الرشاوى الانتخابية والحشد الجماعي في العبور - تصوير علاء القمحاوي- خاص المنصة

ما تطلبه صالة التحرير.. مشاهدات صحفية في الانتخابات الرئاسية

منشور الخميس 29 مارس 2018

 

في أوائل مارس/ أذار الجاري، دعت الهيئة الوطنية للانتخابات الصحف لإرسال أسماء الصحفيين المكلفين من قبل مؤسساتهم بمتابعة الانتخابات خلال أيام التصويت الثلاثة. ولثلاثة أيام، قامت الصحيفة التي أعمل بها بجمع بيانات بضع عشرات من صحفييها تمهيدًا لإرسالها للهيئة.

صورة من تحقيق الشخصية لكل صحفي (الرقم القومي)، صورة كارنية النقابة، صورة كارنية الصحيفة، وصورة شخصية جديدة. تلك هي الأوراق الرسمية التي طلبتها الهيئة، وقمنا بتسليمها لصُحفِنا أملا في أن نكون من المختارين للحصول على تصريح رسمي لمتابعة الانتخابات.

مرت ثلاثة أسابيع على تسليم تلك الوثائق، لكن التصاريح لم تصل بالفعل إلا قبل أيام ثلاثة من الموعد المقرر لبدء الاقتراع في 26 مارس. وعَزت اللجنة التأخير في إصدار التصاريح إلى "الاستعلام الأمني" و"إجراءات الهيئة الوطنية للصحافة" التي تولت مع الهيئة الوطنية للانتخابات مسؤولية اختيار الصحفيين المكلفين بالتغطية.

وعلى الرغم من البيان الصحفي الصادر عن الهيئة الوطنية للانتخابات، والتي قالت فيها أنها أصدرت تصاريح المتابعة لكافة الصحفيين الذين تقدمت صحفهم بالطلبات القانونية المستوفاة؛ إلا أن الحقيقة غير ذلك. فقد استبعدت الهيئتان (الوطنية للانتخابات، والوطنية للصحافة) أسماء عشرات الصحفيين، ومنهم من حصل سابقًا على تصاريح قانونية لمتابعة الانتخابات والاستفتاءات المتعددة التي شهدتها مصر في السنوات الثماني الأخيرة، وذلك دون إبداء أية أسباب. 

فور استلام تصاريح المتابعة، اجتمعت إدارة التحرير بالصحفيين المكلفين بالتغطية لتوزيع خريطة مهام تغطية اللجان، والتنبيه بتوصيات خاصة لليوم الأول "محدش يصور من غير تصريح ولا يعمل مشاكل. ركزوا على الطوابير قُدَّام اللجان والمشاهير اللى جايين يصوتوا عشان دي صورة الخبر الرئيسي والمانشيت.. يا طوابير يا مشاهير".

تختلف هذه التعليمات عن ما جرى تنبيهنا إليه في الاستحقاقات السابقة التي قمنا بتغطيتها. فقد كانت الانتهاكات والرشاوى الانتخابية أبرز ما تنبهنا إدارة التحرير لمتابعته. حتى في الانتخابات البرلمانية السابقة، اهتمت إدارة التحرير خلال اجتماع الاستعداد بالتأكيد على رصد التجاوزات والرشاوى. وكانت الصور الأبرز التي اهتم بها زملاؤنا في أقسام التصوير والفيديو هي صور خرق القوانين، بالإضافة لتنبيهنا لضرورة الرصد الأمين لنسب المشاركة، متضمنة أعمار الناخبين المشاركين ونوعهم (ذكور أم إناث)، دون إصرار على تصوير الزحام والطوابير. كما كان يتم تنبيهنا لرصد تصويت المسؤولين والشخصيات السياسية والعامة.

وفي استفتاء 2014 وقبله 2012، كان التركيز علي التقارير النوعية "فيتشر"، ومتابعة الاستفتاء في المناطق المهمشة أو التي تشكل ثِقَلاً انتخابيًا لتكتلات سياسية معينة كالسلفيين أو الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى التركيز علي مدي تميُّز الفصائل والحركات والأحزاب السياسية في جذب المشاركين والتصويت بنعم أو لا. وكذلك التنبيه برصد حملات هذه التكتلات السياسية علي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

كل هذه التنبيهات المحددة المهتمة بتقديم تغطية شاملة، تلاشت تمامًا في اجتماعات التحرير التي شهدتها كثير من الصحف للإعداد للانتخابات الرئاسية، وأكدت إدارات التحرير - في صحيفتي على الأقل- على الصحفيين الاهتمام بالطوابير والمشاهير، دون أي ذكر للانتهاكات أو تحركات القوى السياسية. 

                   

مجند يرتاح في منتصف اليوم الأول

تكاتك ومساعدين

لم يكن من السهل الوصول إلى المقار الانتخابية، في المدارس الحاوية للجان عبر الموقع الإلكتروني للهيئة الوطنية للانتخابات. فلم يبق أمامي سوى البحث عن أسماء المدارس الحكومية عبر شبكة الإنترنت قبل أيام الانتخابات، ثم الاستعانة بسائقي المواصلات العامة والميكروباصات والتكاتك للوصول إلى الموقع الدقيق للجان الانتخابية في الدائرة التي كُلِّفت بمتابعتها.

في اليوم الأول للتصويت، وجدت وزملائي الصحفيين تواجدًا كثيفًا لأعضاء حملتي "انزل – شارك"، و"من أجل مصر" وسمحت الجهات الأمنية لهم باستقبال الصحفيين ومساعدتهم علي أبواب اللجان. وعلمنا أنهم مكلفون كذلك بمراقبة فرق الدي جي التي أذاعت الأغاني أمام اللجان لحشد الناخبين في ظل تواجد أمني مكثف، ربما للتاكد من أنهم يلعبون قائمة الأغاني المحددة ولا يخرجون عنها. وغالبًا ما كان البرنامج الغنائي الانتخابي يتألف من أغان وطنية محورها أغنية حكيم الجديدة "أبو الرجولة".

 لم يشفع تصريح متابعة الانتخابات الصادر عن الهيئة الوطنية لدى الجهات الأمنية المكلفة بتأمين اللجان الانتخابية لتسهيل مهمتي الصحفية. وعلى عكس كافة الاستحقاقات السابقة التي قمت بتغطيتها، فوجئنا في اللجان بتشديدات أمنية إضافية. فحتى الصحفيين الحاملين للتصاريح القانونية تعيَّن عليهم تسجيل أسمائهم لدى فرد أمن بلباس مدني متواجد في كل لجنة، ومهمته تسجيل البيانات الكاملة للصحفيين المتواجدين أمام اللجان، وليس فقط الصحفيين الموجودين في داخلها. وكانت الحجة "دي إجراءات أمنية. لو حد جه بيتك لازم تعرفيه وتاخدي بياناته".

                                   

 أما في الداخل، فأضيفت للتعليمات التي تلقيناها في الصحيفة تعليمات جديدة في شكل نصيحة من رجال الأمن، سواء من كانوا منهم باللباس الرسمي أو بالملابس المدنية، "ممكن حضرتك تصورى لما يكون في ناس بتنتخب أو طوابير عشان شكلنا ميبقاش وحش".

بعض أفراد قوات التأمين لم تكن لديهم معرفة مسبقة بشكل التصريح الذي تصدره الهيئة الوطنية للانتخابات وحاولوا منعي من الدخول. ولكن بمجرد إجراء حوار صغير "ودَّي" مع المسؤول، وإبراز كارنيه نقابة الصحفيين أو كارنيه الصحيفة بجانب التصريح؛ يأمر المسؤول عن التأمين بمساعدة الصحفي.

  في اليوم الأول كان تعاون الجهات الأمنية والقضاة في العديد من اللجان مع الصحفيين ملحوظًا، خاصة اللجان التي شهدت ظهور بعض طوابير الناخبين، إذ كان وجود الطوابير مؤذنًا للصحفيين والمصورين بالدخول بسلاسة، مع مطالبتنا بعدم التصوير في حال كانت اللجنة فارغة. أما مع الطوابير، فكان مسموحًا لنا ومُرحَّبًا بنا عند التصوير، حتى لمن لا يحملون منّا التصاريح القانونية. 

أما في اليومين الثاني والثالث، فكان التشديد أكبر في رفض التصوير داخل اللجان، خاصة مع ضعف الإقبال، وذلك بأوامر مباشرة تلقيناها من ممثلي الهيئات القضائية المتواجدين داخل اللجان الفرعية.

صورة ورقصة وزجاجة زيت

"صوريني وأنا بارقص"، "صوريني بالعلم وصورة السيسي". كان هذا هو المطلب الرئيسي الذي يلقيه أعضاء حملات الدعم والحشد المتواجدة أمام اللجان على مسامع الصحفيين. وظهر حرصهم الشديد على استمرار الأجواء الاحتفالية خاصة في اليومين الأول والثالث. فبمجرد مشاهدة كاميرا تُرفع لالتقاط صور فوتوغرافيا أو فيديو، تتعالى أصواتهم مطالبين أعضاء حملاتهم بالرقص ورفع الأعلام الوطنية وصور الرئيس عبد الفتاح السيسي حتى تلتقطها الكاميرات. 

                              

سيدات جرى حشدهن بمعرفة علاء والي نائب كرداسة بالبرلمان - تصوير أيمن عارف 

 على مدار الأيام الثلاثة ظل الحشد سيدًا للموقف، إما من خلال سيارات تابعة للجهات الرسمية كالوزارات وهيئات الدولة، أو سيارات تحمل شعارات الأجهزة التنفيذية للمدن والأحياء، خاصة في المدن الجديدة كالشروق وبدر والعبور والسادس من أكتوبر. كما "تطوعت" سيارات ميكروباص خاصة لنقل الناخبين من خلال خدمة التوصيل من المنزل للجنة الانتخابية. وكان "الحشد" على أشده في اليومين الأول والثالث.

اقرأ أيضًا: حشد الناخبين في العبور.. مئتا جنيه مقابل الصوت الانتخابي

 السلع التموينية لا تزال تحتل دورها البارز ككل انتخابات شهدتها مصر منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك. لكن هذه المرة كانت الأمور أكثر تنظيمًا، فالعمال ومحدودي الدخل ومن يمكن أن نجملهم تحت مسمى "الفئات المهمشة" كان عليهم تسجيل بيانات بطاقات الرقم القومي مقابل ورقة عليها كود، يتوجهون بها إلى اللجنة الانتخابية، ثم يعودون بها ومعهم شهادة بالتصويت تتمثل في إصبعهم المغموس بالحبر الفوسفوري، حتى يتسلموا حصتهم من الرشوة الانتخابية، إما بمبلغ مالي وصل إلى 200 جنيهًا في بعض المناطق، أو كارتونة تموين تحوي زجاجة زيت وكيس من السكر وآخر من الأرز، وفي بعض المناطق المحظوظة أضيفت دجاجة إلى هذه الحصة شبه الثابتة. 

اقرأ أيضًا: لتحسين صورتنا أمام العالم.. شنطة تموين هدية لكل ناخب

 حاول بعض رجال الأعمال وكبار العائلات بالدوائر الانتخابية والجمعيات الأهلية الدفع بشباب سن 14 إلى 18 عام للرقص وجذب الناخبين، إما مُرتَدِين لسترات عليها شعار "انزل.. شارك" أو بدونها، وتواجدوا خارج المقار الانتخابية تحت أعين قوي التأمين، وطبعًا كان الرقص يشتد بمجرد ظهور كاميرا.

 لم يخلُ المشهد من توافد سيارات الميكروباص والكبوت (نصف الميكروباص)، وعربات نصف النقل لحشد الناخبين بعد تسجيل أرقام بطاقاتهم الشخصية خاصة في المناطق الشعبية، وذلك تحت أعين قوى الأمن المتواجدة خارج المقار الانتخابية.

في اليوم الثاني للتصويت، وكذلك خلال النصف الأول من اليوم الثالث، طلبت قوي التأمين المسؤولة عن اللجان منّا  "بشكل ودّي" عدم الدخول للجان، خاصة في حال خلوها من الناخبين.

مرت ساعات طويلة -خاصة في اليوم الثاني- شهدت فيها اللجان ضعفًا شديدًا في الإقبال. إلا أن الساعات الأخيرة من اليوم الثالث شهدت إقبالاً ملحوظًا، خاصة مع نشاط لجان الوافدين التي كان لها دور بارز في الحشد والتصويت الجماعي، وظهر هذا بشكل خاص في المناطق الصناعية والمدن الجديدة. حيث سمحت الهيئة الوطنية للانتخابات في يناير/ كانون ثان الماضي للمواطنين بتغير المقر الانتخابي من اللجان المرتبطة بمحل السكن المثبت في البطاقة، إلى المقار الموجودة بالمناطق التي يتواجدون فيها بهدف العمل أو السكن المؤقت.

أوضح لي أكثر من قاض باللجان الفرعية أن كثير من الناخبين في المدن الجديدة هم عمال وموظفون بالشركات والمصانع، وحراس للعقارات يعيشون ويعملون بتلك المناطق، وأن هذا مسوغ لنقلهم بوسائل مواصلات خاصة بالشركات العاملين بها إلى المقار الانتخابية.

لم يخلُ المشهد من الدفع بمصورين تابعين لحملات "من أجل مصر" و"شارك –انزل" لتوثيق ما يجري خارج اللجان وتصوير الطوابير -إن وُجدت-، وتصوير لقطات فيديو مع الناخبين خاصة الأطفال وكبار السن، ونشر هذه المواد على صفحات التواصل الاجتماعي وإرسالها إلى الصحفيين.

                               

طابور أمام إحدى لجان الهرم - تصوير حازم عبد الحميد 

 في اليوم الثالث والأخير للتصويت، جابت سيارات تحمل "دي جي" ومكبرات للصوت الشوارع، تدعو المواطنين للتصويت.

ومن المشاهد الهامة التي لم أشهدها في كافة المرات التي قمت فيها بتغطية استحقاقات انتخابية ودستورية خلال السنوات الماضية؛ مشهد تجهيز "بوفيه" لتقديم المشروبات الساخنة والباردة، وسيارات لإعداد الطعام أمام عدد من المقار الانتخابية وخاصة في المناطق الراقية والمدن الجديدة، لتقديم خدماتها للناخبين وقوي تأمين اللجان. وأكد العاملون على هذه العربات أن القوات الأمنية سمحت لهم بالتواجد أمام اللجان بعد الاستعلام الأمني عنهم.

في الصالة

أما داخل صالة التحرير، فكانت الكلمة الأكثر ترديدًا على لسان اعضاء إدارة التحرير هي "الحياد"، وتجنُّب نشر التقارير التي ترصد انتهاكات وتجاوزات، وكذلك التقارير التي ترصد ضعف الإقبال على اللجان. وإن مر قليل من المعلومات عن ضعف الإقبال على استحياء شديد، بعد دمجها وسط التقارير المجمعة التي تتضمن نسب التصويت التي تعلنها الوطنية للانتخابات على لسان رئيسها في مؤتمراته الصحفية اليومية.

في اليوم الأول كانت صور الطوابير والمشاهير والرقص هي الأبرز، وغابت التقارير التي قدمها صحفيون بالفعل عن ضعف الإقبال أو محاولات الحشد. أما في اليومين الثاني والثالث، فبدأ نشر تقارير حول مظاهر الحشد التي قامت بها المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة علي استحياء، كما مرت بعض التقارير عن التجاوزات الانتخابية خاصة التى بدرت من الأفراد. وانعدمت التقارير الخاصة بالخروقات الانتخابية التي قامت بها المؤسسات الحكومية، رغم قيام صحفيين برصدها وكتابة تقارير عنها.