صورة أرشيفية من أحداث الثورة المصرية

قصة ثورة الخامس والعشرين من يناير.. من يكتب التاريخ؟

منشور الاثنين 25 يناير 2016

بعد 5 سنوات من اندلاعها، لا توجد حكاية موحدة توثق أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي اندلعت في هذا اليوم من عام 2011، وأطاحت في 11 فبراير/شباط بالرئيس الأسبق حسني مبارك.

الملايين اعتصموا في ميدان التحرير منذ انتهاء يوم المعركة الكبرى مع قوات الشرطة في 28 يناير/كانون الثاني 2011، اليوم الذي بدأ بمسيرات مليونية انطلقت بعد صلاة الجمعة، وانتهى بانسحاب قوات الشرطة إلى محيط وزارة الداخلية في شارع محمد محمود بعد هزيمة ضباطها وجنودها، وتخلله قتلى بالمئات في صفوف المتظاهرين، وبالعشرات من بين رجال الشرطة.

صور ومقاطع فيديو توضح رجالًا يرتدون زي الشرطة الرسمي، يطلقون النار والخرطوش وخراطيم المياه على متظاهرين، صور أخرى لسيارات مدرعة تعود ملكيتها للشرطة، تدهس مواطنين ومحتجين، ولكن جملة أحكام قضائية، تبرّئ جميعها رجال الشرطة الذين كانوا في الميادين من تهم قتل المتظاهرين، وقيادات وزارة الداخلية من تهم التحريض أو إصدار الأوامر بالقتل.

خطاب دولة متأرجح بخصوص ثورة الخامس والعشرين من يناير. ديباجة دستور تؤكد أنها ثورة شعبية، ورئيس جمهورية يؤكد دائمًا أن لا عودة لما قبل الثورة، ولكنه يعيّن أشخاصا اتخذوا مواقف مضادة لهذه الثورة في الوزارات ومجلس النواب، وأشخاص يُتَهَمون أمام المحاكم بالمشاركة في "أحداث" 25 يناير 2011.

الرئيس المعزول محمد مرسي قال أثناء كلمة بمناسبة ذكرى الثورة إن "الشرطة كانت في القلب من ثورة يناير" قبل أن تعود جماعة الإخوان المسلمين بعد الإطاحة بها من سدّة الحكم إلى الرواية التي تفترض أن رجال الشرطة قتلوا المتظاهرين، وهناك من يؤكد أن الجيش حمى الثورة وآخرون يتهمون بعض قياداته بالعداء لها.

بات سرد حكاية الثورة صعبًا، فلدينا قتلى دون قتلة، ولدينا شهداء معروفون وقتلة لا أحد يعلمهم على وجه اليقين، ولدينا دولة تتأرجح بين المصطلحات، فهي "ثورة" تارة و"أحداث" في أحيان أخرى، ووسط ذلك كله، انتبه بعض أطراف الحكاية إلى أهمية توثيقها، الطرف الذي صنع الثورة، بدأ مبكرًا، أما الواقفين على الجانب الآخر ويكنّون لها العداء، انضموا مؤخرًا إلى محاولات التوثيق، بعد أن خفت نجم الثورة، وارتفع صوت أعدائها من باب "دعم الدولة". 

الشعب يوثق ثورته عفويًا

​بعد تنحي مبارك عن الحكم، بدأ المتحمسون للثورة على الفور في توثيق ما حدث في مصر بين الخامس والعشرين من يناير حتى الحادي عشر من فبراير، لعام 2011.


 

موقع ثورة 25 يناير..لتوثيق أحداث ال18 يوم 

فتاة في الرابعة عشر من عمرها وقفت وراء جمع المادة التوثيقية للثمانية عشر يوما التي بنُي عليها لموقع "ثورة 25 يناير.. الثوثيق الكامل"، فحسب المؤسسين فإن الفتاة التي كانت خارج مصر أثناء الثورة، حرصت على حفظ ما يتداوله الناس على الإنترنت من صور وتسجيلات مصورة ومقالات وحتى المدونات والخواطر، ذلك كله بتصيف زمني.

تأتي أهمية الموقع من احتوائه على بحث متخصص بأحداث الثورة، مقسم إلى عدة نطاقات، منها "عنف ومصادمات"، "مليونيات"، "إرهاصات الثورة"، "نزول الجيش"، فضلا عن بحث متخصص آخر  تحت اسم "شخصيات" يحوي نحو 183 اسمًا، منهم شخصيات عامة وقفت مع أو ضد الثورة، وشخصيات برزت أسماؤها مع الثورة مثل الشهيد مصطفي الصاوي. بالإضافة إلى ذلك،  يوثق الموقع مقالات صحافية وفيديوات تشمل أغانٍ ثورية من الميدان، وأحداث صدامات، وتصريحات إعلامية لمسؤولين وشخصيات عامة.

تحت نفس الاسم "ثورة 25 يناير" ظهر موقع آخر يوثق لأحداثها، ويحوي قسمًا هامًا يضم شهادات مواطنين دُعوا للمشاركة تحت قسم "احكِ قصتك في الثورة". وكان آخر تحديث لشهادة المواطنين يعود إلى شهر يونيو/حزيران 2012.


https://www.facebook.com/ahmad.gharbeia/posts/10156302813735012

وبالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة، دعا أحد مناصريها، أحمد غربية، وهو خبير تقني ومهتم بمجال الأرشفة، عبر حسابه على فيسبوك، إلي توثيق أحداث الفترة الزمنية من 25 إلي 28 يناير 2011، من خلال رفع المواد المصورة أو شهادات العيان علي روابط مجمعة.

وقال غربية لـ"المنصة" أن هذه الدعوة جاءت بشكل عفوي بعد أن شاهد فيديو جديد يُبَث لأول مرة عند مستخدمة لفيسبوك، ولأنه معني طوال الوقت بالجهود الخاصة بتوثيق الثورة، فكر في أن يتخذ خطوة تساعد على جمع أي مواد متعلقة بها.

 

 

التوثيق المنظّم

في السنوات اللاحقة على الثورة، ظهرت مبادرات أخرى أكثر تنظيمًا، ويقف وراءها ناشطون ومنظمات مجتمع مدني توثق الأحداث اللاحقة لاعتصام الثمانية عشر يوما.  

من بين هذه المواقع "ويكي ثورة" التابع للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والذي يعرف نفسه بأنه قاعدة بيانات إحصائية عن أحداث الثورة.

بخلاف المواقع التوثيقية الأخرى التي عنيت بجمع تسجيلات مصورة وصور وهتافات ومواد إعلامية وفنية متعلقة بأحداث الثورة،  تَمَيَّزَ "ويكي ثورة" بحصر أعداد المقبوض عليهم، والمصابين والقتلى.

فالموقع الذي توقف القائمون عليه عن تحديث قاعدة بياناته منذ مايو/آيار 2014،  كانت بدايته في يونيو/حزيران 2013 بنشر تقرير حصر أعداد القتلى والمقبوض عليهم في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، وتوالى تباعًا حصر أعدادهم في عهد الرئيس السابق عدلي منصور، ثم العودة مرة أخرى لأيام الثورة الثمانية عشر، وبعدها في ظل حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وكان موقع ويكي ثورة، هو الأقرب في كل المحاولات الفردية والجماعية لسرد أحداث الثورة، إلى اعتماد آليات توثيقية واضحة. تحت قسم "إرشادات وتوضيحات" ذكر الموقع آليات الحصر والتوثيق التي يعتمدها الباحثون في بناء قاعدة البيانات، مع توضيح المصطلحات المستخدمة، وكيفية البحث داخل ملفات البيانات.

سردية الثورة المضادة

على الجانب الآخر من الثورة، وتحديدًا ما يُعرف في العلوم السياسية بمصطلح "الثورة المضادة"، ظهرت محاولات لتوثيق الثورة بعيون النظام، تاريخها حديث نسبيا، مقارنة بالتجارب السابقة التي بدأها المؤيدون، كما أنها تعد خطوات أولية، لم تحدد بعد آلياتها في التوثيق. 

قبل أيام من  الذكري الخامسة للثورة بدأت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية المصرية على موقع فيسبوك في ترويج عدة مقاطع مصورة عن ما وصفته "بجرائم لن ينساها المصريون" ارتكبها أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين. وهذه هي المحاولة الأولى التي يوثق فيها الطرف الآخر من الثورة رؤيته بإنتاج مواد مرئية تحمل العناوين التالية "الاعتداء على الكنائس المصرية" و"الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة" و"اعتصام رابعة المسلح".


                                                     

https://www.facebook.com/MoiEgy/posts/1015649431812053

فيديو منشور على حساب وزارة الداخلية على موقع يوتيوب


ومثلما ظهرت المبادرة الفردية في محاولات توثيق سردية الثائر المنتصر، خرجت محاولة من معسكر الثورة المضادة، مثل موقع "الجيش المصري" الذي نفى القائمون عليه صلتهم بالمؤسسة العسكرية، مؤكدين أن الغرض من الموقع هو التوعية بدور القوات المسلحة وعرض إنجازاتها.

فعلى غرار تقارير أعداد قتلى وضحايا أحداث الثورة المصرية، نشر الموقع الذي يضع نفسه في موقع العداء منها، بحصر أعداد قتلى الجيش والشرطة المصرية في فترتين زمنيتين، الأولى  من 25 يناير 2011 حتى 5 نوفمبر 2014، والثانية في الفترة الزمنية  من 6 نوفمبر 2014 حتى 16 يناير 2016.


https://www.facebook.com/eman.a.nabih/posts/1074272269296850

  إيمان نبيه من المساهمين في موقع "الجيش المصري"  تعبر عن رأيها الرافض لثورة 25 يناير


بين السرديات المتعارضة على لسان من قاموا بالثورة وأولئك الذين وقفوا ضدها، كانت الدولة توثّق قصة المنتصر، حتى حين يغلب الخصم.

فبعد شهر واحد من تنحي مبارك، أعلنت دار الوثائق والكتب المصرية تشكيل لجنة رسمية برئاسة الدكتور خالد فهمي رئيس قسم التاريخ بالجامعة الأمريكية، لتوثيق الثورة في مارس/آذار 2011.

فهمي، الذي طالما كتب مؤيدًا ثورة يناير، كشف، في حوار مع المصري اليوم، أسباب قرار اللجنة حل اللجنة نفسها في 2013، موضحًا عدم تمكنها من الاستجابة لمطالب الشهود بضمان حمايتهم من اختراق أجهزة أمنية لمكان حفظ تلك الشهادات واستخدامها كدليل إدانة ضدهم.

من جانبه، أكد أحمد غربية، العضو السابق باللجنة، لـ"المنصة" أن اللجنة حلت نفسها، لأن دار الوثائق مؤسسة أمنية، وليس لديها رغبة في توثيق حقيقي لأحداث الثورة"، موضحا أن الأيام الأولي لعمل اللجنة كان تتوسم خيرًا في إحداث تغيير في ظل مناخ سياسي لا يعادي للثورة. واختتم كلامه بأن "دار الوثائق ليس لديها الموارد، باعتبارها مؤسسة متهالكة، للقيام بمهمة التوثيق للثورة".

وبذلك تتزامن الذكرى الخامسة للثورة المصرية مع شبه توقف لتسجيل سردية أحداثها على لسان أبطالها، سواء بمبادرات رسمية أو مدنية أو فردية، وفي المقابل تتصاعد سردية معسكر الثورة المضادة، كرواية معتمدة لأيام الثورة، دون أن تكون رسمية.