تحذير من التفويض وتهديد من ثورة جديدة.. وانتخابات لا قيمة لها

منشور الأربعاء 31 يناير 2018

لم يتطرق الرئيس لبرنامج انتخابي ولم يحاول حتى تخفيف نبرته لاستمالة الناخبين، ولم يُشر إلى منافسه الوحيد في الانتخابات بل إنه لم يتحدث عنها من الأساس، مكتفيًا بالحديث عن تفويض وأشرار وإعلام بحاجة للتعلم، وأحداث يتمنى ألا تتكرر.

في الوقت الذي كان وسم #انزل_شارك_صوتك_هيفرق يتربع على قائمة الوسوم الأكثر تفاعلًا على تويتر، جلس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كعادته، بين مزهريتين تفصل بينه وبين كبار مسؤولي الدولة، خلال الافتتاح المبكر لحقل ظهر للغاز الطبيعي ببورسعيد، يتنصل من كونه رجل سياسة، ويلوح بطلب تفويض شعبي جديد لمحاربة الأشرار، ويحذر من أنه لن يسمح بتكرار ما حدث في يناير/كانون الثاني 2011.

في يوليو/تموز 2013 وبعد أيام من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، طلب السيسي تفويضه الأول، ليمكّن الجيش والشرطة من مواجهة "الإرهاب المحتمل"، لكن هذه المرة طلب فيها التفويض لنفسه لا للجيش أو للشرطة، وأيضًا لم يوضح في مواجهة من، بل قال إنه تفويض لمواجهة "الأشرار؛ أي أشرار". 

في خطاب يوليو 2013 ذكر السيسي بعض تفاصيل ما يجري في خلفيات الأحداث وما دار في الكواليس قبل أن يتقدم بطلب التفويض، بعكس هذه المرة التي لم يطلب فيها التفويض ولكن هدد به، ولم يشرح شيئًا عمّا يدور خلف الكواليس، ولم يفصح أصلًا عن التفويض في مواجهة من. 

كل ما قاله السيسي أنه "هاقول للمصريين  تاني لو الأمر استمر كده وحد فكر يلعب في مصر وأمنها هاطلب منكم تفويض تاني" يواجه به السيسي الأشرار. جاءت كلمة السيسي تلك بعد ساعات من إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات قائمة مرشحي الرئاسة التي تضم السيسي، وأحد مؤيديه وهو رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى.

لم يتحدث السيسي كما فعل في يوليو 2013 عن خلفيات طلبه لتفويض الجيش والشرطة، لكنه مرر في كلمته اليوم ثلاث رسائل قوية ومهمة توضح بطريقة أو بأخرى ما الذي يجري في الكواليس. جائت الرسالة الأولى للشعب، وقال "افهموا يا مصريين محدش ياخدكم في سكة ويضيع بلدكم" وشدد على كلمة الضياع، يرى السيسي أن الاستقرار والأمن أحد أهم عوامل التنمية التي شهدتها مصر في الفترة الأخيرة.

أما الرسالة الثانية كانت للإعلام، قال السيسي أن الإعلام "يخلي باله" و "انتوا عايزين تقعدوا تتعلموا سنين طويلة اوي"، وانتقد السيسي انتقاد الإعلاميين عدم وجود قوى سياسية في مصر بعد رحلة البحث الأخيرة عن مرشح لانتخابات الرئاسة المقبلة. 

وعلت في الفترة الأخيرة نبرة الانتقاد من إعلاميين مؤيدين للدولة المصرية وللرئيس السيسي لأول مرة منذ تولي السيسي مقاليد الحكم في البلاد.

يتعامل السيسي مع القوى السياسية باعتبارها وحدة عسكرية يتم تجهيزها وتدريبها، الأمر الذي يحتاج لسنوات "لتتعلم صح.. علشان تعرف يعني ايه دولة"، يبدو أن السيسي لا يعترف بأي من القوى السياسية الموجودة على الأرض حاليًا ولا يراها حقيقية.

أما الرسالة الثالثة فكانت للأشرار، حذر السيسي أكثر من مرة من محاولات الأشرار في "اللعب في أمن مصر"، واستدعى السيسي في أكثر من مرة الخوف من ضياع مصر، وأكد أن ما حدث "من سبع تمن سنين" لن يتكرر مرة أخرى في مصر، وهدد بطلب التفويض. وكان السيسي تكلم من قبل عن "أهل الشر" ولم يصرح عن من هم المقصودون بأهل الشر، ولكن بحسب سياق الأحداث، كانت جماعة الإخوان المسلمون هي المقصودة بأهل الشر، لكن يبدو أن أهل الشر هذه المرة يختلفون الأشرار الآخرين الذي أشار إليهم السيسي في أحاديثه السابقة.

وفي تهديده للأشرار، نسى السيسي أن مصر تنتظر في الفترة المقبلة انتخابات رئاسية هو نفسه ينافس فيها، وصرح بأنه "مش سياسي" وبالنسبة للسيسي فإن الشخص السياسي "بتاع كلام"، تصريح ينم عن احتقار للسياسة والعملية السياسية التي شارك فيها السيسي بنفسه، عندما خلع زيه العسكري وأعلن ترشحه في انتخابات الرئاسة ومشاركته في عرس الديموقراطية.

بعيدًا عن رسائل السيسي، جرت العادة أن يحاول المرشح الرئاسي جذب الناخبين واستمالتهم بالكلام عن برنامجه الانتخابي وانجازاته واخفاقات المنافسين، لكن السيسي أهمل ذلك كله، فلم يتطرق الرئيس لبرنامج انتخابي ولم يحاول حتى تخفيف نبرته لاستمالة الناخبين، ولم يُشر إلى منافسه الوحيد في الانتخابات بل إنه لم يتحدث عنها من الأساس، مكتفيًا بالحديث عن تفويض وأشرار وإعلام بحاجة للتعلم، وأحداث يتمنى ألا تتكرر.