الصورة من موقع توثيقي لثورة 25 يناير
صورة من اقتحام ميدان التحرير فيما عرف بموقعة الجمل - الصورة من موقع توثيقي لثورة 25 يناير

"المنصة" تفتح صندوق الثورة الأسود: اعترافات ووصايا ما قبل الموقعة

منشور السبت 30 يناير 2016

في مثل هذا اليوم قبل خمس سنوات؛ رفع عبد الكريم مارديني المبرمج المصري الشاب سماعة هاتفه الأرضي من مدينة زيورخ حيث يعمل، واتصل برقم دولي وقال:"أنا عبدالكريم مارديني باجرب يا شعب مصر العظيم".

بصوت مرهق، نطق صاحب فكرة خدمة Speak2tweet جملته التي دشنت خدمة؛ مكنت المصريين من إيصال أصواتهم إلى شبكة التواصل الاجتماعي تويتر، بعد انقطاع الإنترنت عن مصر خلال الفترة من 27 يناير حتى 2 فبراير 2011.

 خلال الفترة من 30 يناير الذي أجرى فيه مارديني مكالمته، وحتى نهاية مارس، استقبلت الخدمة أكثر من 1000 مكالمة صوتية، بعدما تمكن صديقه نجيب جرار، من إيصال أرقام الهواتف المخصصة لاستقبال المكالمات، إلى شاشتي الجزيرة والعربية وعدة قنوات إخبارية أخرى، لنشر المعرفة بالخدمة، انتظارًا للمكالمات التي سيجري تحويلها لتغريدات تبثها شبكة التواصل الاجتماعي تويتر، عبر حساب خدمة speak2tweet. التي تتيح لمستخدميها كذلك الاستماع إلى التغريدات التي تركها مستخدمون سواهم.

وبينما جلس مارديني في انتظار تغريدات متظاهري التحرير، توالت معظم المكالمات ظهيرة يوم الثلاثين من يناير من مصريين مغتربين، أعلن أغلبهم تأييده لمظاهرات التحرير، وقليلهم أكد على دعمه لمبارك ضد المظاهرات المعارضة. مما يعكس عدم استيعاب الكثيرين للغرض الذي أسست من أجله الخدمة، كي تمنح صوتًا للمحرومين من الاتصال بالإنترنت في مصر. فاستخدمها مصريون مغتربون وسعوديون وليبيون وموريتانيون يتمتعون في الدول التي يقيمون فيها بخدمات الإنترنت، واتصلوا بأرقام الخدمة لإعلان دعمهم للثورة أو رفضهم لها.

كما وردت يومها مكالمتان من الناشطة منى سيف، تحدثت فيهما مرة بالعربية ومرة بالإنجليزية عن تفاؤلها واستمرارها في التظاهر حتى يرحل مبارك.

"المنصة" تفتح صندوق الثورة الأسود: كيف غَرّد المصريون حين انقطع الإنترنت

بمراجعة سجل المكالمات الذي حصلت عليه المنصة؛ وجدنا أن يوم 31 يناير واليوم التالي عليه 1 فبراير، الذي شهد أول مليونية يدعو لها المتظاهرون؛ كانا أنشط أيام الخدمة في تلقي المكالمات، التي انتقلت إلى  شبكة التواصل الاجتماعي تويتر، في شكل روابط صوتية على حساب الخدمة. وقامت المنصة بفحص سجل المكالمات بين يومي 30 يناير وحتى الثاني من فبراير الذي شهد موقعة الجمل، وهي الفترة التي مثلت ذروة استخدام المصريين في الداخل والخارج لأرقام الخدمة.

يوم 31 يناير، كان التحرير على موعد مع حشود متوسطة توجهت إليه تأييدًا للمتظاهرين، وبالتزامن كانت المظاهرات في بورسعيد ودمياط والإسكندرية، وميدان الممر بالإسماعيلية والزقازيق بالشرقية، والمحلة بالغربية؛ تعلن إصرارها على مطالب جمعة الغضب، التي ارتفعت فيها الهتافات ضد الفساد والتوريث والغلاء وانتهاك كرامة المواطنين وعنف الشرطة.

استقبلت خدمة Speak2tweet يومها مكالمات من تلك المحافظات، ظهر فيها جليًا أصوات الهتاف. حتى أن إحدى المشاركات من بورسعيد أملت اسمها وتركت سماعة الهاتف لتلتقط أصوات الهتافات المنادية بإسقاط النظام، واتهام مبارك بالعمالة. لكن اليوم النشط استقبل أيضًا مكالمات أخرى تستحق التوقف عندها..

اعترافات وتوبة

من بين المكالمات التي استقبلتها الخدمة؛ مكالمتين من اثنين من السجناء الهاربين، جرت يومي 31 يناير و1 فبراير على الترتيب، قال أحدهما دون أن يذكر اسمه: إن الشرطة هي من فتحت لهم الأبواب ومنحتهم الأسلحة وطالبتهم بالتخريب. مؤكدًا أنه لن يمارس التخريب، لأنه لا يريد العودة للسجن، وأنه شاهد الشرطة بعينيه وهي تتعدى على الممتلكات. كما قال إن قوات التأمين قامت بالقبض على أناس لم يتورطوا في السرقة والتخريب، ووجهت لهم اتهامات بنهب الممتلكات.

الثاني قال في نص مكالمته التي جرت يوم 2 فبراير وفُقِد ملفها الصوتي: "أنا مواطن مصري أحمد عبد العليم، أحد سجناء الفيوم. اللي هربوهم حراس السجن. أنا محبوس وكنت واخد 5 سنين وهم مشكورين خرجونا قبل الميعاد بسنتين عشان نكسر ونخرب البلد. فاكريننا أغبياء. إحنا نكسر ونخرب وبعدين يمسكونا ويرجعونا بتهمة تانية. ماصدقنا إن السجون اتفتحت، روحنا واستخبينا، لا كسرنا ولا خربنا. شايفينهم بعينينا وهم بيكسروا. أمناء الشرطة لابسين مدني وهم بيكسروا ويسرقوا. فاكريننا هنكسر ونخرب ويرجعونا، بس احنا كفاية علينا 3 سنين. وهو كفاية عليه 30 سنة، حسني مبارك، لا حسنة ولا بركة. كفاية عليه كدا قوي، كاتم على أنفاسنا 30 سنة، هو عايز إيه من الدنيا تاني؟ مايسيبها ويمشي بقى؟ هو كل دا وجاي دلوقتي بعد 30 سنة بيعين له نائب؟ مجرد عرايس بيحركهم بفتلة. كل اللي جابهم دول نفس العصابة. وهو جابهم عشان لما يخرج يعرف يخرج بعياله وفلوسه وكرامته يغور في داهية مش عايزينه. احنا عايزين نختار ناس بمعرفتنا. لزومه إيه نجوع ونتشرد. ودلوقتي حاطين الجيش في ميدان التحرير. ما هم الجيش دول ولادنا! هيضربوا فينا ولا إحنا نضرب فيهم ليه؟ لابد من الحماية للشعب المصري! وشكراً". 

 وتكررت المعلومات ذاتها في مكالمة بالإنجليزية جرت في الأول من فبراير، لم تعلن صاحبتها عن اسمها قالت فيها إن السجناء "أخبروهم" أن حراس السجن أبقوهم جوعى لثلاثة أيام، ثم أطلقوا سراحهم وأعطوهم أسلحة.

من بين الاعترافات التي تلقتها الخدمة أيضًا، مكالمة جرت يوم موقعة الجمل قال فيها المتصل إنه تلقى أموالاً للمشاركة في المظاهرت المؤيدة لمبارك، من خلال قريب له يعمل بالشرطة. وأنه يشعر بالخزي لموافقته على المشاركة.

كما اتصل كادر سابق بالحزب الوطني يدعى أحمد صالح، يوم الحادي والثلاثين من يناير، ليتحدث عن خبرته في العمل مع دكتور نبيه العلقامي الذي احتل منصب أمين شباب الجمهورية بالحزب الوطني، وشكك في مشاركته في حشد البلطجية المهاجمين للمظاهرات المعارضة خلال الثورة.

ومن المكالمات اللافتة أيضًا، اتصال من شخص أجرى مكالمة في الثاني من فبراير، وأعلن في أولى جمل مكالمته أنه مسجل خطر. وأنه اتصل ليحذر غيره من المسجلين من "الوقوف مع حسني مبارك". مذكرًا إياهم بانتهاكات الشرطة ضدهم وضد أسرهم، وبأهمية انتهاز الفرصة للتطهر والتوبة وعدم الانتصار لمبارك والحزب الوطني. مؤكدًا أن من في التحرير يبحثون عن صالح البلاد.

معلومات وتحذيرات

                                        

متظاهرون بميدان التحرير يرفعون الأحذية أثناء استماعهم لخطاب مبارك عشية موقعة الجمل 

عقب خطاب مبارك الذي بث في الحادية عشرة والنصف تقريبًا من  ليل الثلاثاء 1 فبراير؛ بدأت تحركات لمؤيديه تجري في أنحاء متفرقة من القاهرة، رصدها بعض السكان وقرروا استخدام أرقام خدمة Speak2tweet لتحذير المتظاهرين من عواقبها.

من بين تلك المكالمات العديدة، اتصال من سيدة علمت من خلال معارفها في الإسكندرية أن الجيش انسحب، وهناك مصادمات بين المتظاهرين ومسلحين موالين للحزب الوطني، وأن هناك إصابات ووفيات عديدة. وقالت إنها علمت أن تحضيرات لمواجهات شبيهة تجري في القاهرة قرب ميدان التحرير، وأن قوات الجيش تحاول صد الهجمات حتى لحظة إجرائها للمكالمة.

واتصل شاب تحيطه أصوات تدل على أنه في الشارع، ليؤكد أن ما حدث في الاسكندرية والسويس من اعتداءات على المتظاهرين على وشك التكرار. وأن أشخاص من منطقة الهرم يستعدون للتحرك صوب التحرير للاعتداء على المعتصمين. يذكر أنه بعد ساعات من تلك المكالمة التي جرت صباح الثاني من فبراير، وقع المشهد الأيقوني باقتحام الجمال والخيول القادمة من منطقة الهرم لميدان التحرير، لتعطي يوم "موقعة الجمل" اسمه الشهير.

متصل آخر مساء الأول من فبراير أكد أن عربات تابعة لمن أسماهم "مرتزقة الحزب الوطني" تجوب الشوارع عقب انتهاء خطاب الرئيس الأسبق. وأنهم يدعون الناس للاحتشاد في مظاهرات مؤيدة لمبارك في اليوم التالي.

وآخر قال في مكالمة جرت اليوم نفسه، إنه رأى عبر قناة BBC عربات تابعة للجيش والشرطة تحمل مؤيدين إلى ميدان مصطفى محمود وإلى مبنى التلفزيون، للهتاف تأييدًا لمبارك. وطالب بتحذير المتظاهرين من أية مصادمات. جاءت هذه المكالمة في العاشرة والثلث من صباح الأربعاء 2 فبراير، الذي احتشدت فيه النقابات الفنية، ومشاهير الرياضة وأنصار الحزب الوطني في مصطفى محمود وقرب ماسبيرو، وحاولوا الوصول للتحرير لإعلان تأييدهم لمبارك، قبل أن تبدأ المصادمات التي استمرت حتى عصر اليوم التالي.

وتوقع آخر أن تقع معركة كبيرة في اليوم التالي لخطاب مبارك، مطالبًا بتسجيل كل ما يقع. متهمًا التلفزيون المصري بتزوير الحقائق، وهو ما كان موضوع عدة مكالمات أخرى.

هل هذا رقم الجزيرة؟

يوم 31 يناير كان هو اليوم السابق على أولى المليونيات التي دعا لها الثوار، وعلى خطاب مبارك العاطفي الذي ذكَّر فيه بمشاركته في حرب أكتوبر وتاريخه العسكري طالبا الاستمرار في الحكم حتى نهاية فترته الرئاسية في سبتمبر 2011. اليوم كان هادئا نسبيًا بعد زيارة المشير حسين طنطاوي قائد المجلس العسكري لميدان التحرير صباح يوم 30 يناير الذي شهد إطلاق الخدمة. وبعد انسحاب الشرطة مساء يوم 28 يناير، لم تعد المواجهات شائعة في شوارع القاهرة والمحافظات؛ وإن استمرت المواجهات العنيفة التي استشهد فيها عشرات المتظاهرين في شارع محمد محمود في يومي 29 و30 يناير.

تلك الأجواء الهادئة نسبيًا؛ استقبلت خلالها الخدمة مئات المكالمات من مصريين في الداخل والخارج. وجه كثيرون منهم الشكر لقناة الجزيرة، قبل أن يبدأوا في كلمات بعضها مطولة، يعلنون فيها تأييدهم لمطالب المحتجين وعلى رأسها رحيل مبارك. البعض الآخر وجه السباب للقناة مستخدمًا تعبير " قناة الحظيرة"، التي استخدمها الكتاب المؤيدون للنظام في سنوات التوتر بين نظام مبارك والقناة ودولة قطر. مما يشي بأن كثير ممن بادروا للاتصال بالخدمة في ذلك اليوم وقعوا في خلط جعلهم يتصورون أن أرقام الخدمة؛ هي ذاتها الأرقام التي تتلقى عليها الجزيرة مداخلاتها. ويؤيد هذا الظن كون معظم المكالمات التي تلقتها الخدمة تحدث أصحابها بأسلوب يشبه مداخلات برامج التوك شو.

من بين تلك المكالمات مكالمة من شخص رافض لحسني مبارك، اتصل يوم الحادي والثلاثين من يناير ليدعو لمنح الرئيس الأسبق فرصة الاستمرار في الحكم حتى نهاية مدته الرئاسية شريطة ألا يعيد ترشيح نفسه، لكنه رغم ذلك؛ يتهمه بالتسبب في كل ما تعانيه البلاد من مشكلات اجتماعية واقتصادية. واستقبلت الخدمة مكالمات أخرى عديدة يدعو أصحابها المتظاهرين المحتجين للثبات، مستخدمين الدعاء أو المناشدات أو الوعود بالانضمام للمظاهرات.

البعض الآخر كان يتعامل مع الخدمة بشكل أنتج تغريدات طريفة أحيانًا، واستحوذ يوم الحادي والثلاثين من يناير على معظم هذه التغريدات.

أحدهم اتصل لبث النشيد الوطني، وأخرى قررت اختبار قدراتها الغنائية عبر الخدمة واتصلت لتدندن مع أغاني وطنية قبل أن تختتم مكالمتها بجملة قصيرة تطالب فيها بتغيير النظام. واتصل ثالث ليتمنى لفتاة تدعى هديل أن تتفوق دراسيًا وأن تلتحق بكلية الطب، دون أن ينسى إعلان حبه لمصر.

ورابع وجدها فرصة جيدة للإعلان عن أغنية جديدة ومطالبة القنوات الفضائية بإذاعتها باعتبارها "بتحرك الشباب جدًا"، وخامس يعمل لصالح أحد المواقع الإلكترونية أراد اختبار الخدمة. بينما اتصل العديدون للمطالبة بعودة الإنترنت، وطلب المساعدة الفنية لمعرفة كيفية الولوج للشبكة. واتصلت إحداهن لتطالب بالبدء في المفاوضات والمطالبة بتولي دكتور أحمد زويل لرئاسة الجمهورية.

 ولكن مع الإقبال على استخدام تلك الخدمة التي تكرر شرائط قنوات الجزيرة والعربية والحرة و CNN العربية أرقامها؛ انتبه أنصار الرئيس الأسبق حسني مبارك للخدمة وبدأ سيل من المكالمات يغزو الخطوط الثلاثة التي استطاع أصحاب الفكرة أن يوفروها لاستقبال أصوات مصر الغائبة عن الشبكة الدولية.

إدوله فرصة وكلها 6 شهور

                                 

مظاهرات مؤيدي مبارك أمام ماسبيرو يوم موقعة الجمل

الجمل الأشهر التي جاء عدد من كبار السن وموظفي الدولة إلى ميدان التحرير ليقنعوا المتظاهرين بها حتى تنحي مبارك في 11 فبراير ،كانت جمل: " إدوله فرصة، هو وعد إنه هيصلح ومش هيرشح نفسه تاني، كلها 6 شهور ويمشي وانتخبوا اللي انتو عاوزينه" هذه العبارات التي ظهرت في ميدان التحرير وفي خطاب الإعلام عقب خطاب مبارك العاطفي مساء 1 فبراير،وجدت طريقها على الفور لخدمة Speak2tweet وظهرت خلال عدة مكالمات لمؤيدي الرئيس الأسبق، واستقبلها موقع alive.in/Egypt وشبكة تويتر على الفور.

من بين هذه المكالمات واحدة وردت من شخص يدعى أحمد مكي في الأول من فبراير قال فيها : إنه يحيا بالولايات المتحدة. ردد مكي ضمنًا ما قاله مبارك في خطابه مساء الأول من فبراير، عندما حيا الشباب الذي خرج في مظاهرات سلمية في الخامس والعشرين من يناير، "لكن فئات لها أغراض حولت تلك الاحتجاجات عن أهدافها، وباتت تبشر بالفوضى" حسبما جاء في خطاب مبارك. رأى مكي في مكالمته أنه من اللازم أن "نعطي الرئيس بعض الوقت"، وأن المظاهرات باتت تنجرف للفوضى والدمار.

واتصل بهاء باسم في اليوم نفسه ليقول بالإنجليزية: إن العدد الموجود في التحرير لا يمثل أكثر من 4% من المصريين. وإن مبارك قضى نصف عمره يخدم مصر، وهو أفضل خيار لحماية البلاد حتى سبتمبر. وأنه لا يستحق ذلك من المحتجين.

اللافت أن المكالمات المؤيدة لمبارك ولإنهاء التظاهرات جاء معظمها بالإنجليزية، على العكس من المكالمات المؤيدة لمتظاهري التحرير التي جاءت بالعربية، حتى وإن أجراها مصريون مغتربون في دول لا تتحدث العربية.

من بين المكالمات اللافتة لمؤيدي الرئيس الأسبق؛ ثلاثة مكالمات تحمل فيها المتصلات نفس الصوت. أجريت المكالمات بفارق دقائق عن بعضها البعض يوم 31 يناير. أولاها قالت فيها المتصلة: إنها عملت مع هيئة المعونة الأمريكية لمدة 15 عامًا. وأكدت أن المحتجين هم من القوى الإسلامية التي تهدد بتحويل مصر إلى معقل جديد لجماعة طالبان. وأن الشباب الطاهر الذي قام بمظاهرات يوم 25 يناير، انسحبوا وتركوا المجال للإسلاميين. وناشدت المجتمع الدولي بالتدخل لمساعدة مبارك على استعادة السيطرة على الأوضاع، من أجل وضع أفضل للمرأة في مصر.

 ونفت المتصلة أن يكون مبارك قد قمع المصريين، مؤكدة أنه منح المصريين الاستقرار، كما منح الاستقرار للشرق الأوسط كله برعايته لاتفاقية السلام. وناشدت المصريين الجالسين أمام أجهزة التلفزيون بمساعدة مبارك. وهذه هي ذات النقاط التي ركز مبارك عليها في خطابه الذي ألقاه في مساء ذلك اليوم. استغرقت تلك المكالمة الدولية أكثر من 4 دقائق.

الصوت ذاته ظهر في مكالمة تالية، تمت بعد تسع دقائق من المكالمة السابقة. وقالت صاحبته إن ما يجري في التحرير خدعة، وأن المتظاهرين ليسوا من سكان القاهرة وأنهم من الإسلاميين، وسكان القاهرة لا يريدونهم في مدينتهم.

وعاد الصوت مرة ثالثة في مكالمة طويلة أخرى، ليردد نفس النقاط التي جاءت في المكالمة الأولى؛ فقط ادعت صاحبة الصوت في هذه المكالمة أنها إسلامية، وتهدد بأن الموجودين في التحرير قد يختارون رئيسًا يحارب من أجل فلسطين، وأن الإسلاميين قادرين على استمالة الناس لاختيارهم بالحرب ضد إسرائيل. كما ظهر في هذه المكالمة صوت نسائي آخر يمليها ما تقول، ويذكرها بنقاط غابت عنها تتعلق بمحمد البرادعي الرئيس الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

  وفي مكالمة بالعربية، وجهت متصلة مذعورة اتهامًا للمتظاهرين بالتسبب في توتر الشعب. بينما اتصلت سيدة أخرى تدعى سهام من هولندا؛ كي تعرب عن احترامها لمبارك وقناة الجزيرة وتطالب بعدم إهانة الرئيس الأسبق وإيقاف التظاهر ضده، والتوقف عن مطالبته بالتخلي عن الحكم. ومتصل آخر يوم موقعة الجمل الذي انهالت فيه المكالمات الغاضبة والمتعاطفة مع المتظاهرين، تحدث بالإنجليزية كي يطالب بإعطاء مبارك فرصة للاستمرار في الحكم سبعة شهور أخرى خشية وقوع البلاد في الفراغ الدستوري، وهي نقطة حذر منها مبارك أيضًا في خطابه في الليلة السابقة على موقعة الجمل الشهيرة. وآخر اتصل ليهتف منفعلاً بحياة الرئيس.

اتصالات مؤيدي مبارك على أرقام الخدمة أثارت غضب أحد مؤيدي الثورة، ليتصل في تغريدة منفعلة في الثاني من فبراير، مطالبًا إياهم بالتوقف عن الاتصال، وترك أرقام الخدمة كي يتحقق الهدف منها باتصالات المعارضين بعد أن "قطع مبارك الإنترنت وتويتر وكل حاجة". مطالبًا مؤيدي مبارك المتحدثين بالإنجليزية بأن "يرحمونا شوية"

 

متظاهرون يبتعدون جريًا عن مسلحين مؤيدين لمبارك في أحد الشوارع الجانبية المحيطة بميدان التحرير

أين أصوات الميدان

أطلقت خدمة Speak2tweet بالأساس كي يستعيد المحتجون قدرتهم على الحشد وتبادل الأخبار والتواصل، خلال فترة انقطاع الإتصالات بناءً على أوامر من وزير الداخلية وقتها حبيب العادلي. ولكن بمراجعة سجل المكالمات الذي حصلت عليه المنصة؛ وجدنا تغريدات قليلة من المتظاهرين والمحتجين، الذين يبدو أنهم كانوا منشغلين بالاشتباكات المستمرة عن استعمال الخدمة في التغريد وإيصال الأخبار.

المدون والمبرمج أحمد غربية، الذي شارك في ثورة يناير، وهو كذلك من أبرز مستخدمي تويتر في مصر، قام بإجراء تغريدة وحيدة لاختبار الخدمة يوم الحادي والثلاثين من يناير، ولم يعد لاستخدامها بعدها وفقًا لسجل المكالمات التي حصلنا عليها.

في اليوم التالي استقبلت الخدمة بضعة مكالمات من المحتشدين والمتوجهين لميدان التحرير للمشاركة في المليونية الأولى التي يدعو لها المتظاهرون في الثلاثاء الأول من فبراير . فاتصل أحدهم لينقل بهاتفه صوت الحشود التي تملأ الميدان، يرافقها صوت باك يصعب استبانة ما يقوله، وإن كان ما يقول يشبه قصيدة "أناديكم" التي ارتبطت بتحية المقاومة الفلسطينية.

واتصل رجل ليملي وصيته قبل التوجه للميدان، دون أن يكون واثقًا إن كان سيبقى على قيد الحياة.

واتصل ثالث من على أبواب الميدان، ليتحدث  بلهجته الصعيدية عن الزحام الشديد للمحتشدين على مداخل التحرير للمشاركة في المليونية الأولى. وقال شاب يدعى جو إنه يسير 25 كيلو متر مع أصدقائه ليصلوا لميدان التحرير، بعد أن أغلق الجيش كافة الطرق، وأنهم لن يتوقفوا حتى يصلوا إلى الحرية.

لم تستقبل الخدمة مكالمات يمكن الاستدلال منها على أنها تمت من داخل الميدان، في يوم الثاني من فبراير الذي وقعت فيه اشتباكات عنيفة بين مؤيدين لمبارك، والمتظاهرين في التحرير وفي ميادين ثائرة في عدة محافظات أخرى. وفي الأيام التالية عادت مكالمات المصريين في الخارج والداخل ممن يطالبون مبارك بالرحيل، ومؤيدي مبارك الذين يدعون لإبقائه في منصبه حتى سبتمبر؛ لتسيطر على أرقام الخدمة والتغريدات الواصلة إليها.

ما تبقى من الصندوق

بعد خمس سنوات من إطلاق الخدمة، ومع تقلبات الأحداث التي عصفت بالثورة عقب تنحي مبارك عن الحكم؛ نسي كثيرون ذلك الطوق الذي ألقاه مبرمج مصري مهموم بالثورة كي يعين المنخرطين فيها. وتبقت منها مدونة على موقع alive.in، مخصصة لتغريدات المصريين، يصعب البحث فيها عن محتوى بعينه لضعف إمكانيات الموقع الحاوي لها، بالإضافة لغياب روابط العديد من الملفات الصوتية التي اعتمدت عليها الخدمة. 

لكنها رغم ذلك لا تزال تمثل أرشيفًا مكتوبًا ومسموعًا "أحيانًا" لساعات عصيبة، كادت أن تنكسر فيها الثورة بعد خطاب مبارك الذي أدى لانفضاض الكثيرين من حول الثوار، وبعد معركة لا تزال توصف بأنها من أكثر معارك الثورة دموية. وتحتفظ سجلات مشاركات المصريين على خدمة speak2tweet بتعلق قلوب الكثيرين بالميدان الذي لم يدخلوه بأجسادهم لكنه - وبحسب مكالماتهم-  رد لهم روحًا وكرامة ظنوها لن تعود.