا فعل المسلمون له؟" هكذا قال سائق التاكسي بينما كنا نُسرِع نحو مطار جون كينيدي الدولي للانضمام إلى أكثر من 5000 من أهل نيويورك في الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت في أنحاء البلد فور توقيع قرار الحظر.

"أتمنى أن يأتي إلى حينا وسوف نجعله يعرف كيف نفكر فيه وفي حظره".

التعميم تجاه أي عقيدة يُعَبِّر عن الجهل، واتخاذ موقف عدائي من 1.6 مليار مسلم في العالم يعني تدمير للمصالح الأمريكية. على المدى القصير، ضاعفت حملة ترامب على المسلمين من أعدائه، سواء في الداخل أو في الخارج.

أما توقيعه المتعجرف فمن الممكن أن يؤدي إلى أزمة دستورية.

دوافع ظلامية

لا يُبدي ترامب اهتمامًا كبيرًا بالأمر، تركيزه الأكبر على الداخل الأمريكي. منذ اليوم الأول، وضع الانتهازي بداخله عينيه على إعادة الانتخاب لفترة أربع سنوات أخرى. لا تنظر أبعد من الشرير ستيف بانون، كبير المخططين الاستراتيجيين لترامب، وهو السائق الحقيقي لقرار الحظر العنصري.

 

من احتجاجات مطار جون كينيدي - تصوير عمرو خليفة - خاص المنصة

بانون المستقر الآن في مجلس الأمن الوطني، يُعتَبَر مدافعًا متعصبًا عن "القيم اليهودية المسيحية"، ويدرك كيف أن الموجة اليمينية التي تغزو العواصم الأوروبية سمحت بظهور دوافع أمريكا الظلامية.

الحقيقة أن بانون يفهم تيار العنصرية القوي الخاص بأمريكا، واستخدمه ليساعد ترامب على الفوز بالرئاسة.

وبنفس العملية السياسية الاستغلالية، وبالتوقيع على القرار الأشبه بتصرفات المتنمرين، أدرك بانون ورفاقه أنه ينبغي لقرارات ترامب الأولى أن تستهدف الضعفاء – وهم المسلمين في هذه الحالة.

في النهاية، يسعى ناسجو حكايات الأوطان التي تتعرض لتهديدات لخلق الوحوش على الدوام.

كانت حركة واضحة تمامًا حققت تأثيرها على مناصري ترامب المؤمنين بتفوق العرق الأبيض، وهم أنفسهم الذي أعلنوا في الأسبوع الماضي أن سياساته الجديدة "ستحررنا".

خطوة إلى الوراء

 

اعتبار المسلمين كشرّ مقيم من خلال هذا الحظر يبلغ مستوى "العقاب الجماعي... لعشرات الملايين" الذين يتدفقون من الدول السبع ذات الأغلبية المسلمة الموجودة على قائمة الحظر، هكذا تشرح سحر عزيز خبيرة الأمن الوطني وقوانين حقوق الإنسان.

ولكن الرد المدوي على قرار الحظر لم يأت من الحزب الديمقراطي، ولكن أتى من مئات الآلاف من الأمريكيين في نيويورك وشيكاجو وسان فرانسيسكو ولوس أنجلس وبوسطن، الذين هتفوا: "قل لي ما تبدو عليه الديمقراطية، هذا هو ما تبدو عليه الديمقراطية".

 

من احتجاجات مطار جون كينيدي - تصوير عمرو خليفة - خاص المنصة

بينما كان ترامب يشاهد فيلم "البحث عن دوري"، كانت أرض مطار جون كينيدي تهتز تقريبًا من صيحات: "لا حظر، لا جدار". امتثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية لنداء العدالة ووجّه اتهامًا قضائيًا، وأقام دعوى نيابة عن رجلين عراقيين يحملان بطاقات أمريكية خضراء سليمة وتم احتجازهما في المطار.

في أقل من 48 ساعة على توقيع ترامب لقرار الحظر، أمرت القاضية الأمريكية آن دونيلي بأول تعطيل لقرار رئاسي في رد فعل على دعوى اتحاد الحريات المدنية، ومنعت ترحيل العراقيين الاثنين أو أي شخص موقوف في مطارات الولايات المتحدة.

حلّت الضربة الأكبر في يوم الجمعة الماضي، و مما يثير السخرية، جاءت من قاضي عيّنه جورج بوش في سياتل، أعلن القاضي الإيقاف الفوري لحظر السفر في أنحاء أمريكا.

أظهر أمران واقعيان صغيران حجم التراجع: في أقل من شهر على إدارته، أظهر استطلاع لمؤسسة استطلاعات السياسة العامة أن 40 في المائة من الأمريكيين يريدون محاكمة ترامب.

في حين بدا من رد فعل ترامب الشخصي – الذي لم يتوقف عن التغريد، وكتب في اليوم التالي منتقدًا قاضي سياتل الفدرالي الذي أوقف خطته الشاملة للهجرة – أن الخسارة واضحة.

فشل حظر ترامب الهائل للمسلمين استمر إلى يوم السبت مع رفض محكمة اسئتناف طلب وزارة العدل لإعادة تنفيذ الحظر.

ولكن مجددًا، كشفت هذه المواجهة بعمق طبع ترامب الحاد، وذاته المتضخمة التي تشعر بالإهانة بسهولة، وكلا الأمرين يمثلان تهديدين كبيرين لأمن أمريكا الوطني.

أمريكا الجميلة؟

بعد مرور عقود من السفر إلى الولايات المتحدة، وفي تلك الأيام المظلمة التي صاحبت سقوط البرجين عام 2001 كنت أقف في مكتب أحد المديرين وأشاهد لحظات الرعب.

مع سقوط البرج الثاني، زميلة لي، اعتادت على أن تطمئن على صحة زوجتي التي كانت حاملًا وقتها، قالت لي بعد أن ولّت وجهها عن التلفزيون ونظرت لي مباشرة: "المسلمون الملعونون".

التاريخ واضح، هكذا تعلمنا في المدرسة الفرنسية الرفيعة في القاهرة. الإمبراطورية الإسلامية الممتدة منذ القرن الثامن وحتى الثالث عشر أسهمت في علوم الجبر والطب والعلوم والآداب والترجمة، وهذه مجالات قليلة من ضمن المجالات التي أسهمت فيها. بالتالي أنا فخور بكوني مسلمًا وعربيًا وما زلت كذلك.

في ذلك اليوم في عام 2001، نُسيت الإسهامات الفردية والتاريخية وانتصرت العنصرية التلقائية. ولكن على الرغم من أن الفترة التي تلت 11 سبتمبر شهدت حالات لإيذاء المسلمين، أو هؤلاء الذين يشبهون المسلمين، وظهر فيها التعصب الكامن وغير اللائق، ظلت هناك أغلبية تتفهم أن البلد في أساسه بلد مهاجرين.

بغض النظر عن المعركة المتقطعة التي تجري في مواجهة العنصرية، فوجود العنصرية لا يقلل من شجاعة مناصري الحقوق المدنية، والمظاهرات المناهضة لحرب فيتنام، والدستور الذي حمى حريتي الدينية، وحريات الملايين الآخرين. أنا عاشق لأمريكا الحاضنة والمرحبة والداعية للعديد من الثقافات والعقائد مثلما هو الحال مع نيويورك، وطني.

لا تخطيء الأمر: لقد جاء ترامب الآن ليهدم الجمال الذي تمثله أمريكا، من خلال خليط فريد من الجهل المقصود والعنصرية وانعدام الخبرة.

مقاومة قطار ترامب تبدأ من إلقاء الضوء على طبيعته. الق النظر إلى مجموعة الرجال البيض وكبار السن الذين يشكلون إدارته، وسوف تجد تمثيلًا لنادٍ من الأجلاف الكارهين للأقليات والنساء.

اقتف أثر الجذور السياسية لرجال مثل نائب الرئيس مايك بينس، وبانون، ومايكل فلين، كبير المستشارين الذي يعتبر معاديًا صريحًا لللإسلام، وسوف تجد أعضاء أساسيين في الحملة. هم لا يُخفون التعصب، إنما يحتفون به.

أن ترسم صورة ثاني أكبر ديانة في العالم بضربات فرشاة الإرهاب، لا يعتبر فقط أمرًا كريهًا وجاهلًا وعنصريًا، ولكنه يؤدي إلى عدم الاستقرار العالمي، سيتحول هذا إلى قبلة حياة للدولة الإسلامية ولتنظيم القاعدة.

الغالبية العظمى من الزعماء المسلمين في الشرق الأوسط إما دكتاتوريين أو جبناء. لذلك لا يفاجئنا صمتهم على قرار الحظر، ولا يفاجئنا حتى دعمهم له، وبعضهم أظهر ميلًا متوقعًا ليكون من رفاق ترامب المقربين.

من التالي؟

ولكن في السؤال المطروح في عواصم العالم الآن هو من التالي بعد المسلمين؟ والسؤال الآخر ربما يكون: كيف يمكننا أن نثق في هذا الرجل غير المتوازن الذي يصاحب النوع الخاطيء من الأصدقاء ويصنع الأعداء بسهولة، حتى مع أصدقاء مقربين مثل أستراليا؟

في اللحظة التي سيتم فيها تطبيع التعصب، يمكن أن نضمن انتشاره في أعراق وعقائد أخرى. سيتضمن "العادي الجديد" أن يكون "مكان اليهود في الفرن" التي كتبت في عربة قطار بنيويورك. إذا كرهت واحدًا، فمن الممكن أن تكره العديد من الناس.

قال بانون، أكثر المساعدين الذين يثق فيهم ترامب: "أنا لينيني.. أراد لينين أن يهدم الدولة، وهذا هو هدفي أيضًا". ولكن هناك ملايين يتابعون، وهناك ملايين أكثر يفهمون معنى مفهوم "الشر" الذي يستخدمه ترامب ككارت رابح، وهم لن يتابعوا قرار حظر المسلمين وغيرها من السياسات الفاشية وهم مكتوفو الأيدي.

أمريكا التي أعرفها هي سائق التاكسي الذي وقف على بعد سنتيمترات مني في احتجاجات مطار جون كينيدي يوم السبت الماضي، وابتسم عندما شرحت له أن المُراهِقة التي تقف إلى جانبي وتتظاهر دفاعًا عن حقوقها هي ابنتي، كان رده هو: "لها كل الاحترام".

هذه هي أمريكا التي أعرفها يا سيد ترامب؟ فما هي أمريكا بالنسبة لك؟