طقوس "أربعة أيوب" التي غيبتها العملية سيناء 2018

منشور الثلاثاء 3 أبريل 2018

جلس وحيدًا أمام شاطئ ممتد، ارتفعت أمواجه بفعل رياح تشتد، وسماء تلبدت بالغيوم التي غاب خلفها قرص الشمس، منتظرًا رفقة يعلم أنها لن تأتي، وكأن الأحوال الجوية أيضا تعاند أهالي العريش، و تحرمهم إحياء الطقوس السنوية لـ"أربعة أيوب".

لسنوات سبقت ظهور "الإرهاب"، ثم الحرب عليه المستمرة في شمال سيناء منذ عام 2014 وحتى الآن، دأب شيوخ المساجد وبعض المتشددين على مطالبة أهالي العريش عن الكف عن هذه العادة، التي رأوها من غير صحيح الدين. وطالبوا الأهالي بالتوجه بالدعاء إلى الله، دون الذهاب إلى الشاطئ وطلب الاستشفاء بغمر الأرجل في مياه البحر؛ إلا أن الأهالي ظلُّوا يتجاهلون تلك الدعوات، مستمرين في إحياء عادتهم السنوية.  

لكن خلال السنوات الأربعة الماضية، أخذت أعداد المتوجهين لشاطئ البحر في "أربعة أيوب"في التناقص، خاصة مع اتساع رقعة الاغتيالات والهجمات المسلحة التي طالت نيرانها المدنيين إلى جانب عناصر الجيش والشرطة. بالإضافة للمظاهر الأمنية التي تمثلت في إغلاق الطرق وفرض حظر تجوال مستمر، ومعاناة الأهالي اليومية في البحث عن الطعام. كل هذا أسهم في تراجع طقوس الاحتفاء السنوية بالعادة المتوارثة إلى أن توقفت هذا العام تمامًا، في ظل استمرار العمليات العسكرية المرتبطة بـ"العملية الشاملة سيناء 2018". 

                                  

شاطئ العريش اليوم في التوقيت السنوي للاحتفال بـ

يقول " محمد النجيلى" من سكان حي "آل أيوب" بشارع البحر فى العريش، إن عادة أهالي شمال سيناء درجت على التوافد إلى شاطئ البحر لإحياء الطقوس المرتبطة بالنبي أيوب، الذي أمره الله بالاستشفاء بالماء ليبرأ مما ألمّ به من مرض، في يوم الثلاثاء السابق على عيد الفصح بالكنيسة الشرقية "عيد القيامة وشم النسيم".

كانت العادة أن يتوافد الأهالي إلى شاطئ البحر بعد وقت العصر ، ويبقون هناك انتظارًا للحظات التي تسبق مغيب الشمس، ليغمروا أرجلهم في مياه البحر داعين الله أن يمن عليهم بالشفاء أو يحقق لهم أمانيهم. حتى الفتيات ممن يتأخرن في الزواج يكُّن عادة ضمن الحاضرين. وبين أهالي سيناء من يقصد البحر ذلك اليوم ليطلب من الله أن يمن عليه بالأبناء. وينْفَضّ الأهالي عن شاطئ البحر بعد غياب قرص الشمس في المياه. 

ورغم اتساع رقعة شواطئ المتوسط التي تمتد حتى في فلسطين ولبنان وسوريا؛ إلا أن أهالي سيناء يعتقدون في أن شاطئ العريش هو المكان الذي من الله فيه على نبيه بالشفاء. وإن لم توجد روايات تاريخية أو دينية تدعم هذا الاعتقاد. 

                           

أرشيفية- أهالي العريش يغمرون أرجلهم في مياه المتوسط طلبًا للاستشفاء في

يُذكّرنا  زياد السلايمة، من أهالى العريش، بأن تحذير شيوخ المساجد من ممارسة العادة لم تؤثر -في السنوات السابقة على الحرب- في أعداد المداومين عليها. ويقول الأديب حاتم عبد الهادي الذي يحيا بالعريش، إن هذه العادة متوارثة منذ أجيال، وكان يحرص عليها كبار السن. إلا أنها باتت تندثر بمرور الأعوام، رغم استمرارها في الشواطئ الساحلية للدول القريبة المجاورة في فلسطين ولبنان.

ومع انطلاق العمليات الأمنية "سيناء 2018 "، تراجعت قدرة الأهالي على التنقل بسبب ندرة المواصلات، فمحطات الوقود لا تزال مغلقة، وتواصل الأجهزة الأمنية حملاتها التي تقوم خلالها بإغلاق تام للأحياء السكنية المجاورة للبحر من كافة الجهات، حتى أن أفراد الامن يقومون بتفتيش البيوت بيتًا بيتًا. 

كما أن أزمة نقص المواد الغذائية في الأسواق دفع الأهالي إلى توجيه تحركاتهم خارج المنازل إلى البحث عن منافذ توزيع المواد الغذائية، التي يقضون أمامها ساعات في سبيل الحصول على احتياجاتهم الأساسية، مما همّش اهتمامهم بالذهاب إلى شاطئ العريش لإحياء طقوس "أربعة أيوب".