لقطة من وثائقي الجزيرة "ما خفي أعظم" توضح اﻷطراف المتهمة بتنفيذ انقلاب في قطر

"ما خفي أعظم": وثائقي قطر لقلب الطاولة على الخصوم

منشور الثلاثاء 13 مارس 2018

 

"قطر، إمارة هادئة لم تكدّ أمورها تستتب عام 1996 للحاكم الجديد، حتى تحرّكت ضده دول الجوار الراغبة في فرض إرداتها السياسية والعسكرية على الإمارة الغنية، والتي ستنتصر في النهاية على المتآمرين جميعهم، قبل عقدين من تكرارهم لمحاولاتهم العدائية من جديد بإعلان مقاطعة الدوحة عام 2017 .." هكذا قال برنامج يحمل اسم "ما خفي أعظم" تنتجه وتذيعه قناة الجزيرة القطرية.

بين استعراض لقوة استخباراتية وأمنية قطرية وتأكيد لقوتها أمام "فشل" السعودية واﻹمارات والبحرين ومعهم مصر، خرج البرنامج بعد شهور من قطيعة- تُسميها الدوحة حصارًا- نفذّتها الدول الأربع، في أوائل يونيو/ حزيران 2017، حين اتهمت الإمارة الغنية بـ"دعم الإرهاب والتدخل في شؤون الغير"، ليأتي الدور اليوم على قطر، فيما يبدو وكأنه ليس خروج من خانة الدفاع ودفع لتلك الاتهامات فحسب، بل وقلبًا للطاولة في وجه الخصوم، بـ99 دقيقة هي مُدة حلقتي الوثائقي.

ما الذي خفي؟

افتتح الجزء الأول من الوثائقي بمشهد إعلان تولي الأمير حمد بن خليفة السُلطة خلفًا لوالده في 27 يونيو/ حزيران 1995- تُسميها دول بالمنطقة مثل مصر انقلاب قصر، ومنه انطلق مُقدّم البرنامج، الفلسطيني تامر المسحال، في حديث بالوثائق مرّة والرواية مرة ومحاورة مصادر جميعها قطرية باستثناء واحد فقط مرة أخرى.

 

وفي أول 10 دقائق من الحلقة الأولى المذاعة في 6 مارس/ أذار الجاري، بدأ توجيه أولى الاتهامات للدول الأربعة، بأن مسؤولين بارزين فيها شكّلوا "قيادة عُليا للانقلاب".

كانت الأسماء المذكورة تشير إلى أن التخطيط للانقلاب، الذي تحدثت عنه أواخر التسعينات صحفًا غربية، تم بإرادة سياسية من أعلى سُلم سلطات في هذه البلاد. فأعضاء القيادة المزعومة كانوا، آنذاك، كل من رئيس الأركان الإماراتي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وولي عهد البحرين حمد بن عيسى، وجهاز الاستخبارات السعودية بتكليف من الأمير سُلطان بن عبد العزيز، والمخابرات المصرية بقيادة عُمر سليمان، ويعاونهم من الداخل القطري قائد الشرطة سابقًا حمد بن جاسم بن حمد.

وعلى مدار الدقائق الاثنين وخمسين لتلك الحلقة، توالت الاتهامات على لسان المصادر، التي كانت تُثبت أكثر فأكثر سبق الإصرار والترصد بقطر، من قبيل "تشكيل غرفتي عمليات إحداهما في البحرين والثانية في مدينة الخُبر السعودية لمتابعة الخطط وسيرها وإدارة العمليات، وعقد أعضاء قيادة الانقلاب للقاءات مع الضُباط القطريين الذين سينفذونه".

أظهر مُقدّم البرنامج، عقب حديث المرّي، وثيقتين بديا كتحقيق لشخصية العسكريين المصريين الذين نُسب إلى سُليمان ذكرهما، وكانتا تحملان اسم عطية بنداري عطية عفيفي، وأحمد توفيق محمد زورة.

وتوالى تقديم "الشواهد" على عزم الدول الأربعة على تنفيذ انقلاب في قطر، من قبيل استضافة الإمارات للأمير خليفة أواخر عام 1995، واستعراض للتجهيزات من قبيل "إرسال مصر الأسلحة بعد 4 أيام فقط من لقاء سليمان والقطريين، ودعم السعودية لهؤلاء عسكريًا وبقبائل مُقاتلة، بجانب دعم جوي من البحرين والإمارات، وبري من الأخيرة".

مع استفاضة من المصادر عن أدق تفاصيل الاجتماعات والخُطط، كان عرض لوثائق من شأنها إدانة الدول الأربع مثل "وثيقة مُسربة من أرشيف رئاسة الاستخبارات العامة السعودية (فرع الطائف) عن توجيه لمديري الجوازات في المنافذ السعودية المختلفة، بتسهيل تنقل قائمة من 107 من الشخصيات القطرية الضالعة في الانقلاب، والسماح بدخولها المملكة بغض النظر عما يحملون".

لكن يقول الوثائقي إن الدوحة انتصرت في النهاية، وكشفت العملية التي عٌرفت باسم "أبوعلي" قبل ساعتين فقط من تنفيذها الذي كان مُقررًا له الثالثة فجر 14 فبراير/ شباط 1996، رغم شهور من الإعداد له على يد سلطات ومخابرات 4 دول.

من نقطة الفشل في تنفيذ الانقلاب، يبدأ الجزء الثاني من الوثائقي، والذي أذيع أول أمس الأحد، فأثار حملة غاضبة من مواطني قطر ضد دول المقاطعة، خاصة البحرين التي اتهم الوثائقي أميرها الحالي حمد بن عيسى بـ"التخطيط المباشر لتنفيذ عمليات تخريبية داخل قطر"، حسبما سجّلت هاشتاجات "قطر 96" و"ما خفي أعظم"، وكذلك "ما خفي أعظم الجزء الثاني"، الذي ما يزال متصدرًا لقائمة الهاشتاجات الأبرز في قطر Trends حتى اليوم، وإن لم يخل من هجوم على قطر.

 

 

في الجزء الثاني، ومثلما اتُهمت قطر بـ"إيواء مطلوبين/ إرهابيين مصريين وسعوديين، وتمويل بعضهم، ومنح بعضهم الآخر جنسية"، يستعرض الوثائقي كيف "وفّرت الإمارات ملاذا للانقلابيين ورواتب لهم ولعوائل المقبوض عليهم داخل قطر، بل وغطاء سياسي بمنحهم جواز سفر رسمي، وكيف تشاركت والبحرين في وضع مخططات لإثارة الفوضى داخل قطر تمهيدًا لإنجاح انقلاب جديد".

.. مَن يكشفه؟

البرنامج من إنتاج الجزيرة، الشبكة الإعلامية القطرية الأبرز، التي ولدت بميلاد عهد حمد بن خليفة، الأمير الأب، منتصف التسعينات وبدعم منه.

وأما المصادر التي استند عليها الوثائقي فتمثلت في مشاركين ومعاصرين للحدث، الانقلاب، جميعهم قطريين سواء من الجهة التي تشكّلت للتحقيق في محاولة الانقلاب مثل العميد الاستخباراتي المُتقاعد شاهين السليطي، أو مدانين بالاشتراك فيه مثل رجل المخابرات فهد المالكي الذي قضى 20 عامًا في السجن قبل أن يصدر بحقه عام 2017 عفو أميري عن عقوبة الإعدام الصادرة ضده، ومدانين آخرين في محاولة الانقلاب وهما جابر حمد المرّي وعلي الميع اللذين أيدت محكمة الاستئناف القطرية حُكم الإعدام بحقهما، ولكن على ما يبدو أن الأمر انتهى بهما كما انتهى بزميلهما المالكي، إلى العفو.

اقرأ أيضا: مثالية "المقاتل" وفضفضة "العساكر".. معركة الصورة بين مصر وقطر

أربعة مصادر قطرية، أحدهما مع النظام الحالي، والثلاثة الآخرين صدر بحقهم عفو بعد إعدام، ورد في أحاديثهم خلال الوثائقي، وبنبرة ندم، عبارات وكلمات مثل "تغرير الدول بهم، سذاجتهم أمامها"، مع وصف بعضهم لمَن شارك في الانقلاب وآمن بأهداف تلك الدول، بـ"الغباء".

لم يظهر الوثائقي أي صوت للدول المُتهمة أو طرف لا ينتمي ﻷي من أطراف الصراع توكل إليه مهمة تحليل ما جرى، باستثناء خامس مصادره، الذي كان السفير الأمريكي في الدوحة بين عامي 1995 و1998 باتريك ثيروس.

بالبحث عن اسم ثيروس، تبين أن قطر كانت من المراحل الأخيرة في عمله الدبلوماسي، ومن أميرها السابق حصل على وسام الاستحقاق، وذلك قبل أن يتفرغ لمجال التجارة والاستثمار، حيث عمل كمدير لمجموعة BMB التي تُشير المعلومات حولها إلى أنها في جزر كايمان،*، وفقًا لما يذكره عنه موقع "بلومبيرج"، وكذلك رئيسًا لمجلس الأعمال القطري اﻷمريكي، وهو مجلس خاص غير ربحي، وذلك لمدة 17 عامًا إلى أن تقاعد في يوليو/ تموز 2017.

في الوثائقي قال ثيروس متحدثًا بلسان بلاده "تصورنا أن الدول منزعجة من إزاحة خليفة، لكن اتضح لنا لاحقا أن الامر أكبر من ذلك وأن استقلال قطر غير مقبول"، وقبل الوثائقي كان له مُساهمات إعلامية دافعت عن قطر، سواء خلال أزمتها الأخيرة مع دول الجوار، أو ضد انتقادات إعلام دولي لها.

.. وما رسالته؟

"بعد فشل المحاولات الانقلابية بات المتورطون فيها عبئًا على الدول التي دعمتهم؛ فانقلبت المسارات والمآلات"، يقول مُقدّم البرنامج بينما يتجول في شارع تظهر فيه صورة اﻷمير الشاب تميم بن حمد.

كانت الدقائق الأخيرة من الجزء الثاني للوثائقي، مُخصصة لحديث حول أبواب الحوار والمصالحة التي انفتحت عام 1998 بين الدوحة ومَن تآمروا ضدها، وعن "صفقة في الكواليس" كانت تتضمن تسليم القطريين الضالعين في محاولة الانقلاب للدوحة، وهو ما حدث للمرّي الذي قال إن "السلطات السعودية أهانته خلال القبض عليه"، بينما فرّ المالكي من الإمارات بعد أن حنث آل نهيان بوعدهم له بالحماية، على حد ما يذكر الآن.

من حفاوة استقبال القطريين المشاركين في الانقلاب "كما الأبطال" على حد وصف أحدهم، إلى الحنث بالوعود والتخلي عنهم بعد فشل الانقلاب واختراق الأمن القطري "المتفوق" لصفوف تلك الدول واجتماعات قادتها لإثبات ضلوعهم في الانقلاب، ثم المحاكمة التي ردعت بأحكام الإعدام، وصولاً لمصالحة وقتية مع بعض هذه الدول، تسلسلت مشاهد الوثائقي، لتثبت الجزيرة- التي احتفت بالوثائقي عبر برامج أخرى- أن الماضي يُعيد نفسه ولو بصورة أخرى مع بلادها، والأهم لتؤكد استمرارية حرب الفرقاء، بجولة جديدة في معاركها، كانت هذه المرّة لقطر.


* واحدة من المراكز الاستثمارية قليلة الضرائب "الملاذات الضريبية".