مضايا.. العالم يستيقظُ فجأةً

منشور الأحد 7 فبراير 2016

اجتاحت العالم العربي في الفترة الماضية حملة تضامن واسعة مع مضايا، تلك البلدة الواقعة في سلسلة جبال القلمون الغربي والتابعة إداريًا لمحافظة ريف دمشق.

حملة التضامن هذه تشبه كثيرًا ما جرى بعد أن تصدّرت صورة الطفل السوري إيلان، الذي وُجِد ميتًا على الشواطئ التركية بعد محاولة عائلته اللجوء لأوروبا عن طريق البحر، ليتذكر العالم فجأة أن هناك صراعًا يدور في سوريا، وتنشر صورة إيلان على صدور الصفحات الأولى للصحف العالمية، وأيضًا على منصات التواصل الاجتماعي في عالمنا العربي مع تعليقات مثل "يلعن روحك يا حافظ" المأخوذة من الأغنية الشهيرة "يلعن روحك يا حافظ على ها الجحش اللي خلفته" التي تغنى بها معارضو النظام السوري في الميادين والساحات بالمدن السورية المختلفة، في إشارة إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والد الرئيس الحالي بشار. 

 

صورة الطفل إيلان الذي وُجِد ميتًا على أحد الشواطئ التركية إثر محاولة عائلته الفرار من جحيم الحرب في سوريا

انتفاضة ثم نسيان

المشكلة بالطبع ليست في حملة التضامن مع مضايا، والتي تزامنت مع الحصار الخانق الذي فرضته قوات النظام السوري وحليفه حزب الله اللبناني، بل المشكلة الحقيقية هي أن العالم الذي يدير ظهره لما يحدث في سوريا يستيقظ فجأة لينطق كفرًا.

قبل أن تظهر صورة الطفل إيلان ميتًا، لقي آلاف الأطفال السوريين حتفهم نتيجة للصراع، وقبل مضايا كانت هناك العديد من البلدات التي فرض عليها الجيش السوري حصارًا خانق في محاولة تركيع سكان تلك البلدات وإذلالها كثمنٍ للانتفاض في وجهه.

ثم وماذا بعد أن طافت صورة الطفل السوري إيلان العالم بأسره؟ ماذا حدث؟ تناسى العالم سوريا مرة أخرى وعاد إلى سباته العميق، ثم أستيقظ مرة أخرى عندما خرجت بعض الصور من بلدة مضايا وانتفض العرب جميعا لجمع التبرعات من أجل مضايا، ثم ماذا حدث؟ عاد العرب لسباتهم العميق.

يبدو الأمر وكأن مشكلة مضايا كانت في عدم توفر المؤن والسلع، وليست في الأخبار التي تتحدث عن محاولة من نظام بشار وحليفه حزب الله في تغيير ديموغرافيا المدن والبلدات الواقعة في سلسلة جبال القلمون الغربي المحاذية للبنان وفي إطار معادلة الزبداني-مضايا ذات المكون السني الغالب فيهما مقابل الفوعة-كفريا الشيعيتين في ريف إدلب، وربط إدخال المساعدات لمضايا والزبداني بفعل نفس الأمر بالنسبة لكفريا والفوعة، في محاولة، أقل ما توصف بأنها دنيئة، للتفاوض على مصير سكان تلك البلدات والقرى.

فنجد إيران الشيعية تفاوض حركة أحرار الشام على الأرض التركية حتى تم التوصل لتسوية الزبداني، كفريا-الفوعة، وهو بالطبع ما يمكن أنا يأخذنا إلى أن المرحلة الحالية من الصراع السوري تكشف بوضوح أنه أصبح فعليًا رهن تحركات القوى الإقليمية والدولية التي أصبحت تلعب على المكشوف، فنجد الرياض تشكل وفد المعارضة السورية في جنيف 3 وفقا لهواها ونجد على الناحية الأخرى موسكو تريد إدخال تعديلات على ذلك التشكيل وتتدخل مباشرة في الصراع لإنقاذ نظام بشار من السقوط.

 

استراتيجيات التجويع

استخدم النظام السوري استراتيجية حصار المدن والبلدات المنتفضة ضده لغرضين من وجهة نظري، أولهما هو عقاب تلك البيئات التي انتفضت ضده، وثانيهما محاولة تركيع سكان تلك البلدات وفرض هدنٍ أو اتفاقيات تسوية عليهم يتم بمقتضاها فك الحصار عن تلك البلدات والمدن في مقابل إنهاء أي وجود مسلح داخلها عن طريق إخراج المسلحين وذويهم ونقلهم لمناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وذلك أيضا يمكن ربطه بمحاولة النظام السوري منذ فترة في التركيز على ما سمي بسوريا النافعة وهي المناطق التي لازال النظام السوري يتمتع فيها بحضور قوي ومؤيد له بدءًا من دمشق مرورا بحمص ووصولًا للساحل السوري.

مثل بعض أطراف المعارضة، حاصر النظام السوري ولا يزال، العديد من البلدات السورية. مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق حوصر لما يقارب النصف عام، وخرجت الأخبار من داخله عن تناول سكانه الحشائش والقطط نظرًا لعدم توافر الطعام ولارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى أرقام فلكية، تماما كما في حالة مضايا.

حوصرت حمص القديمة لمدة عامين حتى استسلم مقاتلو المعارضة وتركوا المدينة بوساطة أممية، مؤخرًا وفي حمص أيضًا تم توقيع هدنة بوساطة أممية بين الحكومة والمعارضة قضت بخروج عدد من مقاتلي المعارضة مع أسرهم من حي الوعر الذي حاصرته القوات السورية حصارًا جزئيًا لمدة قاربت العامين تخللتها فترات حصار كامل.

هناك العديد من البلدات والمدن الأخرى التي تعرضت ومازال تتعرض لحصار من قبل قوات النظام السوري والميليشيات التي تحارب إلى جانبه، كالغوطة الشرقية في ريف دمشق، وعدد من المناطق والبلدات الأخرى في الريف الدمشقي والتي وقعت عددًا من اتفاقيات التسوية مع النظام كأحياء يلدا، ببيلا وبيت سحم.

أيضًا خرجت الأخبار مؤخرًا تتحدث عن اتفاق تسوية بين النظام السوري ومسلحين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في أحياء الحجر الأسود والتضامن ومخيم اليرموك حيث يقضي الاتفاق بخروج المعارضين إلى مناطق تخضع للدولة الإسلامية في الرقة، ولكن تعطل تنفيذ الاتفاق بعد اغتيال قائد جيش الإسلام السابق زهران علوش حيث هؤلاء المسلحين كانوا سيتحركون في عربات من المفترض أن تمر عبر مناطق يسيطر عليها جيش الإسلام.

استراتيجية الحصار تلك تتبعها أيضًا فصائل المعارضة المسلحة وبالأخص الجهادية منها، فنجد جيش الفتح يحاصر القريتين الشيعيتين كفريا والفوعة في ريف إدلب كما نجد بلدتي نبل والزهراء الشيعتين كذلك في حلب محاصرتين، بينما نجد تنظيم الدولة الإسلامية يحاصر الجزء الذي يسيطر عليه النظام السوري من مدينة دير الزور.

 

وماذا بعد الهدن؟

هل يعني توقيع تلك الهدن نهاية الأمر وتناسي ما حدث على مدار سنوات الصراع السوري؟ هل يتناسى سكان تلك البلدات والمدن الحصار الذي تعرضوا له؟ هل يتناسوا البراميل المتفجرة التي سقطت على رؤوسهم أو بالقرب منها؟ هل يتناسوا من سقطوا نتيجة وحشية النظام الأسدي؟ بالطبع لن ينسوا كما لم ينسَ سكان حماة المجزرة التي ارتكبها نظام الأسد الأب بحق سكان المدينة في ثمانينيات القرن المنصرم.

في النهاية ما أود أن أوضحه هما شيئين، أولهما أن فعل التضامن مع أحداث الصراع السوري هو فعل جيد بلا شك، ولكن ما فائدة التضامن على فترات متقطعة؟ لقد اعتاد العرب عامة والمصريون خاصة -باعتباري مواطن مصري- على أن هناك صراع دموي يدور هناك في سوريا ويحمدون الله أنهم أفضل حالا من سوريا وفقا للمقولة الشهيرة "أحسن من سوريا والعراق".

الشيء الثاني، أن الصراع السوري لا يمكن حله بمثل تلك الطريقة التي تجري الآن في جنيف، على القاتل أن يحاكم أيًا كان من هو، لابد أن يسود العدل، والعدل هو العدل ببساطة بعيدًا عن أن سوريا المستقبل هل هي علمانية أم إسلامية، سوريا المستقبل لابد أن تكون عادلة ويكون عمادها القانون الذي لا يفرق بين المواطنين السوريين بناءً على مذاهبهم الطائفية أو انتماءاتهم العرقية. 

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.