أصدقاء الغريب| ينحني القلب بحثًا عمّن فَقَدْ

منشور الأربعاء 4 أبريل 2018

 

أشاهد فيديو لندوة لكَ في مكتبة الإسكندرية لم أشاهده من قبل، يقدّمك مسؤول الندوة فأملّ جدًا، يسرح تفكيري فأصل إلى تساؤلي "ليه ما عزمتكش على حفلة توقيعي الأخيرة؟ لازم تيجي الحفلة الجاية بقا ما ينفعش" ثم أتذكر فجأة أن هذا لم يعد ممكنًا، ببساطة.

أنام أمس بعد حبتي منوّم قوي، يأتيني في المنام أن أشخاصًا كُثر أعرفهم قد ماتوا، أقول لا مشكلة ما دام "هو" لم يمت. أتعجب في الحلم "من هو؟" وحينما أدرك أنني أتحدث عنك، أستيقظ. أتساءل لماذا أشرقت الشمس وكيف تفعل، لماذا تصوصو العصافير، وكيف سنواجه العالم من غيرك؟

تمام، هذه هي السنتمنتالية التي يكرهها صديقي عبد الرحمن، الولد الصغير الذي كبر الآن وصار مبرمجًا قد الدنيا يقيم في بلاد الغربة والبرد. عرّفتني عليه وعلى كل الناس الحلوة في حياتي.

أتصل بدعاء، التي أطلقت عليها يا سيدي "الأم الروحية"، أسأل عن أخبارها فتبكي. أبكي معها أننا لم يعد لنا وجود، من عرّفنا على الحياة ذاتها، بجمالها وقبحها ومحاولات تحسينها، قد مات. ماذا نفعل نحن هنا؟ أجدها توافقني في الكلام فنبكي أكثر. خلاص رحنا واللي كان كان.

يقولون إن الرمز لا يموت، الحب والجمال والحاجات الحلوة دي لا تموت. تمام والله، لكن ماذا عن دعوتك لحفلات توقيعنا وزفافنا وسبوع أولادنا؟ ماذا عن الاتصال بك لمعرفة رأيك في شيء ما؟ ماذا عن الاختلاف معك ومناقشتك بحدة ثم الاعتذار الكامل الخجول لك لأنه "ما يصحش والله" فتدهش لأنك "ما حطيتش في بالك أصلًا"؟

ماذا عن المزيد من شرح دورات حياة فيروس HIV والفرق بينه وبين متلازمة الإيدز، ماذا عن المزيد عن المرض الأصفر وأمراض الطفولة السبعة؟ من يشرح لنا بعدك اكتشاف الميكروسكوب والفايروسات والبكتيريا بأسلوب مشوّق يجعلنا نجنّ لمعرفة "ها وصلوا له ولا لأ؟" مع أننا نعرف تمامًا أنهم وصلوا له والله لكن القصة أكثر جمالًا من الواقع؟

ماذا عن المزيد من رؤية وجهك وسماع صوتك ونطق اسمك: أحمد خالد توفيق، ثلاثيًا، لا يتعالى علينا؟ ماذا عن تحطيم أسطورة عمالقة كليات الطب الذين يذلّون طلبتهم ويطحنونهم طحنًا، فجئت أنت طيبًا رقيق المعشر لتؤكد أن الحياة فيها غير هذا الواقع بديع السوء؟

يرثيك كل الناس ولا أستطيع الحديث عن تأثيرك عليّ. أهرب بمحاولة الطبخ لأني لازم آكل والله، وأهرب فأحاول تشغيل فيلم، ثم فجأة أجدني أسأل نفسي: هو مين اللي مات؟ فأتذكر ثانية ويطحنني قلبي ثانية وكده ينفع عادي، مصابنا كلنا كبير، مصابنا أكثر إيلامًا من أي شيء آخر.

علمتنا معنى الحياة ثم فجأة أخذتها ورحلت. نعمل إيه إحنا طيب؟

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.