رأسٌ قلقةٌ تحملُ التاج

منشور الثلاثاء 6 فبراير 2018

وَذَكِّرْ.. فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَع..

-ا-

خلال العقود الأربعة التي جلس فيها أمير المؤمنين على عرش الأسرة العلوية في المغرب، حضر الملك الحسن الثاني ست محاولات لاغتياله من قبل جنود في جيشه! 

من بين هذه المحاولات، تلك التي وقعت عام 1971 من قبل ألف وأربعمائة جندي أثناء الاحتفال بعيد ميلاده في الصخيرات، وفشلت وأعدم المتورطون. بعدها بسنة حدثت محاولة لضرب طائرته بالرصاص في سماء المغرب. وبالفعل أصاب الرصاص الطائرة ولكنه نجا بأعجوبة وهبطت الطائرة في المطار.

 

عندما نزل من الطائرة، قيل إنه كان غاضبًا من انخفاض كفاءة طياري قواته الجوية، وبعد أن تلقى التحية على عجل من رجال قصره، نصحه أحدهم بالهرب فورا من المطار، وما حدث بعدها بدقائق أن المقاتلات التي فشلت في ضرب طائرته في الجو عادت وضربت المسؤولين على الأرض، لعله يكون بينهم! 

وبعد أن قرر الحسن إعلان وفاته، هبطت المقاتلات المغربية وتم اعتقال طياريها وإعدام المتورطين ومن بينهم وزير داخليته أوفقير والذي أعدمه الجنرال أحمد الدليمي. لاحقًا أصبح الجنرال اليد اليمنى للحسن، لكن الحسن قطعها عام 1983 في حادث سيارة! 

من نوادر الحسن، أنه بعد ذلك ظل لعقود ينام وإحدى عينيه مفتوحة! 


-ل-

كان الملك فاروق محبوبًا من جيشه. في فبراير/ شباط 1942 وقّع ضباط جيش من بينهم جمال عبد الناصر على ورقة في قصر عابدين دعمًا للملك الذي نجا بأعجوبة (وبذكاء أحمد حسنين باشا) من الإطاحة به عندما حاصرت دبابات إنجليزية قصره وطلب السفير البريطاني تنازله عن العرش! 

لاحقًا زهد فاروق في الحكم، وكان يسخر بمرارة من منصبه ويقول "سوف يبقى في العالم خمسة ملوك، ملك إنجلترا وأربعة في الكوتشينة!".

 

في 1952 كان فاروق في رحلة بلا عودة إلى جنوب إيطاليا، على نفقة ضباط جيشه! 

 

-ح-

عبد الحكيم عامر كان الأقرب لقلب عبد الناصر.. لكن بعد الإطاحة به عام 1967 تآمر لقلب نظام الحكم، وبسرعة، انتُحِرَ!  

 

لا داعي لذكر قصة السادات ولكن يمكن قراءة النص الرسمي للتحقيقات.. والتي صدرت في كتابة خلال حقبة الثمانينيات وفيها درسٌ واضح "احذر من أن تكون عبئًا!".

بعد ثلاثين سنة من رحيل الرئيس السادات، جاءت ثمانية عشر يومًا بألف مما تعدون.. رئيس المخابرات يصبح نائبًا للرئيس وبعدها يتعرض لمحاولة اغتيال!

منذُ أن بدأ تسمية الحاكم فرعونًا: المركب اللي ليها ريسين، يُقتل أحدهما!

 

-ك-

ويليام شكسبير في الجزء الثاني من مسرحية "هنري الرابع" قال على لسان الملك هنري "Uneasy lies the head that wears a crown" (الرأس التي يستقر التاج فوقها لا ترقد بسهولة).

الملك حسين، ملك الأردن الراحل، كان سياسيًا من الوزن الثقيل! 

في الخامسة عشر من عمره رأى جده وهو يسقط برصاص فلسطيني في القدس، وقيل إن أحد النياشين التي كان يرتديها الصبي حسين صدت رصاصة موجهة الى صدره!

صعد الحسين الى عرش دولة لا ينتمي الى سكانها! أسرته القادمة من الحجاز حتى عقود قليلة قبل وصوله الى العرش كانت من أشراف مكة. بعد حرب 1967 أصبح ثلثا شعب مملكته من اللاجئين العابرين للنهر.  

يوم تشييع جثمانه، كانت محطة "سي إن إن" تنقل مراسم التشييع على الهواء مع لقاءات عبر الهاتف مع مسؤولين عاصروا الحسين، من بينهم يائيل ديان ابنة موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي صبيحة الخامس من يونيو. قالت يائيل إنها رأت أباها عندما اتصل بالملك حسين قبل الحرب وطلب منه عدم الاشتراك فيها كي لا يخسر أراض من مملكته.. لكن الملك رد بأن عدم اشتراكه في الحرب يعني خسارة عرشه! 

لاحقاً اقتربت رأس الحسين من السقوط عندما شهد صدامًا دمويًا عنيفًا مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات في أيلول الأسود 1970! اجتاحت قوات سورية مدرعة شمال الأردن واصطدمت بها قوات مدرعة أردنية.

كان الحسين يعلم أن الجيش في سوريا يريد التدخل للوقف بجانب عرفات والإطاحة به من العرش، فطلب التدخل من بريطانيا التي تلكأت ونقلت الطلب لإدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون. في الثالثة صباحًا اتصل الحسين بمسؤول أمريكي وطلب منه التدخل الجوي والبري لحماية العرش والسيادة من "غزو سوري هائل" وفق تعبيره الوارد في وثائق. 

اختلفت الروايات لكن ما حدث بعد ذلك كان مؤكدًا. رواية تقول إن الحسين اتصل بالإسرائيليين ورواية تقول إن إدارة نيكسون اتصلت بالإسرائيليين للتدخل. المؤكد أن مقاتلات إسرائيلية قصفت عدة مدرعات سورية وطارت على ارتفاع منخفض كي يرى الجنود النجمة السداسية! 

ما ساعد الحسين على النجاة أيضًا أن قائد سلاح الطيران السوري حافظ الأسد رفض التدخل بطائراته بسبب صراع على السلطة مع الرئيس صلاح جديد. بعدها بشهرين نفذ انقلابًا ووصل للحكم. كما أن الصراع بين البعث السوري والبعث العراقي جعل حردان التكريتي، وزير الدفاع العراقي، يرفض التدخل. بعدها بعام تم اغتياله! 

نجا الحسين من أيلول 1970 ومن حرب 1991 ومن أزمات كادت أن تعصف برأسه.

وربما لأن الحسين من القلائل الذين أدركوا حكمة  الإمساك بالحكم كتب في 1967 مذكراته واستعار عنوانها من مسرحية هنري الرابع "Uneasy lies the head" (تاج غير مستقر)، وبدأها بفصل اسمه "جريمة قتل جدي". 

 

-م-

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَع..

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.